المؤزمون أعاقوا التنمية. المعارضة عطلت المشاريع. الإعلام المعارض المأجور ثبّط وحبّط والبلد تخبّط… ماشي يا سلطة، ماشي يا نواب السلطة وإعلامييها وطفيلياتها، تعالوا نعقد اتفاقاً، فنترك لكم الجمل بما حمل، ونعطيكم الخيط والمخيط، ونشغل أنفسنا بالسدو وقراءة الروايات، وهذه لحيتي وهذا شنبي إذا استطعتم تنفيذ خططكم، بل إذا استطعتم وضع خطط من الأساس، وسيبك من حكاية سنبني مدينة الحرير، وسنشيّد مفاعلاً نووياً بيضاوياً، لونه الخارجي سماوي والداخلي بيج، وسنلقن البرازيل دروساً في كرة القدم، وبقية التصريحات ثلاثية الأبعاد التي احتكرها الوزير الشيخ المبدع محمد العبدالله المبارك.
الوضع الإقليمي يشغلكم ويشوش تفكيركم؟ ماشي، سنقبّل رأس إيران وأنف العراق ونبوس يد أميركا كي تعيش المنطقة كلها في لحظات نوم… الوضع العالمي يشغلكم؟ نعدكم أن نتفاهم مع كل بؤر القلق، وأن نقنع إسرائيل بفائدة "اليوغا"، وأن نعزف للكوكب موسيقى هادئة… فقط تحركي يا سلطة وطبقي خططك وانفعي الناس.
وهذه لحيتي، وهذا شنبي، أن تنشب معارك داحس والغبراء أمام خزائن الدولة، وأن تختفي الخياش من السوق، وأن يجف ريق آبار النفط، وأن يتحول البلد إلى بحيرة أشباح، وأن تعمل القطط تحزيماً للمعدة لشدة الجوع، وأن نستقبل وفود "البوم النعّاق"، وأن تصفّر الرياح في هذا البلد، قبل أن نقرأ كلمة "النهاية".
سيداتي سادتي، لم يحصل غالبية الوزراء والقياديين على مناصبهم، إلا لأنهم يجيدون "هات وخذ"، فقط، ولم أرَ أكثر هبلاً من شعب يطلب من الظمآن ماءً. ابحثوا عن الماء بأنفسكم، أو موتوا عطشاً ولا تضيعوا وقت الكوكب وتصدعوا رأسه بضجيجكم.
الشهر: يونيو 2013
هل يعقل؟!
هل يعقل أن يكون الاقتصاد هو موردنا الثاني بعد النفط والذي أنقذنا وساهم بإرجاع بلدنا من الغزو الصدامي الغاشم ولا نضعه بيد شخصية حكيمة كفؤة أمينة مثل الشيخ د.محمد صباح السالم الذي يحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد أرقى جامعات العالم؟!
***
هل يعقل أن يُعلن عن العزم على «صرف» 270 مليار دولار لإنشاء إحدى المدن السحرية، وقبل ذلك صرف 135 مليار دولار لخطة التنمية الخفية، أي ما مجموعه 405 مليارات دولار، مما يعني الحاجة لتسييل كل مدخراتنا واستثماراتنا واحتياطياتنا المستقبلية دون تقديم «Business Plan» أو خطة مالية للعشر سنوات المقبلة على الاقل كي تظهر كم العوائد التي ستأتي من صرف تلك الاموال (إن وجدت أي عوائد)، ومن أين سنأتي بالكهرباء والماء (المدعوم) اللازمين لمثل تلك المشاريع الخيالية، وهل بدأنا بطلب عشرات ومئات الطائرات الضخمة لجلب ملايين المستثمرين والسائحين الذين بدونهم لا يصبح لتلك المشاريع أي داع أو معنى؟!
***
هل يعقل أن يصرخ المواطن من الفساد وتفشيه ثم يذهب يوم 7/27 لينتخب من تظهر سيرتهم الذاتية أنهم سرقوا حتى الكحل من أعين الاموال العامة أو من الشركات التي أداروها؟!
***
هل يعقل أن تقطع الكهرباء عن جمعية كويتية رائدة مثل جمعية المهندسين بسبب عدم دفعهم فواتير الكهرباء والماء المتراكمة، ولا تتم محاسبة بعض الادارات السابقة التي تولت القيادة ولم تدفع تلك الفواتير مما أوصلها للحالة المزرية القائمة؟! وألا يجب أن تفحص ميزانية الجمعية للسنوات السابقة ثم سؤال بعض المعنيين عنها أين ذهبت الاموال المخصصة لفواتير الكهرباء والماء التي لا يسمح مدقــقو الحسـابات بأن تمر ميزانية لجمعية أو لشركة دونها؟!
***
آخر محطة:(1) هل يعقل أن يشتكي الجميع من الفساد ثم نجعل هيئة مكافحة الفساد التي استبشر كل الشرفاء بقدومها تشتكي من البطالة المقنعة لعدم الاصطفاف أمام مكاتبها للشكوى من المفسدين؟!
(2) هل يعقل أن يترشح دون خجل أو وجل بعض النواب السابقين ممن توسطوا لنساء لا تربطهم بهن صلة قرابة بقصد إفادتهن من الاموال العامة، فإذا ما رفض المسؤول المعني ذلك التدخل الشائن أمطروه بالاسئلة النيابية الابتزازية؟!
تركدوا
دعوة النائب السابق وليد الطبطبائي مع تجمُّع حراك السلفي إلى مقاطعة الانتخابات مع تبني إصلاحات سياسية ودستورية تتوافق مع الشريعة الإسلامية، لا يمكن وصفها بغير الخرق السياسي، فإذا كانت أولى مهام المعارضة لحزب النظام هي الإصلاح السياسي الذي يعني إعمال الدستور وتفعيل مضامينه التي انتهكتها وتجاوزتها السلطة بمراسيم الضرورة، فإن طرح جماعة الحراك السلفي في مثل هذا الوقت أصاب المعارضة في مقتل، وهذا آخر ما تحتاجه المعارضة التي تعاني تفككاً وتشرذماً في قيادتها الممثلة بعدد من نواب المجلس المبطل الأول.
في مثل الظرف الحالي يُفتَرض أن تسعى الأغلبية المعارضة إلى استقطاب مختلف الاتجاهات الفكرية على الساحة وتوحيدها تحت راية مشروع سياسي يجمع أبناء الوطن ويوحدهم لا يفرقهم، يلمّ شتاتهم ولا يبعثرهم حسب الانتماء الطائفي واتهامات التخوين والتواطؤ مع مطبّلي السلطة الواحدة والصوت الواحد، و"شعار التوافق مع الشريعة الإسلامية"، وهو لافتة سياسية استبعادية لن تعني غير استبعاد الكثير من الشيعة المعارضين، وستنحي الشباب المؤمنين بقضية الحريات جانباً وتعزلهم عن الحراك المعارض أو حتى التعاطف معه، ولعل أبلغ كلمات عبرت عن خطورة مثل ذلك الطرح هو ما غردت به شمايل الشارخ، حين كتبت بتغريدتها: "يا جماعة الخير قضبوا ميانينكم، كل ما واحد منكم جاب طاري تعديل الدستور لترسيخ الشريعة كمصدر أوحد للتشريع كل ما حلى بعيننا الصوت الواحد".
قضيتنا اليوم هي الدستور لا تعديل الدستور، وقضيتنا اليوم هي تحقيق الحريات العامة والفردية، لا خنق الأخيرة بحجة لا صوت يعلو فوق صوت الشرع، فنهرب من استبداد سلطة كي نعلق باستبداد الجماعة، وقوانين الدولة لا تناقض روح الشريعة، متى فهمنا الشرع بعقل اليوم لا بعقول الأمس، ومتى استوعبنا الدين كحرية شخصية للأفراد، وأنه ليس من حق أحد فرض دينه ولا مذهبه على الآخرين ولا على الدولة، سواء كان هذا "الأحد" هو الأغلبية وهو أهل السنة والجماعة أو لم يكن شيئاً.
"الصوت الواحد" لن يكون أجمل مع مشروع "التوافق مع الشريعة الإسلامية" من ناحية، و"التوافق مع الشريعة الإسلامية" ليس هو الوصفة السحرية لمحاربة الفساد الرسمي، ولن يخلق الوعي بالمستقبل الاقتصادي للدولة الذي يبدو مظلماً بفعل غياب الأولويات لدى الحكومة ولدى معظم المعارضين من ناحية أخرى… فتركدوا يا جماعة الخير… فخسارتكم ستكون كبيرة.
الأمل في الجيش فقط
سأستبق أحداث اليوم الأحد 30 يونيو في مصر، والتظاهرات التي ستطالب الرئيس مرسي بالتنحي، سأستبقها بالتنبؤ بأن الإخوان، وليس مرسي الذي ربما لا يملك من أمره شيئا، لن يذعنوا، مهما كبر حجم التظاهرات، ومهما كانت دموية وعارمة وشاملة لكل القطر المصري، فالإخوان لم يصلوا للحكم بعد حلم دام أكثر من 80 عاما، ليسلموه، حسب قول زعمائهم، لمجموعة من الكفرة والأفاقين والفاسدين من علمانيين وليبراليين وشيوعيين وأعداء الله ورسوله، طوعا، بل سيحاربون هؤلاء بمخالبهم ويتمسكون بالحكم بنواجذهم، ليس لأنه من مصلحتهم كافراد ومتاجرين بالدين، لكنا تفهمنا ذلك، وإن على مضض، بل لكونه حقا إلهيا لا خيار لهم فيه! وطبعا هذا لم يقله رجل دين في التاريخ الحديث دع عنه قوله من جيش صغير منهم! فأحد شيوخ الدين من الإخوان قال ان كل من يريد إسقاط مرسي (من دون أن يحدد بالديموقراطية أو بغيرها) وكل من يطالب بوضوح بكرسي الحكم مكان مرسي يصدق عليه الحديث النبوي: «ندفعه بكل وسيلة فإن لم يدفع بأية وسيلة إلا بقتله وجب قتله ودمه هدر!» والشيخ صاحب اغرب لحية في مصر، لم يقصر فقد قال: لمرسي شرعية قرآنية وشرعية نبوية وشرعية شعبية! (فإن كانت لمرسي شرعية قرآنية وشرعية نبوية فكيف يمكن المطالبة بهزيمته في الانتخابات أو حتى منافسته فيها؟!).
ويقول رجل دين ثالث: الشعب لم يأت بمرسي للحكم، بل الله الذي أتى بمرسي للحكم! ويقول رابع، وهو من السلف: حتى لو كفر مرسي لا يجوز الخروج عليه. أما يوسف القرضاوي، وهو من أعمدة الإخوان، فيتفق مع هؤلاء ويزايد عليهم بقوله: لا يجوز لأحد حتى أن يرفع صوته بالمناداة بإخراج محمد مرسي من نظام الحكم، وهو ولي أمر المسلمين الذي يجب أن يطاع بأمر من الله، وان الدعوة للخروج عليه فتنة! ثم يكمل غيرهم النغمة نفسها ليأتي أخيرا وليس آخرا، وجدي غنيم، أحد كبار متشددي الإخوان، ليقول فيما سيجري اليوم الأحد، 30 يونيو: هي الحرب بين الإسلام وبين الكفرة أعداء الله الذين يعارضون مرسي. فالفيصل هو في هذا اليوم، والله يأمرنا أن نطيع ولي الأمر طالما لم يكفر (مع أن شيخا سلفيا قبله قال بعدم الخروج عليه ولو كفر!) ويستطرد وجدي بالقول: نحن اخترنا حاكما يصلي الفجر وحافظا للقرآن ومراته (أي زوجته) محجبة! ويتساءل غنيم: يعني عايزين ايه أكثر من كده؟ ثم يقول، في تفصيل الفئات المعارضة لمرسي، هم من التكفيريين والصليبيين والعلمانيين والكفار، وأنهم يجب ان يُعتدى عليهم بمثل ما اعتدوا، وليجدوا من المسلمين غلظة، هؤلاء أعداء الله!
والآن هل يعني كل هذا أن الإخوان سيتخلون يوما عن الحكم بأي وسيلة كانت؟ الجواب الطبيعي أن هذا لن يحدث ابدا، وربما يكون الجيش هو الوحيد القادر على ذلك، كما حدث في الجزائر قبل سنوات، عندما تدخل الجيش لإنقاذ الوطن من حكم بلحاج وعباسي مدني اللذين قالا انهما متى ما وصلا للحكم فإن ذلك آخر عهد الجزائر بالديموقراطية!
أحمد الصراف
الخبرات الأجنبية الحل للكويت و«الكويتية»!
السبب الحقيقي لتقدم الكويت في الحقبة الممتدة منذ منتصف الخمسينيات حتى منتصف السبعينيات، ثم بدء تقدم الدول الخليجية الاخرى عليها منذ منتصف السبعينيات حتى يومنا هذا هو كم الخبرات الاجنبية المقيمة المستعان بها، وكم الاستماع لاستشاراتها وخبراتها وقراراتها.
***
فقد كان الاباء المؤسسون للكويت الحديثة يعلمون بمحدودية قدرات الخبرات المحلية انذاك لذا احضروا افضل واحسن الخبرات الاجنبية المختصة لادارة الوزارات والادارات والمؤسسات والشركات الحكومية واستمعوا وفعلوا نصائحهم فازدهرت الكويت، والامر ذاته حدث من تطور اذهل العالم اجمع وجعلها تستغني تدريجيا وبشكل جاد عن موارد النفط.
***
ان الحل الذي بدأنا به في «الكويتية» ونرى انه يصلح للكويت هو باحضار افضل الخبرات الاجنبية المختصة في العالم لتنهض بالقطاعات المختلفة التي ابتعدت كثيرا عما يسمى بالممارسة الافضل، ووضع افضل القدرات الكويتية معهم للتعلم منهم، وفي هذا السياق استعانت الكويت ذات مرة بـ«سياسي» لايجاد حلول «اقتصادية» للكويت ولم ينجز شيئا بعكس ما حدث لدول الجوار، كونه لا يملك الخبرة في ذلك المجال، حيث لم يسبق له ان حول بلدا مغلقا الى مركز مالي، كما لم يكن مقيما في الكويت طوال الوقت ليتأكد من التطبيق الصحيح لما يدعو له.
***
ان الحديث مرة اخرى عن صرف مئات المليارات التي تبلغ ضعف ما صرف على خطة التنمية دون مردود امر غير صائب، حيث يجب ان تكون هناك دراسات تظهر العوائد المالية المجزية لذلك المشروع غير المسبوق وعمن سيقوم بتسويق الكويت دوليا كي يتقاطر ملايين المستثمرين والسائحين للاستفادة من تلك المشاريع المليارية الخيالية، وعن اي شركات طيران عملاقة ستخدمها وتنقل الركاب لها كالحال مع تجارب سنغافورة ودبي وقطر وابوظبي.. الخ، ودون ذلك التسويق من قبل تلك الخبرات الاجنبية، سينتهي الامر بالاعجال من عملية افلاس الكويت عبر صرف احتيطاتها النقدية الرديف الوحيد للنفط فيها لا فائدة منه للبلد ولا عائد ماليا، فهل تدنت بنا الوطنية لهذا الحد؟ وهل هذا هو اقصى ما وصلت له افكار خبراتنا المحلية؟ والا يعني ذلك حاجتنا للخبرات الاجنبية للتأكد من صحة ما نسوق له؟
***
اخر محطة: يمكن التعلم من اخطاء ماضي «الكويتية» لاصلاح «مستقبل الكويت»، فقد مرت عليها حقب كانت تشتري بها الطائرات الضخمة بالمليارات ثم ترسلها الى المنطقة الممتدة من سيئول شرقا الى شيكاغو غربا دون احضار الخبرات الاجنبية التسويقية اللازمة لملء كراسيها كما تم ذلك لاحقا في شركات الطيران الخليجية العملاقة فانتهى الامر لدينا بخسائر مالية فادحة وفتح واغلاق المحطات دون جدوى لعدم القدرة على ملئها بالركاب.
الكلب… «طلع براءة»!
تسببت القناة الأولى الصهيونية في إثارة الرأي العام، الفلسطيني والإسرائيلي، بعد أن بثّت مقطعاً يظهر جندياً صهيونياً داخل مركبة عسكرية وهو يستخدم العنف لإجبار شاب فلسطيني على إخراج بطاقة هويته! ولم يكن ذلك الجندي هو المتهم الوحيد في الواقعة، فالكلب الذي كان معه أيضاً كان مشتركاً في الجريمة حيث هدد الصهيوني الشاب بتقريب الكلب المتوحش المخيف منه بينما كان الشاب يبكي هلعاً.
شخصياً، وربما كان هناك الكثيرون معي ممن شاهدوا تقريراً بثته بعض القنوات الفضائية بشكل محدود وأهملته الصحافة العربية، شعرت بالكثير من الاحترام للكلب الذي بدا أكثر «إنسانيةً» من الجندي الصهيوني! ولم لا؟ فعلى مدى سنين، وخصوصاً في العامين الماضيين، شاهد ملايين العرب والمسلمين وغير المسلمين مشاهد في غاية الأسى لجنود وعساكر ومباحث ومخابرات وقراريص ومخبرين وبصاصين ومعذبين، ليسوا صهاينة بل عرباً ومسلمين، وهم ينكّلون بالناس أشد التنكيل، في الاعتصامات والمظاهرات والمسيرات والاحتجاجات بل وحتى في حال القبض على المواطنين، وكذلك داخل السجون. بالمناسبة، هل تتذكرون سجن أبوغريب؟ وهل تتذكرون كيف أثارت صور الجنود الأميركيين وهم يعذّبون العراقيين بشتى أنواع التعذيب – بما فيها استخدام الكلاب والحراب والسباب والبنادق والسلاسل والقنابل- موجة من الغضب «الإنساني» لدى البشر ذوي الضمائر في كل العالم؟ تتذكرونها دون شك، ويبدو لي أن موجة الغضب تصاعدت أيضاً حينما شاهدنا، خلاف الأميركيين، عساكر في بلدان عربية وإسلامية وهي تفعل ما فعله الأميركيون في سجون أبوغريب… بل وأكثر من ذلك.
عوداً إلى الشاب الفلسطيني والكلب والجندي الصهيوني، ظهر الشاب وهو يبكي من شدة التنكيل الذي تعرض له، ومع أن مقطع الفيديو كان يظهر الشاب وعلى وجهه غمامة لا تظهر ملامحه، إلا أن الجندي قُدم للمحاكمة العسكرية على فعلته الشنعاء تلك وأدين بجرمه! لكن المذهل أن «الكلب الحقيقي» طلع براءة، فقد تبيّن أن ذلك الكلب اقترب من الشاب رغم (تحقيش) الجندي له، لمدة لا تزيد على 40 ثانية فقط، و(لم يكن في نيته – أي الكلب أعزكم الله – إطلاقاً البتة… أن يعتدي على الشاب ولربما كان أكثر عطفاً عليه من وحشية الجندي)… في ذمتكم، ألا يستحق ذلك الكلب الاحترام؟.
ولن نذهب بعيداً، فقبل أيامٍ طالب أحد المذيعين في إحدى القنوات المصرية بشراء «كلاب بوليسية» من الخارج وإطلاقها على المتظاهرين عند قصر الاتحادية ومكتب الإرشاد في «مليونية 30 يونيو»! بل وطالب المذيع بتوزيع الكلاب بواقع 20 كلباً عند قصر الاتحادية، و20 كلباً آخر عند مكتب الإرشاد لمهاجمة المتظاهرين، وستقوم الكلاب بالدور المطلوب منها، في حين أن الشرطة يمكنها المشاهدة أثناء ذلك، فالكلاب، حسب المذيع الفظيع، مدربة وموجودة لدى جهاز الشرطة في مصر، مطالباً مؤسسة الرئاسة باستيرادها من الخارج إذا لم تكن «الكلاب» كافية، قائلاً: «استوردوهم مش خسارة فيهم الفلوس خالص».
وعلى أية حال، فذلك الكلب، وإن تمت تبرئته، إلا أن هناك آلاف الكلاب تورطوا في جرائم ارتكبها الجنود الصهاينة، ويبدو أنهم كانوا مجبرين! فهم لم يتصرفوا تصرفات شخصية من تلقاء أنفسهم، بل هناك من «أجبرهم»، على إثر ذلك، كان لمنظمة «بوتيسليم» اليهودية المدافعة عن حقوق الإنسان موقف حيث رفعت طلباً إلى المستشار القضائي الصهيوني في الضفة الغربية لمنع استخدام الكلاب للاعتداء على المدنيين! وصدر تقريرها بعد أن اعتدى جنود صهاينة على اثنين من الفلسطينيين حاولا الدخول بحثاً عن لقمة العيش في مناطق الكيان الصهيوني. وجاء في رسالة المدير العام للمنظمة، جيسيكا مونتيل، «أن استخدام كلاب ضارية ضد المدنيين في مثل هذه الظروف هو أمرٌ مرفوضٌ أساساً وغير أخلاقيّ. الحديث يدور عن وسيلة خطيرة لا يمكن السيطرة عليها، وهي تدبّ الذعر بين جمهور واسع، كما أدّت حتى الآن إلى إلحاق أضرار جسيمة بمدنيين».
هناك عامل مشترك بين الجندي الصهيوني، ومذيع قناة «الناس» الذي طالب باستخدام الكلاب في الهجوم على المدنيين، ألا وهو أن الاثنين، الجندي والمذيع، كلبان في هيئة بشر، فيما الكلب الحقيقي الذي رفض إرهاب الشاب، أراد أن يضرب للناس مثلاً وهو أن في العالم العربي والإسلامي «كلاباً» بشرية أشد وحشية من أخطر أنواع الكلاب «الحيوانية» الشرسة. وأشد تلك الكلاب البشرية وحشيةً وهمجيةً وضراوةً وخطورةً هي تلك التي تسفك دماء الناس وفق شريعة الغاب… وتُكبر.
عصر الحروب الطائفية
هل بدأ شبح الحروب الطائفية يطل بوجهه الكريه على منطقتنا العربية بل الإسلامية ككل، هل يعي الجميع مخاطر الحروب الطائفية، وأنها تعتبر من أسوأ أنواع الحروب على الإطلاق واكثرها وحشية وقذارة، فلا فرق فيها بين الحجر والبشر، ولا الكبير والصغير ولا الرجال والنساء، هي حرب عمياء لا تميز بين ضحاياها، وشعواء لا تبقي ولا تذر. إذا كانت الحروب بين الدول تستبيح الأرض، فإن الحروب الطائفية تستبيح العرض.
تلك المقدمة كان لا بد منها لوصف المخاطر التي تهدد منطقتنا وصفا دقيقا، والتي لن تنهكها فحسب بل ربما تبيدها. هل نحن في زمن الحروب الطائفية؟
للأسف، الإجابة عن هذا التساؤل ربما تكون بنعم، فأعداؤنا أحسنوا تجهيز الساحة لتلك الحرب الطائفية منذ حرب العراق عام 2003 حيث مكنوا لسيطرة الطائفيين عليها، مرورا باغتيال الحريري 2006 وتهميش المسلمين السنة والمسيحيين أمام الطائفيين في لبنان، حتى أحداث البحرين الأخيرة وما جرى من الاستقواء بالطائفة هي جزء لا يتجزأ من المشهد البارونامي الطائفي، بل إن فشل الدولة في اليمن وما حدث من تقوية نفوذ الحوثيين فيها، والذين انتهجوا نهجا عنيفا تجاه المجتمع اليمني تارة وتجاه السعودية تارة أخرى، كان حلقة في سلسلة الطوق الطائفي الذي أحكم قبضته على رقبة الأنظمة المعتدلة في الخليج.
وأخيرا كانت القنبلة النووية الطائفية التي تفجرت في سورية، حيث يستغل البعثيون هناك الطائفة العلوية والشيعية بكل قذارة للدفاع عن حكمهم العلماني، ويسارع الطائفيون بكل حماقة للدفاع عن نظام بشار اللاديني، ما يرتكب الآن في سورية من أعمال وحشية يبدو أنها مرشحة للانتقال إلى لبنان مملكة الطوائف بامتياز.
أتمنى من العقلاء أن يدركوا حقيقة الأمر، وهو أن الشعوب تريد الحرية والتقدم وإسقاط أنظمة التخلف الديكتاتورية، والأخيرة تدافع عن حكمها الذي تعتقد باطلا انه حق مكتسب لها دون سواها، فتستحضر الدين وتستخدم الطائفة لكسب الاتباع لها، حيث لا تملك أي شرعية قانونية أو دستورية للاستناد اليها، فلا تنخدعوا فيهم أيها الطائفيون.
لسنا ببعيدين عن أحداث الحرب الأهلية اللبنانية المروعة التي استمرت 15 عاما، ولا مذابح رواندا العرقية بين التوتسي والهوتو ولا مذابح الصرب في البوسنة، فلا تدمروا أنفسكم بالطائفية فهي اكثر فتكا من أسلحة الدمار الشامل.
قديما قال زهير ابن ابي سلمى واصفا الحرب الأهلية الطاحنة بين عبس وذبيان :
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة
وتضرى إذا ضريتموها فتضرم
فتعرككم عرك الرحى بثفالها
وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم
كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
السناجب والضفادع والبشوت…
متعة… أكتب هذه المقالة والكهرباء مقطوعة، والعبرة تخنقني، وأوراق المنديل كعب داير ما بين رقبتي وصدري ووجهي، والكويت جميلة، والعتبة قزاز، والحرارة 45 درجة سيليزية ملعونة، وإذا كان المصريون والشوام يفاخرون بـ"أدباء السجون" و"أدباء المهجر" فسنفاخر نحن بـ"أدباء انقطاع الكهرباء"… كلهم يكتب وهو يعاني.
ويأتيني اتصال من صديق صاحب مبدأ، وصاحب بقالة، وصاحب عاهة مستديمة في يده اليسرى: "أبا سلمان، بخصوص المحكمة الدستورية وموعد إجراء الانتخابات في العشر الأواسط من شهر رمضان و…" فأقاطعه: "قضيتي الآن مع الكهرباء في العشر الأواخر من شهر يونيو الجاري، وليرحم الله أمك التي حملتك وأنجبتك وأرضعتك إلى أن كبرتَ وهاتفتني تشتكي العشر الأواسط من رمضان… تدبر عشرك وسأتدبر عشري، ولا يطغين أحدنا على عشر الآخر".
وأتخيل لو أن الكهرباء تنقطع في ألمانيا بشكل متكرر، كما يحدث عندنا، وأتخيل ردة فعل الألمان، المتجهمين الجادين بطبيعتهم، يميناً بالله كان الوزراء الألمان سيتمنون لو أن الله خلقهم ضفادع في بحيرة آسنة، أو سناجب في غابة محترقة، ولو أن ما يحدث للكهرباء عندنا يحدث لكهرباء النرويج، عليَّ اليمين كان الشعب سيسحب وزراءه من ياقاتهم إلى السجون.
ويقول بعض المتخمين هنا: "لا تطلبوا من حكومتنا أن تنافس الحكومات الاسكندنافية في الكفاءة قبل أن تطلبوا من الشعب أن ينافس الشعوب الاسكندنافية في الثقافة واحترام القوانين"، وله أقول: "لماذا توقفت قبل أن تضيف جملة (وننافس الشعوب الاسكندنافية في الغضب الذي يقتلع الجذور عندما يرون نقطة فساد؟)".
ولو كنت مكان الوزراء في حكومتنا لما رفعت رأسي عن سجدة شكر لله على هذا الشعب الذي نمرمطه، ونقطع الكهرباء عنه في حرارة بركانية، ثم نتمشى ببشوتنا بزهو ابن لقمان، فيسكت عنا ويلقي اللوم على خصومنا.
شاهد عصر على ما يجري في قطر!
التهنئة القلبية للشيخ تميم بن حمد آل ثاني على توليه مقاليد الحكم في دولة قطر الشقيقة بعد تنازل الأمير الوالد حمد بن خليفة آل ثاني له عن الحكم، ويعتبر الأمير حمد آل ثاني الباني الحقيقي لقطر الحديثة، والذي زاد دخل بلده في عهده 20 ضعفا وبات المواطن القطري صاحب أعلى دخل في العالم، وقد قرأت بهذه المناسبة عشرات التحليلات الكاذبة وسيئة النية والتي تصور الأمر وكأن هناك قضايا استجدت وعداوات استشرت وأوامر خارجية قد صدرت، والحقيقة التي كنا أحد شهودها تظهر ان ما حدث هو قرار استراتيجي اتخذ عن قناعة وبهدوء شديد واليكم ما كنا شهود عصر عليه والذي يكذب كل ما يقال ويكتب هذه الأيام.
في أوائل يناير 2011 قمنا كوفد إعلامي أهلي كويتي بزيارة القيادات الخليجية لشكرها على دورها التاريخي في تحرير الكويت، وضم الوفد الزملاء الأعزاء أحمد بهبهاني وعدنان الراشد ويوسف الجاسم ووليد السريع وكاتب السطور، وقد التقينا في قطر الشيخ حمد بن جاسم الذي طلبنا منه كرجل دولة مطلع ان يعطينا رؤية استشرافية لمستقبل المنطقة التي شهدت ثورة الياسمين في تونس، ولم تكن الصورة قد اتضحت بعد في مصر ولم تبدأ حينها الثورات في بقية دول الربيع العربي.
كانت إجابة سمو الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري السابق واضحة وصريحة، حيث ذكر ان نظام مبارك ساقط لا محالة بعد أن سحبت عنه القوى المؤثرة في العالم الغطاء، ثم التف سموه إلى ليبيا واليمن متسائلا عن سبب بقاء الأنظمة المزمنة وغير المنجزة بها، مضيفا أن الشعوب العربية كي تنهض تحتاج لتجديد دماء الحكم فيها، مؤكدا أننا كإعلاميين سنكون شهودا على الحكم في قطر إذا بقينا كما بقي هؤلاء، وكانت إشارة واضحة للغاية حينها الى أن القرار قد اتخذ بالتراضي ودون خلاف ضمن أسرة الحكم في قطر على عملية التنازل الودي وتجديد الدماء، وان القيادة القطرية لا تنوي البقاء طويلا بالحكم.
آخر محطة:
(1) نشرت قبل أيام جريدة الأخبار الحكومية المصرية بالخط الأحمر العريض على صدر صفحتها الأولى «مانشيت» نصه: «ماما قطر تزود مصر بالغاز»، وكان هذا جزاء استجابة قطر السريع لطلب مصر تزويدها بالغاز الطبيعي لسد حاجيات الصيف للشعب المصري عبر خمس دفعات مجانية، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ وهل الشعب القطري هو الذي ذهب لصناديق الاقتراع وانتخب حكم «الإخوان»؟ وهل كان انتخاب المرشح الآخر سينهي فوضى النزول للشوارع وتدمير الاقتصاد؟
(2) يتزامن هذا الخبر مع هجوم عنيف للقيادي د.عصام العريان على دولة الإمارات وقبله هجوم مماثل على السعودية بسبب القبض على مهرب أدوية مخدرة في موسم العمرة، وعلى الكويت بسبب تطوع محامين كويتيين للدفاع عن الرئيس مبارك كنوع من الوفاء للرئيس الذي بدأ البعض يترحم على حكمه، فهل هناك حكمة فيما يجري؟!
(3) وفي شهر حزيران الذي جُرّت به مصر الأمس لخديعة الحرب مع إسرائيل عام 67، تحاول بعض قيادات المعارضة المزايدة وجرّ مصر ـ من «تاني» ـ للأخذ بالخيار العسكري ضد إثيوبيا رغم أن اقتصاد مصر هذه الأيام ليس قطعا اقتصاد حرب، فالحكمة، الحكمة!
بربس وألف بربس أنتم
يمكن اختصار وضع الدولة السياسي بكلمة واحدة "بربس"، وهي كلمة بلهجتنا المحلية تعني التفاهة، والسطحية، والفوضى، وأهم من كل تلك المعاني هي لا تعني أي شيء، أي أنها بلا معنى وبلا روح وبلا مضمون. هي حالة صبيانية تتخبط في طيش لم يعد له آخر، فتتوهم إدارتها السياسية أنها خرجت من حفرة صغيرة وتتنفس الصعداء، لتجد، نفسها، فجأة، قد وقعت في بئر بلا قرار.
لم أعد أذكر زمن وتواريخ الأحداث السياسية التي تدور بها الدولة بحلقة مغلقة، فكلها أضحت بلا معنى، كلها أصبحت "بربس" مركباً، يتم انتخاب مجلس نيابي، ثم يصدر حكم من المحكمة الدستورية بعدم شرعيته، ويحل، ثم انتخابات مفصلة على مقاس السلطة الحاكمة بآمر نفسها، ثم من جديد، وبعد رفض كبير في الشارع السياسي، تتخلله أعمال قمع وأحكام تصادر حرية الكلمة بموجب قانون السلطة بطبيعة الحال. يصدر حكم من السلطة الثالثة ببطلان المجلس، لأن هناك خطأ في الإجراءات، ونعود مرة ثانية وثالثة لمدرسة المشاغبين بعادل إمام وسعيد صالح، لكن من غير سهير البابلي الأستاذة التي تدرك كيف تدير وتضبط "شقاوة" الطلبة الكبار، وأزمتنا هي أزمة "الكبار المشاغبين" الذين لا يجدون لهم ضابطاً.
تحت هاجس و"فوبيا" من تكرار إعادة اللعبة المملة بالحل الدستوري، ثم انتخابات، ثم حل، ثم انتخابات إلى ما لا نهاية، يحاول فريق من السلطة، قد يكون هو الحكومة، أو قد يكون هو خصم الحكومة، ويعمل كي يصبح هو الحكومة والمجلس والدولة جميعاً مرة واحدة، العودة إلى المحكمة الدستورية لتفسر حكمها، في حساب المواعيد بالدعوة إلى الانتخابات، هذا الفريق لم تعد له ثقة بالإدارة القانونية للفتوى والتشريع، وكأنها هي المسؤولة أولاً وأخيراً عن "فوضى الفتاوى"، التي أصبحت حالة مرضية مزمنة بدولة كل يوم حل وكل يوم انتخابات كوميديا بايخة، هذا الفريق الباحث عن جادة الصواب، أو جادة الضياع، يسأل المحكمة الدستورية بطريقة غير مباشرة وعبر النائب عبدالحميد دشتي في المجلس المبطل رقم 2 يسألها ماذا يفعل، ومتى تجب الدعوة إلى الانتخابات حسب الحكم الذي يبدو لهم أنه كتب باللغة الهيروغريفية، يريد فريق المساكين في الحكومة أن تمد له السلطة القضائية يد العون، وتصبح سلطة استشارات كما هي سلطة فصل في منازعات، ويسحب السيد دشتي طلبه في اللحظة الأخيرة، لنعود إلى الدوامة السيئة والحلقة المغلقة، ويتوه فريق المساكين الحكومي في خبيصة عدم وضوح الرأي، وربما يهلل الفريق الآخر في السلطة لطلب السحب، فإغراق الحكومة هي غايته كي يصبح ليس الحكومة فقط وإنما الحكم بداية ونهاية…!
تيه وضياع، من يدفع ثمنه، ومن سيسدد فواتير الخيبة، فواتير البربس السلطوي، ندفعه اليوم بقلقنا المشروع، وسيدفعه بالغد القريب أطفالنا، سيدفعونه من رصيد مستقبلهم المجهول، حين تركت الدولة يديرها أشقياء مدرسة المشاغبين… بربس وألف بربس أنتم.