بعد تصريح وزير التربية عن تردي مستوى التعليم في الكويت وضعف مخرجاته، اصبح لزاما علينا ان نلتفت الى هذا القطاع بشيء من الاهتمام والمتابعة وتسليط الاضواء عليه، علّ وعسى ان نتدارك ما يمكن تداركه قبل فوات الاوان.
الناظر الى تاريخ وزارة التربية في الكويت يدرك السبب الرئيسي في تردي هذا القطاع، الا وهو سيطرة الفكر الليبرالي المتحرر على التعليم منذ نصف قرن من الزمان! أي منذ تأسست الوزارة في عهد الاستقلال وربما قبل ذلك. كان الشيخ عبدالله الجابر اول وزير لها، وهو المعروف بفكره الانفتاحي، ثم تناوب على الوزارة عدد من رموز الليبرالية والعلمانية امثال خالد المسعود وصالح عبدالملك وجاسم المرزوق وانور النوري وحسن الابراهيم وسليمان البدر واحمد الربعي ومساعد الهارون ورشيد الحمد وعبدالله الغنيم ويوسف الابراهيم ونورية الصبيح وموضي الحمود، واذكر من الوكلاء الذين استمروا لسنوات في مناصبهم وأثروا في العملية التربوية يعقوب الغنيم وعبدالرحمن الخضري وعبدالمحسن السعيد وخالد صليهم وعبدالله اللقمان ويعقوب الشراح وحمود السعدون ورشيد الحمد وتماضر السديراوي، وقبل كل هؤلاء سعاد الرفاعي واخرون، وهكذا لا نجد واحدا ممن ذكرنا وزراء كانوا ام وكلاء من المنتمين للتيار الاسلامي بشقيه السلف او الاخوان كما يقولون، بل معظم الوزراء من عتاولة العلمانية وشيوخ الليبرالية ولم يكن الوكلاء بأحسن حالا منهم!
وبعد عشرين عاما من سيطرة الفكر الليبرالي على مسيرة التعليم في البلاد تبين خطورة هذا الفكر على سلوك الطلبة، حيث انتشرت ظاهرة تردي السلوك التربوي عند الطلاب مما حدا المهتمين بالشأن التربوي الى المطالبة بالاهتمام اكثر بالتربية والتركيز عليها في المناهج وعدم تهميشها، لذلك تغير اسم الوزارة من وزارة التربية والتعليم الى وزارة التربية فقط! لكن استمرار سيطرة التيار المتحرر على مرافق الوزارة جعل الانحدار يستمر في كل المستويات الى ان وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم! لقد كان هذا التيار يرى ان تطوير العملية التربوية والتعليمية ينحصر في الاختلاط الشامل بين الطلبة في الجامعة، وفي زج المرأة وحشرها في كل المجالات، سواء ما يتوافق مع طبيعتها وما لا يتوافق، وكانوا يرفضون الدراسات المهنية والعلمية التي قدمتها جمعية المعلمين، هذه الجمعية التي سيطر عليها التيار الليبرالي عقودا طويلة الى ان ضجر اصحاب الاختصاص وخافوا على الاجيال، وهم يشاهدون هذا الانحدار الشديد في التربية والتعليم، فتنادى المعلمون لانقاذ ما يمكن انقاذه، ولم يكن امامهم الا طرد هذا الفكر المتخلف في منطلقاته من جمعيتهم، ومنذ التسعينات الى اليوم وهم يسيطرون عليها من خلال صناديق الاقتراع، الا ان المشكلة تكمن في الادارة التعليمية العليا التي كان، ولايزال، اصحاب هذا الفكر يمسكون زمام الامور فيها، حيث رفضوا الاخذ بمبادرات الجمعية لتطوير التعليم، ومن اهمها المشروع الوطني لتطوير التعليم وفكرة اكاديمية اعداد القادة وغيرها كثير!
ان الاصرار على استبعاد التيار الاصلاحي المحافظ عن وزارة التربية لم ينتج لنا الا هذا الوضع المزري الذي تعيشه الوزارة اليوم، حيث فشل الاوائل على الكويت من اجتياز اختبارات القبول في الجامعات الاجنبية! ولا ادعي ان هذا هو العلاج الوحيد لهذه المعضلة، بل اعتقد ان الاسباب التي ادت الى ما آلت اليه الاوضاع بالوزارة كثيرة ومتعددة، لكن من ابرزها سيطرة هذا التيار على الوزارتين؛ التربية والتعليم العالي منذ اكثر من خمسين عاما، لانه يحمل فكرا لا يتناسب والمنطلقات الاساسية للمجتمع الكويتي المحافظ بطبيعته ونشأته!