عندما حذرت في مقالتي السابقة من العدو الحقيقي لدول الخليج وقلت انه الحكم الطائفي في ايران والعراق، انزعج بعض الزملاء من الطائفة الشيعية ظناً منهم انني اقصد الشيعة كطائفة، وانني كتبت بصيغة العموم. ومع علمي بان الكتابة في هذا الموضوع مثل السير في حقل ألغام لا تعلم متى ينفجر فيك فيقتلك ويقتل من حولك، الا انني اجد نفسي مضطرا الى تأكيد بعض المعاني، خصوصا ونحن نشاهد هذه الايام ماذا تفعل الطائفية في العراق وسوريا ولبنان، وقد يصل لظاها الى الكويت وبقية دول الخليج ما لم نتدارك الامر قبل ان يستفحل.
انني ارى ان الخوف الزائد من الحديث في هذا الموضوع احد الاسباب الرئيسية لتفاقم آثاره، لذلك لا بد من ان يسارع العقلاء، ومن يضع يده على قلبه خوفا على بلده، إلى اخذ زمام المبادرة علّ وعسى ان يكون توجيه الحديث سليما وبعيدا عن التطرف واقصاء الآخرين.
السنة يرون ان التطرف الشيعي سبب المشكلة، والشيعة يرون ان الفكر القاعدي والسلفي الجهادي هو بداية الشرارة، وانا اليوم لا اريد ان اقول من المتسبب، لان هذا النقاش لن يوصلنا الى بر، بل سأناقش الظاهرة من حيث الشكل والنتيجة حتى نخلص الى خطوة عملية قد تساهم في تقليل المخاطر والآثار، أما العلاج الجذري للظاهرة فهذا من سابع المستحيلات، مع الاسف، نتيجة تراكمات سنين طويلة من التربية والتثقيف أدت الى ما وصلنا اليه اليوم.
التاريخ الاسلامي تاريخ مشرّف، ويحق للاجيال ان تفتخر به، لانه احيا امة كانت مهمشة على مر العصور والدهور، وجعلها تقود الامم وترسم التاريخ في فترة وجيزة. لكن هذا لا يمنع من العثرات بين حقبة واخرى ما دام انهم بشر. لذلك، الحديث عن هذه العثرات وابراز الجانب السلبي منها بعد اربعة عشر قرنا ما هو الا ضرب من الجهل والغباء، ان كان بحسن نية او بسبب لاثارة الفتن ان كانت بسوء نية! فالحديث عن حادثة السقيفة واحقية ابي بكر او علي بالخلافة هو حديث مأكول خيره، كما نقول بالعامية، لاننا لن نغير من التاريخ شيئاً ولاننا لن نتحمل اخطاء الآخرين، إن وجدت، قال تعالى «ت.لْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (البقرة: 134). وما يقال عن السقيفة يقال عن موقعة الجمل وصفين، والخلاف في فتنة مقتل عثمان وغيرها من الحوادث التي لم تعرقل مسيرة الخلافة وبناء الدولة الا في فترات قليلة، لكن الاثر الاكبر لها شاهدناه نحن جيل اليوم، حيث اصبح الحديث عنها الآن سببا لاثارة النعرات الطائفية وتأجيج الخلافات بين الطائفتين في مشهد لم نسمع عن حدوثه في الماضي.
الخلاصة ان الطائفية بدأت تأكل الفريقين وتجتثهما، وان شعور كل طرف بانه على حق سيقضي على الطرفين. والمصلحة اليوم تستوجب وقف هذا التطرف الذي بدأ يحصد الانفس بينما العدو الحقيقي يتربص بنا الدوائر.
قد يقول قائل ان هذا المقال تراجع عن رأيي في مقالي السابق، وأؤكد للمرة الثانية ان الطائفية متى ما مورست في اقصاء الآخر فهي مرفوضة، وهذا ما يحصل اليوم في ممارسة الحكم في ايران والعراق، حيث باسم الطائفية يتم اخراج السنة من اللعبة السياسية، ولو مورست في بلد آخر الطائفية السنية التي تبيح قتل الشيعي لرفضناها كذلك كما رفضنا الكثير من ممارسات وافعال تنظيم القاعدة، لكن الصورة اليوم اوضح في الدول التي تحكمها الطوائف. اعتقد ان المسؤولية اليوم تقع على الدولة التي يجب ان تتبنى قيادة المبادرة لوضع حد لهذه الفتنة ما دام في الامر متسع قبل ان يفوت الفوت حيث لا ينفع الصوت.