مصر بدايةً ونهاية هي مركز الثقل العربي، وإذا انقلب حال الدولة وعادت بقايا النظام القديم إلى مصر فسيتحول الربيع العربي إلى الفساد العربي، وهنا في الكويت مهما تصورنا أن لنا "خصوصيتنا" في نهجنا الديمقراطي المضحك وشكل الصراع الدائر اليوم بين القوى "المستنيرة" الموالية للصوت الواحد والسلطة الواحدة ضد قوى المحافظة "الرجعية، القبلية، الأصولية" المطالبة بالأربعة أصوات (الآن) وبالحكومة البرلمانية وحرية التصريح للعمل الحزبي وتحقيق صورةٍ ما لديمقراطية ليست ليبرالية حالياً ولكنها أفضل من ديمقراطية المنحة (فيما بعد)، فسنتأثر سلباً أو إيجاباً بما تنتهي إليه الأمور في مصر.
أخطأ الرئيس مرسي في إعلانه الدستوري، حين حصّن قراراته بمد عمر اللجنة التأسيسية وعزل النائب العام، وغلّ القضاء عن مراجعة قراراته وإسباغ صفة السيادة مؤقتاً عليها حتى صدور الدستور وانتخاب البرلمان، إلا أن هذا "الخطأ" إن صح وصفه بتلك الكلمة لا يعد مبرراً لوصف الرئيس المنتخب بـ"مورسيليني" أي موسيليني، أو نعته بالفرعون الجديد، أو قياس ما صنعه الرئيس على ما فعله الضباط الأحرار في ثورة ٥٢ حين أنهوا الحياة النيابية وقالوا إن هذا إجراء مؤقت لفترة، ثم امتد العمر بالإجراء المؤقت إلى نهاية حكم حسني مبارك، مثلما كتب الروائي علاء الأسواني في جريدة "المصري اليوم".
أخطأ الرئيس المصري حين خلط بين المثال كما ينبغي أن يكون، والواقع السياسي في مصر، فمهما كانت نوايا الرئيس صادقة في إنهاء الدولة "العميقة"(الإيكونومست وموقع سعد محيو) أي الدولة داخل الدولة، بإصلاح القضاء وإعادة محاكمة المتهمين في قضايا قتل المتظاهرين، وتلك قضايا مستحقة والجماهير المسحوقة تطالب بها، ومهما كانت نية الرئيس في وضع حد لظاهرة الفساد المستشري في أجهزة الدولة فإن الطريق الذي سلكه منفرداً دون التشاور مع التيارات السياسية هو بذاته خطأ كبير.
يبقى أن نقول إن تفرُّد الرئيس المصري بقراراته، لا يخول القوى التقدمية الاصطفاف مع بقايا النظام القديم في معارضتهم لقرارات الرئيس مرسي، فحجة أن عدو عدوي صديقي فاسدة من أساسها، فعدو الثورة المصرية هو الحكم العسكري الاستبدادي، الذي سيلتهمها في النهاية بعد أن ينتهي من الحكم الحالي، فمؤسساته الضاربة في عمق الدولة مازالت بكل ثقلها السياسي، ومستعدة للانقضاض على الثورة بثورة مضادة تعيد مصر إلى المربع الأول، وسيجد في ردود الفعل على قرارات الرئيس الأخيرة المناسبة العظيمة لذلك، فهل هذا ما يريده التقدميون المصريون؟ وفي المقابل، يمكن طرح السؤال ذاته لتقدميي الموالاة في الكويت، بمعنى أنه إذا كانت هناك قوى "محافظة، رجعية، مناوئة للحريات… إلخ" في صفوف المعارضة، فهل يعني ذلك التهليل للسلطة الواحدة ورفض أي عمل نحو تحقيق ديمقراطية صحيحة؟!
ملاحظة: قرار التصريح بالمظاهرة في الثلاثين من هذا الشهر من وزارة الداخلية، هو قرار حكيم وعاقل من الحكومة…"وينها من زمان"؟!
اليوم: 27 نوفمبر، 2012
بلاد العرب والإخوان
تقول الحكمة ان كلبا رأى أسدا نائما فربطه بحبل، ولما أفاق الأسد وجد نفسه غير قادر على الحركة، وأخذ يزأر محتجا، ولكن لم تجرؤ أي من حيوانات الغابة على الاقتراب منه، وتصادف مرور حمار بجانب الأسد، فطلب منه هذا ان يفك قيده، ومقابل ذلك يعطيه نصف الغابة التي يتولى زعامتها! قام الحمار بتقليب الفكرة في رأسه، وبعد تردد وافق على العرض! وما إن وقف الأسد على قوائمه حتى قال للحمار: لن أعطيك نصف الغابة! وهنا قاطعه الحمار باكيا: لماذا يا زعيم؟ فقال الأسد: بل سأعطيك الغابة كلها، فلا خير فيها ان كان كلب يربط زعيمها، وحمار يفك قيده!
***
سبق أن وعدت صديقاً كريماً، وبناء على لطيف طلبه، بأن «أحل عن ظهر» الاخوان، وأريح القارئ من فضائحهم وسوء افعالهم، ولو لفترة قصيرة، ولكن التطورات الأخيرة التي نتج عنها تنصيب محمد مرسي رئيسا، بصلاحيات تعود بمصر لعهود الفراعنة، كانت أقوى من أن اقاوم رغبة الكتابة عنها!
قلة فقط، من جماعتي، شاركتني تمنياتي بوصول الاخوان، ديموقراطيا أو بغير ذلك، لحكم مصر، ومصر بالذات. فالهالة التي أحاط الاخوان المسلمون أنفسهم بها طوال نصف قرن على الأقل، والتي أعمت بصر وبصيرة الكثيرين، بحيث لم يروا حقيقة هذا التنظيم الديني الخطير، تطلبت وقف هذا العمى، ووقف متاجرتهم بـ«وسوف وسنفعل وسنبني وسنشيد»، ومباركة وصولهم للحكم، لكي يكتشف هؤلاء مدى تواضع قدرات الاخوان، واستحالة نجاحهم في حكم أي دولة، ليس فقط لضعف اغلب شخوص التنظيم نفسه، بل للمعطيات والمبادئ غير الواضحة وغير العملية التي طالما نادوا بها طوال عقود، والتي كانت السبب الرئيسي في وصولهم للحكم أساسا! وبالتالي أمامهم أحد طريقين: اما الالتزام بتلك المعطيات و«المبادئ» الدينية، والعمل بموجبها، مع كل ما يعنيه ذلك من تضييق على كل ما مثلته وتمثله مصر من انفتاح وسياحة واهتمام بحقوق الأقليات والمساواة الكاملة مع غيرهم، أو التخلي عن تلك «المعطيات الدينية والمبادئ»، والحكم كأي حزب سياسي براغماتي يهدف للوصول للسلطة! فان سارت على النهج الأول فان افلاس مصر المالي امر محتم، وسلامها الوطني في خطر كبير! وان اختارت النهج الثاني، فانها تكون قد قضت على الأساس الذي اوصلها للحكم!
ما لا يود هؤلاء معرفته ان الشعوب، في زمننا هذا، لا يمكن ان تنهض بغير الحرية والكرامة والمساواة والعدل، وهذه جميعها مفقودة تحت اي حكم أوتوقراطي ديني لا يعرف غير العمل بموجب النص! وهنا لسنا بحاجة للاستشهاد بتجربة ايران وغيرها، فالنصوص التي على أساسها وصل الاخوان إلى الحكم لا تخولهم التلاعب بها من دون ان ينكشفوا، وتكون تلك بداية نهايتهم.
أحمد الصراف
www.kalama nas.com