علي محمود خاجه

«للتاريخ بس»

لا أعلم ما ستحمله الأيام القادمة من أحداث وتفاصيل ومستجدات على الساحة وفي أي اتجاه سيكون رأيي حينها. ما أعرفه جيدا هو أن البعض سيحاول في المستقبل القريب أو البعيد أن يكيف موقفي اليوم حسبما يريد ويشتهي بل قد يُحمّلني ومن يتخذ نفس موقفي أخطاء الغير لغاية في نفسه، كما حدث مع موقف الرصاصات الخمس من كتلة العمل الوطني في نوفمبر الماضي. فقد تعمد البعض أن يصور ما سمي بالرصاصات الخمس بأنها سبب تشكيل مجلس فبراير الماضي، وما حمله ذاك المجلس من تطرف وتعد على الدستور وإقصاء، متناسين بأن ذلك المجلس هو نتاج تخبط الحكومة السابقة والاختيار السيئ للناس. لكي لا يتكرر اللوم أكتب وأؤرخ بأن من تدخل في اختيار الشعب لممثليهم هي الحكومة ولست أنا، وأن مَن وعد بعدم مس الدوائر والأصوات إن حصنتها المحكمة الدستورية هي الحكومة ولست أنا، وأن من احتضن التيارات الإقصائية طوال العقود الماضية حتى تغلغلت بين نفوس الناس هي الحكومة ولست أنا. لقد التزمت بالمبدأ دون النظر لمن يؤيد موقفي اليوم، فالمتلون سيتغير حسب مصالحه، وسأبقى أنا، ولن أكون مسؤولاً عن تخبطه أو طرق احتجاجه ورفضه، فهو لا يعنيني أبداً. لقد رفضت اليوم أن تحدد لي الحكومة كيف اختار من يراقبها وغيري قَبِلَ بذلك لأسبابه الخاصة سواء كانت كرهاً بمجموعة من النواب السيئين، أو لأنه يجد في المسألة مصلحة شخصية، أو لأنه يقبل ببساطة أن تتحكم الحكومة فيه. وبالمناسبة وقبل الختام ولمن يعتقد حقاً أن الحكومة تنشد تقويم الإعوجاج الذي صنعته التيارات الدينية، فما مبرر الرقابة على الفكر من الحكومة اليوم بمعرض الكتاب بغياب تيارات الإسلام السياسي؟ التخلف والحجر منهج حكومي بمعية الإقصائيين أو من دونهم. قد لا يكون المقال ذا قيمة اليوم لأن الجميع يعيش الحدث، ولكنه حتماً سيكون ذا أثر حينما تغيب الحقيقة قريباً من البعض فيحمل غير المسؤولين المسؤولية، لذلك اليوم القريب أكتب وأوثق وأؤكد أن المبدأ لا يعرف التلون، بل ثابت لا يتغير بتغير ما حوله. خارج نطاق التغطية: يقيم التيار الوطني المدني المؤمن بالدستور (المنبر والتحالف) مهرجاناً خطابياً بعنوان "ما بعد الأول من ديسمبر" بمشاركة ناشطين ونواب سابقين، في تمام السابعة من مساء اليوم بمقر التحالف بالنزهة.

سامي النصف

من الديكتاتورية إلى الديموقراطية.. والعكس!

  في حقبة الستينيات كتب أحد كبار رجال المخابرات في العالم المدعو مايلز كوبلاند كتابه الأشهر «لعبة الأمم» والذي ذكر ضمنه قواعد اللعبة الخفية التي لا تتوقف بين أمم الأرض (ونحن بالطبع منها) والتي تقوم على المخططات التي ترسم ثم تطبق ويستخدم خلالها الخداع والكذب والإعلام الزائف لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للدول المشاركة في تلك اللعبة دون الحاجة لشن الحروب المعلنة بين الدول والاستعاضة عنها بـ «الحروب الخفية» التي أسقطت وقسمت على سبيل المثال.. الاتحاد السوفييتي الذي ما كان له ان يهزم بمناهجية الحرب التقليدية لترسانة أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها.

***

ومما قاله كوبلاند في كتابه الشهير كيفية إنجاح ما أسماه بـ «النموذج الناصري» في الحكم اي النظام الديكتاتوري القمعي الذي يتلبس بلباس دعاوى الوطنية والقومية إلا أنه يعمد للقمع الشديد في الداخل وتحقيق المصالح الخفية لبعض القوى المؤثرة في العالم بالخارج والتي يسمح له بادعاء معاداتها، والغريب ان الفترة التي صدر بها ذلك الكتاب «الفاضح» وما بعدها شهدت بالفعل سلسلة انقلابات عسكرية ترفع رايات الوطنية والقومية دعمتها الشعوب المغرر بها كالحال في العراق (68) وليبيا (69) وسورية (70) والسودان (70) ومصر ثورة 15 مايو 71 واليمن والصومال.. إلخ، مما يعني أن كشف مخطط ما لا يعني عدم الاستمرار في تنفيذه وتطبيقه.. وأن شعوبنا تصدق ما تسمع لا ما ترى ويمكن خداعها ولدغها من نفس الجحر.. ألف مرة!

***

هذه الأيام يتم الحديث عن كتاب د.جين شارب «من الديكتاتورية إلى الديموقراطية» كما تم قبل عقد من الزمن الحديث عن كتاب د.صامويل هانتغتون «صراع الحضارات»، ويقال ان ما نراه من ربيع عربي هو نتاج لفكر شارب الذي يهدف الى تثوير الشعوب العربية لإكمال مسار تدمير دول المنطقة بعد ان اضعفها ومحا ثقافتها وأوقف الحوار بين مكونات مجتمعاتها، ومهد الأرضية لفوضى هذه الأيام الأنظمة العسكرية العربية المسؤولة عن دمار الأمس ودمار اليوم وانشطار أوطاننا العربية في الغد القريب بعد ان شهدنا انفصال جنوب السودان.. والباقي قادم على الطريق السريع.

***

آخر محطة:

(1) الإشكال الحقيقي امام مخطط شارب في الكويت هو أننا لسنا دولة ديكتاتورية يراد لها عبر الحراك المشبوه التحول للديموقراطية، بل نحن دولة ذات ديموقراطية وحريات زائدة يراد لها عبر الحراك ان تنتهي الى ديكتاتورية قمعية على يد.. الحكومة الشعبية.. التي يبشر بها.

(2) من لا يحتمل الرأي الآخر وهو بالمعارضة، كيف له ان يحتمل الرأي الآخر عندما يصبح في الحكم وتصبح كل القوى الأمنية والعسكرية رهن إشارته وضمن قبضة يده؟!

احمد الصراف

علاقة التدوين بـ «أبو الزلف»

تعتبر أغنية «هيهات يا أبو الزلف» من أجمل أغاني الزجل اللبناني، أي الشعر الغنائي التراثي الشعبي المنتشر غالبا في جبل لبنان، والذي يحتل مكانة جميلة في وجدان اللبناني، ولا تزال هذه الأغنية تردد من الخاصة والعامة هناك، ومنذ عقود طويلة، في كل مناسبة وفرح، ولم يكن غريبا بالتالي أن يشدو بها مطربون كبار كصباح وفيروز ونجوى كرم ووديع الصافي وحتى نعيمة عاكف. وتقول كلماتها: «هيهات يا بو الزلف عيني يا موليَّ.. لبنان احلى دني، هوا وزهر وميّه.. أوف أوف أوف. لبنان طيب الغفا من عطر نسماته، وبيضل غافي القمر ع كتاف تلاتو، وطاير خيال الوحي ع جناح ارزاتو، حامل حنين الجبل للمجد غنياتو، ولبنان احلى دني، هوا وزهر وميّه»!
وكنت دائما أعتقد أن أبو الزلف يقصد به الشاب صاحب السوالف الطويلة، وفي اللهجة الكويتية نطلق كلمة «زلوف» على السوالف. ولكن يقال ان الكلمة مشتقة من «الذلف»، أي «الأنف الصغير ذو الأرنبة المستوية!»، والذلفاء هي الحسناء الغانية بجمالها، وأبو الذلف بالتالي هو الشاب الوسيم. ويقال ان هذه الأغنية سمعت للمرة الأولى من جواري البرامكة وهن يغنينها على قبور أحبابهن الذين نكب بهم هارون الرشيد، الذي أزيل اسمه من أحد شوارع الكويت أخيراً. وأن «دنانير»، وهي أوفى جواري البرامكة، بقيت على وفائها لمولاها يحيى البرمكي، على الرغم من انها «آلت» للخليفة، وانها كانت تشدو باللحن، وإن بكلمات مختلفة. وربما يكون صحيحا أيضا إن اصل التسمية، كما ورد في مرجع آخر، يعود إلى «السالف»، وهو الجزء من اللحية المقارب للأذن والذي يترك ليطول، وهذا ما كان يتميز به مسيحيو ويهود الدول الإسلامية، الذين ربما كانوا يجبرون على إطالة سوالفهم للتعرف إليهم! وكانت حياة هؤلاء أكثر انفتاحاً، واكثر حبا للطرب، وان التأوهات الكثيرة التي تحتويها الأغنية كانت تعكس معاناتهم من الطريقة التي كانوا يعاملون بها من قبل المسلمين. ولكن يبدو، كما هي الحال في «كل» تاريخنا، ان لا شيء يمكن الجزم به أو المراهنة على صحته، فقد تعدد الرواة واختلفت الروايات على أكثر الأمور أهمية و«تفاهة»، وليس هناك من يستطيع الجزم بأي أمر أو قصة أو حادثة تاريخية! ولو نظرنا لأخطر قرار يتخذه الشخص العادي في حياته وهو الزواج لوجدنا أنه كان يتم في جميع الأحوال مشافهة، من دون توثيق او حفظ لدى اي جهة، وكان بالتالي عامل العلانية ضروريا في الزواج ليعرف به الجميع. كما أن ندرة الورق وصعوبة حفظ المواثيق والمستندات وظروف المعيشة لم تسمح بحفظ مثل هذه العقود، أو تخصيص مكان لها، بعكس ما كان، ولا تزال الحال عليه بالنسبة للمسيحيين وغيرهم الكثير الذين تحفظ عقود زواجهم في دور العبادة الخاصة بهم منذ مئات السنين، بحيث يمكن الرجوع لها ومعرفة من تزوج بمن، أما المسلمون فمن المستحيل على غالبيتهم تقريبا العودة لبضعة أجيال لمعرفة من تزوج بمن. كما أن الشفاهة، وندرة المواد، هما اللتان كانتا السبب وراء إبداع عرب الجزيرة في الشعر وليس في أي مجال إبداعي آخر، لأنه لا يحتاج الى مطرقة نحت ولا الى قلم للكتابة ولا الى ريشة رسم، بل الى ذاكرة قوية يستطيع صاحبها الانتقال بها من واد لآخر ومن بلد لغيره من دون أن ينسى منه شيئا. وهنا نقول «هيهات يا بو الزلف» أن يتعدل بنا الحال إن كنا لا نكتب ولا ندون، وإن فعلنا فلا أحد، تقريبا، يهتم بالقراءة!
***
• ملاحظة: بسبب الظروف السياسية، وبعد حملة الشطب الأخيرة، فقد قررنا الغياب عن الوطن لفترة، قد تطول قليلاً.

أحمد الصراف