في نظر المستشرق الإنجليزي برسي سايكوس، وهو يصف العصبة المؤمنة المدافعة عن الدين الإسلامي تحت راية الحسين (ع) في كربلاء العام 61 للهجرة (680 للميلاد)، فإن الشجاعة الشريفة هي التي منحت لجيش الحسين الصغير العدد في كربلاء هذا الخلود… فهو يقول نصاً: «حقاً… إن الشجاعة والبطولة التي أبدتها هذه الفئة القليلة، على درجة بحيث دفعت كل من سمعها إلى إطرائها والثناء عليها لا إرادياً. هذه الفئة الشجاعة الشريفة جعلت لنفسها صيتاً عالياً وخالداً لا زوال له إلى الأبد».
بينما كنت أشق طرقي متجهاً إلى مركز النعيم الصحي مساء يوم الجمعة لحضور انطلاق حملة الإمام الحسين (ع) للتبرع بالدم في عامها الرابع عشر، قرأت عبارة في لافتة قماشية لها العديد من الدلالات: «الحسين ليس شخصاً، بل هو مشروع. وليس فرداً، بل هو منهج، وليس كلمة بل هو راية». ولعلني وجدت رابطاً بين هذه العبارة وعبارة المستشرق سايكوس، وعندما حاولت أن أبحث عن مصدرها، لم أجد في الحقيقة غير النص الذي كتبه الكاتب العراقي وسام رحمن اليوسفي في موقع «قراءات» ومنه هذه الفقرة: «اعتمد الحسين (ع) على قوّة المنطق، واعتمد عدوه على منطق القوة، ولما سقطت قوة عدوه، انتصر منطق الحسين، وكان انتصاره أبدياً. قبل عاشوراء، كانت كربلاء اسماً لمدينة صغيرة، أما بعد عاشوراء فقد أصبحت عنواناً لحضارة شاملة. تمزقت رايته ولم تنكس. وتمزقت أشلاؤه ولم يركع. وذبحوا أولاده وإخوانه وأصحابه ولم يهن!
إنها عزة الإيمان في أعظم تجلياتها. كان ما فعله الحسين (ع) وأصحابه صعباً عليهم، أن يقاتلوا أو يقتلوا، ولكنهم لو لم يفعلوا ما صنعوا، لكان عليهم أصعب».
ثم يقول اليوسفي: «الحسين (ع) ليس شخصاً، بل هو مشروع وليس فرداً، بل هو منهج وليس كلمة، بل هو راية، ولو شاء الحسين (ع) أن يعتذر عن الجهاد، لوجد كل الأعذار التي يتوسل ببعضها الناس للتقاعس عنه».
جميل هو ذلك النص حقيقةً، ولهذا فإن فكر الإمام الحسين (ع)، هو الفكر الذي تحتاجه الأمة الإسلامية بل وتحتاجه كل الشعوب المسحوقة التي تتشوق للتحرر من العبودية. ولعلني أستشهد هنا بنص آخر للكاتب العراقي ماجد الأسدي، فإن الأفكار الفاسدة في مجتمعنا الإسلامي، والتي فرضها عليه المتمصلحون من الفساد، هي ما يتوجب على الناس التخلص من قيوده، يقول الأسدي: «إننا الآن في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها العالم الإسلامي والعربي من تفكك ودمار ونزاعات طائفية، لابد من التحرر من هذه الأفكار المعادية المفسدة، وعلينا أن نتخذ من فكر الحسين (ع)، ومواقفه العادلة والشجاعة نبراساً ينير لنا صفحات الإنسانية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلك من مكارم الأخلاق في الدين الإسلامي التي تتطلب الجهد والعمل لصناعة الإنسان القويم في المواقف العصيبة».
هناك صلة وثيقة بين نهضة الإمام الحسين (ع)، ومنهج الإصلاح في أمة جده المصطفى محمد (ص). هكذا نقرأ ما كتبه، على سبيل المثال، المستشار القانوني والمحامي عبدالإله عبدالرزاق الزركاني، بقوله إن علينا أن ندرك تماماً وأن نستلهم من ثورة الإمام الحسين (ع) – التي جسدت أروع صور التضحية – الدفاع عن مبدأ مشروع النور القرآني الذي بدأ الرسول محمد
(ص) بنشر رسالته الإنسانية. رسالة الإسلام المشرق الذي نقل الإنسان من الظلمات إلى النور، فكانت قيادة الإمام الحسين ابن فاطمة بنت محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام لا تبحث عن منصب أو مال أو جاه أو حكم، كونها في جوهرها منهجاً مستمداً من القرآن الكريم تهدف لحماية حرية الإنسان وكرامته، ومنحه حقوقه في العيش بحياة كريمة من غير ذل أو ظلم أو استعباد.
لذا، تناول الكثير من المفكرين والعلماء والأدباء من شتى الأديان والمذاهب، أهداف الإمام الحسين (ع) كقضية أممية، حتى وصفها البعض بأن «كربلاء هي الدستور الحسيني للحق والسلام والتآخي بين كل الشعوب المحبة للسلام والتحرر لطلبه الإصلاح، حيث كان ينشد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقطع الإمام (ع) الشك باليقين عندما حدّد هدف رسالته في تحقيق الحق وتعزيز الكرامات لنشر العدل وإقرار المساواة، ضماناً وحمايةً لحرية الإنسان وحقوقه المشروعة».
ورحم الله الشاعر الكبير المرحوم محمد مهدي الجواهري حينما قال في قصيدته الخالدة «آمنت بالحسين»:
كأن يداً من وراء الضريح
حمراء مبتورة الأصبع
تمد إلى عالم بالخنوع
والضيم ذي شرق مترع
تخبط في غابة أطبقت
على مذئب منه أو مسبع
لتبدل منه جديب الضمير
بآخر معشوشب ممرع