في الوطن العربي الكبير عادة ما يعيش بعض الزعماء ومنذ توليهم للسلطة في بلادهم ربيعهم الخاص، وتعيش الشعوب دائما صيفها الملتهب، صابرة من غير جدوى منتظرة ربيعها لطالما عبث (الديكتاتور العربي) بمقدرات الشعب وأرواحهم، مستبعدا هبوب رياح التغيير وقدوم الربيع العربي.
ولكن يبدو أن المناخ السياسي أصابه الاختلال حاله حال المناخ الجغرافي، وربما كان السبب أيضا هو الاحتباس، ولكن بالطبع ليس الحراري، بل الاحتباس السياسي المزمن والطويل الذي عانت منه مجتمعات دول الربيع العربي والذي امتد لسنين عدة وكانت الثورة هي النتيجة الحتمية لسنوات من تلوث البيئة السياسية والعبث السلطوي.
ما الذي تغير في المجتمع العربي، لتنفجر ثورات الربيع العربي، لا الساسة ولا السياسات تغيرت، إذن لابد أن ثمة تغييرا أصاب الشعوب، وهي بكل تأكيد سنن الله سبحانه وتعالى في خلقه، إذ قال سبحانه (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ـ سورة الرعد 11).
لو نظرنا جيدا إلى واقع دول الربيع العربي لوجدنا أن أغلبها يتميز بطول بقاء الزعامات في الحكم، مما أوجد فجوة كبيرة جدا بين الحاكم والمحكوم، فالمجتمع تغير ومازالت السلطة تمارس معه نفس السياسات القديمة!
ولعل الثورة التونسية مفجرة الربيع العربي خير مثال لما سبق، فالرئيس التونسي السابق (بن علي) – من المؤكد أنه لم يتفهم مطالب الشباب التونسي ولم يتعود عليها، فقد هرم جيل كامل من التونسيين ولم يجرؤ على المطالبة أصلا بحقوقه، حتى جاء «البوعزيزي» وحرق نفسه ومعه النظام كله، وعندها صاح الرجل التونسي الكهل بكلمته الخالدة «لقد هرمنا»، ليجاوبه ابن علي متأخرا بضعة عقود من السنين، وبعد أن فات الأوان بكلمة الأخيرة «فهمتكم» ربما أيضا صدق «القدافي» عندما قال لشعبه الثائر «من انتم»!
فهو قد تعود على خنوع واستسلام الشعب لإرادته أو جنونه لقرابة نصف قرن، ولم يعهدهم ثائرين أو غاضبين ولا حتى متذمرين!
ونسي أن جيلا جديدا من الليبيين قد ولدوا وأصبحوا شبابا وهم يمثلون غالبية المجتمع، وان هؤلاء لم يعد يرتضوا ما وجدوا آباءهم عليه، لذلك قرروا الثورة على رئيسهم!
وفي مصر العروبة، استساغ الرئيس السابق ورجاله سرقة أموال الشعب وتعذيب المعارضين وقتلهم إذا استدعى الأمر في معتقلاتهم السرية دون أن يعلم بهم أحد، كم ضحية سبقت «خالد سعيد» ملهم الثورة المصرية لم يفصح عن أمرها، ولكن هذه المرة – ومن سوء طالع النظام الديكتاتوري – كانت تكنولوجيا الاتصال الاجتماعي حاضرة له بالمرصاد، لتكشف للجميع ممارسات السلطة الفاسدة، وأن تحشد الجماهير المصرية وتنظمها ضد الديكتاتورية، فالمجتمع المصري تغير دون أن يشعر الرئيس ورجاله بذلك، وظن الزعيم أن بالإمكان أن ينجح وكعادته بممارسة التضليل الإعلامي المعتاد!
من المؤكد أن التحدي الحقيقي الآن – أمام الأنظمة العربية – أن تبدأ هي بتغيير سياساتها ونظرتها لشعوبها، ولا تنتظر الربيع العربي لأنه آت لا محالة، فالشعوب لن تسمح إلا بربيع يشملها كما يشمل حكامها، وإلا ستسحب «الزعيم» مجبرا إلى جحيمها التي تعيشه أصلا منذ سنين، وكما هو حادث في الثورة السورية.
وحده الإصلاح المبكر وترميم البيت الكبير (الوطن) الذي سينقذ الأنظمة العربية من الربيع العربي، فالشعوب في طبيعتها لا تعشق إسقاط أنظمتها، ولكنها حتما تتوق للعيش بحرية وكرامة وإلا….!
في النهاية، يحزنني كثيرا أن أرى بعض الأنظمة العربية لا ينتظرون الربيع العربي فقط، بل يتحدونه تحديا، فتجدهم يسوقون شعوبهم مجبرين باتجاه الربيع العربي، وذلك بفشلهم الذريع بالتنمية وإصرارهم على إفساد الحياة الديموقراطية في مجتمعاتهم، فحياة المواطن لا يمكن أن تستقيم بغياب التنمية والديموقراطية معا.
٭ الخلاصة:
الربيع العربي لا يأتي إلا للدول القاحلة التي تخلو من زهور الحرية وأعشاب الكرامة وأشجار الرفاهية وارفة الظلال.