يخلط واهمو "الصوت الواحد" بين الأشخاص والقضية، يعانون عمى فكرياً يساوي بين مواقف أكثرية أعضاء مجلس ٢٠١٢ المبطل وما يُطرَح الآن من رفض الصوت الواحد حين فُرِض من الأعلى، أي من السلطة منفردة. ولأن عدداً من أعضاء الأكثرية "المشاغبة" (كما يحلو للسائرين بالهدي السلطوي تسميتها) كانت لهم تصريحات ومشروعات طائفية أو محافظة متزمّتة في أيام المجلس القصيرة، تنبع من رؤية متعصبة للفقه وترفض الآخر، وتدين الحريات الليبرالية، إذن وحسب منطق السلطويين الأهوج يجب إدانة كل أعضاء ذلك المجلس، ومعهم يجب أن تدان حرية الاختيار الشعبي التي أوصلت هؤلاء المناكفين إلى المجلس.
يكاد السلطويون أن يجاهروا برفضهم حتى للديمقراطية كلها، ويكفرون بها، مادامت تلك مخرجاتها، لكنهم لا يفصحون صراحة عن ذلك، حتى لا يقال عنهم إنهم أعداء للديمقراطية، إلا أنهم في دواخلهم يؤمنون بأن وضعنا الحالي لا يصلح للديمقراطية، حتى بصورتها الناقصة والمشوهة بالطريقة الكويتية.
السلطويون، سواء كانوا كتاباً أو مغردين أو فقهاء السلطة، بعضهم، وأكرر كلمة "بعضهم" انتهازيون، ويحملون في تجاويف رؤوسهم مخ الفداوي المثقف، فقد قبضوا، من خيرات وبركات السلطة بصورة غير مباشرة، ولابد من ردّ الجميل ومناصرة "المعازيب" حين يغم عليهم الزمن. كل هؤلاء، يريدون ديمقراطية متكورة على ذاتها داخل مصباح علاء الدين، يفركون المصباح، كلما عنَّ لهم، ليخرج المارد الجني منكساً رأس الطاعة قائلاً لعلاء السلطة: "شبيك لبيك الديمقراطية بين يديك!"، ويحقق طلباتهم بتشكيل مخرجات الانتخابات كما يحلمون، يريدون نواباً ليبراليين متحررين، ولا يكفي أن يكونوا مجرد ليبراليين صادقين دعاة حرية ونزاهة، بل لابد أن يكون مذهبهم "شوية واسع" في قضايا المال العام والفساد حتى يغضوا النظر عن عورات كثيرة تبرز في الجسد السياسي للدولة.
ويمضغ السلطويون بعضهم مع بعض، أو يهلوسون مع أنفسهم كثيراً مجترّين عبارات مثل "… ملينا من عوار راس المجلس، شبعنا من الصوت العالي المزعج لمسلم البراك، زهدنا مشهد فيصل المسلم يهز بيده أمام الجمهور بشيكات دفعت أثماناً لسلعة شراء الأصوات، تعبنا من سماع عبارة الفساد والمفسدين من كثر ما يرددها أحمد السعدون"، ويمضي الكثير من السلطويين بحسن نية (ربما)، وهم تحت طبقات ثقيلة من وهم وخرف ثقيلين يرددون علينا بوعي، أو من دون وعي مقولات باهتة مثل "إن مشاريع التنمية توقفت بسبب هذا المجلس، وإن البورصة نزلت بسبب هذا المجلس"… وكلاماً لا ينتهي يعلّق كل منغصات العمل السياسي والتردي الاقتصادي على مشجب البرلمان! مع أنهم يدركون، لو فكروا قليلاً، أن سلطة الحكم التي تملك كتلتها الدائمة داخل المجلس، كبرت أو صغرت تلك الكتلة حسب الفصول التشريعية، تستطيع أن تحقق ما تريد في قضايا التنمية، أو في رد الهجمات المناهضة للحريات الشخصية إذا طرحها بعض النواب لو أرادت السلطة ذلك حقيقة ولم "تتعلث "بالمجلس كعادتها، وأن "حكومة الحكومة " تمسك بخيوط اللعبة السياسية منذ لحظة ولادة الدستور وحتى اليوم عبر نوابها وعبر وزرائها، ومن خلال هيمنتها المطلقة على موارد الدولة المالية… أليسوا هم (السلطويون) مَن رددوا في السابق أن "اللي تبيه الحكومة يصير" فماذا تغير اليوم عليهم؟ ولماذا تلك الإدانة المغرضة لجميع معارضيهم، ووصفهم لشباب الحريات المتظاهرين والمتجمعين في ساحة الإرادة بالغوغائيين والفوضويين والسذج "المقصوص عليهم"؟!… أمرهم عجيب هؤلاء السلطويون دعاة ديمقراطية ألف وليلة… أو ألف نيلة ونيلة!