الحكاية كلها أرقامٌ في أرقام، ولا أحد في الدنيا يهتم بالأرقام كما تهتم بها السلطة عندنا في الكويت، وأجزم أن مفكري السلطة ومستشاريها يستندون في تفكيرهم وتخطيطهم إلى "كتاب الحساب" للصف الثالث الابتدائي.
والسلطة الكويتية تبغض الديمقراطية، حتى وإن تغنت بها، بغضاً يفوق بغض الشاعر العراقي أحمد مطر لأميركا، الذي لو دُهست قطة في الشارع لاتهم المخابرات الأميركية بالتخطيط له، وقد قال، ذات قصيدة، وهو يهجوها: "بُغضي لأمريكا لو الأكوانُ ضمت بعضه لانهارت الأكوانُ / هي جذر دوح الموبقات وكل ما في الأرض من شرٍّ هو الأغصانُ"! هو يرى أن أميركا جذر كل المشاكل، ونحن هنا نقول إن: "البحث عن دولة المشيخة، والسعي إلى تحويل الشعب إلى أفراد قبيلة إفريقية… هما جذر كل المشاكل في الكويت، والسلاح في ذلك هو الأرقام".
جل الحروب السياسية، إن لم تكن كلها، التي دارت رحاها بين السلطة والشعب، تم فيها تبادل القصف بالأرقام، أشهرها ما تم عام 81 من تحويل الدوائر الانتخابية العشر بخمسة أصوات للناخب، إلى خمس وعشرين دائرة بصوتين للناخب… جاءت بعد ذلك حركة "نبيها خمس" التي أذعنت فيها السلطة للمطالب الشعبية ووافقت على تقسيم الكويت إلى خمس دوائر بأربعة أصوات للناخب… والآن تفرض السلطة تقليص أصوات الناخب من أربعة إلى صوت واحد، وكل هذا الصراع الديجيتال (الرقمي) هدفه من جهة فرض السطوة، ومن الجهة الأخرى رفض السطوة.
ولأن كتب التاريخ كلها تحلف بالطلاق إن الشعوب هي من يضحك أخيراً، فسيقطع الشعب الكويتي قريباً تورتة النجاح، وسيصعد منصة التتويج، وسيحقق مطلبه الأهم والأسمى وهو "الحكومة البرلمانية المنتخبة" عبر شعار جديد سيُرفع قريباً "نبيها ١٦"، أي نريد الحكومة كاملة بأعضائها الستة عشر من اختيار الشعب، لم تفرضهم عليه السلطة.
هو قصف متبادل بالأرقام، سواء في قضية الدوائر، أو أصوات الناخب، أو عدد المتجمهرين، أو عدد المرشحين والناخبين أو أو أو… ولا رقم يعلو فوق رقم الشعب.
اليوم: 13 نوفمبر، 2012
ديمقراطيو ألف ليلة وليلة
يخلط واهمو "الصوت الواحد" بين الأشخاص والقضية، يعانون عمى فكرياً يساوي بين مواقف أكثرية أعضاء مجلس ٢٠١٢ المبطل وما يُطرَح الآن من رفض الصوت الواحد حين فُرِض من الأعلى، أي من السلطة منفردة. ولأن عدداً من أعضاء الأكثرية "المشاغبة" (كما يحلو للسائرين بالهدي السلطوي تسميتها) كانت لهم تصريحات ومشروعات طائفية أو محافظة متزمّتة في أيام المجلس القصيرة، تنبع من رؤية متعصبة للفقه وترفض الآخر، وتدين الحريات الليبرالية، إذن وحسب منطق السلطويين الأهوج يجب إدانة كل أعضاء ذلك المجلس، ومعهم يجب أن تدان حرية الاختيار الشعبي التي أوصلت هؤلاء المناكفين إلى المجلس.
يكاد السلطويون أن يجاهروا برفضهم حتى للديمقراطية كلها، ويكفرون بها، مادامت تلك مخرجاتها، لكنهم لا يفصحون صراحة عن ذلك، حتى لا يقال عنهم إنهم أعداء للديمقراطية، إلا أنهم في دواخلهم يؤمنون بأن وضعنا الحالي لا يصلح للديمقراطية، حتى بصورتها الناقصة والمشوهة بالطريقة الكويتية.
السلطويون، سواء كانوا كتاباً أو مغردين أو فقهاء السلطة، بعضهم، وأكرر كلمة "بعضهم" انتهازيون، ويحملون في تجاويف رؤوسهم مخ الفداوي المثقف، فقد قبضوا، من خيرات وبركات السلطة بصورة غير مباشرة، ولابد من ردّ الجميل ومناصرة "المعازيب" حين يغم عليهم الزمن. كل هؤلاء، يريدون ديمقراطية متكورة على ذاتها داخل مصباح علاء الدين، يفركون المصباح، كلما عنَّ لهم، ليخرج المارد الجني منكساً رأس الطاعة قائلاً لعلاء السلطة: "شبيك لبيك الديمقراطية بين يديك!"، ويحقق طلباتهم بتشكيل مخرجات الانتخابات كما يحلمون، يريدون نواباً ليبراليين متحررين، ولا يكفي أن يكونوا مجرد ليبراليين صادقين دعاة حرية ونزاهة، بل لابد أن يكون مذهبهم "شوية واسع" في قضايا المال العام والفساد حتى يغضوا النظر عن عورات كثيرة تبرز في الجسد السياسي للدولة.
ويمضغ السلطويون بعضهم مع بعض، أو يهلوسون مع أنفسهم كثيراً مجترّين عبارات مثل "… ملينا من عوار راس المجلس، شبعنا من الصوت العالي المزعج لمسلم البراك، زهدنا مشهد فيصل المسلم يهز بيده أمام الجمهور بشيكات دفعت أثماناً لسلعة شراء الأصوات، تعبنا من سماع عبارة الفساد والمفسدين من كثر ما يرددها أحمد السعدون"، ويمضي الكثير من السلطويين بحسن نية (ربما)، وهم تحت طبقات ثقيلة من وهم وخرف ثقيلين يرددون علينا بوعي، أو من دون وعي مقولات باهتة مثل "إن مشاريع التنمية توقفت بسبب هذا المجلس، وإن البورصة نزلت بسبب هذا المجلس"… وكلاماً لا ينتهي يعلّق كل منغصات العمل السياسي والتردي الاقتصادي على مشجب البرلمان! مع أنهم يدركون، لو فكروا قليلاً، أن سلطة الحكم التي تملك كتلتها الدائمة داخل المجلس، كبرت أو صغرت تلك الكتلة حسب الفصول التشريعية، تستطيع أن تحقق ما تريد في قضايا التنمية، أو في رد الهجمات المناهضة للحريات الشخصية إذا طرحها بعض النواب لو أرادت السلطة ذلك حقيقة ولم "تتعلث "بالمجلس كعادتها، وأن "حكومة الحكومة " تمسك بخيوط اللعبة السياسية منذ لحظة ولادة الدستور وحتى اليوم عبر نوابها وعبر وزرائها، ومن خلال هيمنتها المطلقة على موارد الدولة المالية… أليسوا هم (السلطويون) مَن رددوا في السابق أن "اللي تبيه الحكومة يصير" فماذا تغير اليوم عليهم؟ ولماذا تلك الإدانة المغرضة لجميع معارضيهم، ووصفهم لشباب الحريات المتظاهرين والمتجمعين في ساحة الإرادة بالغوغائيين والفوضويين والسذج "المقصوص عليهم"؟!… أمرهم عجيب هؤلاء السلطويون دعاة ديمقراطية ألف وليلة… أو ألف نيلة ونيلة!
لجنة الكليب ثانيا
للجنة المناقصات دور خطر، ويمكن أن يكون أكثر فاعلية، في تحسين مستوى ما يتم توريده من مواد أو تنفيذه من مشاريع، لو امتدت رقابتها بحيث يكون بإمكانها، ولو بطريقة عشوائية، التأكد من أن المواد التي تم توريدها تطابق المواد التي سبق وأن تم التعاقد عليها، فالمشكلة في كل عقود التوريد والإنشاءات أن المواصفات عالمية ودقيقة، والشروط واضحة وصارمة، ولكن التلاعب يحدث في فترة التوريد والتنفيذ، وهنا يأتي دور اللجنة أو ذراعها الرقابية، التي نقترح إيجادها!
كما على اللجنة تغيير نظام الترسية الحالي من خلال اتباع واحدة او كل اساليب الترسية التالية، ويمكن في حالات خاصة ترك الخيار للجهة الحكومية للاختيار بينها: أولا: استبعاد المناقص صاحب أقل الأسعار في جميع الأحوال، وترسية المناقصة على الثاني الذي تكون اسعاره، من خلال تجاربي الشخصية الطويلة، الأصدق تمثيلا للقيمة الحقيقية. ثانيا: ترسية المناقصة على الأقرب لمتوسط اسعار كل المتقدمين لأي مناقصة. ثالثا: تقديم المناقص لمستندات مناقصته من خلال عرضين منفصلين، الأول فني، والآخر مالي. وعدم البت في العرض المالي، او الاطلاع عليه، قبل التأكد من التزام المناقص بالمتطلبات الفنية، من خبرة، وجهاز فني ووضع مالي متين، ووجود حقيقي.
كما على اللجنة التشدد فيما يحدث الآن من قيام الشركات الكبيرة بغالبيتها ببيع مناقصاتها لشركات طفيلية، فهذا لا يجوز واللجنة والجهات الحكومية تعرف ذلك وتعلم جيدا بعدم قانونية الوضع، ولكن الجميع ساكتون عنه ربما لتعلق مصالح «الكبار» به، ولا يحتاج الأمر غير تطبيق القانون! كما يمكن تطوير عمل اللجنة والتخفيف عنها، وعن المناقصين بتقليل مستندات اي مناقصة، من خلال توحيد الشروط العامة لها، وطبعها في كراس منفصل، وجعله بمتناول الجميع، وبالتالي سيقتصر تقديم أوراق المناقصة على الشروط الخاصة فقط، وهذا سيوفر الكثير من الجهد والورق على جميع الأطراف.
إن المواطن والمقيم، وكل موظفي الدولة، يستحقون مواد أفضل مما يتم توريده حاليا، ويمكن ملاحظة مدى رخص وهلهلة أثاث ومكاتب أي إدارة حكومية، بمقارنتها بمفروشات وأثاث أي شركة متوسطة القيمة والحجم، هذا بخلاف المواد الاستراتيجية للمصانع والمصافي ومحطات توليد الكهرباء وتكرير المياه. وما نقترحه هنا ليس بالأمر الجديد، بل تتبعه دول متقدمة كثيرة، فالهدف ليس القضاء على الفساد في المناقصات، على الرغم من مشروعيته، ولكن التقليل منه قدر الامكان.
نضع هذه المقترحات أمام اللجنة ورئيسها، متنمين عليهم فعل شيء!
أحمد الصراف
www.kalama nas.com