علي محمود خاجه

«شفتوا شلون»

منذ إصدار الدستور قبل خمسين عاماً، والصراع الديني المدني قائم، شديد ومتكافئ في بعض الفترات، لترجح الحكومة كفة القوى الدينية في نهاية السبعينيات بتحالفها الصريح معها وتمكينها من تولي إدارة مؤسسات الدولة لأكثر من 30 عاماً، إلى أن انفض هذا التحالف بشكل كبير مع إلغاء صفقة الـ"كي داو" قبل سنوات قليلة. وعلى مدار الخمسين عاما الماضية كنا نصرّ كمدنيين على أننا نريدها دولة قانون يستظل به الجميع، فكانوا يكفّروننا غاضبين بأنها دولة دين، ونشرح ونعيد الشرح ونبين ونشدد ونحذّر واستخدمنا حرف النون كثيراً لأن يبقى القانون كمظلة تجمع كل من يعيش في الكويت، وكانوا يرفضون بالترهيب أحياناً والعنف أحياناً وبالترغيب في أحيان قليلة. إلى أن جاءت اللحظة التي لم يخططوا لها جيداً، فقد اعتقدوا أن حلفهم الاستراتيجي مع الحكومات المتعاقبة سيدوم إلى أن يقضوا على كل مفاهيم الدولة المدنية، ولكن حلفهم انفض قبل ذلك بقليل، فبعد أن حققوا مرادهم بأن يرتبط حال البلد بفتاواهم وقبل الإجهاز على الدستور بقليل انتهت شراكتهم السيئة مع الحكومات، وتحولوا إلى معسكر المعارضة للمرة الأوضح في تاريخ قوى الإسلام السياسي في الكويت. فأقدمت الحكومة على استخدام ما عززته القوى الدينية طيلة سنوات التحالف الماضية، وهو سلاح "ما يجوز وما لا يجوز دينياً" ضد صديق الأمس وعدو اليوم قوى الإسلام السياسي؛ لتضع بذلك القوى الدينية في مأزق حرج جداً، فرفضها للفتاوى يجعلها مكشوفة الظهر أمام شعب كان لا يسمع منها سوى ضرورة الالتزام بالنصوص الدينية، وهو سلاح استخدمته بوضوح بمواضيع كالاختلاط وحقوق المرأة وعدم تجنيس غير المسلم والبنوك التقليدية، بالإضافة إلى تصفية خصومها من التيارات المدنية، أما قبولها بالفتوى فسيعيدها رغماً عنها إلى مربع الحكومة التي لم تعد تطيق بقاء القوى الدينية معها أبداً. وعلى إثر ذلك لم تجد قوى الإسلام السياسي مناصاً من حلها الوحيد، وهو المطالبة بتطبيق الدستور والقانون! رغم حربها الضروس لإلغاء هذا الدستور طيلة السنوات الخمسين الماضية، بل إنها حتى في مجلس فبراير كانت تسعى إلى أن يكون الدين الإسلامي المصدر الوحيد للتشريع في تعارض صريح مع الدستور ومدنيته، واستخدمت الفتاوى سعياً منها إلى إقرار ما أسموه بقانون الحشمة. ها هم يقعون في "مطب" التناقض الذي لابد منه فيرفضون كل الفتاوى الداخلية والخارجية الرافضة لممارساتهم المعارضة ويتشبثون بطوق الدستور ليخلصهم من كم الفتاوى المهاجمة لهم. وحدهم المدنيون الذين يحتكمون إلى الدستور والقانون تمكنوا من العبور على جسر الفتاوى بأمان ومن دون تردد؛ لأنهم لم يبنوا عليها قراراً من ذي قبل، بل كانوا يرفضونها حتى إن كانت تصب في مصلحتهم؛ لأنهم يعلمون جيدا أن القانون والدستور هما المناص الوحيد في الكويت ولا شيء سواه. لقد أثبتت أزمة اليوم وبشهادة قوى الإسلام السياسي أنفسهم أن الحل يكمن فقط في الدستور ومدنية الدولة الخاضعة للقانون لا الفتوى، فشكراً للأزمة التي أكدت أن العلمانية، وفصل الدين عن الدولة هو الحل، وأن قوى الإسلام السياسي حدثت الناس لخمسين عاماً فكذبت.

سامي النصف

الفرصة الذهبية التي ضاعت للأبد!

  حتى منتصف السبعينيات كانت القوى الليبرالية والوطنية هي المسيطرة على الشارع الكويتي، وكانت القوى المحافظة تقف في الأغلب على هامش الحدث حتى أتى حل مجلس الأمة عام 76 الذي عارضته القوى الوطنية والليبرالية، ورضت عنه «صمتا» القوى المحافظة التي تمددت بعده وانتشرت حتى اضحت القوة الرئيسية في البلد واستطاعت ان تستغل تلك القوة لتغيير أحوال البلد الاجتماعية والسياسية.

***

كان بإمكان القوى الليبرالية والوطنية ان تستغل مقاطعة القوى المحافظة للانتخابات القادمة وهو حق مطلق لها، لتدخل تلك الانتخابات بمرشحيها الرئيسيين، اضافة الى مرشحين جدد كي تحاول عبر تلك المشاركة المضاعفة حصد اغلبية كراسي مجلس الأمة القادم وتحويل تصورها في كيفية ادارة البلد الى حقيقة قائمة، ودون تلك الفرصة الذهبية التي ذهبت دون عودة يصعب تصور حصول تلك القوى على أي شيء مؤثر في المدى المنظور.. القريب والبعيد!

***

ولنا ان نتصور لو كان الأمر بالعكس وكانت القوى الليبرالية والوطنية هي من ابتدأت وقررت المقاطعة الانتخابية فهل يمكن ان نتصور للحظة اصطفاف القوى المحافظة خلفها لاعطائها النصر المؤزر حال نجاح تلك المقاطعة؟! واضح ان الخيار الأكثر احتمالا والذي حدث في الماضي هو رفض القوى المحافظة ذلك الاصطفاف وتلك المقاطعة والعمل على حصد الكراسي التي اخلتها القوى الليبرالية والوطنية.

***

ومن حقائق العمل السياسي ان المقاطعة لا تحقق شيئا على الاطلاق لذلك لا تعمل الاحزاب في الدول المتقدمة لمقاطعة الانتخابات بل المشاركة الايجابية بها، وفي منطقتنا العربية قاطع الموارنة الانتخابات اللبنانية بعد مؤتمر الطائف فخسروا ايما خسارة وعادوا للمشاركة بعد ان تشرذموا وضعفوا، وقاطع سنة العراق الانتخابات البرلمانية فخسروا كذلك وعادوا للمشاركة بعد ان فاتهم القطار وطارت الطيور بأرزاقها، أليس في تلك التجارب دروس يمكن التعلم منها ضمن تجربة الخمسين عاما من العمل السياسي الكويتي؟!

***

آخر محطة:

(1) ألم يكن من الأفضل لو عكس وفعّل المعترضون على ما قامت به بعض التوجهات السياسية الوطنية عملهم ضمن الحراك التنظيمي الداخلي ومحاولة اقناع أصحاب التوجهات المقاطعة بالمشاركة الايجابية في الانتخابات بدلا من مقاطعة.. المقاطعين؟!

(2) شخصيا قمت بذلك الأمر بجهد فردي ووجدت ردود فعل ايجابية اولية ولا أعلم ما كان سيؤول اليه الحال لو تحول ذلك الجهد الفردي الى حراك جماعي ضمن تلك التوجهات يملك الاغلبية، خلاصة ما حدث هو ضياع فرصة ذهبية نادرة لن تتكرر أبدا والتاريخ يشهد ويرقب.. ولن يرحم!

احمد الصراف

لجنة الكليب

عند زيارة أي ادارة حكومية، خصوصا التي تتعامل مع الجمهور، كالداخلية، مثلا، نلاحظ مدى تردي نوعية الاثاث المستخدم والحالة المزرية التي تبدو عليها. ولو دخلنا لخلف المكاتب لوجدنا الوضع أكثر سوءا! كما تقوم الحكومة سنويا بالتخلص من جبال من الأثاث الهالك بسبب سوء النوعية. ولو نظرنا لوضع أعمال الطرق وحالة مباني الدولة، مع استثناءات بسيطة، لوجدنا مدى سوء الذوق فى التصميم ورداءة المصنعية. ولو تفحصنا تقارير بعض الكوارث وحوادث الحريق والانفجارات التي أصابت عدة مراكز تكرير نفط وتحلية مياه وتوليد كهرباء لوجدنا أن للمواد الرخيصة أو غير المطابقة للمواصفات الدولية التي تم تركيبها أو استخدامها دورا في وقوع تلك الحوادث الخطرة، وبالتالي فالشكوى عامة وشاملة كل مرفق، ولكن لا أحد يرغب في وضع يده على الجرح، ويحدد الجهة المسؤولة، فكل جهة تلقي باللائمة على الأخرى! فوزارة الأشغال مثلا تقول إنها تضع افضل المواصفات العالمية لأي مشروع، ولكن لجنة المناقصات هي الملامة لأنها تصر على ترسية المناقصة على أساس أقل الأسعار! واللجنة تقول إنها غير ملامة، فقانونها يتطلب منها ترسية المناقصة على أقل الأسعار، شريطة أن تكون مطابقة لما تم طلبه من الجهة الحكومية، وأن المشكلة بالتالي تكمن في ضعف أو خراب ذمة بعض الجهات التي تتسلم تلك المواد ولا تحاول مطابقتها مع ما تم الاتفاق عليه، وتقبل بالأرخص، أو يكون إشرافها غير شريف! وهذه «الدورة الجهنمية» من القاء كل طرف للمسؤولية على الآخر مستمرة منذ عهد الكويت بالشركات الخمس قبل اكثر من نصف قرن ولا تزال، ولا بد أن تقوم جهة ما بتصحيح الوضع، فحرام والف حرام ان يستمر هذا الهدر، وحولنا كل هؤلاء المخلصين الذين بامكانهم فعل الكثير. وقد تعاملت شخصيا مع لجنة المناقصات المركزية على مدى أربعين عاما، وكانت بدايتي كمقاول انشاءات، وهو نشاط تركته بعد ان شعرت بأنني أعوم في مياه غير مياهي. كما تعاملت معها كمورد، وعانيت كما عانى غيري، الكثير من تصلب البعض من اللجنة وطريقة تعاملها الفوقية، وهذا لا شك جزء من تراثها وشعورها بأنها تتعامل مع مجموعة من السراق والغشاشين والراشين والمرتشين، وهذا ليس صحيحا طبعا في جميع الأحوال! الأمر السار الوحيد هنا هو تولي السيد أحمد الكليب، الوزير والنائب السابق، رئاسة لجنة المناقصات، وقد يكون، من واقع تجاربنا مع اللجنة، أفضل من تولى ذلك المنصب، وإليه نوجه مقال الغد! علما بأنه لم يسبق لنا أن التقينا بالرجل إلا مرة واحدة قبل 14 عاما، ولنصف دقيقة.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalama nas.com