البلد يحبس انفاسه في انتظار حكم المحكمة الدستورية الكويتية في 25/9 والذي بناء عليه سترسم خارطة الدوائر الانتخابية الجديدة التي سينتج عن نتائج انتخاباتها مسار البلد القادم ومستقبله بعد ان توسع دور السلطة التشريعية في الكويت بشكل لا مثيل له في الديموقراطيات الاخرى في العالم، فإما عودة لمسار التأزيم السابق او انطلاقة جديدة للبلد.
***
إحدى أهم القضايا المطروحة على المحكمة هي العدالة في توزيع الدوائر التي يراها البعض انها تتمثل في «التوازن العددي» بينما لا ترى اغلب الديموقراطيات الاخرى صحة ذلك المبدأ حيث تخلق الدوائر الانتخابية في تلك الدول بشكل يمكّن كل شرائح المجتمع من الوصول لقبة البرلمان «قبائل كبيرة، قبائل صغيرة، حضر، شيعة، سلف، اخوان، ليبراليون، نساء، رجال اعمال، مثقفون ..الخ» حتى لو تباينت اعداد الناخبين بين دائرة واخرى في سبيل ذلك الهدف الوطني السامي.
***
ففروقات الاعداد موجودة في جميع الديموقراطيات الغربية والعربية وقد سبق ان اعطيت في مقالات سابقة امثلة حية وقائمة عنها ولا اود العودة لها منعا للاطالة، فالفكرة كما نصت عليها كل النظريات السياسية الحديثة هي ان العدالة تتحقق عبر دوائر انتخابية ينتج عنها «تكافؤ في فرص الوصول للمجالس النيابية من قبل الجميع» بل ان بعض النظريات تعدت حتى فكرة تكافؤ الفرص الى التعيين المباشر للشرائح المقموعة عبر نظام الكوتا او اغلاق دوائر انتخابية على النساء والاقليات، اضافة الى خلق البعض نظام المجلسين حيث يعين في احدهما الشرائح التي لا تنجح في انتخابات الآخر وجميعها للعلم تجارب ديموقراطية قائمة في العالم أجمع.
***
في الكويت نجد ان بعض الدوائر التي تتهم بأنها «غير عادلة» لقلة أعداد ناخبيها هي التي تعكس «العدالة» والفهم الصحيح للمبادئ الديموقراطية عبر تكافؤ الفرص بين مرشحيها وما ينتج عنه في كل انتخابات من فوز جميع ألوان الطيف السياسي والاجتماعي والديني في الكويت، حيث ينجح فيها عادة السنة والشيعة، الرجال والنساء، القبائل والحضر، السلف والليبراليون، الاخوان والوطنيون بينما تظهر الدوائر «المظلومة عدديا» عدم عدالتها في الاغلب وانعدام تكافؤ الفرص بين ابنائها حيث لا تفوز إلا احدى الشرائح الاجتماعية بسبب التشدد وغياب التسامح لدى بعض الناخبين، لذا فالإشكال الحقيقي هو كيفية العمل على ان تظهر تلك الدوائر تسامحها واظهارها كحال الدوائر الاخرى لجميع ألوان الطيف السياسي والاجتماعي كي يمكن بعد ذلك الحديث عن دوائر متساوية الاعداد، مع علمنا أنه وضع فريد في العالم مع غياب البدائل التي ذكرناها وتفشي رفض القبول بالرأي الآخر السائد في المجتمع واستجوابات «الهوية» لا القضية الشهيرة.
***
آخر محطة: 1 – التقيت في عزاء آل الخميس الكرام صباح امس المستشار الفاضل ناصر الروضان وسألته عما طرحه في ساحة الارادة من ان الحكومة طلبت منه تفصيل نظام انتخابي لمنع وصول نواب المعارضة ووجدت من تفاصيل ما ذكره أنه لا صحة اطلاقا لتلك المقولة!
2 – الديموقراطيات الاخرى التي تقبل بتباينات الاعداد كوسيلة لتشجيع وجود الكافة تحت قبة البرلمان هي نفس الديموقراطيات التي تسعى لنفس الهدف عبر قاعدة التصويت One Man One Vote اي صوت لكل ناخب.