تاريخيا عملت الصين وروسيا (الاتحاد السوفييتي سابقا) جاهدتين ولمدة 60 عاما لكسب ود وصداقة الشعوب العربية، فكيف يضحى بذلك التاريخ الطويل من الإنجاز عبر مواقفهما الحالية غير المبررة من المسألة السورية والتي تُخسرهما عطف وود 90% من الشعب السوري ومعهم 90% من الشعب العربي؟!
***
واضح أن مواقف الصين وروسيا ليست مبنية على مبادئ أيديولوجية أو حتى دينية، فالنظام في دمشق ليس شيوعيا كالصين وليس أرثوذكسيا كروسيا، وليست تلك المواقف الغريبة قائمة على مصالح اقتصادية، حيث ان الاغلبية المطلقة من الدول الخليجية والعربية والإسلامية مستاءة بشدة من تلك المواقف مما سيؤثر بالتبعية على المصالح التجارية والسياسية والعسكرية للصين وروسيا في المنطقة.
***
وقد يرى البعض أن تلك المواقف قد اتخذت مناكفة بالولايات المتحدة والغرب، والحقيقة ان ذلك التبرير يصعب فهمه كذلك، حيث ان العلاقة الروسية ـ الغربية، والصينية ـ الاميركية هي في أفضل احوالها سياسيا في شتى بقاع الأرض الأخرى، والاوثق اقتصاديا، كما يدل على ذلك كم التجارة وميزان المدفوعات بين البلدين والغرب بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة واستبدال سياسة العداء بسياسة المصالح والصداقة.
***
ويرى البعض الثالث أن تلك المواقف قد تكون مناكفة «طفولية» متأخرة من مواقف بعض حركات الاسلام السني الجهادية تجاه الاقليات المسلمة في الصين (الايغور) وروسيا (الشيشان) ومعروف أن الشعب السوري لا علاقة له اطلاقا بتلك الحركات المتطرفة المحاربة بشدة من حكومات دولها الاسلامية، كما يصعب فهم تلك المواقف لحقيقة انها تسيء لعلاقات الحكومتين الصينية والروسية مع الجاليات المسلمة ذات المذهب السني المؤثرة ضمن شعوبهما والتي يبلغ تعدادها (50 ـ 100) مليون مسلم في الصين و(20 ـ 24) مليون مسلم في روسيا الاتحادية، والتي تتعاطف بطبيعة الحال مع ما يجري للشعب السوري دون كسب شيء بالمقابل حيث لا توجد مكونات أو لوبيات ضغط علوية ضمن مكونات الشعبين الصيني والروسي.
***
الاحتمال الأخير، ولربما الوحيد، هو أن استحقاقات اللعبة الدولية في المنطقة الشرق أوسطية، فرضت مثل تلك الأدوار والمواقف على البلدين التي يصعب فهمها متى ما حكّمنا لغة العقل والمنطق والمبادئ الانسانية والعلاقة التاريخية والمصالح، حالها حال محاولة فهم مواقف وادوار قيادات منظمة التحرير الفلسطينية والاردن والسودان واليمن من غزو الكويت عام 90 والتي فرضتها قواعد اللعبة الدولية آنذاك!
***
آخر محطة:
الفخر (!) بأن النظام السوري هو من أوصل السلاح لغزة (إن صدقت المعلومة) هو أمر يحسب ضد النظام السوري لا معه، فذلك السلاح تسبب في اقتتال الاخوة الفلسطينيين وإسالة دمائهم وتشطيرهم وتقسيمهم لدولتين بحكم الأمر الواقع، وتسبب كذلك في غزو إسرائيل واحتلالها للقطاع، ولم يكن ذلك السلاح المفتخر به، وكما أخبرنا المسؤولون في غزة، الا أقرب للالعاب النارية والفرقعة الإعلامية.. لا غير!