سامي النصف

ليالي الأنس في فيينا

التقيت في عاصمة السحر والجمال (فيينا) سفير الكويت في جمهورية النمسا الصديق محمد الصلال الذي يسعد الانسان بوجود امثاله كسفراء في وزارة الخارجية لما يملكه من فكر سياسي راق وعمل دؤوب في المنظمات الدولية المتواجدة بقرب محيط عمله مثل منظمة الطاقة الدولية لخدمة مصالح الكويت.. السفير المحترف ابوفراس يعكس صورة لانواع من السفراء بدأت ـ للاسف الشديد ـ تنقرض هذه الايام.

*** 

الطريق من بودابست الى فيينا يقارب الـ 200كم من المروج الخضراء والبحيرات الزرقاء والازهار الصفراء والورود الحمراء وتمر خلالها برجلي شرطة لا تشعر بهما وان كان مشهدهما يعني انك انتقلت من هنغاريا الى النمسا وهي دعوة لمن ادمنوا الزيارات السنوية لمدن مثل لندن وباريس وجنيف للتجوال بالسيارة او القطار في دول وسط اوروبا، ولن تندموا!

***

مع بداية القرن الماضي كانت هناك امبراطورية نمساوية ـ هنغارية جرت بها احداث تسبب فيها طالب صربي فوضوي يدعى «غارفيلو برنسب» ادت الى مقتل 70 مليون انسان هم مجموع ضحايا الحربين الاولى والثانية التي قامت بسبب هزيمة ألمانيا المذلة في «الاولى» وبسبب تلك الحرب تساقطت الامبراطوريات الاوروبية وقامت الشيوعية في روسيا وبدأ تدخل الولايات المتحدة بالشأن الدولي وسقطت الدولة العثمانية، وقسمت الدول العربية، وصدر وعد بلفور الذي كان بامكانه ان يبقى حبرا على ورق لولا جرائم النازيين بحق اليهود بعد ان اتهموهم بالتسبب في هزيمتهم في الحرب الاولى، وكانت الدولة العثمانية قد دخلت الحرب الاولى بعد ان شهدت الانتصارات الالمانية على الحلفاء في بدايتها لعدم وجود اطماع المانية في اراضيها بعكس الروس والانجليز والفرنسيين.

***

ففي 28/6/1914 زار ولي عهد الامبراطورية النمساوية ـ الهنغارية، البوسنة التابعة له واثناء خروجه من قاعة المجلس البلدي في سراييفو قام عضو عصابة الكف الاسود الطالب «غارفيلو برنسب» باطلاق النار عليه وعلى زوجته وحبيبته صوفيا، وجرت احداث انسانية مؤثرة يرويها شاهد عيان كان بقرب السيارة المقلة لهما جمعت بين الصلابة الشديدة للامير النمساوي «فرانز فيردنياند» والرقة الشديدة، فمع اطلاق النار عليه وبدء خروج الدم من فمه سأله الشاهد ان كان يشعر بشيء، فأجابه بشجاعة نادرة «لا شيء على الاطلاق» ولكن ما ان سقطت زوجته التي يعشقها عند رجله بسبب اطلاق النار عليها حتى بدأ وهو في حشرجة الموت يترجاها الا تموت لحبه الشديد لها وكانت آخر كلماته «صوفي ارجوك لا تموتي اذا لم يكن لأجلي فلأجل اطفالنا الصغار» ثم اسلم الاثنان الروح فيما يمكن اعتباره اعظم جريمة في التاريخ لعظم تداعياتها.

***

تلت تلك الجريمة الشنعاء احداث اشبه بتساقط احجار الدينمو فقد وجه امبراطور النمسا وهنغاريا رغم كراهيته لولي عهده الاصلاحي انذارا لحكومة صربيا رغم عدم وجود دليل حتى اليوم على تورطها بالجريمة، واعلنت روسيا على الفور وقوفها مع صربيا، بينما ارسل امبراطور المانيا ما سمي بـ «شيك على بياض» لامبراطور النمسا وهنغاريا، واعلنت فرنسا، احياء تحالفها مع روسيا فاحتلت القوات الالمانية بلجيكا استعدادا للحرب القادمة مع فرنسا فأعلنت بريطانيا العظمى احياءها لمعاهده قديمة تضمن حياد بلجيكا كما دخلتها في اكتوبر من ذلك العام الدولة العثمانية في محاولة للحفاظ على ما تبقى من اراضيها.

***

آخر محطة: لأسباب غامضة تعطل جهازا الملاحة اللذان أستعين بهما في تنقلاتي بين دول وسط اوروبا والمانيا، وقد زودني مشكورا الديبلوماسي النشط في سفارتنا بفيينا ياسين الماجد بجهاز ملاحة ثالث مما جعل السيارة التي تقلنا اقرب لـ «طائرة اواكس باجهزتها الملاحية المتعددة» والله يستر من تعطل الجهاز الثالث.

 

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *