لم يتفش الخراب والدمار والقمع والطغيان على ارض الكنانة الا بعد ان استبدل انقلابيو 1952 القضاة المصريين بالضباط القمعيين بدءا من محاكمات متظاهري كفر الدوار اغسطس 1952 ثم محكمة الثورة سبتمبر 1953 ومحكمة الشعب نوفمبر 1954 وما بعدها، وقد وقف قضاة مصر الشامخون ضد القبضة الحديدية لنظام عبدالناصر وتنظيمه السري فأوقع بهم مجزرة نادي القضاة عام 1969.
***
ذكرنا في مقالنا المنشور بجريدة «المصري اليوم» يوم الجمعة 1/6/2012 ان مصر مقبلة على حقبة «ديكتاتورية الاكثرية» التي هي اسوأ من ديكتاتورية الاقلية، وقد اتت الاحداث لتثبت ذلك الامر، ففي عهد مبارك صدرت احكام المحكمة الدستورية بحل مجالس الشعب والشورى في 5 قضايا مختلفة، فتم على الفور الامتثال لتلك الاحكام القضائية ولم يدع احد ان «المجلس سيد قراراته» ويوقف تنفيذ تلك الاحكام واجبة التطبيق.
***
يوم الخميس الماضي، اصدر القضاء المصري الشامخ الذي هو احد التيجان التي نفخر بها كعرب احكامه الجليلة بإسقاط حكم العزل الجائر الذي اصدره ترزيو القوانين في مجلس الشعب ومعه قرار بحل مجلس الشعب، فاعترض المجلس في سابقة لم تحدث من قبل في مصر، وقرر عقد جلسة يوم الثلاثاء المقبل وحرك نوابه الغوغاء في الشوارع في تكرار لحادثة مارس 1954 عندما اوعز عبدالناصر لزبانيته بتحريك المظاهرات في الشوارع والميادين التي تطالب برفض الديموقراطية والقبول بالديكتاتورية القمعية، وهي مظاهرات لم يشهد لها العالم مثيلاً حتى هذه الايام.
***
لقد حاول مجلس الشعب المصري فرض لجنة تأسيس الدستور على معطى «الغلبة» فأسقطها القضاء المصري الشامخ، كما حاول الجاهل حازم ابواسماعيل فرض ارادته على القضاة فخاب فأله، ومازال ينتظر الاحالة للتحقيق بتهمة التزوير في الأوراق الرسمية، ومع صدور الاحكام في قضية مبارك حاول نواب جهلاء التعدي على رجال القضاء فرفع عليهم القضاة مئات الدعاوى، ولن تنفع النواب المسيئين حصانتهم البرلمانية بسبب حل مجلس الشعب، وقد اعتذر رئيسهم وكثير منهم عن تلك الاساءات دون فائدة، كما اسقط القضاء العادل قانون العزل المسخ مما مهد للمرشح احمد شفيق اكمال مسيرته بل وزاد من فرص نجاحه بعد ان بدأت نوايا القمع والديكتاتورية الخافية والمستترة تتكشف امام الشعب المصري الذي فقد الثقة في نوابه ولن يعيد انتخاب اكثرهم.
***
ومن مصر الى الكويت واساءات متتالية للقضاء الكويتي الشامخ تذهب دون محاسبة او مساءلة، فمن محاولة الدفع بنواب للمحكمة الدستورية ومقترح اسقاط حقها في تفسير الدستور الى الحشود والجموع من قبل النواب وغيرهم امام قصر العدل للتأثير على احكام القضاء، وهو امر لو تم في بلد آخر لتضاعفت الاحكام لردع التجاوزات الخطرة ولارسال رسالة واضحة جلية فحواها ان الحقوق تؤخذ بقوة القانون لا بقوة الجموع والحشود، وان القاضي الذي يجبن امام الغوغاء هو قاض لا يستحق البقاء على منصته، قضاتنا الافاضل حمروا الاعين وردوا محاولات التعدي على اعمالكم والتدخل في احكامكم النزيهة ولكم في قضاة مصر الابطال خير قدوة ومثال، فالشعب بأجمعه خلفكم لا خلف غيركم ممن افسدوا محرابهم ويرومون افساد محاريب السلطات الاخرى.
***
آخر محطة: النيابة العامة هي من ينوب عن الشعب في ردع المتجاوزين على الاموال العامة، وهي جرائم لا تسقط للعلم بالتقادم، لذا بودنا ان نسأل عن آخر تطورات بلاغ الزميل باسل الجاسر ضد قطب برلماني يتهمه بالاستيلاء على الاموال العامة بمخالفة صارخة للقوانين، ذلك القطب للعلم هو اول من اساء للسلطة القضائية عندما قاد الصغار والدهماء والغوغاء للتجمهر امام وزارة العدل بقصد التأثير على احكام القضاء، لقد ارسل البعض رسائلهم بوسائل مختلفة برغبتهم في تحجيم مرفق القضاء والاساءة له، فهل من رد على تلك الرسائل؟!