سامي النصف

وزير عليم يعلم ولا يتكلم.. ووزير يتكلم ولا يعلم!

  أسوأ ما يمكن عمله في قضية «الداو» هذه الايام هو تسييسها فيتخندق البعض للدفاع عنها، أو الهجوم عليها، وتضيع دماء 2 مليار دولار من المال العام بين الفرقاء، كذلك علينا أن نفرق بين من هاجم صفقة «الداو» لأسباب موضوعية أثبتت الأيام صحتها، ومن مهاجم الصفقة كونه ولأسباب غير مفهومة (أو مفهومة) يهاجم كل مشروع يقام في الكويت ويفخر بإسقاطه لكل مشاريعنا التنموية، بينما تستمر في الوقت ذاته مشاريعه الخاصة ومشاريع شركائه وأبنائه في العمل بأقصى سرعة خارج البلد وداخله، وكان الله عليما بالأسرار.

***

لا أفهم على الاطلاق حجة من يدافعون عن المسؤولين النفطيين، ويكفي كمثال على تفريطهم في المال العام قبل شراكة «الكي داو» قيامهم بشراكة مماثلة معها (50/50) في شركة «أكوا بوليمرز» كما أتى في تقرير ديوان المحاسبة لعام 2010/2011، وضمنه أن تلك الشركة التي أنشئت عام 2004 كان يفترض أن تأتي بعوائد سنوية للكويت بين 16 و18% إلا أنها منيت منذ يومها الاول بخسائر فادحة قاربت المائة مليون دينار جاوزت رأس المال، أي ان شركة «الداو» «متعودة دايما» على تدبيسنا بمصانعها الخاسرة بغفلة أو تواطؤ المسؤولين النفطيين الذين يفترض أن ندافع عنهم هذه الايام.. هزلت!

***

وظل المسؤولون النفطيون ـ يا للغرابة ـ يمولون بالهبل حتى العام الماضي تلك الشركة التي ألبستها الداو لنا حتى جاوزت قروضها من أموال الشعب الكويتي المظلوم 115 مليون دولار، ومثل ذلك كما أتى في تقرير ديوان المحاسبة استمرار الخسائر الفادحة لاستثمار المسؤولين النفطيين بشركة «العطريات» حتى بلغ إجمالي الخسائر من «مال عمك لا يهمك» أكثر من 80 مليون دينار وبمخالفات صريحة لتوصيات إدارة الفتوى والتشريع وديوان المحاسبة وقبلهما متطلبات الدين والوطنية الحقة ومصالح الشعب الكويتي ومن ائتمنهم على تلك المراكز الحيوية، وعبر إخفاء الحقائق بشكل تام عن مجلس الأمة والوزراء المعنيين بتلك الأمور.

***

والقول الفصل في تلك القضية هو ما كشفه النائب السابق صالح الملا المختص بالقضايا النفطية، حيث أوضح أنه قدم سؤالا مهما في أغسطس 2008 لوزير النفط آنذاك م.محمد العليم عما اذا كانت هناك دراسات جدوى اقتصادية لتلك المشاركة وعن الجهة المختصة بتقييم أصول ومصانع «الداو»، إلا أن الوزير رفض الاجابة عن تلك الاسئلة البديهية رغم 3 كتب تذكير من النائب، وبعد انتظار 3 أشهر أتى الرد في شهر نوفمبر 2008 بأن المعلومات غير جاهزة طالبا التأجيل ولم تصل الاجابة قط وهو ما يدعو للشك والريبة بشكل كبير.

***

الأغرب أن الوزير المعني آنذاك، أي وزير النفط الذي دافع بشراسة عن الصفقة وشقها الجزائي حتى امتلأت مآقي الشعب الكويتي بالدموع وأكفهم بالدعاء له، لا يظهر في اللقاءات المدافعة عن الصفقة هذه الايام ويظهر بدلا منه مسؤول «غير مختص» وغير معني بالقضية، حجته الوحيدة أن النواب والكتاب (بل وبنفس المنطق حتى مجلس الوزراء) غير مختصين، لذا يجب أن يترك الأمر لأهل الاختصاص من المفاوضين النفطيين ومن ثم علينا أن ندفع المليارات لـ «الداو» ونحن صاغرون، وحجة «الاختصاص» تعني أن نغلق مجلس الأمة والوزراء ونعطل الصحف ونكسر الاقلام، فميزانية الدولة يقرها مجلس الوزراء ويناقشها النواب والكتاب وهم ليسوا «محاسبين»، ويناقشون ميزانية «الصحة» وهم ليسوا أطباء، و«العدل» وليسوا محامين، و«الاشغال» وليسوا مهندسين.. إلخ، ولو آمن البعض بمفهوم الاختصاص لما تحدث أحد عن تلك الصفقة أو تقلد مسؤوليات ليست من اختصاصه.. والدين النصيحة!

***

ومما هو متفق عليه أن الشرط الجزائي (سقف التعويض لا فرق) الذي بلغ 33% (النسبة المعتادة من 5 الى 10% بحد أقصى) غير مسبوق في تاريخ العقود، وانه ـ وهذا مهم جدا ـ كان مقصودا بذاته من قبل الفساد والمتجاوزين الواجب محاسبتهم بشدة خاصة أن انسحاب الكويت لم يفوت فرصة الربح على «الداو»، كذلك فقد كان بإمكان الاستثمار في تلك الصفقة آنذاك أن يصبح «صفرا» فيما لو استمرت الأزمة المالية كما حدث عام 1929، أو لو استمر سعر النفط الذي بلغ آنذاك 35 دولارا على نفس المستوى أو كحال استثمار «أكوا بوليمرز». أخيرا لم يكن مقبولا من نواب الأمة رفض منح ساعتين لمناقشة كارثة أو فضيحة «الداو» التي مازال الفاعلون والفاسدون فيها يسرحون ويمرحون ولم يبحث أحد حتى عن فرّاش بالنفط لتدبيسه بالتهمة!

***

آخر محطة:

(1) رغم عدم الاختصاص، فقد دعونا حينها أن تتم الاستعانة بمكتب استشاري نفطي عالمي لإعطاء تقرير أولي خلال أيام، وهو أمر ممكن بحكم المهنية والاختصاص، عن صحة المشاركة وحالة مصانع «الداو» وسقف التعويض.. إلخ، بدلا من اللجوء لمكاتب استشارية محلية غير مختصة لا تملك الخبرة، فطلبت كما هو متوقع أشهراً للاجابة فـ «سبق السيف العذل».

(2) دروس من «الداو»:

(أ) محاسبة من ورط الكويت من المسؤولين النفطيين والقيام بعمليات تطهير واسعة بذلك القطاع الحيوي المهم، ومخجل جدا عدم المحاسبة حتى هذه اللحظة.

(ب) التوقف عن التفاخر بإلغاء كل مشروع حيوي للكويت وتسييس قضاياه بدلا من النقاش الفني والموضوعي حوله الذي يضع مصلحة الكويت وشعبها نصب عينيه في التعاقد أو الإلغاء.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *