لا يختلف اثنان على ما كانت تحفل به مصر والعراق وليبيا ابان العهد الملكي السعيد من حريات وديموقراطية وسيادة قانون وتسامح ورحمة وهو ما يفترض ان يؤهل تلك الانظمة الانسانية للبقاء حتى يومنا هذا «لولا» حدوث قضايا فساد شهيرة تمت في تلك البلدان ولم يقابلها حزم وردع تجاه الفاعلين مما اثار حنق وغضب العامة، وأفاد الحاقدين والمتصيدين في الماء العكر وما اكثرهم لديهم.. ولدينا!
***
في مملكة مصر والسودان اثار الكاتب احسان عبدالقدوس قضية الاسلحة الفاسدة وهي للمعلومة اكذوبة كبرى سربها له بعض العسكر لتبرير الاخفاق في حرب فلسطين وابعاد النقمة الشعبية عنهم، وقد قدم عضو مجلس الشيوخ مصطفى مرعي استجوابا من محورين هما: الاسلحة الفاسدة واستيلاء الوزير كريم ثابت على 5 آلاف جنيه من مستشفى المواساة الخيري بالاسكندرية، وبدلا من التعامل مع القضيتين بحزم، رفض الملك فاروق استقالة صديقه كريم ثابت المستحقة وحل مجلس الشيوخ، وكانت تلك الاعمال هي الشرارة التي اكلت الاخضر واليابس بعد فترة قصيرة (كريم ثابت للمعلومة هو الذي شنع بالملك فاروق امام محكمة الغدر عام 53).
***
في مملكة العراق كتب المرحوم احمد فوزي الذي اصبح كاتبا في «الأنباء» بالثمانينيات سلسلة مقالات عام 53 ضد فساد مجلس الاعمار اتهمه خلالها بإرسائه العطاءات على شركة لبنانية بزيادة 45 الف دينار عن شركة عراقية، وبدلا من تصحيح الاوضاع احيل الكاتب للمحاكمة وتطوع للدفاع عنه نقيب المحامين العراقيين و142 محاميا من جميع المحافظات كانت جريدة «الجريدة» التي يعمل بها تنشر اسماءهم تباعا واصبح فساد مجلس الاعمار قضية رأي عام دائمة، تسبب التسيب في التعامل معها في إثارة حنق وغضب العامة دون مبرر.
***
مثل ذلك قضية طريق فزان في العهد الملكي الليبي الذي يربط طرابلس بسبها والذي يبلغ طوله 1000 كم وقد رست عطاءاته على شركة ساسكو التي كان يملكها عبدالله عابد السنوسي (تشابه اسماء مع مدير مخابرات القذافي) بمبلغ مليوني جنيه، ثم طلبت الحكومة اعطاء الشركة 4 ملايين اضافية وعمل رئيسها عبدالمجيد كعبار ـ في محاولة لإرضاء المعارضة النيابية ـ على ادخال اثنين منها للوزارة الا انهم رفضوا وعقدوا جلسة طارئة قاطعتها الحكومة، رفضوا خلالها منح الشركة الاموال الاضافية وحرموها من دخول العطاءات الحكومية وبقيت قضية الطريق عالقة لسنوات يرفعها الحاقدون للدلالة على فساد الأوضاع ولإثارة العامة ممن تضرروا لتوقف اعمال الطريق، وليتهم علموا ما ستؤول اليه الاوضاع في عهد ملك ملوك افريقيا او قرد قرودها كما يسميه الليبيون!
***
نرجو الا تنتظر الحكومة الاصلاحية القائمة ان يفرض المجلس عليها محاسبة المسؤولين عن صفقة الداو واقالتهم ومحاكمتهم خاصة امام الحقائق الدامغة التي تظهر ان تلك المفاوضات احاط بها كثير من الشبهات حيث بدأت بشراكة قيّمت بـ 19 مليار دولار انخفضت سريعا بعد الهجوم عليها الى 15 مليار دولار (!!) ثم انتهت بسقف التعويض او الشرط الجزائي (لا فرق) الذي كلف المال العام 2.5 مليار دولار. وقد شاهدنا «اعتراف» بعض مسؤولي النفط بأنهم وبفخر من يقف خلف ذلك المبلغ الطائل منعا ـ حسب قولهم ـ لتعويض قدره 15 مليارا ثمنا لـ 4 أيام فاصلة بين الاتفاق وإلغائه ولم يقل لنا هؤلاء الجهابذة لماذا لم يستخدموا اوراق الشراكة المربحة القائمة على شراء الكويت الغاز بأغلى الاسعار وبيعه مدعوما لشركة الداو كوسيلة لخفض مبالغ التعويض الاعلى في التاريخ وغير المبرر على الاطلاق؟! وأما اذا كان هذا المنطق الفاسد سيتكرر مستقبلا من قبلهم فإنهم فإن كلفوا المال العام 5 مليارات في صفقة فاسدة اخرى قالوا ان الخمسة خير من العشرة، وان كلفوه 10 مليارات قالوا اقبلوها فهي خير من 20 مليارا. القرار السياسي السليم هذه الايام هو الاقالة والاحالة للتحقيق، اما الاعذار التي يتقول بها الفاعلون فنذكر انه حتى صدام قام بتقديم عشرات الاعذار والمبررات لجريمته الشنيعة بغزو الكويت وهو امر لا يبرئه من تلك الجريمة.
***
آخر محطة: أمام الصور القاتمة لبعض الكويتيين، شهدنا فجر يوم الجمعة بمستشفى الولادة نماذج باهرة تستحق الاشادة والتنويه والثناء، ومنها ما قامت به د.لطيفة الكندري التي حضرت فجرا وفي يوم عطلتها لتساهم في عملية صعبة ومعقدة لسيدة كويتية لا تربطها بها معرفة عدا ايمانها غير المحدود بالدور الانساني للطبيب، ومثل ذلك جهد الدكتورة المخلصة عالية العجمي والدكتور الانسان وليد الجسار الذي نتمنى تعيينه مديرا لمستشفى الولادة، والشكر موصول للطاقم التمريضي المصاحب وما يعكسه ذلك من حقيقة ان الخدمة الصحية بالكويت ليست بالسوء الذي يحاول البعض ترويجه عنها، ولو تعامل اهل «الداو» بكفاءة واخلاص اهل الولادة لما دفعت الكويت فلسا واحدا.