يحسب للرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي أنه وقف مع الحق الكويتي عام 90 حتى تبرأت منه قبيلته لاعتقادها أنه خان فارس العروبة صدام، في حين وقف الرئيس زين العابدين ومعه أمين عام الجامعة العربية آنذاك الشاذلي القليبي موقفا شائنا يتضمن قبوله لمبدأ الاستعمار العربي الذي هو أشد قسوة وإيلاما من الاستعمار الأجنبي مثله مثل الاحتلال الداخلي الذي تقوم به بعض الانظمة القمعية العربية لشعوبها والذي هو كذلك أشد وأقسى في رأي الرئيس التونسي المثقف من الاحتلال الخارجي.
***
تلك الوقفة التاريخية الحقة أظهرت الرئيس المرزوقي وكأنه يرى المستقبل بوضوح شديد عندما غابت العقول، حالها حال رؤيته المستقبلية الثاقبة ضمن برنامج الاتجاه المعاكس في أبريل 2010 عندما أصر على أن الانظمة الديكتاتورية العربية ستتساقط سريعا مهما أظهرت من قوة زائفة، وقد انتهى اللقاء آنذاك باتفاق 90% من مشاهدي البرنامج مع رأي د.المرزوقي وهو ما يدل على قوة حجته، فلم يعرف عن جماهيرنا العربية قط الوعي السياسي الشديد أو القدرة على الرؤية المستقبلية الصحيحة، يضاف الى ذلك أن الأيام أثبتت أن تلك الرؤية كانت تعكس آنذاك وجهة نظر المحطة المؤثرة في الانظمة القمعية.
***
وقد سألت الرئيس التونسي الذي التقيناه قبل مدة بصحبة «السفراء» عبدالعزيز البابطين عن كيفية وصوله إلى تلك القراءة الصحيحة للأحداث في منطقة اشتهرت بخطأ التوقع المتكرر فيها، حيث يأتي من الغرب دائما ما يتم توقعه من الشرق والعكس بالطبع صحيح، فأجاب فخامته بأن الاوضاع العربية كانت تحتاج الى قراءة عقلانية وموضوعية للأحداث، فحكم القمع والقهر قد يستمر لشهر، ولكنه لا يستمر أبد الدهر.
***
ومن الأقوال التي يكررها الرئيس المثقف والتي يمكن الاستفادة منها في الكويت وبقية أقطار الصحوة العربية، حقيقة أن الإضرابات والاحتجاجات والاعتصامات الشعبية تشكل خطرا ماحقا على اقتصاديات البلدان المعنية، وان الأنظمة السياسية الجديدة مهددة بالموت السريع إذا لم تبدأ العجلة الاقتصادية بالدوران بأقصى سرعتها، لذا يطلب فخامته من الجموع إعطاء الحكومات العربية هدنة لا تقل عن 18 شهرا للعمل قبل المحاسبة، ومن الافعال القدوة اجتماعه الأسبوعي على العشاء مع رئيس البرلمان ورئيس الحكومة اللذين يمثلان توجهات سياسية مختلفة كي يصلوا إلى حلول لإشكالات البلد على مبدأ الترويكا المتعاونة، لا الترويكا المتعاركة.
***
آخر محطة:
(1) اعتذر الرئيس التونسي قبيل زيارته الاخيرة لبغداد من الشعب العراقي الشقيق بسبب اشتراك شابين تونسيين متطرفين في تفجيرات سامراء، رغم أن الشابين لا يمثلان تونس بالقطع، ونذكر في هذا السياق موقف الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي الشائن من مظلمة الشعب الكويتي والتي راح ضحيتها آلاف الأبرياء والتي زرعت في وجدان الشعب الكويتي جروحا غائرة.
(2) نتمنى وبحق أن ينجح الرئيس التونسي المثقف في إحياء مجلس الاتحاد المغاربي ليكون الجناح الآخر لمجلس التعاون الخليجي الذي أحد أسباب نجاحه تعامل دوله مع الآخرين على أنها دولة واحدة، ومن ذلك نرجو من الرئيس التونسي الزائر أن يتوقف عن مطالبة الشقيقة الكبرى السعودية بتسليم الرئيس التونسي السابق الذي لجأ اليها وهو المنتمي لقبيلة عربية كريمة تعلم معنى اللجوء وحرمة تسليم من يلجأ، متذكرين بأن الرئيس المرزوقي رفض تسليم رئيس الوزراء الليبي البغدادي المحمودي لحكومة الثورة في بلاده، كما تقدم قبل مدة بعرض لقبول لجوء الرئيس السوري بشار الاسد في تونس، تكرار تلك المطالبة يوتر العلاقة مع السعودية، وبالتبعية مع دول الخليج.