لا نكل ولا نمل من الحديث عن حجم المفاهيم والممارسات الخاطئة ضمن لعبتنا الديموقراطية ومن ذلك دور رئاسة البرلمان التي لا تأخذ الشكل ذاته في برلمانات العالم الأخرى (كحال الاستجوابات) فالجميع يتذكر على سبيل المثال اسم قيادات السلطة التنفيذية من رؤساء دول ووزارات في أميركا وبريطانيا وألمانيا.. الخ، ولكن لا أحد يعلم أسماء رؤساء السلطات التشريعية فيها.
***
فرئاسة البرلمان في جميع البلدان الأخرى لا تختلف عن مكانة النواب الآخرين ولا تملك صلاحيات مشابهة لصلاحيات رؤساء السلطات التنفيذية والقضائية على مرؤوسيهم بل توضع رئاسة البرلمان في كثير من الدول ومنها كندا في المرتبة الرابعة بروتوكوليا بعد حاكم الولاية ورئيس الوزراء ورئيس السلطة القضائية.
***
ولا ينص الدستور الأميركي حتى على ان يكون رئيس مجلس النواب عضوا في البرلمان، كما يرأس مجلس الشيوخ الذي قد تكون أغلبيته المطلقة من الحزب الجمهوري نائب الرئيس الذي قد يكون من الأقلية الديموقراطية، كما يرأس نائب الرئيس الجلسات المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ ممن قد تكون أغلبيتهم جمهوريين كذلك ويذكر أشهر رئيس لمجلس النواب الأميركي تيدفوللي في كتابه «كل السياسات محلية» أن الدور الرئيسي للرئيس هو العمل الدؤوب مع نواب الحزبين (الأكثرية والأقلية) للوصول لتفاهم مشترك يسهل عملية إصدار التشريعات، ولم يقل ان دوره هو إظهار انحيازه لأحدهم والعمل مع طرف واحد في البرلمان، وفي هذا السياق تعتبر كل السياسات في الكويت شخصانية لا .. محلية!
***
وفي الديموقراطية الأقدم في العالم «يتفق» الحزبان البريطانيان الرئيسيان عادة على شخص رئيس البرلمان والذي قد يكون من حزب العمال على سبيل المثال، وفي الانتخابات اللاحقة لا ينزل حزب المحافظين منافسا له في دائرته لضمان نجاحه واستمرار رئاسته للبرلمان الذي يمكن ان تكون الانتخابات قد جعلت أغلبيته من الحزب المنافس دون ان يؤثر ذلك على احتفاظه بكرسي الرئاسة كي يمكن له ان يطبق اللوائح والعقوبات بحق النواب بدلا من ان يكون أسيرا لأصواتهم.
***
وفي مصر أعيد انتخاب أحمد فتحي سرور 21 مرة ولم ينافسه أحد من الحزب الحاكم رغم وفرة وكثرة القيادات البارزة فيه، وفي لبنان بقي نبيه بري رئيسا لمجلس النواب لـ 22 عاما رغم ان قوى 14 آذار بقيادة الحريري كانت لها أغلبية مريحة في البرلمان إبان انتخابات الرئاسة السابقة، وفي جميع تلك الحالات يفرض المنصب إظهار الرئيس حياديته بين الأعضاء تطبيقا لنصوص الدساتير التي تحث على المساواة في الحقوق والواجبات ولكونهم كغيرهم ممثلين للشعب.
***
آخر محطة: من كل ما سبق وللصالح العام نصل للحقائق والتوصيات التالية: ضرورة ان يتموضع موقع رئاسة المجلس الى الوسط أي بين الأكثرية والأقلية وبين المجلس والحكومة وان يحسب تحركه بميزان الذهب. سبق أن جرب نهج الانحياز وتحديدا في يونيو 86 عندما سمح بتقديم 4 استجوابات في يوم واحد فحل المجلس بعدها بأيام قليلة حلا غير دستوري. يفرض كرسي الرئاسة على من يتسنمه ان يكون ودودا مع الجميع وألا يخاصم أحدا من النواب أو المسؤولين أو الإعلاميين أو حتى الخصوم السياسيين السابقين وان يكون مبادرا دائما لإصلاح ذات البين بين النواب.