يردد كثيرون أن أقدم وأعرق ديموقراطية في العالم، ونعني الديموقراطية البريطانية، هي عبارة عن دستور وأعراف غير مكتوبة ومن ثم يستطيع من يريد من النواب ان يفعل ما يشاء دون حسيب او رقيب، ما لا يعلمه «السميعة» ان أعراف الديموقراطية البريطانية لها صفة الإلزام وهي ليست كلمات تقال بل يقوم صلبها وعملها على أسس ومبادئ راسخة أهمها نظام «السابقة» كحال نظامهم العدلي اي ان حدوث أمر ما في الماضي وقبوله يجعله عرفا ملزما في المستقبل.
***
لتلك الأسباب وحفاظا على رونق وصحة ممارستنا الديموقراطية المستقبلية السليمة، اعترضنا على كثير من الأمور التي حدثت إبان الحكومة السابقة والتي حدثت بحجة الرغبة في إسقاطها، والإسقاط للعلم قد يسره وسهله الدستور ورسم خارطة الطريق الصحيحة للوصول إليه عبر المواد ذات الصلة وهو أمر قد تحقق بتحول موقف كتلة العمل الوطني للمعارضة ولم يكن هناك داع على الإطلاق لخلق ممارسات وأعراف برلمانية خاطئة مثل رفض قرارات الأغلبية (المتغيرة) وتفاسير المحكمة الدستورية واللجوء للشارع ومخالفة القوانين والتحريض على السلطة والتعدي على رجال الأمن.. إلخ، وقلنا في حينها وفي أكثر من مقال انها ستدمر الحياة السياسية الكويتية المستقبلية كونها ستصبح ممارسة مقبولة تجعل البلد يعيش على صفيح ساخن حتى.. قيام الساعة.
***
ومنذ الأيام الأولى لعمل الحكومة الحالية، بدأت الممارسات السابقة الخاطئة تؤتي ثمرها، وذلك عن طريق تكرارها عملا بمبدأ «ليش حلال عليكم وحرام علينا»، وبالطبع من يدفع الثمن هو الكويت ومستقبل شعبها، حيث ننشغل بتلك الأزمات السياسية المتلاحقة عن رؤية التطور المذهل القائم لدى الجيران ممن تتغير معالم بلدانهم إلى الأفضل مع كل يوم يمر.
***
ومن غرائب الممارسات السياسية الخاطئة جدا او الكرة الجهنمية المستمرة في تدمير ماضي وحاضر ومستقبل الكويت القول بأن الاستجواب هو حق دستوري «مطلق» للنائب مهما أساء استخدامه او تكسب ماليا وانتخابيا منه على مبدأ «الاستجواب لأجل إعادة الانتخاب وزيادة أصفار الحساب»، او وجهه للمسؤول الخطأ أو حتى دمر البلد وأوقف حاله لأجله، بينما الذهاب للمحكمة الدستورية او اللجنة التشريعية او طلب سرية الجلسات او تأجيل الاستجواب، وهي جميعا حقوق دستورية مطلقة للحكومة، امور «محرمة» عليها والغريب العجيب ان الداعي للأمرين المتناقضين.. توجه واحد!
***
آخر محطة:
(1) كتب الجار المختص د.محمد مقاطع وأيده في المقال الصديق خليفة الخرافي حول عدم دستورية حل مجلس الأمة السابق وهو أمر يستحق التوقف عنده، وقد سبق للمحكمة الدستورية المصرية وفي أكثر من مرة ان أصدرت أحكاما نافذة بحل المجالس التشريعية وإعادة الانتخابات العامة فيها.
(2) وكتب الزميل مصطفى الموسوي مقالا قبل الأمس انتقد فيه قرار كتلة العمل الوطني بدعم قرار حل المجلس التشريعي السابق وهو أمر محق، وقد كتبنا في حينه ان فساد بعض النواب في الكونغرس الأميركي او اي مجلس تشريعي آخر لا يدعو لحله (ما ذنب النواب الآخرين؟!) بل لمحاسبة النواب المخطئين من قبل لجان القيم وتحويلهم للجهات القضائية المختصة، كما ذكرت في حينه ان المزاج العام المؤجج لا يسير مع توجه كتلة العمل الوطني الهادئ ومن ثم فإن عودتهم قضية غير مؤكدة، وقد زاد الطين بلة عدم تكاتف ودعم نواب تلك الكتلة لبعضهم البعض في الدوائر المختلفة إبان الانتخابات كحال نواب الكتل الأخرى وعدم تشاورهم مع أحد أو لعبهم لعبة التحالفات بطريقة صحيحة.. قديما قيل: «النصيحة بجمل»!
(3) كتبت د.ابتهال الخطيب ناقدة تصويت 6 آلاف لصالح صالح الملا وألفين للمرشح محمد بوشهري في الدائرة الثالثة، وأعتقد ان نقدها جانبه الصواب ويمهد لنكسة أخرى للتيار الليبرالي والوطني والتقدمي، فحتى في أميركا تنجح الدوائر ذات الأغلبية السوداء المرشحين السود والبيضاء البيض واللاتينية المرشحين اللاتينيين، ولو رشح الملا وبوشهري في الدائرة الأولى لكانت الأرقام على الأرجح معكوسة ونتيجة السقوط واحدة، فالأقل حيازة للأصوات لا ينجح ولا ينجح الآخر معه.