اختيار الشيخ جابر المبارك لرئاسة الحكومة في هذه المرحلة الحساسة اختيار موفق ومستحق، فالشيخ المبارك لم يتورط في موضوع الإيداعات المليونية ولم يتورط في علاقات مشبوهة، كما أن لديه علاقات جيدة مع المسؤولين في دول الخليج الشقيقة، وليس لديه علاقات مزعجة مع إيران (أقصد مزعجة لدول مجلس التعاون)، والرئيس المكلف تربطه علاقات مميزة بالكتل البرلمانية المحافظة، مع أنه محسوب على التيار الوطني الليبرالي، لكل هذه الأسباب اعتقد ممكن اعتبار اختيار الشيخ جابر المبارك اختياراً مناسباً. ولكن!
هل هذه الظروف كافية لضمان نجاح الرئيس المكلف في مهمته؟ لا أعتقد ذلك! فأمامه تحديات من الضروري الانتباه إليها وعلاجها علاجاً صحيحاً وجريئاً وسريعاً، ولعل أهمها وأولها اختيار الوزراء الجدد لملء الفراغات الناشئة عن استقالات الوزراء في الحكومة الأخيرة، وكذلك اختيار الحكومة الجديدة بعد الانتخابات المرتقبة في مطلع فبراير 2012، والتحدي الكبير هو أن تطلق يده في الاختيار، ولا تفرض عليه أسماء معينة من قبل أصحاب «الكوتات» من أبناء الأسرة وآخرين. فالمعلوم من تشكيل الحكومات السابقة أن كل فخذ من أسرة الصباح له ممثل في الحكومة، وأن الشيوخ الكبار لهم «كوتة» في التشكيل، بينما المفترض أن يتم اختيار الوزراء من دون تقييد، حتى تكون المحاسبة مستحقة على الرئيس! ويا ليت تنتبه الأسرة الكريمة إلى المتغيرات الكبيرة التي حدثت في العالم أخيراً، وتهتم بترسيخ علاقات متينة مع مكونات الشعب، وتعيد بناء جسور اهتزت أركانها من خلال أحداث كلنا نعرفها.
التحدي الآخر هو معالجة قضية الإيداعات المليونية بشكل شفاف، وأعتقد أن إحالة الموضوع برمته إلى النيابة أحد هذه الحلول، وإن تمكن من أخذ رأي المجلس الحالي قبل حله، لتحديد خارطة طريق لهذا الحل، فهذا أفضل، شريطة ألا يستغل وجود أغلبية حكومية متورطة في تحديد هذه الخارطة!
تحدٍّ ثالث يواجه الرئيس المكلف، وهو إدارة العملية الانتخابية لمجلس أمة جديد، حيث يشترط هنا عدم انحياز أي طرف حكومي لأي مرشح سواء إعلامياً، أو في إنجاز المعاملات، وهي ظاهرة كانت واضحة في السنوات الماضية، ويرتبط بهذا التحدي تحدٍّ آخر وهو قيام بعض أبناء الأسرة بدعم بعض المرشحين مادياً للوصول إلى المجلس الجديد، كي يتم تكوين أغلبية خاصة لهذه الأطراف، ولعلنا نشاهد إدراكا جيداً لواقع جديد تتعامل معه كل الأطراف ينتج عنه رضا وقبول الجميع بنتائج الانتخابات.
تحدٍّ آخر.. وغريب.. وعجيب.. هو علاقته مع بعض نواب الدائرة الأولى! هؤلاء كانوا سنداً ودعماً للرئيس السابق، وكانوا معه على الخير والشر، وكانوا سبباً في تضليله واستمراره في أخطائه حتى طاح في الحفرة! اليوم هؤلاء صبوا غضبهم على النظام والحكومة والمجلس، لأنهم خرجوا من المولد بلا حمص، ولأنهم تفشلوا أمام أهل الكويت، الذين أثبتوا أن الأغلبية الصامتة كانت ضدهم، وأن «كلكهم» مع الأسرة والحكومة كان مكشوفاً! لذلك لن يسكتوا عن الحكومة الجديدة والرئيس الجديد، وسيكون لهم دور مزعج ومقلق، على الرئيس المكلف معالجته.
التحديات كثيرة.. ولا نقول إلا الله يعينه وييسر الأمور له ويسخّر خلقه له.