الأوضاع في الكويت، وكالعادة مقلوبة والمفاهيم معكوسة، فالابيض اسود والاسود ابيض، والقاضي اصبح متهما والمتهم اصبح قاضيا، والمعتدي بريئا والمعتدى عليه مجرما، بعكس ما يحدث في جميع بلدان العالم الاخرى التي تحكّم العقل والمنطق فيما يجرى حولها.
*****
للمصارف الكويتية سرية تاريخية، لذا لم يعلم احد بشكل مسبق بأن هناك ايداعات مليونية مشبوهة ستكشف عنها الزميلة «القبس» بحثا عن الصالح العام، ومن ثم تصبح قضية رأي تستحوذ على اهتمام الجميع، وعليه لو كان هناك وزراء فاسدون لظهرت اسماؤهم ضمن الكشوف التي طالت ثلث اعضاء مجلس الامة (16 نائبا)، والذي اصبح ـ يا للعجب ـ مدعيا، والحكومة التي لم يظهر على اعضائها الفساد مدعى عليه يحق محاسبته واستجوابه ومعاقبته..!
*****
ولنا ان نتصور للحظة ما كان سيحدث لو كان الامر معكوسا، اي ان ثلث مجلس الوزراء (6 وزراء) تضخمت ارصدتهم بشكل لا منطقي، وان مجلس الامة هو الذي لم يرد اسم احد اعضائه في الكشوف الملايينية؟! ان لوم الحكومة فيما لو اذنب احد اعضائها ثم لومها فيما لو اذنب نواب مجلس الامة هو مهزلة ما بعدها مهزلة وامر يدعو لضحك اشبه بالبكاء!
*****
وبدلا من توجيه اصابع الاتهام لمن اضاف الى «حصانة» النائب قدسية وعصمة وجعله في منزلة من لا يحاسب عما يفعل، ورفض انشاء لجان برلمانية ـ لا حكومية ـ تحاسب وتعاقب من يفسد من النواب كالحال في جميع البرلمانات الاخرى، ورفض أي طلب يأتي من السلطات القضائية لرفع الحصانة في كل مرة، يتم في المقابل توجيه الاتهام لمن حذر وانذر من عواقب تلك الحماية المبالغ فيها للنواب وقديما قيل: السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة!
*****
ان لوم الحكومة هذه الايام واستجوابها بدلا من توجيه اصابع الاتهام المحق للفساد التشريعي الذي ازكمت رائحته الانوف يعني الاصرار على ابقاء الفساد التشريعي وديمومته وان تظل الكراسي الخضراء وسيلة للاثراء الفاضح غير المشروع ما دام الامر لم يتمخض عن تعديلات تحاسب النواب الفاسدين وتفرض الطهارة والنزاهة على اعمال المجلس التشريعي، وان الاصلاح المستحق يجب ان يشمل السلطات الثلاث وليس الاكتفاء بالدعوة لاصلاح السلطة التنفيذية كما يحدث في كل مرة.
*****
تبقى وضمن الحقائق الساطعة كالشمس في رائعة النهار ان تلك الاموال والارصدة المتضخمة لم تكن قطعا ضمن مفهوم «الراشي والمرتشي»، فلا احد يدفع الملايين للمواقف السياسية بل هي عمليات «غسيل أموال» ـ ان صحت بالطبع الاتهامات ـ قام بها نواب بعد ان اشعرهم زملاؤهم بأنهم فوق المساءلة والمحاسبة وان الكراسي الخضراء ليست للعمل العام بل للتكسب الشخصي والاثراء غير المشروع، ولا حول ولا قوة الا بالله.
*****
أخيرا، نرجو من الاحبة الاعضاء في التحالف الوطني ان يحكّموا ضمائرهم وان يحافظوا في مواقفهم على الدستور فالاشخاص زائلون والمبادئ باقية، والا يسايروا في هذا السياق من يؤمن بالنهج الشيطاني القائل إن «الغاية تبرر الوسيلة»، فمن جربه على غيركم سيجربه يوما ما عليكم، ولا ترضوا بأن تساهموا في تأسيس اعراف برلمانية مدمرة لنصوص الدستور وروحه كما نرى ونسمع مع كل يوم يمر، فهذه الاعراف الشريرة هي.. فساد تشريعي آخر يجب محاربته!
*****
آخر محطة:
1 – نتمنى الشفاء العاجل للعم الفاضل عبدالعزيز العدساني، وما تشوف شر يا بويوسف والكويت بحاجة لجهدك في الحفاظ على المال العام، وما قصرت.
2 – والحمد لله على سلامة الوصول ونورت الكويت.. نبعثها للاخ الفاضل علي الراشد رجل المبادئ الحقة والمواقف الرجولية، وما تشوف شر، واكثر الله من امثالك يا بوفيصل.