عندما يريد مثقف كويتي ان يتفلسف على قرّائه او مستمعيه يبدأ بالحديث عن الغرب، ويمدح الحرية عندهم والديموقراطية، ويتحسر على واقعه الذي يعيش فيه!
ولا شك ان الديموقراطية والحرية مما تميزت بهما مجتمعات اوروبا وأميركا، لكن الواقع اليوم عكس ما كنا ـــ وما زلنا ـــ نتصوره عن هذه المجتمعات، وسأضرب مثالين او ثلاثة للتأكيد على ان الحرية التي يتشدق بها مثقفونا حرية غير منضبطة، وغير متزنة، ولا تنطلق من أسس ومفاهيم راسخة، بل هي تجاوزت حدود الحرية أحيانا الى الاباحية، وأحيانا أخرى قصرت دون حدودها حتى أصبحت قيداً وكبتاً.. وأقرب مثال على ذلك تقييد حرية اللباس! فقد أصدرت بعض الدول الاوروبية قرارات وقوانين تعاقب من يلبس لباساً بعينه! ولم تأبه لاحتجاج منظمات حقوقية عالمية، ولم تلتفت إلى اعتراض المعارضين، بل اجمع البرلمان والحكومة وبعض احزاب المعارضة على ان هذا اللباس (النقاب للنساء المسلمات) يرمز إلى التطرف! بينما لو يتعرى الانسان لاعتُبر هذا من الحرية التي يجب ألا تمس!
مثال آخر على حرية التعبير التي هي مثال صارخ على هدم أركان الحرية الحقيقية، فقد أصدرت بعض برلمانات هذه الدول ان كل من ينكر ان هتلر حرق اليهود في الحرب العالمية الثانية يعاقب بالسجن! يعني لازم تؤمن وتصدق ما يؤمن به اليهود ويشيعونه ويصدقونه! فأي حرية تعبير هذه التي يتشدقون بها؟! والمشكلة اذا عاقبنا في دولنا كاتباً مسلماً خالف العقيدة الثابتة في الدين او تعدى على الذات الالهية والانبياء، ثارت ثائرتهم ودعوا ويلاً وثبوراً علينا بسبب الحجر على الفكر وتقييد حرية التعبير! بينما هم يكافئون بشكل متناقض جداً رسام الكاريكاتير والمؤلفة الايرانية التي خرجت من الملة والكاتب الايراني صاحب «آيات شيطانية»! هذا دليل على ان منطلق الحريات والديموقراطية عندهم ليس مبدئيا بل عنصري بغيض!
آخر هذه الشطحات هو موقف اميركا من الاعتراف بدولة فلسطين! فمع ان هذه الخطوة جاءت كنتيجة طبيعية لاتفاقية السلام الفلسطينية ـــ الاسرائيلية التي وقعها عرفات مع اليهود برعاية اميركا، الا ان اميركا اليوم تعترض فقط لأن دولة بني صهيون غير مستعدة لهذا الاعتراف الذي سيحد من طموحاتها التوسعية! والأغرب موقف حلفاء اميركا الغربيين الذين يدركون جيداً ان هذا الاعتراف حق فلسطيني ويساهم في احلال السلام المنشود عندهم! لكنهم لا يملكون الجرأة في مخالفة مصالح الصهاينة!
وما زال بعضنا ينظر الى هذا العالم الغربي بمنظار القدوة والقبلة في الاقتداء والاتباع!
المشكلة ان واقعنا العربي السيئ هو الذي جعل بعضنا يتجه هناك، وينخدع بهم، لكن رياح الربيع العربي التي بدأت تهب على العالم الإسلامي اليوم ستجعلنا في وضع افضل كثيرا مما نحن عليه الآن، تكفي مشاهدة حسني مبارك ونجليه ـــ اللهم لا شماتة ـــ في قفص المحكمة!
صحيح عيوبنا كثيرة.. وواقعنا مرير.. وأنظمتنا أكثرها فاسد.. لكن غيرنا يجب الا يكون هو النموذج الذي نبحث عنه، فلدينا مقومات النجاح في ديننا وتراثنا وتاريخنا، والتي كانت سببا في نجاح اجدادنا وسيطرتهم على العالم في ذلك الوقت، ولكن عندما تخلينا عن هذه المقومات تخلى عنا النجاح بارادة الله، وانطبق علينا قانون الكون «ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» صدق الله العظيم.