لو وضعت مالك في خزينة وأغلقت باب منزلك عليها ثم أتى من تسور وكسر وسرق المال، فالجاني هنا وبالمطلق هو السارق، أما لو وضعت مالك وتركته على طاولة وسط سوق الجمعة ثم تمت سرقته فالجاني هنا انت لا السارق.
تلك البديهية تنطبق على فساد بعض النواب وتجاوزاتهم المالية الحالية، فلو كانت هناك «لجنة قيم» تحاسب وتزجر وتردع وتفصل النائب المتجاوز والمرتشي، ثم تجاوز نائب او مجموعة من النواب لكانوا هم المتعدين، اما في غياب مثل تلك اللجنة الموجودة في جميع برلمانات العالم فالمسؤول بداهة هو من حارب وبشدة انشاء مثل تلك اللجنة الواجبة ومن ثم أعطى النائب صفة «العصمة» فوق «الحصانة» وجعله بمكانة من لا يسأل قط عما يفعله حتى اننا لم نشهد محاسبة نائب واحد طوال نصف قرن من العمل النيابي.
في بداية التسعينيات قرأت كتابا بحثيا عن «لجنة القيم» في الكونغرس الأميركي وبعض الدول الأخرى وأخبرت النائب آنذاك الزميل علي البغلي بالأمر فتبناه على الفور وطرحه على المجلس وفيما بعد طرحه النائب السابق والوزير الحالي عبدالوهاب الهارون على المجلس كذلك، كما كتبت عنه مرارا وتكرارا في مقالاتي، وقد تصدى لذلك المقترح النائب المخضرم الطامع بكرسي الرئاسة وحصد تأييد النواب بأي ثمن وأسقطه بحجج لا يقبلها عقل طفل صغير، وقد فتح ذلك الإسقاط الباب واسعا للفساد التشريعي الذي أزكم الأنوف والذي يعتبر بعض منتقديه أول المسؤولين عنه.
ومن أبواب الفساد والرشوة والاثراء غير المشروع، بناء العمارات والمجمعات واستخدام النفوذ النيابي لتغيير استخداماتها من استثماري الى تجاري وتأجيرها بالملايين على الحكومة التي يفترض بالنائب المعني مراقبتها، وكيف لنائب ان يحاسب وزيرا قام بتأجير العقارات بالملايين منه؟! وهو ما يعتبر بنص القانون «رشوة» وتكسبا غير مشروع من المال العام، ولو وجدت «لجنة القيم» لأسقطت منذ يومها الأول من يقوم بتلك الأعمال الشائنة التي لا تتساقط بالأقدمية ولا يغطيها التقدم المخادع بقوانين «من أين لك هذا؟» او «الذمة المالية» دون عقوبات رادعة لمن يخفي الحقائق فيها.
آخر محطة:
(1) نطالب بأن يصلب في ساحة الصفاة اي نائب من نواب الايداعات المالية متى ما ثبتت التهم عليه، على ان يصلب قربه او قبله من ينتقده ولا يقول لنا كيف تحول هو من موظف حكومي كبير يعيش على الراتب الى شخص فاحش الثراء يسكن في قصر منيف يقدر ثمنه بالملايين ويملك عشرات العقارات في الكويت وخارجها؟!
(2) للحقيقة وليس لتخفيف الجرم عنهم، نواب الايداعات المالية أفادوا أنفسهم ولم يضروا الكويت، أما بعض منتقديهم فقد باعوا ضمائرهم للشيطان وتسلموا الملايين لخلق الأزمات الطاحنة المتتالية التي تضر باستقرار البلد السياسي والاقتصادي وتضع مستقبله على كف عفريت، والفارق بين الاثنين كبير.