من استحقاقات ومتطلبات الإدارة الحكومية الجديدة، ضرورة العمل على تغيير وتفنيد مقولات متوارثة تسببت في كثير من الأزمات، ومن ثم فإن تصحيح بعض تلك المقولات الشائعة يعني بالتبعية التقليل من الأزمات السياسية المتلاحقة.
من تلك الموروثات السياسية مقولة «اترك الآخرين يقولون ما يريدون وافعل أنت ما تريد»، واعتقد أن الخطأ الأساسي في تلك السياسة أنها قصيرة المدى لا تنظر للمستقبل البعيد حيث إن السماح بالكلام السالب الذي تردده المعارضة دون تفنيد إن كان ظالما، أو تصحيح الأخطاء إن كان صادقا، يعني جعل الناس يرون السوء والخطأ في كل ما تعمله الإدارة الحكومية ومن ثم يعمدون لإسقاط من يقف معها في الانتخابات العامة التالية، مما يؤدي إلى إشكالية شبه دائمة وهي عدم توافر أغلبية برلمانية تحت قبة البرلمان تصطف مع الحكومات المتعاقبة.
وقد نتج عن السكوت عن الكلام السالب السائد خلق انسداد سياسي متكرر في الممارسة الديموقراطية الكويتية، فالمعارضة وكوسيلة مضمونة للنجاح، تتعهد أمام الناخبين بالرفض الشديد لبرامج حكومات لم تتشكل بعد! ومن ثم يصبح الخيار الحكومي الوحيد لفك الانسداد وتمرير المشاريع هو عبر القبول بنسبة من الفساد التشريعي متعدد الأشكال والألوان لكسب ولاء بعض النواب، وهو ما يزيد من حنق المعارضة ويعطيها المبررات لمزيد من رفض ما يأتي من الحكومة، وهكذا دواليك، ضمن لعبة أو دائرة جهنمية نحتاج إلى كسرها لإيقافها وتغيير قواعد اللعبة السياسية القائمة التي تؤدي إلى الأزمات المتلاحقة.
وزاد الطين بلة الخطأ الشائع بأن عدم وجود «خطط» تنموية في البلاد خلال الـ 30 عاما الماضية يعني بالقطع توقف عملية «التنمية» في البلاد، وهو أمر يصدق على ليبيا القذافي أو عراق صدام إلا أن به ظلما شديدا للكويت التي لم تتوقف عمليات التنمية والبناء والإنماء بها ليوم واحد خلال تلك المدة الطويلة حتى تحولت مناطقنا «النائية» كالجهراء والأحمدي إلى جزء من مدينة الكويت بسبب وفرة وكثرة العمران فيما بينها من إسكان ومدارس ومستشفيات وأسواق…إلخ.
إن الإدارة الحكومية في حاجة، ضمن رؤيتها الجديدة، لبرنامج شديد الاحتراف يغرس الموضوعية والحكمة بدلا من الغضب والغوغائية، في عقل الناخب الكويتي الذي سيؤثر بدوره على النائب ومن ثم يتم نفي مقولة متوارثة أخرى ترى أن مشاريعنا الكبرى هي أخطاء وسرقات كبرى يجب على الجميع عرقلتها وإفشالها، ثم البكاء بعد ذلك على أنغام مقولة.. «تخلف البلد وتقدم الجيران»!
آخر محطة: مطلوب الشفافية المطلقة لكل مشاريعنا الكبرى بل حتى الصغرى، تلك الشفافية متى ما تحققت عبر الأجهزة الرقابية، وعلى رأسها ديوان المحاسبة والفتوى والتشريع، تصبح عمليات تعطيل المشاريع الكبرى.. جرائم كبرى بحق الكويت وشعبها!