لي نهج وخط سياسي أبشر به منذ مقالي الأول بالصحافة الكويتية في يناير 1980 (مقال ماذا فعلت الثورات بالعالم العربي) وفحواه أن الثوريات العربية ما خلقت إلا لتدمير أوطانها أثناء حكمها وبعده، وإضاعة القضايا التي تؤتمن عليها كحال القضية الفلسطينية، ولو أننا ائتمنا القضية الكويتية عام 90 بيد بعض ثوريينا أيا كان انتماؤهم السياسي يسارا أو يمينا لكنا مازلنا نعيش حتى يومنا هذا بالشتات في الملاجئ والخنادق بينما ينتقل ثوريونا بالطائرات والجوازات الخاصة من الفنادق إلى الفنادق كحال أبوعرفات وباقي أبواق القضية الفلسطينية.
والمستغرب ـ أو غير المستغرب ـ هو مساهمة الثوريات العربية بسبق إصرار وترصد في تدمير أوطانها، فناصر (النهج لا الشخص) أضاع السودان وسورية وفرط بسيناء وغزة مرتين، وعرّض جيش خير جند الله للهزائم والنكبات والنكسات مرات ومرات قبل أن يستردوا كرامتهم بعد رحيله الأسطوري بانتصار أكتوبر 73، ومثله صدام الذي هجم بجيشه على قومه في الجنوب والشمال حتى لم تبق رصاصة في بنادقه لم تفرغ في صدور الأكراد من شعبه مما اضطره لعقد اتفاقية الجزائر عام 75، ثم مهاجمة جيرانه مرتين تارة بالشرق وأخرى بالجنوب فهزم مرتين فأحال أرض الماء الوافر وأول زراعة في الأرض إلى أرض الدماء المسفوكة والنخيل المحروقة.
وبشر الثوري عمر البشير الصحافة الدولية وقبل ظهور نتائج الاستفتاء ـ و«بزلة لسان» ـ بأن سكان الجنوب سيصوتون بـ 99% للانفصال مما يعني انه كان يعلم بأن اعماله القمعية والشريرة آتت ثمرها وأن ثلث مساحة بلاده المليء بالماء (الذهب الأبيض) والنفط (الذهب الأسود) والزراعة (الذهب الأخضر) قد انفصل دون عودة ولم يتبق إلا أراض صفراء جرداء قاحلة يورثها لمن سيأتي بعده كما أورث الثوريون الآخرون الخرائب والاطلال والجهل والمرض لمن تسلم التركة الثقيلة بعدهم.
وجرائم سبق الإصرار والتخطيط والترصد بحق الأوطان تنطبق كذلك على الثوري الآخر معمر القذافي الذي هدد وولده بإشعال الحرب الأهلية في بلده وتحويلها لصومال جديد تتنازعه القبلية والمناطقية تطبيقا لشعار «أحكمكم أو أقتلكم» الذي أتى في كتابه الأحمر الذي حل محل كتابه الأخضر كي لا يبقى في ليبيا المظلومة حجرا على حجر فتنتهي بدماء تجري وخراب يسري.
سمى محمد رضا بهلوي نفسه بملك الملوك (شاهنشاه) وأعلن الثورة البيضاء فسمى القذافي نفسه بملك الملوك وأعلن الثورة الخضراء، سلط الشاه جنده ورجال مخابراته على شعبه فسلط القذافي زبانيته ومجرمي لجانه الشعبية على الناس، اشتكى الشاه قبل سقوطه من غدر حلفائه الأميركان واشتكى القذافي كما أتى على موقع «العربية» من غدر حلفائه الأميركان به (!)، الفرق أن الشاهنشاه خلف وراءه بلدا زراعيا وصناعيا ضخما وجيشا عرمرما يفوق الجيش البريطاني في العدة والعتاد وخرج بقليل من المال حتى أن أسرته تعيش على دخل مكتب زوجته الكائن في نيويورك، بينما يخلف ملك الملوك الآخر بلد مدمرا بالكامل وجيشا مهلهلا وثروة شخصية تقدر بمئات المليارات نهبها من عرق وجهد وثروة الشعب الليبي الذي بات يجلس على الحديدة ويحتاج لنصف قرن أو قرن لإصلاح ما دمره صاحب راتب الـ 465 دينارا و44 قرشا كما أتى في خطابه الأخير الذي كان اجدر به أن يلقيه في بداية الشهر القادم أي في الأول من أبريل.
آخر محطة:
1 ـ سحبت جامعة لندن شهادة الدكتوراه التي منحتها الطاغية الصغير سيف الإسلام القذافي، بعد خطابه الأخير المليء بالتهديد والوعيد، حيث تحول ابن القذافي من دكتور إلى.. دكتاتور.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
2 ـ بودنا لو تبنت الكويت وحدها أو مع بعض دول مجلس التعاون جسرا جويا ينقل اللاجئين المصريين من الحدود التونسية الى بلدهم وهو استحقاق قليل بحق الشقيقة الكبرى مصر وسيكون له أثر طيب وإيجابي لدى شعبها وقيادته المقبلة.
3 ـ في استفتاء لجريدة الأهرام حول المرشح الأوفر حظاً لرئاسة مصر، حاز عمرو موسى على 49% والبرادعي على 10% وممثل الإخوان المسلمين على 5% وأيمن نور على 1% وشخصية عسكرية على 12% والله أعلم.