شاهدت في احدى الصحف المصرية صورة قديمة نشرت عام 1954 للرئيس الراحل جمال عبدالناصر وهو يفتتح مبنى سينما صيفي، مما يدل على ندرة الإنجاز، في حينها كنا نعبر جسر مبارك فوق قناة السويس متجهين للعريش عبر طرق سريعة تضاهي مثيلاتها في أرقى الدول الأوروبية والأجنبية ولم يكن أعضاء الوفد ومثلهم أغلب المصريين يعلمون بذلك الجسر أو تلك الطرق أو حتى بعملية النهضة التنموية الضخمة التي تمر بها البلاد المصرية بسبب الإيمان الخاطئ بأن الإنجاز يعلن عن نفسه دون حاجة لإعلام، وقد يكون هذا هو سبب الإشكال القائم في تونس ومصر والأردن ولبنان والضفة وحتى اليمن وجميعها تنتمي لما يسمى بمعسكر الاعتدال الأكثر إنجازا في المنطقة مقارنة بغيرهم.
إن جزءا كبيرا من الإشكال القائم يقوم على معطى عدم استخدام بعض الدول والأنظمة المنجزة للإعلام بطريقة صحيحة مما يجعل شعوبها تصدق ما تسمع من أقاويل وأكاذيب، وتكذب ما ترى من إنجاز أو على الأقل لا تشعر به وهو ما يولد في النهاية الإحباط والقلاقل والاضطرابات في بعض دول المنطقة.
ومن الأمور الخاطئة المعتادة ترك الساحة للخطاب الغوغائي والتحريضي والتأجيجي لمدد طويلة دون رد المسؤولين المعنيين عليه مما يحول الانطباعات والأكاذيب السالبة «المؤقتة» إلى حقائق «دائمة» تترسخ في وجدان العامة ولا تقبل النقاش ثم تتم محاسبة الأنظمة المعنية على تلك الانطباعات ـ لا الحقائق ـ عبر الثورات والنزول للشوارع.
والدلالة الجلية والواضحة على ذلك الأمر، المظاهرات المؤيدة للأنظمة التي تهزم بالحروب وتضيع الأرض وتستبيح العرض، وكلما أوغلت في دماء الأمة زاد عشق الجماهير لها بينما تتساقط منذ الخمسينيات وحتى الآن الأنظمة العاقلة الحكيمة ثم تترحم الجماهير فيما بعد «في السر» عليها حيث ان الترحم في العلن يعني السجن أو الإعدام.
آخر محطة:
1 ـ للصحف الصفراء والبرامج المدغدغة على الفضائيات التي انتشرت في مرحلة الإعلام الحر في مصر وغيرها من الدول، دور كبير فيما جرى ويجري هذه الأيام من قلاقل سياسية واضطرابات فالموضوعية والتعقل أصبحا عملة نادرة في هذا الزمن.
2 ـ للمعلومة، التغيير نوعان: أحدهما للأفضل وهو أمر نادر إذا لم نقل مستحيل الحدوث في منطقتنا، والآخر للأسوأ وهو المتوافر بوفرة حاليا، وكم من شعوب تضحك هذه الأيام ستبكي دما في الغد!
3 ـ نصحنا في مقال سابق السيد سعد الحريري بألا يترأس الوزارة كي لا يصبح هدفا سهلا لخصومه ولم يفعل فحدث ما حدث، نرجو من السيد سعد أن يقرأ المتغيرات بشكل صحيح بعيدا عما يراه عدلا أو ظلما، فعدالة القضية لا تعني الكسب والربح، والأفضل، في نصيحتنا الثانية له، أن يقبل بتشكيل نجيب ميقاتي للحكومة وأن يطلب الثلث المعطل ثم يترك لتلك الحكومة أن تحل الإشكال مع المجتمع الدولي ومعها إشكالات الخدمات الأساسية في البلد وسيكون هو قطعا الرابح في النهاية فيما لو استمع لهذه النصيحة.