كان المجرم صدام يعتقد أن نظامه يمثل أجلّ صور الديموقراطية حيث كان يحتوي على أحزاب وانتخابات واستفتاءات ومجلس شعب، وأن ما يمثله هو وحزبه هو الحق كله كونه يدعو للحرية والاشتراكية والوحدة العربية، وهي شعارات براقة جميلة، إلا أن نظامه في حقيقته لم يكن إلا نظاما ديكتاتوريا قمعيا رغم شعاراته المدغدغة كونه يمثل «الرأي الواحد» ولا يقبل بتعدد الآراء أو ما يسمى بالرأي والرأي الآخر، الذي هو الفيصل بين الديموقراطية والديكتاتورية، ايا كانت المسميات والمؤسسات التي تتدثر بها الأخيرة.
في الكويت اختلق الأحباء من «القمعيين الجدد» الذين يدعون ويصدحون بعشق الديموقراطية والحرص على الدستور شعارا مماثلا يعكس فهمهم العقيم والسقيم للديموقراطية ملخصه إما أن تروا ما نرى وتغمضوا عيونكم وتغلقوا عقولكم عما عداه فنحن من يفكر ويقرر عنكم، او نتهمكم عبر إعلامنا الفاسد وتعليقاته الزائفة بكل الموبقات من تخوين شخصي ووطني ونسقط عليكم بالعلن ما نمارسه بالسر من عقد صفقات مشبوهة وقبض رشاوى ضخمة وبيع مواقف وضمائر واقلام في اسواق النخاسة المحلية والاقليمية و… «ليس يوم حليمة بسر» كما يقول المثل العربي.
فتحت رايات ديموقراطية الرأي الواحد الجديدة، وبأحبار اقلام ومواقع تتسم بالزور والفجور في الخصومة، يتم اطلاق ابشع الصفات على من يعلمون هم قبل غيرهم بأنهم اكثر منهم وطنية وأصفى ضميرا وأنقى سريرة، بعد ان احال اصحاب الرأي القمعي الواحد ديموقراطية القدوة الحسنة العاقلة التي رفعت شأن الكويت في السابق الى ما يقارب مصاف دول العالم الأول، إلى ديموقراطية القدوة السيئة المتأزمة القائمة التي جعلتنا نتخلف حتى عن معدلات التنمية في دول العالم الثالث القريبة والبعيدة.
وضمن مفاهيم «القمعيين الجدد» وأصحاب الرأي الواحد ان صكوك الوطنية المخبأة في جيوبهم وبين ثنايا ملابسهم لا توزع إلا على من يعارض بالصاعد والنازل، بالحق أو بالباطل، اما من يخالفهم الرأي ويرى ان مصلحة الوطن ومستقبله توجب التهدئة، فوطنيته حسب رأيهم الأوحد، في شك كبير، وضميره تتنازعه الشياطين الكفيلون هم ككهنة المعبد بتطهير ذلك الضمير المعذب وجعل صاحبه حواريا آخر من الحواريين المصطفين ـ دون عقل ـ خلفهم.
إن قصر الوطنية على المعارضة يعني اخراج اكبر الشخصيات الوطنية الكويتية واكثرها اخلاصا للبلد من مفهوم الوطنية الجديد! فهل يستطيع احد ان يزايد على وطنية شخصيات مثل عبدالعزيز الصقر وحمود الزيد الخالد ومحمد العدساني ومحمد النصف وغيرهم كثير ممن استبدلوا مفهوم المعارضة السابق بالمعارضة الإيجابية البناءة ودخلوا الوزارات والمؤسسات الحكومية وهم نظفاء المظهر والمخبر وخرجوا بمثل ما دخلوا به من سمعة طيبة وسيرة حسنة؟!
آخر محطة:
(1) تزور الكويت هذه الأيام شخصية عدلية وقانونية رائعة ممثلة في القاضي ورجل القانون منير الحداد الذي عرف عنه حكمه الشهير على صدام بالإعدام، نقول للقاضي الجليل حللت اهلا بين اهلك، وبودنا ان تتحول زيارتكم العابرة الى إقامة دائمة في بلدكم الثاني الكويت كي يمكن الاستفادة من خبراتكم القضائية والقانونية والعدلية.
(2) مرحبا بالزميلة العزيزة منى العياف التي تشتهر بوطنيتها الخالصة وحسها الاعلامي المرهف ككاتبة على صفحات «الأنباء» والجميع في انتظار مقالاتها المميزة التي تعكس مواقفها الصادقة والعاقلة في زمن قل فيه العقل والحكمة التي تمثلها ام مناف.