بدأ العبث بالدستور عندما أوشكنا على تأليه النائب وجعله بمنزلة من لا يسأل عن أعماله قط.
وبدأ العبث بالدستور عبر الرفض المتكرر لإنشاء لجنة قيم، كحال جميع الديموقراطيات الأخرى، تحاسب وتعاقب مخالفي القوانين من النواب، وهم من يفترض قسمهم وأبجديات عملهم أن يكونوا على رأس حماته.
وبدأ العبث بالدستور عندما استخدم كوسيلة للتأجيج والتحريض وترك العمل تحت قبة البرلمان للتجمع خارجه.
وبدأ العبث بالدستور عندما خالفنا نصوصه وتوصيات آبائه المؤسسين ورفضنا تعديله وتطويره ليواكب متغيرات العصر فأوشكنا على قتله بحجة حمايته.
وبدأ العبث بالدستور عندما جعلناه وسيلة لتدمير الهيكلية الوظيفية العامة للدولة، عندما ترك النائب كرسي التشريع والرقابة واستبدل به كرسي الوساطة والمحسوبية.
بدأ العبث بالدستور عندما دمرنا الأسرار الوظيفية الواجبة عبر عقد يقوم بين النائب والموظف على مبدأ «سرب لي وأرقيك»، فأصبحت الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية أقرب لبيوت الزجاج التي يرى المارون عورات أهلها مكشوفة.
والعبث بالدستور بدأ عندما خلقت علاقة مصلحية بين بعض النواب وبعض العاملين في الأجهزة الرقابية بالدولة، فيسلط النائب الجهاز الرقابي على هذا الوزير الذي لا يحبه أو ذاك المسؤول الذي لا يريده فـ «يطيره» ويحصد الموظف في المقابل المكاسب والترقيات.
والعبث بالدستور بدأ عندما تمت مخالفة مواده الصريحة التي تدعو لعدم التفريق بين الناس بسبب معتقدهم (المادة 29) فتم حرمان المسيحي وغيره من أصحاب الديانات الأخرى من حق الحصول على حق المواطنة حتى لو بقي هو وأحفاده ألف عام أو يزيد.
والعبث بالدستور بدأ عندما سن البعض تشريعات ما أنزل الله بها من سلطان، ولم تشهد لها البشرية مثيلا في تاريخها يقصد منها الدغدغة وإعادة انتخاب النائب على حساب إفلاس الدولة وتدمير مستقبل أجيالها المقبلة.
والعبث بالدستور بدأ عندما أصبح وسيلة للاثراء الفاحش غير المشروع «وعلى عينك يا تاجر».
والعبث بالدستور بدأ عندما بدأت عمليات محاسبة المسؤولين على الهوية لا على القضية، فمن نوده، وكما حدث، لا يحاسب حتى لو سرق ميزانية وزارته في شنط كبيرة، ومن نستقصده إن لم نجد مأخذا عليه نحاسبه على ثقب الأوزون.
والعبث بالدستور بدأ عندما قامت علاقة انتهازية غير صحية بين بعض رجال السلطة الثانية وبعض رجال السلطة الرابعة.
والعبث بالدستور بدأ عندما تم القفز على مبدأ فصل السلطات الذي هو أحد أهم مواد وأعمدة الدستور.
والعبث بالدستور الذي تنص مواده على احترام القوانين والمساواة بين المواطنين بدأ عندما قبل بعض النواب أن يكون وصولهم الى المجلس عبر انتخابات فرعية محرمة شرعا ومجرّمة قانونا.
والعبث بالدستور بدأ عندما جعلناه، وبعد نصف قرن من مولده، هزيلا خائفا وكأنه لا يزال في الصف الأول حضانة ديموقراطية.
آخر محطة:
(1) أحد مظاهر العبث بالدستور جعله وسيلة للأزمات المتلاحقة التي تعصف بالبلد.
(2) أحد مظاهر العبث بالدستور تحويله من التجربة القدوة في المنطقة الى القدوة السيئة.
(3) أحد مظاهر العبث بالدستور تخصيص 20 سكرتيرا للنائب الكويتي، بهذا المقياس: كم سكرتيرا يحتاج النائب الصيني؟!