اعجب من مصر الكبيرة التي استبدلت في غفلة من الزمن رجالا وساسة عظاما شديدي الكفاءة والنزاهة والوطنية والثقافة أمثال الأبطال مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول وعبدالعزيز فهمي واسماعيل صدقي وحمد الباسل ومصطفى النحاس ومكرم عبيد واحمد ماهر ومحمود النقراشي ومحمد محمود وفؤاد سراج الدين ود.محمد حسين هيكل، بالمضلل محمد حسنين هيكل والممثل جمال عبدالناصر وغائب الفكر عبدالحكيم عامر وزائر الفجر صلاح نصر ومن سار على نهجهم وتغطى بلحافهم.
وتبقى مصر الولادة بالرجال والقيادات السياسية والفكرية البارزة كالرئيس حسني مبارك وصاحب مقال اليوم رجل الأعمال والاعلام صديقنا وصديق الكويت صلاح دياب الذي أوصلني ذات مرة لمدير قناة «المحور» لأبدي اعتراضي على تعامل احد مذيعيه السيئ مع ضيف البرنامج ليخبرني ابن الزميل صلاح ان ذلك الضيف هو من أساء لوالده ذات مرة أشد الإساءة عندما ذهبوا إليه لمناقشة تمويل أحد مشاريعهم.
وسألني الاستاذ صلاح ونحن جالسان على الغداء في بيته العامر عن السياسي الابرز في نظري في مرحلة ما قبل 52، فقلت: رئيس الوزراء السابق اسماعيل صدقي باشا لعبقريته السياسية وكفاءته الشديدة وأفكاره العظيمة حيث انشأ كورنيش الاسكندرية وأقام السدود والبنوك الزراعية وغيرها من مشاريع كبرى، وقد عقب السائل بالثناء على ما قلت وأضاف ان التاريخ لم ينصف ذلك السياسي المحنك، وانتهى حديثنا عند هذا الحد دون زيادة.
فيما بعد وأثناء بحثي في تاريخ مصر الحديث وجدت حقيقة صدمتني وأعلت بالمقابل من مكانة الاستاذ المنصف صلاح حيث اكتشفت كم التنكيل والتعذيب الذي قام به اسماعيل صدقي باشا عندما كان رئيسا للوزراء عام 1933 بوالده الصحافي اللامع والخطيب المفوه محمد توفيق دياب صاحب جريدة «الجهاد» واسعة الانتشار والتي كان من كتابها د.طه حسين وعباس العقاد والتي اهدى أمير الشعراء أحمد شوقي صاحبها بيت الشعر الشهير «قف دون رأيك في الحياة مجاهدا، إن الحياة عقيدة وجهاد»، فوضعها كترويسة تحت مسمى الجريدة ـ وفيما بعد استعارها المرحوم كامل مروة لجريدته «الحياة» ومازالت تشتهر بها ـ فقد سجنه لأشهر عدة وعذبه أشد التعذيب في السجن وهو أمر لم يكن مقبولا في مصر ما قبل ثورة 52 وإن أصبح اجراء معتادا بعد قيامها فقد استخدم التعذيب المهين ضد الملكيين والشيوعيين والاسلاميين والاعلاميين و.. كل المصريين والسوريين واليمنيين الذين قال احد ثوارهم بعد ان سجن وعذب في القاهرة ومنع من الذهاب للحمام في تلك الفترة «كنا نطالب بحرية القول واصبحنا نطالب بحرية البول.. يا غمال».
آخر محطة: (1) جريدة «الجهاد» هي أول صحيفة أتى بها ذكر الرئيس جمال عبدالناصر مرتين: الأولى عندما كان طالبا في مدرسة النهضة الثانوية ولجأ لدار الصحيفة إبان اشتراكه في مظاهرات ضد صدقي باشا في الثلاثينيات خوفا من ملاحقة رجال الامن، والثانية عندما نشرت اعلانا في يوم السبت 19 يناير 1935 عن رعاية احمد نجيب الهلالي باشا وزير المعارف لعرض مسرحية يوليوس قيصر في تياترو (مسرح) برنتانيا والتي تقيمها مدرسة النهضة ويقوم ببطولتها ـ كما اتى في الاعلان ـ جمال عبدالناصر بدور يوليوس قيصر وصبحي صالح بدور اكتافيوس ومحمد المراغي بدور انتوني وابراهيم العقاد بدور الخائن بروتوس، وكان المفترض ان يمثله الصحافي محمد حسنين هيكل الذي انقلب فيما بعد على صاحبه ورئيسه يوليوس عبدالناصر عندما كتب عنه مقال «عبدالناصر ليس أسطورة» فاتحا الباب لمهاجمته والنيل منه.
(2) في موضوع آخر، الولايات المتحدة اكثر الدول تشددا في سرية اوراقها كما ان قوانينها هي الأعنف فيما يخص عقوبات التسريب حيث اعدم في 16/6/1953م الزوجان اليهوديان يوليوس واثيل روزنبرغ بتهمة تسريب «قلة» من الوثائق الاميركية للروس، لا مئات آلاف الوثائق للعالم اجمع كما قام بذلك هذه الايام المحلل العسكري برادلي مانينغ عبر موقع «ويكيليكس»، برادلي مقبوض عليه ومسجون في الكويت ويخشى البعض ان يهرب خارجها كما هرب وكيل الوزارة وعضو مجلس الأمة فأبوابنا كحال قلوبنا مفتوحة للجميع.. والله من وراء القصد.