الدستور الكويتي ليس كائنا ميتا ولد في أوائل الستينيات وقتل في منتصف التسعينيات عند بدء أول عمليات إجهاضه وإخراجه عن مقاصده الخيرة تحت شعار زائف هو «الحفاظ» عليه، وما نتج عنه من تحويله إلى بقرة مقدسة لا مثيل لها في العالم أجمع. إن ذكرى الآباء المؤسسين تستوجب منا الحفاظ على دستورهم الرائع وبث الحياة فيه عبر تفهم الحقائق التالية:
أولا: من الخطأ الجسيم إعطاء القدسية للدستور وتخوين من يريد تطويره وجعله متغيرا ومواكبا لمتطلبات العصر، حاله كحال من يصر على التنقل هذه الأيام بالبغال والجمال بدلا من السيارة بحجة أن هذا ما كان يفعله الآباء الأولون.
ثانيا: إن ذلك التخوين يصيب الآباء المؤسسين قبل غيرهم حيث إنهم أول من طالب بتنقيح الدستور وتعديل مواده بعد مرور خمس سنوات على تطبيقه كونه لم يجرب من قبل في بلد آخر، بل فصل بأكمله في الكويت، هذا إضافة إلى مرور نصف قرن على تجربته تغيرت خلاله الأخلاق وباتت تجربتنا السياسية القدوة السيئة في المنطقة بعد أن كانت القدوة الحسنة إبان عهد الآباء المؤسسين.
ثالثا: التعديلات المطلوبة على الدستور قد تختلف من طرف إلى آخر، لذا يجب ألا يرفض مبدأ التعديل المحق كوننا نرفض ما تم اقتراحه أو أن لدينا إشكالا شخصيا مع مقدم التعديل، مع الانتباه لحقيقتين هامتين أولاهما أن كثيرا من التعديلات قد لا تمس على الإطلاق الحريات سلبا أو إيجابا، فما دخل الحريات على سبيل المثال بزيادة عدد النواب أو الوزراء؟ كذلك فإن الحريات التي نص عليها الدستور تتعلق بـ «الحريات العامة» للناس وللشعب وليس «الحريات الشخصية» للنائب، فخلق لجان قيم وقوانين «من أين لك هذا؟» وتعديل استحقاقات الاستجواب بعد أن أصبح أهم وسائل الإثراء غير المشروع والفساد التشريعي لا تمس الحريات العامة وأن مست الحريات الشخصية لبعض النواب ومنعتهم من التكسب الشخصي.
رابعا: واضح لمن يقرأ محاضر لجنة الدستور والمجلس التأسيسي أن الآباء المؤسسين لو كانوا يعلمون أن الدستور الذي وضعوه وطالبوا بتعديله بعد تجربته سينتهي بتحوله إلى نصوص مقدسة لا تمس لصاغوه بشكل مختلف تماما عن دستورنا الحالي، فلم يتشدد هذا الطرف أو ذاك إبان الصياغة لاعتقادهم أن هناك تعديلات كثيرة قادمة ستسد الثغرات وتجعله دستورا مواكبا للحياة وصالحا لكل مكان وزمان وليس مخلوقا محبوسا في حقبة بداية الستينيات.
خامسا: معروف أن خطائين لا يعملون صحا واحدا، فإذا كانت بعض المجالس السابقة قد زورت نتائجها أو علقت أعمالها، فالحل لا يكمن إطلاقا في مبادلة الخطأ بالخطأ والإصرار على نصوص دستورية اثبت التطبيق العملي عدم ملاءمتها وانها أصبحت تستغل للإساءة إلى الحريات العامة والشخصية وللدستور قبل غيره، حتى لم نسمع من الجيران والإخوة من يريد تجربته على بلده.
آخر محطة: نرجو من العم علي الرضوان سكرتير لجنة الدستور أن يكتب مذكراته عن خلفيات ما جرى آنذاك للحقيقة وللتاريخ.