سعيد محمد سعيد

يوميات مواطن مرهق… مشكلتي!

 

قبل أن يخلد إلى النوم، قرر «مواطن مرهق» أن يتوكل على الله ويبكر في الذهاب إلى مكتب المسئول في الصباح الباكر ليعرض عليه مشكلته… علّه يجد حلاً حين بلغ الإرهاق والتعب والدوران في حلقات مفرغة منه مبلغاً كبيراً بلا فائدة… في الغد، ربما يفتح طريق الحل على يد المسئول الذي، أتمنى ألا يقصر معي، ويساعدني في حل مشكلتي.

كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحاً عندما وقف المواطن المرهق أمام موظفة الاستقبال سائلاً عن الطريق إلى مكتب المسئول، فسألته: «يبه عندك موعد؟»، طبعاً ليس لديه موعد مسبق، ولكنه يمر بمشكلة تتطلب توقيعاً من مسئول وهو لا يعرف عن ذلك المسئول إلا ما كان يكرره في الصحافة بأن قلبه مفتوح للجميع قبل بابه، لكن الموظفة عطفت عليه وأرادت مساعدته في الاتصال بمدير مكتب المسئول الذي يبدو أنه طلب منها أن (تصرفه)، لكنها تلطفت في الحديث راجيةً منه أن يستقبله في مكتبه ويستمع إليه، فوافق على مضض.

في مكتب المدير، وقف المواطن المرهق يشرح له مشكلته وأنه ربما يجد الحل لديهم، وعلى رغم أن ذلك المدير كان متعاوناً كثيراً مع الموظف لدرجة أنه كان يكرر عبارة: «تامر حجي… تامر» وهو يلعب بأصابعه على أحد مواقع الإنترنت التي تظهر جداول ونتائج المباريات، ولم ينظر إلى المواطن المرهق إلا من طرف عينه، لكنه أبلغه بأن يكتب رسالة ويتركها لأن المسئول لم يصل بعد، وربما وصل بعد الساعة التاسعة… وربما لن يحضر اليوم لارتباطه بمشاغل كثيرة خارج المكتب… وهو سيقوم بإيصالها له حال وصوله وسيتم الاتصال به.

فرح المواطن المرهق بما سمع، فهي خطوة جيدة بالنسبة له ملأى بالتفاؤل… الرسالة كانت جاهزة، وما كان يتوجب عليه إلا تسليمها للمدير وانتظار الفرج… مرت ثلاثة أيام… أسبوع… أسبوعان… لا حس ولا خبر…عاد الكرة مرة أخرى وتوجه إلى مكتب المدير… فطلب منه أن يراجع مكتب علان… ذهب إلى مكتب علان… طلب الأخير منه أن يراجع مكتب فلان… ذهب إلى مكتب فلان، وكان فلان أكثر تعاوناً لأنه طلب من المواطن المرهق أن يذهب إلى مكتب فلان، وإن لم يجده فليذهب إلى مكتب فلان الفلاني، وإذا لم يجده ليرجع مرة أخرى إلى مكتب علان.. وبين فلان وعلان، سيكون هناك بارقة أمل.

لا بأس، فالمواطن المرهق، لن يرهقه كثيراً أن يعود إلى علان ويراجع معه معاملته، فالكل متعاون، من علان إلى فلان الفلاني، وأبوابهم جميعهم مفتوحة، وهل هناك أغلى وأثمن من المواطن! على أية حال، عاد المواطن المرهق إلى مكتب علان وسأله عن معاملته فقال له: «أي معاملة يبه… ما هي مشكلتك… لم يصلنا شيء؟» …إذاً، يحتاج الأمر إلى واسطة كبيرة، أو شخص سليط اللسان، والمواطن المرهق لا يملك لساناً سليطاً ولا واسطة إلا الله سبحانه وتعالى وأنعم بها واسطة… لكن، لا بأس، غداً سيتجه إلى إحدى الصحف وسينشر مشكلته… ذهب إلى الأولى فرفضت نشر الموضوع، والثانية كذلك، والثالثة نشرته ليقرأ بعد كم يوم رداً على شكواه: «مشكلة المواطن مرهق حلت من زمان، ويتوجب على الصحافة أن تتحرى الدقة»

سامي النصف

معرض الكتاب وحكاية كل عام

الكتاب في نهاية الأمر سلعة مثله مثل الطماطم والخيار والبصل.. إلخ، له موسم بيع يستفيد منه المستثمرون في ذلك القطاع حتى يمكنهم بعد انتهاء الموسم ان يستردوا اموالهم ويواصلوا نشاطهم وإنتاجهم لذا فأسوأ ما يمكن أن يفعله المرء للإضرار بسلعة ما هو ضربها في عز موسم بيعها وهذا ما يحدث كل عام مع معرض الكويت للكتاب.

فدائما ما يصاحب المعرض صراع وصراخ وتخندق حول قضايا الرقابة على الكتب وينتج عن ذلك الصراع عادة انصراف الناس عن الزيارة وشراء الكتب لاعتقاد كثير منهم ان قضية المنع قد افرغت المعرض من كنوزه وهو امر غير صحيح على الاطلاق فكثير من الكتب الممنوعة لو وجدت لما اثارت اهتمام احد خاصة في ظل وجود عشرات الآلاف من الكتب الاخرى التي لم تمنع، ان الناشرين واصحاب المكتبات ومؤلفي الكتب يصارعون للبقاء وسط ظروف صعبة لذا لتتوقف كل الاطراف عن الاضرار بهم عبر ترحيل تلك الخلافات الى ايام السنة الأخرى بعيدا عن موسم البيع.

ولنا بعض الملاحظات على قضايا الرقابة التي لا خلاف على وجودها ويعترض البعض على تعسفها في اداء عملها اما عبر اعتقادها بأن الناس سذج يسهل افسادهم بهذه الكلمة او تلك، او قيامها بدور الملك أكثر من الملك نفسه، عبر منعها كتبا تنتقد دولا صديقة في وقت تسمح فيه تلك الدول بها، ان ملاحظاتنا تتلخص في الآتي:

ـ ليس صحيحا ما يقوله بعض الإسلاميين من ان الليبراليين يدعون لإباحة كتب التعري والجنس وسب الذات الإلهية والرسل والتهجم على عقائد الآخرين ومن ثم يقومون هم بالرد على تلك الدعاوى التي لم يقل بها احد، وفي هذا السياق على الإسلاميين التوقف عن اختلاق المعارك ومهاجمة الليبراليين ثم التباكي بعد ذلك على عدم وقوفهم معهم حيث لا نرى مثل هذا الهجوم لدى اصحاب الديانات الاخرى مما يقويها ويوحد الصفوف خلفها.

ـ ليس صحيحا ما يطلبه بعض الليبراليين من إحالة الكتب للمحكمة لإصدار حكم قضائي بمنعها من عدمه، فالقضاة لديهم من القضايا الجسام ما يمنعهم من التفرغ لقراءة مئات أو آلاف الكتب والروايات والقصص بحثا عن كلمة هنا وكلمة هناك.

ـ وليس صحيحا ما يقوله بعض الإسلاميين من ان اعداد الكتب الممنوعة هي 25 كتابا فقط، حيث يخبرني كثير من الناشرين أنهم يتوقفون عن ارسال كتب سبق منعها في الكويت توفيرا للنفقات لذا فما هو ممنوع هو مجموع ما تم منعه في السنوات الماضية إضافة الى ما يعتقد الناشرون حسب خبرتهم بالتشدد الكويتي انه سيمنع لذا فنحن نتكلم عن آلاف الكتب التي يسمح بها في جميع الدول العربية والخليجية وتمنع في بلدنا.

ـ ليس صحيحا اعتقاد الرقيب بأن كلمة في كتاب ستفسد اخلاق اهل الكويت جميعا كون احسن كتاب لا يزيد عدد من يشتريه على 10 اشخاص ومن يقرأه 5 منهم، ثم لو كانت قراءة كتاب من تلك الكتب تفسد الاخلاق وتسبب الانحلال فلماذا لا تفسد اخلاق السادة الرقباء النبلاء رغم انهم يقرأون جميع الاصدارات الممنوعة؟!

ـ وليس صحيحا جعل الكتاب وهو مادة ثقافية اداة للاستجوابات السياسية كما حدث عام 98 عندما قام شخص (….) بتجميع كلمات هنا وهناك ووضعها ضمن ملزمة انتشرت بين الناس وكان واجبا ان يحاسب من قام بذلك العمل القميء بتهمة نشر الفاحشة لا محاسبة الوزير.

آخر محطة:

(1) تحية طيبة لمرشد الثورة الاسلامية في ايران السيد علي خامنئي على فتواه بتجريم الاساءة لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أو النيل من رموز أهل السنة والجماعة.

(2) نشر موقع الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في مصر كلمة للمرشد السيد علي خامنئي بمناسبة الذكرى الأربعين لوفاة الرئيس جمال عبدالناصر قال فيها: كنت معتقلا في سجون الشاه ولاحظت حالة ابتهاج في السجن بين الضباط والحراس وعندما سألت علمت بوفاة الرئيس جمال عبدالناصر وأقسم بالله انني بكيت عليه كما لم أبك على أبي وأمي فقد كان الزعيم الوحيد الذي ساعد الإمام الخوميني وأمد الثورة بالمال والسلاح والتدريب، لقد مثل رحيله خسارة فادحة للعالمين العربي والاسلامي وللعالم بأسره (للمعلومة في عام 63 اتهم شاه ايراه في خطاب معلن مصر بدعم ثورة الإمام الخوميني آنذاك والتي انتهت بنفيه للخارج بعد ان كانت هناك نية لإعدامه لولا تدخل المراجع الكبرى في إيران والعالم الاسلامي).

 

احمد الصراف

انتظام الانتباه

أكملنا قبل أيام 65 من العمر، وبموجب حسابات صحية وعلمية محددة سنعيش حتى منتصف التسعين، وهذا معناه اننا اجتزنا ثلثي العمر بسلام، ولم يتبق غير الثلث الاخير الذي عادة ما يكون الاكثر صعوبة من الناحية الصحية، والاكثر انتاجا من الناحية الذهنية، أو هذا ما نتمناه.
من مظاهر الكبر في العمر التي سبق ان كتبنا عنها هو زيادة عدد من ينادونك ب‍يا «عم» أو يا «حاج»، او يعطونك مقاعدهم في صالات الانتظار والحافلات والحفلات، أو يفسحون لك الطريق، أو عندما تبدأ بالاهتمام اكثر باطفاء الاضواء ليس لزيادة جرعة الرومانسية لديك، بل توفيرا للطاقة.
وتبين أخيرا ان الكبار في العمر يصابون بمرض يشار اليه ب‍ AAADD وهو اختصار طريف ل‍ Age Activated Attention Deficit Disorder ويعني: عدم انتظام الانتباه مع التقدم في العمر! واعراضه تبدأ عادة عند الاستيقاظ مبكرا والجميع نيام، حيث يقرر البعض ان عليه قراءة صحف الصباح واحضارها من الصندوق الخاص بها، وفي الطريق يكشف صاحبنا ان حنفية مياه الحديقة مفتوحة، فيتجه صوبها ليغلقها، فيلفت نظره منظر تراكم غبار عاصفة الليلة الماضية على مركبته، فيقرر ان يوجه خرطوم المياه نحوها ليزيل ما تراكم عليها من تراب، وهنا يتبين له انه بحاجة لاحضار مفتاح الباب الخارجي، فيعود ادراجه إلى الداخل لاحضاره، فتلفت نظره بضع رسائل بريد تحت الباب فيلتقطها، وعند محاولته قراءتها يكتشف انه لا يستطيع ذلك من غير نظارته الطبية، فيتجه إلى غرفة المكتب، حيث سبق ان وضعها في الليلة السابقة، فلا يجدها فيضع الرسائل على المكتب، ويصعد إلى غرفة النوم لجلب نظارته، ولكنه يكتشف ان سلة المهملات في المكتب ملأى بأوراق كثيرة، وبعضها ذات طبيعة خاصة، فيقرر ان يذهب بالسلة الى المطبخ ليفرغها في كيس الزبالة، وهناك يتبين له ان الكيس ممتلئ ويتطلب تفريغه، ووضع كيس جديد مكانه، وحيث انه في المطبخ، فإنه سيؤدي كل تلك الامور بعد ان يعد لنفسه فنجانا من القهوة، فهو لا يزال «على الريق» يضع «الركوة» على الغاز لتسخينها، وهنا يقول لنفسه ان القهوة ستكون اكثر متعة لو صاحبتها سيجارة تسهل دخوله، او خروجه من الحمام، فيصعد إلى غرفة النوم لجلب سجائره فتوقظ الجلبة التي احدثها زوجته المتوعكة، فتقوم من نومها وتطلب منه ان يحضر لها كوبا من الماء لتتناول ادويتها، وفي طريقه إلى براد الماء في الممر يتذكر انه نسي الركوة على سخان الغاز، فينزل الدرج مهرولا لاطفائه، وفي المطبخ يكتشف انه لم يشعل الغاز اصلا، فيترك المطبخ ويتجه إلى غرفة النوم لتلبية طلب زوجته، وفي منتصف الدرج يتوقف ليتذكر ما طلبته، ولكنه يستمر في الصعود ليسألها عن طلبها، هناك يرى انها قد عادت للنوم فلم يرد ايقاظها، ويتركها لحالها وينزل الدرج ببطء فقد تشوش ذهنه كثيراً، وفجأة تذكر ان كيس الزبالة الذي أصبحت رائحته تملأ البيت يحتاج الى ان يحكم ربطه ويأخذه إلى الخارج، وفي المطبخ يتذكر قهوته، وينسى سيجارته فيسخن الماء ويضع ملعقتي قهوة في «الركوة» ويحركها وما ان تغلي حتى يسكبها في الفنجان، وحيث انه عادة ما يفضلها باردة فقد وضعها جانبا لكي تبرد، وهنا تذكر انه لم يقم بقراءة بريده، فربما تكون هناك رسالة ذات اهمية خاصة، فيقرر الذهاب الى غرفة النوم لاحضار نظارته، وعند بداية الدرج تلفت «فازة» الزهور الجميلة -التي أرسلها الجيران لزوجته البارحة بسبب مرضها والتي أعجبتها كثيراً- نظره، ويلاحظ جفاف اوراقها وانها بحاجة الى الماء، فيعود الى المطبخ لجلب البعض منه، وعند وقوفه امام نافذة المطبخ، وهو يملأ الخزان الصغير يرى من خلال النافذة انه لم يغلق حنفية الماء، ولم يقرأ صحف الصباح، فيضع الماء جانبا ويتجه إلى الخارج، فيسمع مواء القطة تناديه، بصوت لا تصدره الا اذا كانت جائعة فيعود الى غرفة «المونة» ليحضر علبة طعامها، وهناك يكتشف ان النمل قد تسرب الى طعام القطة، وملأ المكان، فيأخذ العلبة إلى المغسلة ويفرغها هناك، وتجمد يده وهو ساهم، متسائلا: لقد نسيت القيام بشيء ما، وعليّ الجلوس لتذكره!
والآن قد يكون البعض منكم قد وصل الى هذه المرحلة، وهذا ليس بالأمر الخطر، فستكون قد نسيت كل ما قرأته قبل لحظات، وقد تكون في منتصف المرحلة، وعليك ان تجد للأمر حلا، وقد تضحك من القصة لاعتقادك انك بعيد عنها، ولكن سرعان ما ستكتشف انك تقترب من اعراضها بقوة دفع خارجية لا تعرف سببها، اثناء ذلك ما علينا جميعاً الا ان نبتسم، فالحياة جميلة ويجب ألا نترك السفهاء والطغاة والمتشددين منا يجعلونها غير ذلك.

أحمد الصراف