لا يعرف المواطن المرهق على وجه التحديد، ما هي الأسباب التي حرمته منذ سنوات من الحصول على الترقية المستحقة؟! لكنه يعلم في قرارة نفسه أنه بذل طيلة 20 عاماً من العمل قصارى جهده، حتى وهو يرى من يتوظف بعده، يتجاوزه بسرعة ليبقى هو (محلك سر).
ذات مرة، جلس على مكتبه وهو ينظر من الحاجز الزجاجي إلى مديره وهو جالس (يتفرفر)على مقعده الدوار و(يتكعكع)بين الفينة والأخرى، وتحدث في سره قائلاً لنفسه: «لو كان أبو فلان يحبني لكان وقف إلى جانبي ولو لمرة واحدة وطلب في تقييم آخر العام أن أحصل على درجة… ولو كان يحبني لكان قد رشحني للوظائف الإدارية الشاغرة التي توفرت وستتوفر أيضاً… لكنه لا يحبني! لكن لماذا لا يحبني؟ والله لا أعلم، بل ولا أستطيع أن أسأله أصلاً لأنني لا أملك الجرأة… أحسبه يعتقد أن الإدارة إدارة (جده) ورثها عن أبيه! يرقي من يشاء وحسب مزاجه، ويترك أمثالي لا حول لهم ولا قوة… الله ينتقم منه».
فجأة، وقف المدير صارخاً وملوحاً من وراء الزجاج: «أنت… تعالَ إلى هنا»… حمل المواطن المرهق نفسه ووقف أمام المدير: «نعم طال عمرك آمر»… فصرخ المدير في وجهه: «لماذا تدعو علي لأن ينتقم الله مني؟ لماذا تقول إنني أتحكم في الإدارة وكأنها ورث ورثته من أبي عن جدي… ها… هل تعتقد أنني لا أكون مديراً ناجحاً إلا إذا منحتك ومنحت من هم على شاكلتك من الموظفين والموظفات الترقية التي يطمحون إليها؟ هيا أجب».
من دون شك، وقف المواطن المرهق واجماً في غاية الاستغراب! فهو كان يحدث نفسه… فكيف التقط المدير ما كان يدور في قلبه من كلام؟ لا لا… لا شك أنها تهيؤات… وبالفعل، كان المواطن المرهق يتخيل…, نعم يتخيل وكأنه في أحلام اليقظة… كل ذلك المشهد كان من قبيل الأحلام والتخيلات، ففي الآونة الأخيرة، أصبح هو وبعض الموظفين يخشون الحديث عن أوضاعهم الوظيفية وعن حرمانهم من الترقي لئلا يركض أحد الوشاة من الموظفين والموظفات وينقل الكلام إلى المدير فيقع ما لا يحمد عقباه!
وهو يعلم أن الكثير من المسئولين أصبحوا يشجعون الوشاة، ويزرعون لهم عيوناً وآذاناً بين الموظفين لكي ينقلوا لهم ما يدور في الكواليس… وأولئك الوشاة، في الغالب، يحصلون على الترقيات والامتيازات والدلال والدلع حتى لو كان أداؤهم مثل وجوههم.
المواطن المرهق، كان يعلم جيداً أنه وغيره الكثير من الموظفين والموظفات… مساكين، محرومون من الترقيات لأنهم يعملون بكل إخلاص وأمانة من جهة، لكنهم لا يرتضون لأنفسهم أن يصبحوا كالدمى في يد هذا المسئول أو ذاك… فليس من شيمهم أو من أخلاقهم العمل كمخبرين في العمل ينقلون الأقاويل والافتراءات عن زملائهم وزميلاتهم إلى السيد المسئول المحترم الذي يعشق مثل هذا النوع من الوشاية بدلاً من معاملة الجميع وفق تكافؤ الفرص ووفق اللوائح الوظيفية التي تعطي كل ذي حق حقه… يتصرفون في إداراتهم وكأنها ملكاً لهم… غير أن المواطن المرهق قرر في لحظة من اللحظات أنه لن يسكت عن حقه، فهل سينجح، وهل سينجح أمثاله ممن يستحقون الترقيات فلا يحصلون عليها؟ ربما