سعيد محمد سعيد

يوميات مواطن مرهق: الترقية

 

لا يعرف المواطن المرهق على وجه التحديد، ما هي الأسباب التي حرمته منذ سنوات من الحصول على الترقية المستحقة؟! لكنه يعلم في قرارة نفسه أنه بذل طيلة 20 عاماً من العمل قصارى جهده، حتى وهو يرى من يتوظف بعده، يتجاوزه بسرعة ليبقى هو (محلك سر).

ذات مرة، جلس على مكتبه وهو ينظر من الحاجز الزجاجي إلى مديره وهو جالس (يتفرفر)على مقعده الدوار و(يتكعكع)بين الفينة والأخرى، وتحدث في سره قائلاً لنفسه: «لو كان أبو فلان يحبني لكان وقف إلى جانبي ولو لمرة واحدة وطلب في تقييم آخر العام أن أحصل على درجة… ولو كان يحبني لكان قد رشحني للوظائف الإدارية الشاغرة التي توفرت وستتوفر أيضاً… لكنه لا يحبني! لكن لماذا لا يحبني؟ والله لا أعلم، بل ولا أستطيع أن أسأله أصلاً لأنني لا أملك الجرأة… أحسبه يعتقد أن الإدارة إدارة (جده) ورثها عن أبيه! يرقي من يشاء وحسب مزاجه، ويترك أمثالي لا حول لهم ولا قوة… الله ينتقم منه».

فجأة، وقف المدير صارخاً وملوحاً من وراء الزجاج: «أنت… تعالَ إلى هنا»… حمل المواطن المرهق نفسه ووقف أمام المدير: «نعم طال عمرك آمر»… فصرخ المدير في وجهه: «لماذا تدعو علي لأن ينتقم الله مني؟ لماذا تقول إنني أتحكم في الإدارة وكأنها ورث ورثته من أبي عن جدي… ها… هل تعتقد أنني لا أكون مديراً ناجحاً إلا إذا منحتك ومنحت من هم على شاكلتك من الموظفين والموظفات الترقية التي يطمحون إليها؟ هيا أجب».

من دون شك، وقف المواطن المرهق واجماً في غاية الاستغراب! فهو كان يحدث نفسه… فكيف التقط المدير ما كان يدور في قلبه من كلام؟ لا لا… لا شك أنها تهيؤات… وبالفعل، كان المواطن المرهق يتخيل…, نعم يتخيل وكأنه في أحلام اليقظة… كل ذلك المشهد كان من قبيل الأحلام والتخيلات، ففي الآونة الأخيرة، أصبح هو وبعض الموظفين يخشون الحديث عن أوضاعهم الوظيفية وعن حرمانهم من الترقي لئلا يركض أحد الوشاة من الموظفين والموظفات وينقل الكلام إلى المدير فيقع ما لا يحمد عقباه!

وهو يعلم أن الكثير من المسئولين أصبحوا يشجعون الوشاة، ويزرعون لهم عيوناً وآذاناً بين الموظفين لكي ينقلوا لهم ما يدور في الكواليس… وأولئك الوشاة، في الغالب، يحصلون على الترقيات والامتيازات والدلال والدلع حتى لو كان أداؤهم مثل وجوههم.

المواطن المرهق، كان يعلم جيداً أنه وغيره الكثير من الموظفين والموظفات… مساكين، محرومون من الترقيات لأنهم يعملون بكل إخلاص وأمانة من جهة، لكنهم لا يرتضون لأنفسهم أن يصبحوا كالدمى في يد هذا المسئول أو ذاك… فليس من شيمهم أو من أخلاقهم العمل كمخبرين في العمل ينقلون الأقاويل والافتراءات عن زملائهم وزميلاتهم إلى السيد المسئول المحترم الذي يعشق مثل هذا النوع من الوشاية بدلاً من معاملة الجميع وفق تكافؤ الفرص ووفق اللوائح الوظيفية التي تعطي كل ذي حق حقه… يتصرفون في إداراتهم وكأنها ملكاً لهم… غير أن المواطن المرهق قرر في لحظة من اللحظات أنه لن يسكت عن حقه، فهل سينجح، وهل سينجح أمثاله ممن يستحقون الترقيات فلا يحصلون عليها؟ ربما

سامي النصف

نمور من ورق

كان الصحافي الكبير مصطفى امين يشترط لرئاسته تحرير اي صحيفة ان يصبح المشرف الوحيد على صفحة بريد القراء، وقد اكتشف الصحافي حسنين كروم لاحقا وبالادلة ان سبب ذلك الطلب هو «فبركة» الرسائل لخداع الرأي العام واقناعه بأن الناس يميلون لهذا الرأي او ذاك عبر تلك الرسائل وهو اسلوب متبع كذلك في كبريات الصحف الغربية.

هذه الايام اصبح ذلك التزييف بقصد اشاعة الافكار الثورية والحنق واليأس والقنوط اسهل بكثير، فما عليك الا ان تزور اكبر المنتديات والمواقع العربية التي تتشكل من خلال متابعتها عقول الشباب حتى ترى الخداع في اجل صورة، فما يريد اصحاب الموقع تسويقه «تفبرك» لاجله مئات الردود المادحة، وما يراد محاربته ـ وهو على الارجح الافكار الحكيمة العاقلة ـ «تفبرك» ضده مئات الردود القادحة.

وقد اعترف ذات مرة إمام مسجد متشدد في الرياض يدعى حسين مفتي زاده في لقاء مع جريدة «الحياة» بأن احد اكبر المواقع العربية ويدعى «المساحات» كان يسمح له بالكتابة بعشرات المعرفات المختلفة واشهرها معرفة «الخفاش الاسود» كي يدفع الشباب للتطرف والعنف عن طريق مهاجمة افكار العقلاء والمعتدلين ثم قيامه بالثناء على ما يقوله في معرفاته الاخرى المختلفة لاقناعهم بصدق افكاره، وقد كشف د.حمزة المزيني انه كان يصلي خلف ذلك الامام الذي كان يسلم عليه ويمدحه نهارا ثم يتحول ليلا الى خفاش مضلل طائر يهاجمه بأقبح الكلمات ويكفره امام طلابه.

وهناك صحافي نكرة يدعى وائل قنديل يكتب في صحيفة «الشروق» المصرية الى جانب صحافيين كبار وكان يحاول اطالة قامته بالهجوم على الآخرين ثم «فبركة» تعقيبات عديدة تؤيد وتدعم ما يقوله حتى كشفه احد المتابعين عبر ملاحظة ان جميع التعقيبات تستخدم نفس اسلوب الكتابة وتقطيع الجمل بالنقط، فسأله ساخرا: ما حكاية النقط في التعقيبات يا قنديل؟! ولم يرد بالطبع قنديل.

ومن اساليب الخداع البصري والعقلي القائمة في صحافتنا المحلية والعربية حقيقة ان كثيراً ممن يدّعون البطولات عبر المقالات النارية ضد المسؤولين هم في الاغلب يكتبون بأقلام مأجورة حبرها الاموال الضخمة المدفوعة من خصوم هؤلاء المسؤولين، لذا فليس هناك بطولة ولا غير ذلك، بل ابطال زائفون، ومن يرد معرفة ابطال الكويت الحقيقيين فما عليه الا زيارة مكتب الشهيد في اليرموك وسيجد الآلاف منهم.

آخر محطة:

(1) تم طرد «البطل الزائف» ابراهيم عيسى من رئاسة تحرير «الدستور» المصرية وكانت اسباب الطرد كما ذكرها رئيس مجلس ادارة الصحيفة ان ذلك «البطل» كان يتسلم شهريا راتبا قدره 75 الف جنيه في بلد لا يزيد راتب المهندس والطبيب فيه عن مئات الجنيهات هذا عدا ما يتسلمه من الفضائيات، وقد حاول عيسى ارغام صحيفة «الدستور» التي لا توزع الا القليل من النسخ ولا ينشر بها اي اعلان لضعفها ان تتكفل بدفع الضرائب عن دخله الضخم بدلا منه فتم طرده، وكم في البطولات الزائفة من ارزاق وثروات وخداع وبريق..!

(2) العزاء الحار للكويت ولعائلة القناعات الكرام في وفاة الكاتب الكبير محمد مساعد الصالح، للفقيد الرحمة والمغفرة، ولاهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان، وانا لله وانا اليه راجعون.

احمد الصراف

أغرب قصة انتحار في التاريخ

قد لا يصدق البعض هذه القصة لكثرة ما فيها من صدف غريبة، كما أن أحداثها تصلح لإثارة أكثر العقول إيمانا بأنها رأت وسمعت ما يكفي وأن ليس هناك ما يثير، غير قصص الخيال العلمي في السينما والتلفزيون. وقد كانت أحداثها الغريبة موضوع خطبة ألقاها رئيس «جمعية علماء التشريح في جرائم القتل» بأميركا، وأثارت دهشة مستمعيه في ذلك الحفل، ويفترض أنهم رأوا الكثير، ليس بسبب صدفها العجيبة فقط، بل ولتعقيداتها القانونية، فهي قصة جريمة قتل غير مسبوقة، ولا يمكن أن تتكرر بسهولة مرة أخرى.
في 23 مارس 1994 بين تقرير تشريح جثة رونالد أوبوس أنه توفي من طلق ناري في الرأس، بعد أن قفز من سطح بناية مكونة من عشرة طوابق، في محاولة للانتحار، تاركا خلفه رسالة يعرب فيها عن يأسه من حياته، وأثناء سقوطه أصابته رصاصة انطلقت من إحدى نوافذ البناية التي قفز منها، ولم يعلم المنتحر أو من أطلق النار عليه وجود شبكة أمان بمستوى الطابق الثامن، وضعها عمال الصيانة، وكان من الممكن أن تفشل خطته في الانتحار. من الفحص تبين أن الطلقة التي أصابته انطلقت من الطابق التاسع. وبالكشف على الشقة تبين أن زوجين من كبار السن يقطنانها منذ سنوات، وقد اشتهرا بين الجيران بكثرة الشجار، ووقت وقوع الحادث كان الزوج يهدد زوجته بإطلاق الرصاص عليها إن لم تصمت، وكان في حال هيجان شديد بحيث ضغط من دون وعي على الزناد فانطلقت الرصاصة من المسدس، ولكنها لم تصب الزوجة بل خرجت من النافذة لحظة مرور جسد رونالد أمامها فأصابت في رأسه مقتلا! والقانون ينص على أن «س» مدان بجريمة قتل إن هو قتل «ج» بدلا من «ك» من الناس، وبالتالي فالرجل العجوز هو القاتل، حيث ان شبكة الأمان كان من الممكن أن تنقذ حياة رونالد من محاولته الانتحار!! وعندما ووجه الرجل بتهمة القتل غير العمد أصر هو وزوجته على أنهما دائما الشجار، وقال الزوج انه اعتاد على تهديد زوجته بالقتل، وكان يعتقد دائما أن المسدس خال من أي قذائف، وأنه كان في ذلك اليوم غاضبا بدرجة كبيرة من زوجته فضغط على الزناد وحدث ما حدث. بينت التحقيقات تاليا أن أحد أقرباء الزوجين سبق أن شاهد ابن الجاني، أو القاتل، يقوم قبل أسابيع قليلة بحشو المسدس بالرصاص. وتبين أيضا أن زوجة الجاني سبق ان قامت بقطع المساعدة المالية عن ابنهما، وأن هذا الأخير قام بالتآمر على والديه عن طريق حشو المسدس بالرصاص، وهو عالم بما دأب عليه أبوه من عادة تهديد أمه بالقتل عن طريق ذلك المسدس الفارغ، فإن نفذ تهديده مرة واحدة فسيتخلص من أمه وأبيه بضربة، أو رصاصة واحدة. وحيث أن نية الابن كانت القتل فيصبح بالتالي متورطا في الجريمة حتى ولو لم يكن هو الذي ضغط على الزناد، أو استخدم أداة القتل! وهنا تحولت تهمة القتل من الأب إلى الابن لقتله رونالد أوبوس. ولكن استمرار البحث أظهر مفاجأة أخرى، فالابن المتهم لم يكن غير المنتحر، أو القتيل رونالد اوبوس، فهو الذي وضع الرصاصة في المسدس ليقوم والده بقتل والدته، وعندما تأخر والده في تنفيذ وعيده، وبسبب تدهور أوضاعه المادية قرر الانتحار من سطح البناية لتصادفه الرصاصة التي أطلقها والده من المسدس الذي سبق ان لقمه بالرصاصة القاتلة، وبالتالي كان هو القاتل وهو القتيل في الوقت نفسه، بالرغم من انه لم يكن من أطلق الرصاص على نفسه، واعتبرت القضية انتحارا، وعلى هذا الأساس أغلق ملفها.

***
• قصة واقعية مترجمة من الإنترنت.
أحمد الصراف

سامي النصف

الحرب والسلام في «حوار مفتوح»

دعانا الزميل غسان بن جدو للمشاركة في برنامجه الشائق «حوار مفتوح» الذي تبثه قناة الجزيرة من بيروت، وكان الضيف الآخر في اللقاء د.منذر سليمان رئيس مركز الدراسات العربية ـ الأميركية الذي أحال الحلقة ـ سامحه الله ـ مما يفترض فيها من حوار هادئ لدراسة خيارات دول المنطقة في الأزمان الحرجة القادمة إلى سلسلة اتهامات ما أنزل الله بها من سلطان، وكان هناك ضمن الحلقة معقبون من لبنان والعراق وفلسطين.

والدكتور منذر سليمان الذي سبق ان واجهته في لقاءات على محطات أخرى هو أحد أوجه الغوغائية العربية المعاصرة كحال عطوان وبكري وغيرهما، والتي من خواصها الخصام ووفرة الاتهام مع كم كبير من النفاق السياسي وازدواجية المعايير، ففي وقت يطالب فيه بالضرب والحرب والثبور وعظائم الأمور ويدعو للتصدي لأميركا ومحاربتها لآخر مستضعف عربي، يبقى هو متنعما بدفء بيته في واشنطن عاصمة الشيطان الأكبر كما يسمي بلده أميركا، وهل يرضى احد بالعيش مع شيطان إلا شيطان مثله يا دكتور؟!

لقد اختطف الغوغاء والمتشددون القرار العربي منذ ما يقارب القرن من الزمن وألصقوا بكل من يدعو الى خيارات العقل والتهدئة والحكمة والسلام دعاوى التخوين والعمالة، فتحت راياتهم رُفض قرار لجنة بيل الملكية عام 1937 الذي أعطى الفلسطينيين 90% من الأرض، وتحت نفس الرايات الخادعة والكاذبة تم رفض قرار التقسيم عام 1948 الذي أعطى أغلب الأرض للفلسطينيين والذي يبكي الجميع دما على رفضه هذه الأيام، وفيما بعد ساقنا قرار التشدد والتثوير الى كل الهزائم والنكبات وفقدان الأراضي التي أصابت الأمة بدءا من هزائم حروب الأبوات (أبو خالد 56 و67، أبو عمار 70 و82) إلى هزائم حروب الأمهات (أم المعارك 1991، أم المواسم 2003).. الخ.

لقد عادينا تحت نهج التثوير والتشدد الدول القريبة والبعيدة، فقبل البعض منا بشن صدام الحرب على إيران وتهديد الجارة تركيا بسلخ لواء الاسكندرونة منها، وأيدنا تشطير الحبشة وهللنا لغزوة منهاتن ورحبنا برمي اليهود في البحر، وكنا في حروبنا مع الآخرين الأسرع في الكر والأسرع في الفر، لذا سحب العالم منا خيار الحرب بعد ان أسأنا استخدامه، ولم نكن في خيار السلام أفضل حالا، فنحن اول من يوقع المعاهدات ونحن اول من ينقضها (اتفاقيات الهدنة، اتفاقية الجزائر كمثال) ونحن دون العالم أجمع من اخترع خيار السلام البارد دون تطبيع كوسيلة لخداع الآخرين، اي سلام يقوم على أوراق يمكن ان تمزق وسفارات يمكن ان تغلق، ومرة أخرى أثبتنا أننا لسنا على مستوى استحقاق السلام فسحب العالم منا ذلك الخيار وبات من عاديناهم بتشددنا ورعونتنا بالأمس يعملون حاضرا ومستقبلا على وقف خطرنا عليهم عبر تمزيقنا وتشطيرنا وتشجيع الحروب الأهلية فيما بيننا اتقاء لشرنا المحتمل، بل يسعى البعض منهم في السر او العلن لإماتتنا عطشا وتحضير الأرض لحروب المياه، فما يحدث هذه الأيام في نيل مصر سيتكرر آجلا في نهري دجلة والفرات.

في الخلاصة ذكرت اننا بحاجة لخارطة طريق جديدة ترفض التطرف والتشدد والعنف، وتقوم ركائزها على الحكمة والتسامح ونبذ الحرب، وتبدأ بإعلان الأمة العربية عبر جامعتها العتيدة وأمينها العام عن اعتذار رسمي لكل من أساءت لهم حقبة الثورية والغوغائية السابقة سواء كانوا من شركائنا في الأوطان من أبناء الأديان والمذاهب والأعراق الأخرى أو الجيران أو البلدان المؤثرة في العالم كحال أميركا التي عاديناها منذ الخمسينيات أكثر من معاداة ألمانيا واليابان وفيتنام لها رغم انها ضرتهم ولم تضرنا، ولا مانع ان يتضمن بيان الاعتذار الاعتراف كنوع من التغيير أن جميع حروبنا مع الآخرين والتي اعتبرناها انتصارات مدوية هي في الواقع هزائم مروعة يجب ان نخجل منها، فالاعتراف بالهزيمة في كثير من الأحيان أول خطوات النصر.

آخر محطة

(1): سألنا أحد معقبي البرنامج من الاخوة الفلسطينيين: ما دمتم لم تقبلوا إبان غزو صدام التنازل عن شبر من أرضكم فلماذا تطلبوا منا القبول بمفاوضات سلام تؤدي للتنازل عن جزء من أرضنا؟! الإجابة كانت سهلة وبسيطة: فعندما تحشد دول العالم نصف مليون جندي على حدود فلسطين لتحريرها حينها عليكم ألا تتنازلوا عن ظفر ـ لا شبر ـ من الأرض الممتدة من النهر إلى البحر، أما وضع شروط القوي والمنتصر وأرضكم تضيع مع كل يوم يمر وأنتم في خلاف شديد فيما بينكم فهذا كلام لا يقوله عاقل.

(2) غياب ثقافة التسامح وزيادة جرعة التشدد والغوغائية يعطيان دلالة أكيدة على أن «الصوملة» هي ما سينتهي إليه حال المنطقة العربية الممتدة من الخليج الى المحيط تباعا خلال السنوات القليلة القادمة، والبداية في السودان خلال شهرين ثم العراق ولبنان والباقي سريعا على الطريق.

حسن العيسى

العراق مجلس دائم للعزاء

مبروك للدولة العراقية ثورتها الفنية والثقافية؟ هكذا يجب أن  تسير الأمور بين الجيران، بين العراق والكويت، بين الشقيق وشقيقه في الشقاء والبقاء للأفضل في اللعبة السياسية بثوبها الديني. الحمد الله، فليست الامبراطورية الكويتية العظمى التي حرمت سلطتاها التشريعية والتنفيذية الفكر والفن والثقافة بوسائل الرقابة والحظر والممنوع والعادات والتقاليد حتى أضحت الدولة ساحة ترابية من الخواء والملل والسطحية الفكرية وحدها، فالعراق "الديمقراطي" يماثلنا، ونحن الاثنان (العراق والكويت) أصبح كل منا صورة ومرآة للآخر… الكويت تمنع الخيم الرمضانية وحفلات الموسيقى والمسرح والطرب وتفرض الرقابة على الكتب في معارض الكتاب لمصلحة القارئ كما برر لنا السيد الوالد بدر الرفاعي عميد المجلس الوطني للثقافة، والعراق يسير أيضاً في الدرب ذاته، فنائب محافظ بغداد ألغى حفلات فنية يوم السبت الماضي بعد أن حلمت وزارة الثقافة هناك بإحياء الاحتفالات البابلية كما كانت قبل الإطاحة بصدام.
 الفنانون الذين جاؤوا من ديار قريبة وبعيدة رجعوا إلى ديارهم يجرّون معهم أذيال الخيبة… فنائب المحافظ الذي شتت البهجة وطعن الفن لم يجد عذراً يروج للجماهير غير أن هذه الحفلات الراقصة صادف توقيتها ذكرى ميلاد الإمام السادس…! طبعاً  سيادة نائب المحافظ هناك يسير على هدي الإشعاع الفكري لمسؤولينا في الامبراطورية الكويتية، حين يغتالون الفن والجمال ممتثلين لأوامر نواب الشعب…! فهناك دائما "مناسبة" حفل فني تصادف ذكرى ميلاد أو وفاة رمز ديني أو تحدث بقدرة قادرة في زمن حاضر نجترّ فيه (نحن الرعية) كل مآسي الماضي التي لا تنتهي.
مبروك للعراق بلد المتنبي وهارون الرشيد والمأمون… ومهد الثقافة العربية ما حققته لها "ديمقراطية  الطوائف والقبائل"… فلسنا وحدنا هنا في الكويت بديمقراطية الدين والقبيلة ساحة ترابية من الخواء، فالعراق الآن مجلس دائم للعزاء.

احمد الصراف

خصوصيتنا والسير على السنّة

وصلني من صديق عن طريق الإنترنت نص طريف ذكر فيه مرسله انه للزميل محمد الرطيان ويتعلق ببعض مظاهر «الخصوصية السعودية». وبسبب طرافة النص وانطباقه على مجتمعاتنا الخليجية فقد رأينا نشره بتصرف كبير، مع إضافات من عندنا، وعسى أن يغفر لنا كاتبه تطفلنا:
نجد بالقرب من الكثير من البيوت السعودية خيمة أو بيت شعر منصوبا في باحة المنزل أو بجانب الفيللا الحديثة، وهذا يدل على أن هذا المجتمع يعيش في لحظة تاريخية مرتبكة ومربكة.. فهو لم يصل إلى المدنية تماما، ولم يستوعب حضارتها لعدم قدرته على التخلّص من البداوة مع عجز واضح عن المحافظة على «قيمها». وهذه الخيمة المنصوبة في باحة المنزل تدل على أنه يعاني من انفصام خطير في الشخصية! وفي جولة سريعة على المواقع الإلكترونية المحلية نرى المئات منها المخصصة للقبائل والعائلات والأنساب، والتي تهتم بأدق تفاصيل القبيلة والعائلة والنسب، وهنا تشعر أن هؤلاء لم يصلوا بعد إلى الهوية الوطنية الواحدة الجامعة، وأنهم ما زالوا يحافظون على هوياتهم الصغيرة، ويؤمنون أنها الملجأ النهائي والحقيقي. ولا يختلف في هذا بدوي أو حضري. ونجد كذلك أن التقديس لا يزال مستمرا لشيخ القبيلة وشيخ الدين، وأضيف إليهما في العقدين الماضيين شيخ المال، وهذا يعطيك الانطباع بأننا نعيش في مجتمع متضخم بالمشيخات والمشايخ والشيوخ، بحيث أساؤوا بقصد أو بغير ذلك للمعنى السياسي للقب. كما نجد أننا المجتمع الوحيد في العالم الذي ينام فيه الفرد فقيرا ويصحو في اليوم التالي مليونيرا، ولا تسألني كيف، فهذه إحدى خصائص المجتمع السعودي العجيبة. ومع ثورة تكنولوجيا الاتصالات التي اجتاحت العالم، انطلقت خلال العقدين الماضيين العديد من القنوات الفضائية التي تهتم بمواضيع البعارين والصقور والشعر الشعبي والنبطي، وبالرغم من كثرة عددها فإننا لا نجد بينها واحدة تهتم بالفكر والثقافة والسياسة، وبالرغم من وجود قنوات تهتم بالمحاورة، فإنه ليس بينها من يهتم بالحوار، إلاّ إذا كان المقصود بالحوار ابن الناقة! والمحاورة عندنا تعني قيام اثنين، أو أكثر، بلعن بعضهم سنسفيل بعض.. على الفضاء. كما لا يزال هذا المجتمع يشكو من العقدة الكبرى ألا وهي المرأة، ويدعي في كل يوم انه يعاملها بتلك الطريقة الغريبة لأنه… يخاف عليها.
وفي السياق نفسه كتب الزميل السعودي الآخر علي سعد الموسى في جريدة «الوطن» مقالاً بعنوان «ماذا لو لم نكن على الكتاب والسنة؟»، قال فيه: لاننا هنا على الكتاب والسنة فلن تجد من بيننا ولله الحمد من يتعاطى الرشوة، ولن تجد بين ظهرانينا من يلطخ يديه وسمعته شرفا ودينا في دهاليز الفساد وأكل حقوق الناس واستساغة المال العام. ولأننا هنا على الكتاب والسنة، فإن العام يمر بأشهره الاثني عشر وبأسابيعه الخمسين من دون أن نسمع عن كارتيل لتهريب المخدرات ومن دون أن نقرأ عن عصابة لترويج المسكرات. ولأننا هنا على الكتاب والسنة فإن المرأة لدينا تستطيع أن تقطع المسافة بين قريتين وأن تمشي وحدها بين مدينتين من دون أن يعترضها أحد، ولأننا على الكتاب والسنة صار من الخصوصية المذهلة التي لا يتمتع بها أحد غيرنا على وجه هذه البسيطة أن تأمن على حرمك المصون أن تذهب لبيت الجيران الرابع بعيد المغرب من دون أن تخاف عليها من تحرش أو مضايقة.
كل ما بعاليه مجرد تمهيد للحقيقة التالية التي سبق أن مررت عليها من قبل والتي تقول إن الجهات الشرعية والدعوية تقوم مشكورة بتوزيع ما يقارب 300 ألف منشط توعوي ودعوي في العام الواحد، وهو رقم ضخم يكفي لضبط وتقويم وإصلاح سلوك عشرة شعوب مجتمعة. ومن وجهة نظري فلا يوجد شعب على الإطلاق يتعرض لعشر هذه الكثافة التوعوية، ومع هذا شاهدت بأم عيني فاتنة الجمال تمشي نصف عارية في اسطنبول على الرصيف ذاته الذي يسير عليه عشرات الشباب من دون أن يرفع واحد منهم نصف رمشه. كما شاهدت موظفة الشركة في كوالالمبور تخرج من مكتبها إلى زحام الطريق من دون أن يلتفت إليها أحد. وشاهدت باص المدرسة في الإسكندرية يقف ببنات الثانوية على طرف الميدان الضخم، وكل منهن مضت في حال سبيلها، فمن منكم يجرؤ هنا أن يترك زوجته أو ابنته تزور أقرب الأقربين في الحي نفسه وحدها منتصف النهار من دون حراسات أشبه بالمواكب؟ سؤالي الخيال: كيف نحن بهذا السلوك المخيف رغم 300 ألف ناشط دعوي وتوعوي؟ وسؤالي لما فوق الخيال: كيف كان سيكون سلوكنا الوحشي لو أننا لم نكن على الكتاب والسنة؟

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

يوميات مواطن مرهق: الطماطم!

 

كان المواطن المرهق متحمساً جداً جداً للمشاركة في الانتخابات منذ انطلاق دورتها الأولى في العام 2002، فقد كانت الآمال والطموحات تملأ رأسه وصدره حاله حال مئات الآلاف من المواطنين الذين وجدوا في إعادة الحياة النيابية أملاً في تحسين معيشة المواطنين والإسهام في تطوير البلد، وبقي على حماسه ذاته وشارك أيضاً في انتخابات 2006 لأنه كان يمني النفس بإنجازات تلامس حياته اليومية ولا بأس من الصبر لحين نضج التجربة.

وعلى رغم أنه بدأ يشعر بالكثير من الإحباط بسبب تحول العمل البرلماني في كثير من الأحيان الى ساحة اقتتال طائفي حيناً وفئوي حيناً آخر، إلا أنه حدث نفسه قائلاً: «رويداً رويداً ستنضج التجربة… وسنجني كمواطنين ما أملناه من نواب الشعب… حتى لو لكم أحدهم الآخر (بكساً) على وجهه، أو وقف آخر ضد ما يطمح إليه الشعب وكأنه مدافع عن الحكومة، وقرر ثالث أن يبقى ساكتاً ولا يهمه إن أطلق عليه الناس لقب (سعادة النائم)، فيما رابع يصرخ في وجه الوزراء أثناء الجلسة، ويلاحقهم خارجها ليقدم الرسائل وفيها ما فيها»، فالمواطن المرهق كان إلى قبل حين، يدرك بأن البرلمان هو بيت الشعب، وأن الدولة لن تقصر لا مع النواب ولا مع المواطنين، وإذا كان أداء بعض النواب سيئاً، فالعتب على المواطنين الذين أوصلوهم إلى قبة البرلمان ثم غسلوا ايديهم منهم، ولابد من المشاركة وإيصال النواب الأكفاء في انتخابات 2010.

ها هو اليوم يراقب المشهد عن كثب فقد اقترب موعد الانتخابات العامة، لكنه شعر بالكثير من القلق والخوف وحالة من اليأس التي حاول التغلب عليها بلعن الشيطان الرجيم، وخصوصاً حين يقطع الشوارع فيقرأ إعلانات من قبيل: «صوتك لنا كلنا»… و»حتى نصل للوضع الأفضل… انتخب الأفضل» وما شابهها، وحرص على قراءة الصحف لتصدمه أخبار القتال الذي بدأ مبكراً بتمزيق إعلانات مرشحين وحرق خيام والأشد من ذلك، أنه كان يسمع أيضاً عن بدء (التنافس الشريف) من خلال توزيع الهدايا والأعطيات والرشا والثلاجات والخرفان.

ذات مساء، جلس المواطن المرهق مع صاحبه المواطن المرهق الآخر، فراح الأخير يقرأ له خبراً نشرته الصحافة محاولاً طمأنة صاحبه: «اسمع اسمع يا خوك… أكد قضاة اللجنة العليا للإشراف العام على سلامة الانتخابات، بأن القانون حظر تقديم كافة أشكال الهدايا والمساعدات النقدية أو العينية في إطار ممارسة الدعاية الانتخابية، مطالبين كل من يدعي امتلاكه وقائع وأدلة تشير إلى وجود (رشا انتخابية) تقديمها إلى اللجنة العليا، وشدد قضاة اللجنة العليا بأن (الرشا الانتخابية) تعد جريمة يعاقب عليها القانون، مؤكدين أنه متى ما تبين ارتكاب أي شخص لتلك الجريمة فإنها ستحيل الأمر إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة»… تنفس قليلاً ثم قال: «أشوى… طمنتني الله يطمن قلبك… ترى الأمل في المرشحين المخلصين الذين يجب أن يصلوا إلى البرلمان فيحملون همومنا ويهتمون بمصالحنا».

لكن المواطن المرهق لم يتردد في أن يسأل صاحبه سؤالاً مهماً بالنسبة له وللغالبية من ذوي الدخل المحدود من المواطنين قبل أن ينهيا السهرة: «لكن يا خوك… سعر الطماطم وصل إلى دينار واحد… تراجع قليلاً إلى 700 فلس، هل تعتقد أن البرلمان القادم سيناقش هذا الملف الخطير؟»

ذهب كل منهما إلى منزله، وفي رأسيهما أمور أهم بكثير من سعر الطماطم.

مبارك الدويلة

نجاح متكرر.. وفشل متواصل

ابتداء نهنئ القائمة الائتلافية والاتحاد الإسلامي والمستقبل الطلابي بالفوز الكاسح في انتخابات اتحاد طلبة الجامعة واتحاد طلبة التطبيقي. وهاردلك ــ كالعادة ــ للمستقلة وبقية القوائم.
وبهذه المناسبة أريد أن أسطر بعض الفوائد التي نستخلصها من تكرار هذا الاكتساح للائتلافية والاتحاد ومن تكرار هذا السقوط للمستقلة!!
أقول لأبنائي منظمي حملة القائمة المستقلة ان سبب فشلكم يعود إلى تكراركم الدائم لإثارة تبعية القائمة الائتلافية للاخوان المسلمين، وكأن ليس لديكم ما تأخذونه على منافسيكم إلا هذه الشبهة التي أصبحت «بايتة» ومكشوفا القصد منها، فكانت نتيجتها عكسية عليكم، حيث تبين لجموع الطلبة انكم خالو الوفاض وليس لديكم حجة على منافسيكم، فالجميع يعلم ان القائمة الائتلافية ليس لها أي انتماء حزبي بالاخوان المسلمين، وأن الخلط المتعمد بين الاتجاه الفكري والانتماء الحزبي واضح عند الجميع. فقد أتبنى فكرا اسلاميا ومنهجا قرآنيا في حياتي ومسيرتي، وقد يتبنى هذا الفكر وهذا المنهج آلاف بل ملايين من البشر غيري، لكن هذا لا يعني أننا نتبع لبعض تنظيميا، أو اننا تحت مظلة حزبية واحدة، وإلا فكيف تفسر اتفاق الاتحاد الاسلامي والائتلافية في قائمة واحدة؟! لديهم خط واحد ومنهج واحد ونظرة للحياة واحدة، لكن لا ينتمون تنظيميا إلى بعض، وهذا معروف عند الجميع. ذكرنا هذا مرارا وتكرارا، لكن عدم وجود ما تثيرونه على الائتلافية جعلكم تتشبثون بهذه الشبهة الواهية.
مما نستفيد كذلك من هذه النتائج ان الاتفاق والتنسيق بين التيارات ذات الاتجاه الواحد يؤديان إلى نتائج ايجابية لها، وهذا يجب أن يدفع بالاسلاميين خارج اسوار الجامعة الى التفكير الجدي في التنسيق في القضايا المصيرية للمجتمع ان كانوا يريدون تحقيق أهدافهم.
تيار الوسط الديموقراطي.. بصراحة كبر في عيني مع خلافي 180 درجة معه، فهو أثبت أن المحافظة على مبادئه وبقاءها في الساحة أفضل من المكاسب الانتخابية المؤقتة، فمع علمه بأن أرقامه تتضاءل فان تجربة اندماجه مع التحالف الوطني الديموقراطي خارج الجامعة ما زالت أمام عينيه، حيث فشل اتفاق المنبر مع التحالف وكاد المنبر أن يضيع.
أخيرا نقول لمن يريد أن يقرأ نتائج الانتخابات بشكل جيد ان أهم هذه القراءات أن المجتمع الكويتي كان وما زال وسيبقى مجتمعا محافظا متدينا، رغم كل مظاهر الانفتاح والمدنية، ولا شك أن هذه تحتاج إلى «زلم» ليفهموها.

* * *
لفتة كريمة
ما أكتبه في هذه الزاوية هو رأيي الشخصي ولا يمثل رأي الآخرين سواء الحركة الدستورية الإسلامية أو رابطة عبس العالمية. قد أتفق مع الحركة في آرائها %99.99 لكن ما يكتب هنا هو رأي مبارك الدويلة شخصيا.. ومنا إلى الأخوة في جريدة الآن الإلكترونية.

مبارك فهد الدويلة

احمد الصراف

7 كيلو البرقع

كلما نظرت إلى امرأة أفغانية وهي تتدثر بذلك الكيس الثقيل المائل للزرقة المسمى بالبرقع، والذي يغطيها تماما دون ابراز أي سنتيمتر منها، تاركا لها ما يشبه الشباك الكثيف عند وجهها، اشعر بانقباض شديد وبالرغبة في أن امد يدي وانتزع ذلك الرداء لأجعلها تنطلق ضاحكة مسرورة حرة مثل بقية البشر، ولكني أتردد خوفا مما سيحدث لها او ردة فعلها، هل ستفرح ام ستبكي صارخة مطالبة بردائها الذي لم تعرف بيتا غيره، ام انها ستتكور على نفسها منتحبة تلوم حظها السيئ الذي خلقها امرأة في عالم مليء بالظلم والكآبة، ام يا ترى ستسقط على وجهها عند أول خطوة لانها لم تعتد السير في الطرقات وهي في غير ذلك السجن الازرق الذي يلفها والذي بغيره لا تعرف السير بين الرجال!
يقول احد المصادر ان النقاب الحالي عرفته افغانستان في عهد الشاه حبيب الله (1910-1901)، الذي فرضه على «حريمه» المائتين، لكي يبعد عنهن نظرات الرجال. ويعتبر البرقع تاريخيا لباس نساء قبائل الباشتون الشديدة المراس والتخلف، التي تنتشر في باكستان وافغانستان. وعندما خلف الملك أمان الله سلفه في الحكم حاول القضاء على البرقع وتحديث افغانستان، ولكن القبائل عارضت اصلاحاته واجبرته في 1929 على التنازل عن العرش واللجوء للهند، ولكنه ترك وراءه، وبالذات في العاصمة والمدن الرئيسية، اصلاحات وتغييرات واضحة، واصبح مألوفا رؤية النساء من غير برقع، وخاصة في المدن الرئيسية في عهد ظافر شاه، آخر ملوك افغانستان، وايضا خلال فترة حكم السوفيت. ولكن ما ان سيطرت حركة طالبان على الاوضاع، بعد انسحاب السوفيت، حتى قامت بفرض لبس البرقع على جميع النساء والفتيات، وقد وضعت شروطه بحيث يكون مصنوعا من اقمشة بالغة السماكة، حيث يزن البرقع في المتوسط سبعة كيلوغرامات، كما ان طوله الاضافي صمم بحيث يمنع مرتدياته من الجري، وبذلك تكون قدراتهن اضعف بكثير. وتصف منظمة «روا»، وهي اختصار للجمعية الثورية لنساء افغانستان، البرقع بانه ليس لباسا او حجابا بل هو سجن يجعل مرتديته تشعر بالحرارة الدائمة والانعزال التام عن العالم المحيط بها، مما يجعل من الصعب عليها تمييز من يكونون حولها، وخاصة من النساء. كما صممت شبكته التي تغطي الوجه من خيوط بالغة السمك تجعل من الصعب على المرأة توسيع فتحاتها، إن رغبت في ذلك، وبالتالي تصبح الرؤية من خلالها مجهدة للعين وتأثيرها على المدى الطويل سلبي جدا على قوة النظر.
وتفرض حركة طالبان، التي لها الكثير من المؤيدين بيننا، على النساء والفتيات، صغيرات أو بالغات، الامتناع عن أداء الكثير من الأنشطة والحرمان من العمل والحق في التعلم او التواجد في الطريق لأي سبب من غير «ذكر محرم». كما لا يحق لها تلقي العلاج إلا في مستشفيات محددة بعيدة عادة وتفتقد الماء والكهرباء وحتى غرف عمليات نصف مجهزة! وعادة لا يقوم غير الرجال بممارسة الطب في أفغانستان، ومناطق طالبان بالذات، ولا يسمح لهؤلاء بالطبع بالكشف على النساء او تقديم العلاج لهن بأي حال من الأحوال.
ومن المناظر المألوفة جدا رؤية النساء جالسات في صندوق الأمتعة الخلفي لسيارات الأجرة، حتى في كابول العاصمة، فهن لا يغامرن، أو لا يسمح لهن بالركوب في المقاعد الأمامية والخلفية مع الرجال.
موضوع معاناة المرأة في أفغانستان طويل ومؤلم ونتمنى ممن عينوا أنفسهم سفراء للحركة في الكويت دحض هذه الحقائق وتكذيب ما ورد في هذا المقال!

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

خالتي يا خالتي

كما كان يفعل "الغاليون"، سكان فرنسا في العهود السحيقة، الذين كانوا يتواصلون مع موتاهم بكتابة الرسائل وإحراقها، سأتواصل مع القانون في الكويت بعد أن مات ودُفن وصلينا عليه صلاة لا ركوع فيها ولا سجود، فأكتب هذه المقالة وأحرقها.

وفرعون الشعر في عصرنا الحالي، حفيد شعراء المعلقات، ناصر الفراعنة يردد في قصيدته السياسية الشهيرة: "ناقتي يا ناقتي"، وهي قصيدة تابعها نحو أربعة ملايين مشاهد على برنامج "يوتيوب" وحده. والشقيقان المجرمان الإيرانيان اللذان داس من أجلهما معالي وزير الداخلية قوانين البلد بجزمته الكريمة، فأفرج عنهما بطريقة مستفزة متغطرسة مكابِرة، يرددان في قصيدتهما الفاسدة: "خالتي يا خالتي"، وهي قصيدة تابعها الناس بذهول وبكاء.

وأصل القصة هي أن وزارة الداخلية قبضت على شقيقين إيرانيين، أحدهما بتهمة "حيازة مخدرات"، والثاني بتهمة "انتحال صفة طبيب"، بعد أن قام بإجراء عمليات إجهاض متعددة، من دون شهادة ولا هم يحزنون، والله وحده يعلم كم روحٍ أزهق… فأفرج عنهما الوزير.

وفي لجنة التحقيق البرلمانية، ماطل الوزير في الحضور إلى اللجنة إلى ما قبل انتهاء التحقيق. وعندما حضر سأله النواب عن سبب إفراجه غير المبرر عن المتهمين الشقيقين، فأجاب جواباً مفحماً: "خالتهما قدّمت لي كتاب استرحام، فأمرتُ بالإفراج عنهما"! ويبدو أن القانون مما ملكت يمين معالي الوزير، وهو حر بعبدِه وبما ملكت يمينه، يعتقه لوجه الله، يبيعه، يفعل به ما يشاء، والشاعر الصنعاني يقول: "ذا رأس عبدك حرّ عندك، ذمتك له تتسع / فاقطع والا امنع والا استملِكه والا فدَع".

وفي سجون الوزارة يقبع الآلاف من السجناء، ومن بكرة الصبح ستتقدم خالة كل سجين بكتاب استرحام عن ابن شقيقتها، واللي ما عنده خالة يأكل هواء وينثبر في السجن. القانون واضح "عندك خالة تراجع الوزير؟ أهلاً وسهلاً، ما عندك خالة؟ يفتح الله".

وسامح الله معاليه، فقد وعد، قبل أكثر من سنة، برفع دعوى قضائية ضدي على خلفية "شبهة اللوحات الإعلانية أم خمسة ملايين دينار" ليوهم الناس أنه مظلوم يا عيني، فراهنتُه فلم يرفع، فاستجديته فلم يرفع، ولعلّه يفعل هذه المرة… وتعال اضحك على خفة دم معاليه عندما سئل في لجنة التحقيق عن سبب قبوله استرحام خالتهما رغم القبض عليهما بالجرم المشهود، فأجاب: "لم أكن أمتلك معلومات تدينهما كالتي تمتلكها لجنة التحقيق، ولو كنت أعرف لما أفرجت عنهما"… هاهاها، وكمان هاهاها، لبّى قلب معاليك.

يعني، النواب الذين لا يملكون صلاحية الوزير استطاعوا الحصول على "برِنت" عن المجرمَين الشقيقين، والوزير الذي بمقدوره وبكبسة زر وهو جالس في مكتبه الوثير الحصول على كل ما يتعلق بالشقيقين، لا يمتلك عنهما أي معلومة.

ثم إن النائب مسلم البراك كان قد تحدث قبل ذلك بيوم عن هذه المعلومات تحت قبة البرلمان، فكيف ينكر الوزير معرفته بذلك؟ وسمو رئيس الوزراء يتحدث عن وجوب تطبيق القوانين، والوزير يحكم ولا حكم الخلفاء العباسيين، والإيرانيان يردد كلّ منهما ورائي:

خالتي يا خالتي لا فتـــــاة ولا عجـــوز

تفرك المصـباحَ والمـارد يلـبّي لَها

خالتي ليست من أهل الدعاية والبروز
تدهن الكتمان بالصمت يا حبّي لها.