محمد الوشيحي

نفقة البغلي

الأيام هذه «أيام الوسم»، كما في لهجتنا المحكيّة، وبدلاً من تساقط المطر عليّ فيبلل ثيابي، تساقطت القضايا عليّ حتى أغرقتني وأغرقت شوارعي، وبتّ أمشي وأنا أرفع طرف دشداشتي. آخرها اتصالٌ تلقيته يوم الخميس من وكيل نيابة يطلبني للتحقيق في قضية جديدة رفعتها ضدي وزارة الإعلام.

وكنت لحظتذاك أجلس أمام موظف العدل الذي بشرني: «لديك قضية رفعها النائب سعدون حماد، وقضية للنائب السابق أحمد الشحومي، والصحافي السعودي عثمان العمير، والشيخ طلال مبارك العبدالله، ومقرئ القرآن في السجن المركزي، ومجلس إدارة جمعية أم الهيمان، وقضية إيواء أجنبي، وقضية نفقة، وقضية رفعها النائب…»، فقاطعت استرساله مذهولاً: «لحظة لحظة، تقول إيواء أجنبي ونفقة؟ من هو الأجنبي الذي آويته، وكيف تُرفع ضدي قضية نفقة وأنا للتو تناولت ريوقي «فطوري» من يد زوجتي الوحيدة؟»، وبعد البحث والرفع والضم، تبين أن الأجنبي ما هو إلا سائق البيت، هندي الجنسية، الذي انتهت إقامته ونسيت تجديدها، أما النفقة فقد رفعتها ضدي طليقتي.

قلت: «يا سيدي، لا أحتقر أحداً كالذي يمتنع عن دفع نفقة زوجته وأبنائه، لكن من هي طليقتي، ما هو اسم ستّ الحسن والدلال؟»، سألت الموظف فأجاب: «اسمها… هاه… هاه»، وفغر فاه، فاستعجلته: «شفيك؟»، فأجابني: «اسم طليقتك علي البغلي»، ففغرت فاهي كما فغر، والبادئ أظلم، واستفسرت: «ابحث عندك في الجهاز يحفظك الله، هل طلبتُ منه أنا العودة إلى بيت الطاعة أم لا؟ وما سبب الطلاق؟ يبدو أن حياتنا كانت تبات ونبات فأصابتنا العين».

وفي القرآن «إن بعض الظن إثم»، لكنني أظن أن العين التي أصابتنا هي واحدة من عينين، إما عين الزميل، والصديق المشترك، حسن العيسى، الذي يكتب في الجهة الغربية من هذه الصفحة، أو هي عين صاحب الإبل مبارك الديحاني. وإذا كانت إبل النعمان بن المنذر تسمى «النوق العصافير»، فقد أطلقت على إبل مبارك اسم «النوق الحمير»، لأنها تنهق ولا حمير البصرة بعد أن زهقت من كونها إبلاً في بلد يضطهد الإبل لمصلحة الحمير. ولا تكاد تمر ليلة إلا ويتصل بي مبارك يدعوني لشرب حليب نياقه: «تعال للغبوق»، فأتحجج بمليون حجة كي لا أشرب حليب هذه الإبل الذي ينزل من أثدائها مغشوشاً منتهي الصلاحية. تشربه فتبكي فتنام.

والله يذكره بالخير الصديق اللبناني الذي هاتفني: «أولادي بيعشقوا المغامرات، وبدّهون يركبوا بعران»، فاقترحت عليه: «ما رأيك أن يشربوا حليب البعران أولاً ثم يحلها حلال»، فوافق منتشياً، فأخذته وأسرته إلى حيث النوق الحمير، فتقافزوا فرحاً لرؤيتها، وتبادلوا التصوير إلى جانبها وهم يرددون «يا ما شالله، اشي بياخد العقل»، فهمست لنفسي: «الوعد قدام»، وأجلستهم في الخيمة، وأعطيتهم حليب النوق الحمير، وهم لا يعلمون أن من يشرب حليب الإبل للمرة الأولى يصاب بإسهال شديد، فما بالك بحليب النوق الحمير… ووقعت الواقعة، وما هي إلا ساعة، وإذا بطونهم تتحول إلى ممرات مائية. تخسي قناة السويس. وإذا زوجته «ايريت» تضع يداً على بطنها وتجري في اتجاه الجنوب تبحث عن بيت الراحة، وإذا ابنه «كارل» يتجه شمالاً، وإذا هو يضع يداً على بطنه والأخرى على جبهته ويتأوه: «يفضح عرض الشغلة، هيدا وقود نووي منّو حليب يا خيي». فغمغمت: «الساعة المباركة. أجل تقول عيالك يعشقون المغامرات؟».

***

نسيت أن أوضح أن قضية علي البغلي ضدي «جنح صحافة»، لكن يبدو أن الموظف المسؤول عن تصنيف القضايا صنفها بالخطأ قضية نفقة.

وأمام كل هذه القضايا، سأفكر جدياً في دراسة القانون، فأتخرج محامياً، وأتشارك مع أحد النواب. أنا أتعاقد مع المتهمين وهو يساوم الوزراء، ومن عارض من النواب واحتج فهو مؤزم.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *