محمد الوشيحي

الأم أبقى من الجنين

اليوم افتتاح دور انعقاد البرلمان. اليوم تتصارع الحكومة مع "المؤزمين" على تشكيل اللجان، ويتصارع أنصار الحكومة بعضهم مع بعض. وكان الله في عون الحكومة، هل تضحّي بالجنين أم بأمه؟ هل تضحّي بالنائب دليهي الهاجري وتعطي أصواتها للنائب علي الراشد في أمانة السر، أم العكس؟ عن نفسي، أرى أن الجنين "بداله" جنين، أما الأم فيصعب تعويضها، خصوصاً إذا كانت "لهلوبة" و"هابّة ريح".
دليهي الهاجري ليس إلا "يداً مرفوعة"، أي أن الحكومة لا تستفيد إلا من عضو واحد في جسمه، يده، فقط، أما علي الراشد فهو "يد مرفوعة، وصرخة مسموعة، وحجة غير مشروعة، وأشياء أخرى ممنوعة وغير ممنوعة"، أي أن الحكومة تستفيد من يده ولسانه وعقله. إذاً الكفة تميل بقوة لصالح الراشد. معلش يا دليهي، الناس مقامات. ولو أن منافسك هو محمد الحويلة أو سعد خنفور أو سعد زنيفر أو غيرهم من فئة "اليد المرفوعة" لكان الاختيار صعباً، وقد يتطلب إجراء قرعة، أما المنافسة مع علي الراشد قائد الجيوش الحكومية فهي منافسة محسومة. نرجو المعذرة.
والبرلمان أصبح خرخاشة في يد نواب الحكومة، يهزّونه لها كي تنام على "خرخشته". وكل المناصب البرلمانية للحكوميين، وكل رؤساء اللجان حكوميون. وإذا اتهمنا الحكومة بأنها تفرّغ البرلمان من دوره، وأنها تقلبه على بطنه وتضرب قاعته لتتأكد من خلوّه، وأنها تتسلل ليلاً لتسرق إرادة الشعب، قالت بعد أن تضع يديها على خاصرتها وتطرقع علكتها وتلاعب حاجبيها: "يا سلام. أعطوني الدليل"، ويبدو أن الحكومة تريدنا أن نبحث في قاعة عبد الله السالم عن فردة حذاء وقعت منها في مسرح الجريمة، أو أن تكشفها كاميرات البرلمان وتلتقط لها صورة ستة في أربعة، أو نعرض بصمات أصابعها، كيف ذلك والحكومة محترفة؛ ترتدي القفازات، وتتلثم عن الكاميرات، وتتسلق المواسير، وتتفقد حذاءيها قبل مغادرة المكان.
والمتشائمون يقولون: "الكويت تخلفت عن القطار"، وأنا أقول: "لا، الكويت حضرت في الموعد، وركبت القطار، لكن أحدهم دفعها وأوقعها على القضبان الحديدية، فتناثرت أشلاؤها، لكن قلبها ما يزال ينبض، وعينيها ترمشان".
لا تبحثوا عمن دفعها وأوقعها، فليس هذا وقته، دعوا هذا لشرطة التاريخ، وابحثوا الآن عمن يتمشى بين قضبان سكة الحديد كي يسرق "الأعضاء" المتناثرة، أو المتناثرين.

احمد الصراف

تسامح البراك

«.. إن التمسك بالمعاصرة على مستوى الحياة المادية، والإصرار في الوقت نفسه على التفكير كما يفكر السلف، يمثلان حالة من الانفصام المرضي..»
(نصر أبوزيد)

***
لا توجد حتى في أفضل قواميس العربية الإنكليزية ترجمة دقيقة لكلمة Tolerance غير «تحمل أو تسامح»، وهي ترجمة ناقصة، وربما تسبب غيابها من مفرداتنا في غيابها من حياتنا، فنحن، ولأسباب عدة، لا نمارس التسامح مع «الآخر» حتى القريب منا، وعلى غير استعداد لتحمل أخطائه أو اعتداءاته علينا من دون أن نبدي ردود فعل متسرعة وقاسية أحيانا. وتحمل أخطاء الآخر أو السكوت عنها لا يعني الاستسلام وقبول الاعتداء بقدر ما يعني التروي في ردة الفعل وإمعان التفكير وعدم الانجرار لمعركة قد تتسبب في إيذائنا. كما أن ممارسة التحمل، وهي من أصعب الفضائل اكتسابا وأندرها ممارسة، تجعلنا نتفهم نقاط ضعف الآخر ونقلل من السخرية من اصحاب العاهات، ونتعلم قبول الآخرين على علاتهم لعجزنا عن تغييرهم كما نشتهي ونريد، فإن علينا القبول بهم كما هم إن أردنا أن نتعايش معهم بسلام.
وفي فتوى جديدة صدرت عن عبدالرحمن البراك، وهو رجل دين سعودي يحظى باحترام كبير، وكان يعمل، قبل تقاعده، أستاذا جامعيا، ذكر على موقعه http://albrrak.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=38610&catid=&Itemid=35
أن الإسلام ليس دين مساواة، وهو ادعاء باطل وقول منكر، وأن حسني النية يعتقدون أنهم يمدحون الإسلام ويعظمونه وهم لا يدركون ما وراءها، وهي كلمة محدثة من بعض أهل الأهواء في هذا العصر، ليتوصلوا بها إلى أغراضهم المناقضة لشريعة الإسلام، كالمساواة في الحقوق بين المسلم والكافر، والرجل والمرأة، تقليدا للكفار وجرياً وراء دعواتهم. فالنص الديني واضح في قوله وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات والنور، ولا المؤمن بالفاسق، ومن انفق قبل الفتح ومن أنفق من بعد، وليس الذكر كالأنثى، وغير ذلك. وأكد البراك أيضا أن المقولة لا أصل لها في كتاب ولا سنة ولا تفسير ولا شروح، ولا في كلام أحد من أهل العلم، وإنما وجدت لدى بعض المعاصرين، وشاعت على ألسن آخرين تأثرا بما يردده صنائع الغرب من المنافقين أو المخدوعين! وقال: ها هنا قضيتان تُعنى بهما هيئة الأمم، وتدعو إليهما، وتطالب كل دولة عضو بتطبيقهما والمستهدف فيهما هم المسلمون: وهي المساواة بين المسلم والكافر في الحقوق والمعاملة، كما في القصاص والميراث والنكاح والأخوة والموالاة، ومن فروع ذلك حق المسلم على المسلم، كابتداء السلام وتشييع الجنازة وتشميت العاطس وعيادة المريض. وقد أقيمت لدعوة المساواة بين المسلم والكافر مؤتمرات وندوات تحت شعار الإنسانية وما أشبهها. ومن فروع ذلك الدعوة إلى التعايش وحوار الأديان والسلام العالمي، مما يخدعون به المسلمين للتنازل عن شريعة الجهاد في سبيل الله، وعمَّا فرض الله من البراء من الكافرين. والقضية الثانية: الدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة في كل الشؤون والمجالات، ومن آثار ذلك الاختلاط بين الرجال والنساء الأجانب.
والحقيقة أن الرجل منسجم تماما مع نفسه ومعتقده فيما يقول، ولكن واقع الحال يقول غير ذلك تماما، فنحن لسنا في ذيل شعوب الأرض ابداعا وخلقا وانتاجا، فقط، بل إننا مستهلكون لكل ما ينتجه «الكافر» ونحن بحاجة إليه في كل أمر، أيضا. فكيف يمكن أن نعتمد عليه بكل هذه الكلية ونرفض حتى مبدأ السلام عليه بما يستحقه من احترام؟
إن هذه المعضلة، بالرغم من أهميتها، لم يحاول أي من «المحدثين» من أمثال محمد شحرور وأحمد منصور وجمال البنا التصدي لها في أي من كتبهم ودراساتهم، وتبقى مسألة جدلية مثيرة للحيرة والارتباك للكثيرين.

أحمد الصراف