سامي النصف

ما تفرقه السياسة يجمعه عبدالعزيز

استضافت عاصمة الجمال والنضال سراييفو في الفترة ما بين 19 و21 الجاري الدورة الثانية عشرة لمؤسسة عبدالعزيز البابطين للابداع الشعري، والتي اطلق عليها مسمى «دورة خليل مطران والبوسني محمد علي دزدار»، وحضر الحفل ما يقارب 500 ضيف من مختلف انحاء العالم يمثلون تنوعا رائعا للاديان والاعراق والمذاهب والتوجهات السياسية مما اعطى دلالة اكيدة على ان ما تفرقه السياسة يجمعه الاخ عبدالعزيز البابطين في جهد مميز لا تقدر عليه عادة الا الدول.

وقد افتتح رئيس مجلس الامناء عبدالعزيز البابطين الحفل الحاشد الذي حضره رؤساء ووزراء ونواب وسفراء ومستشارون وزعامات دينية وقيادات سياسية ومفكرون وادباء وشعراء واعلاميون، مبشرا بان المؤسسة ستبدأ من هذا العام في عقد دورات سنوية بدلا من كل عامين، كما كان يحدث في الماضي، على ان تكون احداها في الوطن العربي والاخرى خارجه (سبق ان عقدت دورات مماثلة في الكويت وباريس وقرطبة والقاهرة وفاس وبيروت والمنامة وابوظبي والجزائر).

وقد القى راعي الحفل رئيس البوسنة وصديق الكويت د.حارث سيلاجيتش كلمة بالبوسنية والعربية اكد فيها اهمية مثل هذه اللقاءات التي تعزز الروابط بين الشعوب وتمنع الحروب، وقد تلاها خطاب لسمو الشيخ ناصر المحمد القاه نيابة عنه المستشار راشد الحماد، ثم كلمة لامين عام الجامعة العربية السيد عمرو موسى تلتها كلمة السيد عمار الحكيم وكلمة ممثل قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر، ثم ممثل شيخ الجامع الازهر، وختم حفل الافتتاح بتكريم شخصية الدورة الحالية صاحب السمو الملكي الامير تشالز ولي عهد المملكة المتحدة.

وقد فازت الشاعرة العراقية لميعة عباس بجائزة الابداع الشعري وقدرها 50 الف دولار والدكتور المصري صلاح رزق بجائزة الابداع في نقد الشعر والشاعر المصري احمد حسن بجائزة افضل ديوان والشاعر العراقي فارس حرّام بأفضل قصيدة، وقد سبق للشعراء محمد الفايز وسعاد الصباح وابراهيم العريضي ونازك الملائكة وسميح القاسم وهارون هاشم رشيد وسليمان العيسى وفدوى طوقان، الفوز بالجوائز التكريمية للابداع الشعري.

وقد شهدت ايام الدورة محاضرات ولقاءات حول حوار الحضارات شارك فيها العديد من المفكرين العرب والاجانب، تلاها عدة جلسات للمكونات الثقافية للشاعر البوسني محمد علي دزدار، كما اعلن عن صدور ديوان شاعر القطرين خليل مطران في 5 اجزاء و2700 صفحة للمرة الاولى في تاريخ الادب العربي، وازدانت ليالي المهرجان بالطرب الاصيل للفنانة اللبنانية غادة شبير التي غنت قصائد للشاعر عبدالعزيز البابطين ولأم كلثوم ولفيروز، وختم المهرجان بحفل للفلكلور الشعبي البوسني سحر الحضور.. في الغد حديث عن احد اجمل أصقاع الدنيا ونعني البوسنة ومدنها التاريخية وطبيعتها الساحرة.

آخر محطة:

الشكر الجزيل للقائمين والمنظمين للتجمع العالمي الذي تم في سراييفو وللجنود المجهولين وعلى رأسهم الصديق العزيز عبدالكريم البابطين والاخ عبدالعزيز السريع، فلم يكن الامر سهلا على الاطلاق في ظل وجود ما يقارب 200 شخصية رفيعة المستوى وقضايا الامن والبروتوكول المرتبطة بهم، اضافة الى تلبية طلبات المئات الآخرين من مفكرين واعلاميين وادباء وشعراء، والشكر موصول كذلك للاخ عبدالرحمن خالد البابطين والفريق الرائع الذي معه ممن جعلوا اقامة الوفود مريحة الى اقصى حد وخالية من المشاكل والمنغصات.

 

احمد الصراف

نحن والعلمانية والبابا

كتب الزميل أمير طاهري البريطاني والإيراني الأصل مقالاً في «الشرق الأوسط» (9/24) عن العلمانية في رد على اتهامات البابا بنديكت السادس عشر غير المباشرة للعلمانية. وكانت اتهامات البابا موضوع نقاش سياسي في بريطانيا، التي زارها أخيراً، حيث دعا في إحدى خطبه إلى العودة للقيم الدينية، مهاجماً العلمانية باعتبارها المسؤولة عن مشكلات الغرب الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، وغني عن القول هنا أن الكثير من منتقدي البابا لم يستطيعوا مقاومة تذكيره بأن الفضائح الجنسية داخل الكنيسة الكاثوليكية لقرون، والتي هزت أرجل الكرسي الرسولي من أسسه، لا علاقة للعلمانية بها!
ولاعتقادنا بأن مقال السيد طاهري يعتبر من أدق ما كتب في العلمانية، فقد ارتأينا تلخيصه لكي تعم فائدته أكبر عدد من القراء. يقول طاهري إن البابا بتحميله العلمانية وزر مشكلات المجتمعات الغربية قد ارتكب خمسة أخطاء واضحة. فخطأه الأول أنه سمح لأن يضلل في هجاء كلمة «علمانية» باللغة الإنكليزية، فمقطعها الأخير يشير الى نحو خاطئ إلى أنها أيديولوجية كالاشتراكية والشيوعية وغيرها، علماً أنها ليست كذلك، ولا تعرض وجهة نظر كلية للوجود البشري، ولا تتبنى موقفاً من قضايا سياسية واقتصادية وأخلاقية معينة.
ويكمن الخطأ الثاني في اعتبار العلمانية إلحاداً! علماً أن لا علاقة لها بالإلحاد، فالإلحاد أيديولوجية قائمة على رفض أي تفسير ديني للوجود. بيد أن العلمانية تتبنى موقفاً محايداً إزاء جميع التفسيرات الدينية القديمة والحالية والمستقبلية. وقد يكون لدى الملحدين مقارهم ومؤسساتهم وأنبياؤهم، ولكن العلمانية ليس لها أي تنظيم ولا أنبياء، ولا تروج لأي عقيدة.
والخطأ الثالث هو أن العلمانية تنكر الحاجة إلى قواعد أخلاقية! ونجد هنا أيضاً أن لا أسس تدعم هذا الادعاء، فهناك مئات المؤيدين الكبار للعلمانية في التاريخ، والذين لم يعرف عنهم غير الاستقامة الأخلاقية لدرجة المثالية.
والخطأ الرابع، حسب قوله، يكمن في أن العلمانية تريد أن تبعد الدين عن السياسة. وهذه التهمة، حسب رأي الكاتب طاهري، غير صحيحة أيضاً، فالعلمانيون يعلمون أن لا أحد في إمكانه القضاء على المعتقدات الدينية لأي فرد، أو طمسها. ومعتقدات الفرد الدينية تؤثر عادة في خياراته السياسية وتمليها عليه، وإجبار الناس على اتخاذ خيارات سياسية ضد معتقداتهم الدينية يعد إحدى صور الاستبداد، والعلمانية أبعد ما تكون عن ذلك، لكننا نعتقد من جهة أخرى أن العلمانية تسعى إلى فصل الدين عن الدولة أو الحكم، لكي تحمي الجهتين بحيث لا تطغى جهة على أخرى.
والخطأ الخامس، وقد يكون الأكثر خطورة، الادعاء بأن العلمانية والدين متعارضان. وبمعنى آخر، إذا كنت علمانياً، فإنك لا تستطيع أن تحمل معتقدات دينية. ولكننا نلتقي في حياتنا اليومية بالكثيرين من المؤمنين بالعلمانية من أصحاب المعتقدات الدينية الراسخة.
وفي الختام يطرح الكاتب تساؤلاً جدياً يقول: حسناً، إذا لم تكن العلمانية أياً مما سبق، فما هي إذن؟ ولماذا يجب أن نفكر فيها؟ والإجابة أن العلمانية، على الرغم من المقطع الأخير المضلل بها، ليست أيديولوجية، لكنها وسيلة لتنظيم الفضاء العام. ووفقاً لهذه الوسيلة، وبما أن الفضاء العام يخص الجميع، فلا يمكن تنظيمه على أساس المعتقدات الدينية للبعض، أو حتى للأغلبية، ففي العلمانية هناك مساحة لكل من الدين والعقل. ولا تمنع العلمانية أحداً من رؤية اللامرئي الديني بالطريقة التي يحبها، بل وتقدم فضاء وحماية لجميع طرق رؤية اللامرئي. وغالباً ما يعرف الناس العلمانية على أنها الفصل بين الكنيسة والدولة، أما وقد جرى تحجيم جميع الكنائس في الغرب العلماني والمتقدم، فإن هذا التعريف قد لا يكون كافياً.
والتعريف الأفضل هو الملكية المشتركة للفضاء العام، ويعني ذلك اتخاذ قرارات سياسية وفقاً للضرورات السياسية لا الدينية، وبما يخدم مصالح الأغلبية، مع المحافظة على حقوق الأقليات. فزيارة البابا، وهي الأولى منذ 800 عام، لقلعة البروتستانتية في العالم، ما كانت لتتم لولا علمانية بريطانيا، وهي نفسها التي قتلت الكثير من الكاثوليك، وحرقت بيوتهم، ولم تكن تسمح لهم، حتى وقت قريب، ببناء الكنائس الكاثوليكية فيها، أو حتى ترميم القديم منها، كما أن العلمانية التي ينتقدها البابا بنديكت غيرت كل ذلك، وهي التي مكنته من انتقادها علناً، وغيرها من سمات الحياة البريطانية بحرية كاملة، في الوقت نفسه الذي يدعو فيه البابا إلى تقييد بعض الحريات التي يتمتع بها الآخرون باسم العقيدة الدينية! كما أن البابا يستمتع بصورة كاملة بحرية الاعتقاد والممارسة والنشر، وذلك تحت ظل وبفضل العلمانية.
فهل العلمانية بعد كل هذا بمثل هذا السوء الذي يعتقده بعض السذج؟

أحمد الصراف