وقعت الكويت في عام 1941 تعهدا لبريطانيا مدته سنة تؤكد فيه عزمها على حفظ السلام في الخليج الفارسي (العربي) ومكافحة تجارة الرقيق، وهو التعهد الذي سبق ان اشرنا إليه في مقال سابق. وفي 1859 تولى الحاكم الرابع، صباح بن جابر، الحكم. وعلى الرغم من قصر فترة حكمه فان التجارة اتسعت في عهده وكثرت الاموال. وبعد وفاته تولى ابنه الشيخ عبدالله الحكم عام 1866، وفي عهده سكت النقود المعدنية في الكويت لاول مرة، ولكن البلاد تعرضت والمناطق المجاورة لها في عام 1867 الى مجاعة رهيبة ادت الى نزوح اعداد كبيرة لمدينة الكويت بحثا عن الماء والطعام، وكان الناس يأكلون اي شيء ويشربون دم الحيوانات النافقة، وانتشرت الامراض والاوبئة وسميت السنة بالهيلق، ولقي الكثيرون حتفهم، واستمرت المجاعة ثلاث سنوات عجاف.
خلال الفترة نفسها، ولد باتريك ميسون في ابردين، اسكتلندا، ودرس الطب في جامعتها وتخرج عام 1866 وسافر الى فرموزا (تايوان) للعمل طبيبا في الجمارك الصينية، وبدأ بأول ابحاثه في دراسة طب المناطق الاستوائية، وبقي يعمل في الصين حتى عام 1889، وركز جهوده على دراسة دورة حياة دودة الــ Filaria التي تتسبب في الاصابة بمرض «الفيل» او تضخم القدمين. وبعد سهر وصبر ومراقبة مستمرة لسنوات اكتشف ان الدودة تظهر في الليل وتختفي في النهار، وان البعوضة، التي كان يجري تجاربه عليها من خلال مرض احد العاملين لديه الذي كان مصابا بالفيلاريا، حيث كان يقوم بنقل البعوضة للمريض ويجعلها تمتص دمه، ومن ثم يقوم بتشريحها واستخراج الدم منها وفحصه، وتبين له ان الدم المستخرج اصبح في حالة نشاط جديدة، وان الدودة دورها ثانوي في نقل المرض وانتشاره، وان الخطر يكمن في دور البعوضة، ومن هنا نشأت نظريته في الربط بين الاصابة بمرض الملاريا والبعوضة وبكونها العامل الذي يساهم في انتشاره ونقله، وكان هذا من اعظم الاكتشافات الطبية في حينه، فالملاريا كانت تفتك سنويا بالملايين، ولا يزال الآلاف يموتون بسببه.
وتحت اشراف السير بارتيك المباشر بدأ الدكتور السير رونالد روس Sir_Ronald_Ross بالبحث المضني ليثبت في عام 1898، وبعد ابحاث مضنية، صحة نظرية السير باتريك، وقد اهله ذلك للفوز بجائزة نوبل في الطب عام 1902.
في 1914بدأت مجموعة من الاطباء المبشرين الاميركيين بالعمل في بناء اول مستشفى في الكويت تابع للارسالية الاميركية. واثناءها كان الاطباء ميلري وبينت وهاريسون يزاولون عملهم في بيت احد الاهالي، بانتظار انتهاء بناء المستشفى الذي استغرق 5 سنوات، وبقي الوحيد في المنطقة حتى عام 1949عندما افتتحت الحكومة المستشفى الاميري. وكان للمستشفى الاميركي دور كبير في معالجة الامراض المزمنة والمستوطنة، وقدم الكثير من الخدمات الطبية للاهالي في فترة انتشار الاوبئة، وكانت المنطقة في امس الحاجة للخدمات الطبية لاولئك الرواد الاوائل(*).
وفي عام 1970 تناست الكويت كل اطباء العالم الافذاذ، ونكرت دورهم ودور كل من قدم للكويت خدمات جليلة، سواء عن طريق مستشفى الارسالية الاميركية او من عمل في الكويت من اطباء عرب وغيرهم لسنوات طويلة، واختارت حسن البنا، مؤسس «حركة الاخوان المسلمين»، المصري الجنسية، الذي لا فضل له على الكويت او غيرها، لتطلق اسمه على احد شوارع الرميثية الرئيسية.
ولا ننسى ان الحكومة تجاهلت، حتى الآن، اطلاق اسم الكاتب والاستاذ الاكاديمي الكبير الراحل احمد البغدادي، الذي تعلم الآلاف على يديه، على اي صرح او طريق، ولو كان من المنتمين لاي من التيارات الخربة لكان حال تكريمه غير ذلك.
***
(*) من كتاب «من نافذة الامريكاني»، للباحثة والمؤلفة والمترجمة زبيدة اشكناني، منشورات قرطاس.
أحمد الصراف