حسن العيسى

الطريق إلى اليمن

تتراجع الكويت يوماً بعد يوم إلى زمن الثارات القبلية والنزعات الطائفية والاستقطابات المناطقية، ولم يكن الاعتداء على مقر تلفزيون سكوب من قبل مجموعة من الغاضبين من أسرة مالك الصباح على برنامج غمز ولمز فيهم سوى مظهر بسيط وشاهد على تردي الدولة، وانتقالها من حكم القانون إلى حكم الثارات وممارسة الأفراد أن ينتصفوا لأنفسهم بأنفسهم بمعزل عن مؤسسات دولة القانون. هنا ننتقل من حالة الاطمئنان والأمن تحت مظلة الحياد القانوني إلى جحيم الفوضوية، ونرتهن في النهاية إلى ظلام الفتوة وفرد العضلات.

كان الاعتداء على قناة سكوب مجرد مشهد بسيط من مشاهد كثيرة سبقته، من التعدي على مخافر الشرطة ورجال الأمن إلى التعدي على الأطباء أو أي مؤسسة خاصة أو عامة، لم يرق للمعتدين موقف تلك المؤسسات، ولم يكلف الفاعلون أنفسهم اللجوء إلى مؤسسة القضاء كي ينتصفوا لحقوقهم.

أمامنا وليس بعيداً عنا المشهد اليمني والمشهد الصومالي قبله، وأمامنا كذلك صورة جماعة حزب الله في لبنان حين دخلت مطار بيروت عنوة وفرشت البساط الأحمر لجميل السيد رغم أنف "الدولة" اللبنانية المتلاشية، ولن ننتظر طويلاً حتى نصل إلى المرحلة اليمنية أو اللبنانية ما لم تبادر السلطة الحاكمة إلى إبراز هويتها كقوة حياد تحتكر العنف بعقلانية حكم القانون والعدل في أعماله، ولا نريد أن نضع أنفسنا بين خيار الارتهان لإرهاب الأفراد أو خيار إرهاب السلطة، فكلا الأمرين شر ليس أي منهما أهون من الآخر، وهذا لن يكون بغير تطبيق حكم القانون بحزم وشفافية.

إعمال القانون هنا يجب أن يتم بنزاهة بإزاحة الانتقائية في التطبيق، وإعمال النص القانوني من أبسط المخالفات المرورية حتى أكبر جرائم الفساد.

دائماً نتذكر في خيالنا صورة تمثال العدالة كامرأة معصبة العينين تحمل ميزاناً بيد وسيفاً باليد الأخرى، توازن الأمور بميزان العدل وتحسمها بسيف الحق، فأين هي هذه المرأة في الكويت اليوم؟ وهل فقدت ميزانها وأضحى سيفها مثلوماً؟

إعادة الاعتبار إلى دولة القانون مسألة مستحقة اليوم ولا تحتمل أي تراخ، ولا تقبل المجاملات ولا التوسطات في دولة أدمنت على حكم الواسطة والمحسوبية وفتحت الأبواب على مصاريعها لأهل النفوذ كي يكون لهم قانونهم المجهول وللضعفاء القانون المعروف… فهل ننتهي اليوم من هذا الكرب أم سنقفز إلى أرض اليمن التعيس…؟

احمد الصراف

العلمانية والعقل والحل

يقول فكتور هوغو THOSE who make you believe in absurdities can make you commit atrocities
أولئك الذين بإمكانهم دفعك للاعتقاد بسخائف الأمور بإمكانهم أيضاً دفعك لارتكاب الفظائع.
* * *
كان رجل يسير على جسر عال عندما شاهد شخصاً يتسلق حاجز الجسر بقصد الانتحار، فصاح به أن يتوقف عن فعلته. وعندما أصبح بقربه سأله، لماذا يود قتل نفسه، فنظر إليه هذا بحزن وسأله عما يدفعه للإنصات إليه بعد أن فقد الأمل في كل شيء. فسأله الرجل إن كان مؤمناً أم ملحداً فرد هذا قائلاً: إنه مؤمن، فسأله إن كان مسيحياً، أم بوذياً أم يهودياً، فرد الآخر بأنه مسيحي. فرد صاحبنا بفرح ظاهر، قائلاً: وأنا كذلك. ثم سأله إن كان بروتستانتياً أم كاثوليكياً، فقال إنه بروتستانتي، فصاح هذا بحبور أكبر، وأنا كذلك. واقترب منه خطوة أخرى، وسأله إن كان بروتستانتياً معمدانياً أم بروتستانتياً من الكنيسة الابسكولونية، فرد بأنه من المعمدانية، فصاح صاحبنا ببهجة، وقال وأنا كذلك. ثم سأله إن كان من الكنيسة المعمدانية التابعة للرب أم من الكنيسة المعمدانية الإلهية فقال إنه من المعمدانية التابعة للرب، فصاح والدموع تترقرق في عينيه وهو يقول: وأنا كذلك. وسأله بصوت تخنقه العبرات إن كان من المعمدانية الإصلاحية الأصلية أم المعمدانية الإصلاحية المعدلة، فقال إنه من المعدلة، فنظر له الرجل باستغراب عجيب لهذه الصدفة واقترب منه كثيراً حتى أصبح بمحاذاة قدمه، وقال: وأنا كذلك. وسأله إن كان ينتمي للكنيسة المعدلة في عام 1789 أو المعدلة في عام 1915، فرد قائلاً إنه ينتمي للمعدلة سنة 1915، فقام الرجل بدفعه إلى النهر ليلقى حتفه، وهو يقول: اذهب إلى الجحيم أيها الكافر!
تبين هذه النكتة التي توزع على الإنترنت أن البعض، وربما الأغلبية، على استعداد لأخذ أكثر المواقف تطرفاً لأسباب أكثر من واهية، فالبحث عن أوجه الخلاف الديني أو العقائدي مع الآخرين وبناء المواقف عليها عملية ليست صعبة، ولو بحثنا في أسباب الأزمة الطائفية التي مرت بها الكويت أخيراً لوجدنا أن كل من شارك فيها برأي أو موقف من هذا الطرف لا بد أنه بنى رأيه أو موقفه على معطيات تاريخية راسخة في ذهنه. والحال نفسه ينطبق على الطرف الآخر الذي فعل الشيء ذاته من منطلقات أو تأويلات وتفسيرات محددة موجودة في ذهنه كما في ذهن غيره، فمن على حق هنا؟
وفي جميع الأحوال نرى أن فرص الاتفاق بين الطرفين أكثر من فرص الاختلاف، ولكن العاطفة الجاهلة، والأطراف المستفيدة من وجود الخلاف وما أكثرها، تدفع دائماً بنقاط الاختلاف إلى السطح، بحيث لا يمكن قبول أو رؤية غيرها، وهنا يغيب العقل وتسيطر العاطفة «الجاهلة» على النفوس والتصرفات، ويظهر الحمق في أروع أشكاله!
وبالتالي لا يصبح أمام المجتمعات المماثلة لنا غير اتباع العلمانية سبيلاً، وهي التي حاول بعض المعممين ومن مسدلي الغتر على رؤوسهم تصويرها بكونها معادية للدين، والعكس أكثر صحة، فليس هناك من حماية للأديان والمعتقدات من تسلط الدولة والجهلة كالعلمانية، فهنري الثامن، ملك إنكلترا، هجر الكاثوليكية، عندما رفض الكرسي البابوي طلبه بالموافقة على تطليق زوجته، وأجبر شعبه على اتباع البروتستانتية التي عين نفسه، وذريته من بعده على رأس كنيستها، نقول ذلك بصرف النظر عن أي المذهبين، أو الدينين، أقرب للصحة. والأمثلة على تسلط الدولة على الدين والدين على الدولة أكثر من أن تحصى وتعد، وبالتالي فالعلمانية، التي يرهبها رجال الدين لأنها تكشف تسلطهم وتحكمهم في رجال السياسة، هي التي كانت السبب في تقدم جميع المجتمعات الغربية إنسانياً وعلمياً وسياسياً وثقافياً، وبغير اتباعها لا يمكن للنفوس أن تهدأ، ولا أن يطمئن أي طرف لسلامته إن بقي على معتقده أو يهدأ باله من الاعتداء عليه وتكفيره فقط، لأنه فسر بعض الأمور «الخلافية»، وهي خلافية أصلاً، بطريقة مختلفة!

أحمد الصراف
[email protected]