تتراجع الكويت يوماً بعد يوم إلى زمن الثارات القبلية والنزعات الطائفية والاستقطابات المناطقية، ولم يكن الاعتداء على مقر تلفزيون سكوب من قبل مجموعة من الغاضبين من أسرة مالك الصباح على برنامج غمز ولمز فيهم سوى مظهر بسيط وشاهد على تردي الدولة، وانتقالها من حكم القانون إلى حكم الثارات وممارسة الأفراد أن ينتصفوا لأنفسهم بأنفسهم بمعزل عن مؤسسات دولة القانون. هنا ننتقل من حالة الاطمئنان والأمن تحت مظلة الحياد القانوني إلى جحيم الفوضوية، ونرتهن في النهاية إلى ظلام الفتوة وفرد العضلات.
كان الاعتداء على قناة سكوب مجرد مشهد بسيط من مشاهد كثيرة سبقته، من التعدي على مخافر الشرطة ورجال الأمن إلى التعدي على الأطباء أو أي مؤسسة خاصة أو عامة، لم يرق للمعتدين موقف تلك المؤسسات، ولم يكلف الفاعلون أنفسهم اللجوء إلى مؤسسة القضاء كي ينتصفوا لحقوقهم.
أمامنا وليس بعيداً عنا المشهد اليمني والمشهد الصومالي قبله، وأمامنا كذلك صورة جماعة حزب الله في لبنان حين دخلت مطار بيروت عنوة وفرشت البساط الأحمر لجميل السيد رغم أنف "الدولة" اللبنانية المتلاشية، ولن ننتظر طويلاً حتى نصل إلى المرحلة اليمنية أو اللبنانية ما لم تبادر السلطة الحاكمة إلى إبراز هويتها كقوة حياد تحتكر العنف بعقلانية حكم القانون والعدل في أعماله، ولا نريد أن نضع أنفسنا بين خيار الارتهان لإرهاب الأفراد أو خيار إرهاب السلطة، فكلا الأمرين شر ليس أي منهما أهون من الآخر، وهذا لن يكون بغير تطبيق حكم القانون بحزم وشفافية.
إعمال القانون هنا يجب أن يتم بنزاهة بإزاحة الانتقائية في التطبيق، وإعمال النص القانوني من أبسط المخالفات المرورية حتى أكبر جرائم الفساد.
دائماً نتذكر في خيالنا صورة تمثال العدالة كامرأة معصبة العينين تحمل ميزاناً بيد وسيفاً باليد الأخرى، توازن الأمور بميزان العدل وتحسمها بسيف الحق، فأين هي هذه المرأة في الكويت اليوم؟ وهل فقدت ميزانها وأضحى سيفها مثلوماً؟
إعادة الاعتبار إلى دولة القانون مسألة مستحقة اليوم ولا تحتمل أي تراخ، ولا تقبل المجاملات ولا التوسطات في دولة أدمنت على حكم الواسطة والمحسوبية وفتحت الأبواب على مصاريعها لأهل النفوذ كي يكون لهم قانونهم المجهول وللضعفاء القانون المعروف… فهل ننتهي اليوم من هذا الكرب أم سنقفز إلى أرض اليمن التعيس…؟