سعيد محمد سعيد

يوميات مواطن مرهق:غربة الولد

 

أكثر ما كان يؤثر في قلب المواطن المرهق، هو الوضع الذي يعيشه ابنه الشاب… الذي تخرج منذ سنوات وهو لا يزال يلهث باحثاً عن عمل مناسب يلبي طموحه، ولا يدري هو شخصياً، كم عدد الواسطات التي أدخلها وأراق ماء وجهه وهو ينتقل من مكاتب أصحابها إلى مجالسهم بحثاً عن وظيفة مناسبة لابنه، حتى أنه ضحك في لحظة مع نفسه وهو يقول :»بل بل بل حتى بعض الواسطات… تحتاج واسطات»!.

ولأن الأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى، ولأن المواطن المرهق يدرك أنه لا واسطة تفوق (التوفيق) من رب العالمين، أخذ يشد من عزم ابنه ويشجعه على ألا ييئس، فقد تعب عليه وعلمه وصرف عليه الكثير مع ضيق الحال من أجل أن يصبح ابنه (مواطناً) صالحاً يخدم بلده، وهل هناك هدف أسمى وأقدس من خدمة الوطن؟ لذلك، كان عليه أن يستمر في تشجيع ابنه بل وتشجيع غيره من الجامعيين العاطلين، وغيرهم من الشباب، لأن لا ييئسوا مهما كانت الظروف، ويبذلوا أقصى جهد ويواجهوا المصاعب لحين الحصول على العمل الذي يضمن لهم اللقمة الحلال… حتى لو تطلب الأمر التدرج من وظيفة إلى أخرى فلا عيب ولا ضير في ذلك… ولكل مجتهد نصيب، والحكومة لن تقصر أبداً في إيجاد فرص عمل لأبنائها… أليس كذلك؟.

حسناً، الولد العزيز قد حصل على وظيفة بالفعل، وعلى رغم طول ساعات العمل ومشاقه، إلا أنه صبر من أجل أن يكتسب الخبرة ويثبت نفسه، لكن المواطن المرهق تلقى خبراً كالصاعقة بالنسبة له حينما فاتحه ابنه بالقول :»والدي… قررت السفر إلى إحدى الدول الخليجية فقد حصلت على عرض عمل براتب كبير وبامتيازات رائعة تماماً كما يحصل عليها غير البحرينيين الذين يعملون في بلادنا… هناك، سأتقاضى راتباً كبيراً وسيمنحونني سكناً فاخراً وسيارة فارهة، وبعد أن أتزوج وأنجب، ستتولى الشركة التي سأعمل بها تغطية مصاريف العلاج وتعليم العيال… هذه فرصة يا والدي… فرصة لا تعوض، والشيء الوحيد الذي سأفتقده هو أنت يا والدي وكذلك والدتي واخوتي…سأفتقد أيضاً ديرتي التي لا يمكن تعويضها أبداً وأهلها الطيبين… سأتحمل الغربة يا أبي، لكن، لن يتم ذلك إلا بعد موافقتك».

مع المرارة التي شعر بها المواطن المرهق، لكنها دعا إلى ولده بالتوفيق في سفره وحياته العملية، مع أنه كان يحلم منذ سنين بأن يكبر هذا الولد ويخدم بلده ويعيش بين أهله، ولم يتبادر إلى ذهنه يوماً أن ولده سيترك بلاده ليعمل في الغربة… إلا أنه كان يمني النفس بأن الولد سيعود يوماً ليخدم بلاده. وخصوصاً أن البلد في حاجة إلى أبنائها المتعلمين المؤهلين، متمنياً ألا يتعب الناس في تعليم أبنائهم ثم يضطروا للهجرة فبلادهم أولى بهم.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *