محمد الوشيحي

الساخرون والمتمسخرون


أنا رجل لا يضحكه إلا الشديد القوي. أشاهد مسرحية كوميدية فيرمي البطل "افيه" أو نكتة يتضاحك لها الحضور، بينما أتلفت أنا في الوجوه مذهولاً. وأحضر فيلماً يعتبره الآخرون كوميدياً فأضحك مرة أو مرتين، وقد لا أضحك. وأقرأ لكاتب، يُصنف في خانة الساخرين، عشرات المقالات فلا أجد ما يفرّق بين شفتيّ المتلاصقتين إلا نفثة دخان سيجارتي أو نفخة تأفف. وقد تضحكني كلمة عابرة في فيلم فلا أتوقف عن الضحك حتى وأنا خارج قاعة السينما، وقد أتذكر مقالة للسعدني أو لجعفر عباس أو لمحمد مستجاب أو غيرهم، قرأتها منذ سنوات، فأضحك فتنهمر دموعي فتتشكل بحيرات تتمشى فيها البطة وفريخاتها، وتتمخطر فيها البجعة بغرور مستعرضة ألوانها البنفسجية.


على أن أجمل كاتب ساخر وبجدارة في هذا الوطن العربي المعطاء هو رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم المصرية" الزميل ممتاز القط. هذا الرجل ساخر تلقائي بلا تكلف (أتكلم بجدية لا تهكّم). هو ساخر "من المصنع" ومن حيث لا يعلم ولا يريد. إذا كتب تحليلاً سقطتُ على ظهري لشدة الضحك، وإذا امتدح مسؤولاً فقدت الوعي والوزن ونحلت عظامي، وإذا هاجم معارضي الحكومة المصرية أصابتني هستيريا القهقهة وداهمتني نوبة عطس. طريقته محببة إلى قلبي، وأزعم أنني أحد معجبيه. وكان قد كتب في مدح الرئيس المصري حسني مبارك مقالات نووية، قيل إن الرئيس وبّخه بسببها وحذّره من تكرار مثل هذه الكتابات التي تضر ولا تنفع. والرئيس مبارك، كما نعرف، ليس من عشاق تجميع المطبلين والمزمرين من خلفه، ولا هو من فصيلة النميري وصدام.


وما تزال مقالة الزميل ممتاز القط، التي احتلت الصفحة الأولى كاملة في جريدته، تحتل الصفحة الرئيسية في ذاكرتي، عنوانها "ليه بنحبك يا ريس" نشرها في الذكرى السنوية لرئاسة مبارك، وكنت أحتفظ بنسخٍ منها أعطيها لكل من أصابه أرق أو بلغه وفاة عزيز. ولو قرأها أهل غزة لخففت عنهم حرارة القصف والحصار.


من جملة ما قاله في افتتاحيته التي كتبها بالعامية على صدر صحيفة "أخبار اليوم" العريقة التي أسسها الخالدان علي ومصطفى أمين وأممتها الثورة: "احنا ادّلعنا في عهدك يا ريّس"! أي والله. هكذا "احنا ادلعنا". ثم يأسى على حال الرئيس المحروم من المتع والملذات فيقول: "الرئيس ربما يكون المصري الوحيد الذي لا يأكل محشي الكرنب والباذنجان والفلفل، ولا يشم طشة الملوخية أو البامية". صلوا على رسول الله. وكله كوم وحكايته عن كرتون البلح المُهدى إلى الرئيس كوم لا يعادله كوم، إذ منعت الجمارك إدخال الكرتون ما لم يسدد الرئيس الرسوم الجمركية المقررة فسددها الرئيس.


جميل جداً هذا القط الزميل، لكن المصريين، إعلاميين ومواطنين، سامحهم الله دفّعوه ثمن مقالاته تلك باهظاً، وجعلوه يتنقل من فضائية إلى فضائية "يرقّع" ما يمكن ترقيعه، وكتب عنه كتاب الصحف المستقلة، بل والحكومية، ما قد يدفعه إلى الهروب خارج مصر قبل توديع أطفاله.


ولأن القطط من أكثر الكائنات الحية توالداً فقد امتلأت صحافتنا بالقطط الممتازة، التي صمّت آذاننا بموائها وهي تتسلق الجدران… مياو.