إرث طبقة التجار التقليديين في الكويت هو إرث الدولة الكويتية، فهذه الطبقة سواء رفضناها اليوم أو قبلناها بالأمس مثلت بداية الدولة الكويتية، فمن الرسوم التي دفعها التجار للحكم بالعهد بين أسرة الصباح وبينهم كانت بداية الاقتصاد الكويتي في زمن ما قبل النفط، وهي طبقة التجار التي شرعت في الدولة إصلاحات الحداثة لخلق "دولة معاصرة"، ولو كانت تلك الدولة تحت نظام الحماية البريطانية، وطبقة التجار هي التي رفعت صوتها عالياً للحد من استئثار الحكم بالسلطة في سنتي المجلسين التشريعيين في عامي 38 و39 من القرن الماضي.
بعد اكتشاف وتصدير البترول، أضحت طبقة من التجار تابعة تماماً لسلطة الحكم في الدولة، وفقدت استقلالها الاقتصادي، ومع ذلك ظل "إرثها" التاريخي قوياً ممثلاً في رجال لهم قناعاتهم الراسخة في الإصلاح والمشاركة في الحكم، فعلى سبيل المثال لا الحصر نعرف موقف الراحل عبدالعزيز الصقر في المسألة الوطنية الرافض لأوامر الحل غير الدستوري لمجالس الأمة في العقود السابقة، وكذلك لعب ثقله الاجتماعي والسياسي وبمشاركة بقية القوى الوطنية دوراً واضحاً وراسخاً لعودة الحكم النيابي في مؤتمر جدة أيام الاحتلال العراقي.
الدولة اليوم لم تعد كما كانت، وهذه سنة التطور وقانون التغيير، فالتركيبة السكانية تبدلت، وبرزت قوى جديدة من أبناء القبائل وغيرهم، تريد مكانها في الثراء، أو على الأقل تنشد حقها بالفرصة بالمشاركة في الثروة الريعية للدولة، ويرى المطالبون بتعديل قانون الغرفة التجارية أن مطالبتهم ترتكز على مبدأ المساواة في الفرص، وعندها لا فرق بين الكبار التقليديين من التجار وأصحاب "الدكاكين والبقالات"، بتعبير الزميل عبداللطيف الدعيج، فهما (الكبار أصحاب الوكالات الضخمة والصغار أصحاب البقالات يمارسان العمل التجاري حسب القانون الذي لا يفرق في تعريف العمل التجاري) متساويان قانوناً، ويجب أن يتساويا في الفرص، وترى المجموعة الجديدة من التجار أن ممارسة الغرفة التجارية واحتكارها سواء كان ذلك الاحتكار حقيقياً أم لا، لابد أن ينتهي بحكم الأغلبية. وبحكم الأغلبية كان لابد من تقليص النفوذ السياسي لغرفة التجارة، وأياً كان الرأي في ذلك، وأياً كانت اتهامات "الانتقام" وصور الصراع الطبقي المشوه من غرفة التجارة ومن تمثله، واتهام أن من يقوده هم أفراد نافذون في سلطة الحكم، يبقى المؤكد أن السبيل إلى العدالة والإنصاف لا يكون بقبر "التراث" التاريخي لطبقة التجار التقليديين الذي تمثله الغرفة مهما اختلفنا معها، فالديمقراطية في أساسها قامت على سواعد البرجوازية الليبرالية الصاعدة في أوروبا (انظر كارل شميث وكتابه في النظرية الدستورية)، ولو كان القياس هنا مختلفاً بعض الشيء في مجتمع الدولة – القبيلة.
لابد في النهاية من أن تقر الأغلبية بحق الأقلية في وجودها، وليس بإصدار حكم إعدامها، ولا يعني هذا توفير امتيازات خاصة بها بقدر ما يعني ترك باب الحوار الديمقراطي مفتوحاً للتفاعل بين كل الأطراف، وبافتراض حسن النية عند الفريقين دون تهميش لطرف على آخر.