كما كان يفعل "الغاليون"، سكان فرنسا في العهود السحيقة، الذين كانوا يتواصلون مع موتاهم بكتابة الرسائل وإحراقها، سأتواصل مع القانون في الكويت بعد أن مات ودُفن وصلينا عليه صلاة لا ركوع فيها ولا سجود، فأكتب هذه المقالة وأحرقها.
وفرعون الشعر في عصرنا الحالي، حفيد شعراء المعلقات، ناصر الفراعنة يردد في قصيدته السياسية الشهيرة: "ناقتي يا ناقتي"، وهي قصيدة تابعها نحو أربعة ملايين مشاهد على برنامج "يوتيوب" وحده. والشقيقان المجرمان الإيرانيان اللذان داس من أجلهما معالي وزير الداخلية قوانين البلد بجزمته الكريمة، فأفرج عنهما بطريقة مستفزة متغطرسة مكابِرة، يرددان في قصيدتهما الفاسدة: "خالتي يا خالتي"، وهي قصيدة تابعها الناس بذهول وبكاء.
وأصل القصة هي أن وزارة الداخلية قبضت على شقيقين إيرانيين، أحدهما بتهمة "حيازة مخدرات"، والثاني بتهمة "انتحال صفة طبيب"، بعد أن قام بإجراء عمليات إجهاض متعددة، من دون شهادة ولا هم يحزنون، والله وحده يعلم كم روحٍ أزهق… فأفرج عنهما الوزير.
وفي لجنة التحقيق البرلمانية، ماطل الوزير في الحضور إلى اللجنة إلى ما قبل انتهاء التحقيق. وعندما حضر سأله النواب عن سبب إفراجه غير المبرر عن المتهمين الشقيقين، فأجاب جواباً مفحماً: "خالتهما قدّمت لي كتاب استرحام، فأمرتُ بالإفراج عنهما"! ويبدو أن القانون مما ملكت يمين معالي الوزير، وهو حر بعبدِه وبما ملكت يمينه، يعتقه لوجه الله، يبيعه، يفعل به ما يشاء، والشاعر الصنعاني يقول: "ذا رأس عبدك حرّ عندك، ذمتك له تتسع / فاقطع والا امنع والا استملِكه والا فدَع".
وفي سجون الوزارة يقبع الآلاف من السجناء، ومن بكرة الصبح ستتقدم خالة كل سجين بكتاب استرحام عن ابن شقيقتها، واللي ما عنده خالة يأكل هواء وينثبر في السجن. القانون واضح "عندك خالة تراجع الوزير؟ أهلاً وسهلاً، ما عندك خالة؟ يفتح الله".
وسامح الله معاليه، فقد وعد، قبل أكثر من سنة، برفع دعوى قضائية ضدي على خلفية "شبهة اللوحات الإعلانية أم خمسة ملايين دينار" ليوهم الناس أنه مظلوم يا عيني، فراهنتُه فلم يرفع، فاستجديته فلم يرفع، ولعلّه يفعل هذه المرة… وتعال اضحك على خفة دم معاليه عندما سئل في لجنة التحقيق عن سبب قبوله استرحام خالتهما رغم القبض عليهما بالجرم المشهود، فأجاب: "لم أكن أمتلك معلومات تدينهما كالتي تمتلكها لجنة التحقيق، ولو كنت أعرف لما أفرجت عنهما"… هاهاها، وكمان هاهاها، لبّى قلب معاليك.
يعني، النواب الذين لا يملكون صلاحية الوزير استطاعوا الحصول على "برِنت" عن المجرمَين الشقيقين، والوزير الذي بمقدوره وبكبسة زر وهو جالس في مكتبه الوثير الحصول على كل ما يتعلق بالشقيقين، لا يمتلك عنهما أي معلومة.
ثم إن النائب مسلم البراك كان قد تحدث قبل ذلك بيوم عن هذه المعلومات تحت قبة البرلمان، فكيف ينكر الوزير معرفته بذلك؟ وسمو رئيس الوزراء يتحدث عن وجوب تطبيق القوانين، والوزير يحكم ولا حكم الخلفاء العباسيين، والإيرانيان يردد كلّ منهما ورائي:
خالتي يا خالتي لا فتـــــاة ولا عجـــوز
تفرك المصـباحَ والمـارد يلـبّي لَها
تدهن الكتمان بالصمت يا حبّي لها.