علي محمود خاجه

الدويلة: احنا راضين وأنتم تأبَون

يطالب الوافد الجديد للزميلة «القبس»، الكاتب الحدسي المخضرم مبارك الدويلة يوم الأربعاء الماضي في مقاله، تعليقا على منع الكتب في معرض اللوازم المدرسية «المسمى مجازا بمعرض الكتاب «بأن المتطرفين من أصحاب الفكر الليبرالي يجب أن يسكتوا عن التعليق على منع الكتب، في حين أن العقلاء والمثقفين يجب أن يقفوا مع وزارة الإعلام ويقدموا لها الإجلال والاحترام». وبما أنني لست ليبراليا متطرفا فلن أسكت، كما أنني لن أقف إجلالا واحتراما لوزارة الإعلام، وهو ما يعني أنني سأكون مجنونا في نظر «بومعاذ» وما أحلى هذا النوع من الجنون. الأستاذ مبارك يقول وبالحرف الواحد ما يلي: «إن الكويت مهما قلتم عنها ومهما رأيتم منها تظل بلداً إسلامياً محافظاً بأغلبية أهله وساكنيه!! قد تشاهدون هنا وهناك بعض مظاهر التحلل من بعض السلوكيات لكنها تظل شاذة ونادرة، أما أغلبية سلوكيات أهلها فتنطلق من موروثهم الديني والاجتماعي». حينما يقرأ أي شخص هذه الأحرف الذهبية التي خطتها يد الدويلة لا بد له أن يتفكّر جيدا في مضمونها، ولمن فاته المضمون نكرره بصورة أكثر وضوحا، الدويلة يقول إن مظاهر التحلل (وأعتقد أنه يقصد فيها الانحلال الأخلاقي) شاذة ونادرة في الكويت. وهو ما يعني أنها ليست حالة عامة وليست ظاهرة وليست قضية رأي عام وليست سوساً ينخر كياننا، وليست خطراً يهدد ديننا، بل إنها حالات نادرة وشاذة وقليلة، وهو ليس أمرا مقتصرا على أبناء الكويت، بل على ساكنيها أيضا، أي أن المقيمين مشمولون أيضا برأي الدويلة. جميل يا «بومعاذ» جميل، ما تقول ورائع، بل إنه صلب حديثنا على مر السنين وصراعنا الدائم مع الأصوليين، فقد رددنا منذ الأزل بأن الانحلال نادر وشاذ والاستقامة الاجتماعية هي الحالة العامة بالكويت، وكان الأصوليون هم من يقول عكس ذلك، ولكنك تأتي اليوم لتبتعد عن تلك الأصولية وتردد ما نقول. لكن لحظة يا «بومعاذ» دعني أستوقفك قليلا، مادام التحلل الأخلاقي كما تسميه حالة شاذة ونادرة، لماذا إذن أيدتم وشاركتم، وأنا أتحدث عن تنظيمك تحديدا، وجود ما يسمى بلجنة للظواهر السلبية وقوامها خمسة أعضاء (منهم عضوان من حدس)؟ هل يعقل أن نأخذ جهد عُشر أعضاء المجلس لحالات نادرة وشاذة كما تفضلت؟ ولماذا شغلتم شباب الكويت لأكثر من 40 عاما لفصل التعليم، ومازلتم متذرعين بالحجة الأخلاقية أيضا؟ أوليست الأخلاق قويمة إلا ما ندر، أم أنكم عاقبتم الأغلبية لما ندر من سلوكيات؟ لماذا تمنعون الاحتفالات؟ ولماذا تقتلون الترفيه ما دام الانحلال نادرا يا «بومعاذ»؟ إن كلامك يؤكد لنا مدى سطحية تياراتكم التي تركت الشؤون العامة وانغمست فيما ندر وشذّ من الأمور، وهو سر تراجعنا وتخلفنا على مدار الثلاثين عاما الماضية لتحالف الحكومة مع عقلياتكم. آخر سؤال: مادامت أغلبية المجتمع متمسكة بموروثها الديني والاجتماعي فلماذا نخشى إذن من الكتب ونمنعها يا «بومعاذ»؟ خارج نطاق التغطية: لست مسؤولا عن «ماجلة» البيت بعد، ولكني قلبا وقالبا مع أي مقاطعة للجشع تتمثل في مقاطعة شراء الطماطم حاليا، واستفسار بسيط لـ»الرشيدة»: ما الشيء الذي تستطيعين التحكم به وأنت عاجزة عن التحكم بسعر الخضار؟

سامي النصف

التاريخ لم يبدأ غداً

الحدث في تاريخ الكويت هو الغزو الصدامي الغاشم الذي لا يمكن الحديث عنه دون الحديث عن مؤتمر جدة الذي سبقه في 31/7/1990 والذي ضم الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، والوفد المرافق له وعزة الدوري، لعنه الله، والوفد المرافق له.

وقد بدأت منذ وقت مبكر محاولة تزييف وتزوير ما حدث في ذلك الاجتماع العام، حيث ادعى المضللون والافاقون ان التشدد الكويتي هو الذي خلق الإشكال وسبب الغزو (انظر اكذوبة هيكل في كتابه حرب الخليج عن رسالة مزعومة من الشيخ جابر الى الشيخ سعد تطلب منه التشدد) وهو ادعاء كاذب قد يدعمه في الغد عدم توثيقنا بشكل علمي وعبر الشهود ما حدث تفصيلا في ذلك اللقاء ومقدار المرونة الكويتية والتشدد الصدامي الذي اعترف به صدام فيما بعد لمحاميه وقال انه طلب من أبي أحمد (عزة الدوري) التشدد.

وممن فاتتهم تفاصيل ما حدث د.أحمد الخطيب الذي نشر في مذكراته «لم يكن الشيخ سعد مدركا خطورة ما يحدث لذا قام بعد الاجتماع الساخن مع الوفد العراقي بترك الاجتماع وذهب لأداء مناسك العمرة ولولا ان الأمير استدعاه للعودة بسرعة لبقي هناك»، وقد نفى الوزير السابق سليمان ماجد الشاهين الذي كان حاضرا وشاهدا على اجتماع جدة، تلك الرواية التي كان لزاما على د.الخطيب التحقق منها قبل نشرها حتى لا تصبح حجة علينا حيث لم يتوجه الوفد الكويتي لأداء العمرة، بل من قام بذلك هو عزة الدوري ومن معه لا إيمانا واحتسابا وهم من انتوى الغدر والقتل في اليوم التالي، بل كوسيلة للتهرب من حجج ووثائق ومرونة الوفد الكويتي.

ويخبرني الأخ عبداللطيف الروضان بحقيقة ما جرى في ذلك الاجتماع الهام الذي تشكل الوفد الكويتي فيه من الشيخ سعد العبدالله والشيخ ناصر المحمد والوزير ضاري العثمان ووكيل وزارة الخارجية سليمان ماجد الشاهين ووكيل وزارة الداخلية اللواء يوسف بدر الخرافي ووكيل وزارة النفط سليمان نصف العماني والسفير بوزارة الخارجية خالد مغامس، حيث كان الوفد الكويتي مستعدا بالكامل للتباحث وللوصول الى حلول في وقت لم يحضر فيه الوفد الصدامي أي خبراء أو مختصين مما يعني ان النوايا كانت مبيتة لإفشال الاجتماع.

عقد اللقاء الاخير بين الشيخ سعد العبدالله والشيخ ناصر المحمد والوزير ضاري العثمان الذي كان متشائما مما يراه من الوفد الصدامي وتنبأ في حينها بالاجتياح والأخ عبداللطيف الروضان الذي كان يدون محضر الاجتماع ومن الجانب الصدامي حضر عزة الدوري وعلي حسن المجيد وسعدون حمادي، ويروي بوعبدالله الروضان ان الشيخ سعد كان في أفضل أحواله، حيث كان يحتفظ بذاكرة حديدية للقضايا الحدودية والنفطية العالقة بين البلدين حتى أحرج عزة الدوري فتعذر بحلول موعد الصلاة وخرج ولم يعد.

آخر محطة:

مازال أغلب شهود ذلك اللقاء المهم أحياء، لذا نرجو من د.عبدالله الغنيم مدير مركز الدراسات ان يوثق شهادات الشهود ويتم إصدارها في كتاب خدمة للحقيقة وللتاريخ.. الذي لم يبدأ غدا.

احمد الصراف

النفط وصندوق البندورا

يستخدم تعبير Pandora box عند التطرق لأي مسألة خلافية ومحل اعتراض، والتعبير مستقى من الأساطير اليونانية، ويشير إلى المرطبان الذي يهدى لـ«بندورا» الأغريقية التي ما إن تفتحه حتى تخرج لها كل الشرور، وهذا ما حدث لي عند الكتابة عن إنتاج النفط وتسويقه، فكأنني فتحت صندوق بندورا عندمت كتبت معلقا على مقال السيد كامل حرمي، بخصوص حقول الشمال، حيث شعرت بأنني ضغطت على دمامل قديمة وأن أكثر من جهة استاءت مما كتبت! كما تبين أن «قضية إدارة القطاع النفطي» يكتنفها الكثير من الغموض وتبدو الحلول أكبر من قدرة أي مسؤول، وخاصة في ظل حالة «السماري» التي تعيشها البلاد. نقول ذلك مع حفظ الاحترام لكل أولئك المخلصين والشرفاء الذين حاولوا ونجحوا، ولو جزئيا، في القيام بواجباتهم.
بعد نشر مقالي السابق، وبناء على ما ابديته من رغبة خاصة، قام الشيخ سعود الناصر، وزير النفط السابق، كأملنا به، بالاتصال، وشرح موقفه من قضية حقول الشمال، وكيف أنه أيد القرار في حينه بناء على طلب كتابي من شركة نفط الكويت، وكيف أن الأوضاع الامنية في العراق وعلاقته المتوترة معنا في تلك الأيام والتهديد المستمر لحدود الكويت وحقولها النفطية المتاخمة للحقول العراقية حتمت التفكير في الاستعانة بالشركات النفطية الغربية للقيام بعمليات الاستكشاف والإنتاج ولتقوم بصرف مليارات الدولارات في تطوير الحقول وزيادة قدراتها مقابل أجور محددة يتم دفعها لها بطرق محددة سلفا. واعتبر قرار الاستعانة في حينه سياسيا على المدى القصير ومجدياً مادياً على المدى الطويل، وكفيلاً بردع صدام عن القيام بحماقة أخرى.
وفي ظل غياب معلومات كافية لا يمكنني إلا موافقة الشيخ سعود على ما ذكر لانسجامه مع المنطق، خاصة أن الكثيرين جاروا هذا التبرير وقتها، وكنا أحدهم!
ولكن من المهم أن نبين أن شركة نفط الكويت كانت تأمل من وراء الاستعانة بالشركات النفطية الأجنبية، من واقع دراستها المؤرخة في مايو 1998، الوصول بإنتاج الكويت إلى 3 ملايين برميل يوميا بحلول 2005! وهذا ربما لم يكن قرارا صائبا في حينه، في ظل استمرار ارتفاع اسعار النفط ومحدودية «كوتا» أوبك والتي كانت، وربما لا تزال، بحدود مليوني برميل يوميا!
كما بينت الاتصالات أن ما سبق أن كتبه السيد حرمي ليس دقيقا بالمطلق، فزيادة انتاج حقول الشمال التي تحدث عنها بإطناب لم تكن أصلا محل شك، لأنها من نوع الإنتاج السهل الاستخراج، أما الصعب فلا يزال في المكامن الصعبة وليس بمقدور «نفط الكويت» الوصول إليه، وهو الذي لا يزال يتطلب التطوير من خلال الاستعانة بالشركات النفطية الكبرى. كما أن السيد حرمي بالغ في تحميل جهات عدة المسؤولية، ربما لأنه اعتمد في مقاله على مصدر غير محدد أو لأسباب شخصية!
وتبين كذلك أن السلطة أخطأت في تسييس عمليات استكشاف النفط وإنتاجه وتسويقه، وسمحت للمنتمين للتيارات الدينية بالذات بإزاحة جميع الخبرات النفطية من مواقع المسؤولية وتعيين «أقربائهم ومحازبيهم» في المناصب العليا، وهؤلاء لم يترددوا في تشجيع أصحاب الخبرات الطويلة على الاستقالة أو تجميدهم في وظائفهم! وحيث ان الصناعة النفطية، كأي صناعة كبيرة ومعقدة، تتطلب من شاغلي مناصبها العليا ضرورة تدرجهم وظيفيا، فإن انعدام خبرة «المديرين الجدد» المعينين لأسباب سياسية وقبلية كلف المال العام الكثير ولا يزال النزيف مستمرا.
وبسبب درجة التسييس البالغة الخطورة التي وصلت إليها أوضاع الشركات النفطية فإن من المهم التفكير في الاستعانة بمؤسسة استشارية أجنبية للقيام بدراسة الوضع بعيدا عن الطائفة والسلف والتلف أو الإخوان، ووضع الحلول الناجعة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أن ترهلت جميع أنشطتها الإنتاجية والتسويقية والإشرافية.
والخلاصة، كما بينها الشيخ سعود الناصر بوضوح، هي أن التجارب أثبتت أن ليس من المجدي زيادة الإنتاج، وإننا كلما أطلنا في عمر مخزوننا النفطي كان ذلك أفضل للكويت وشعبها على المدى الطويل.

***
• دعوة: يقيم مركز الحوار للثقافة (تنوير) اجتماعا لجميع أعضائه وأصدقائه يوم غد (الثلاثاء) الساعة السابعة مساء في الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية في الخالدية، مقر صوت الكويت، وسأكون متواجدا وأتمنى من المحبين والأصدقاء الحضور لأهمية فكرة المركز في هذه الظروف.

أحمد الصراف