محمد الوشيحي

نفقة البغلي

الأيام هذه «أيام الوسم»، كما في لهجتنا المحكيّة، وبدلاً من تساقط المطر عليّ فيبلل ثيابي، تساقطت القضايا عليّ حتى أغرقتني وأغرقت شوارعي، وبتّ أمشي وأنا أرفع طرف دشداشتي. آخرها اتصالٌ تلقيته يوم الخميس من وكيل نيابة يطلبني للتحقيق في قضية جديدة رفعتها ضدي وزارة الإعلام.

وكنت لحظتذاك أجلس أمام موظف العدل الذي بشرني: «لديك قضية رفعها النائب سعدون حماد، وقضية للنائب السابق أحمد الشحومي، والصحافي السعودي عثمان العمير، والشيخ طلال مبارك العبدالله، ومقرئ القرآن في السجن المركزي، ومجلس إدارة جمعية أم الهيمان، وقضية إيواء أجنبي، وقضية نفقة، وقضية رفعها النائب…»، فقاطعت استرساله مذهولاً: «لحظة لحظة، تقول إيواء أجنبي ونفقة؟ من هو الأجنبي الذي آويته، وكيف تُرفع ضدي قضية نفقة وأنا للتو تناولت ريوقي «فطوري» من يد زوجتي الوحيدة؟»، وبعد البحث والرفع والضم، تبين أن الأجنبي ما هو إلا سائق البيت، هندي الجنسية، الذي انتهت إقامته ونسيت تجديدها، أما النفقة فقد رفعتها ضدي طليقتي.

قلت: «يا سيدي، لا أحتقر أحداً كالذي يمتنع عن دفع نفقة زوجته وأبنائه، لكن من هي طليقتي، ما هو اسم ستّ الحسن والدلال؟»، سألت الموظف فأجاب: «اسمها… هاه… هاه»، وفغر فاه، فاستعجلته: «شفيك؟»، فأجابني: «اسم طليقتك علي البغلي»، ففغرت فاهي كما فغر، والبادئ أظلم، واستفسرت: «ابحث عندك في الجهاز يحفظك الله، هل طلبتُ منه أنا العودة إلى بيت الطاعة أم لا؟ وما سبب الطلاق؟ يبدو أن حياتنا كانت تبات ونبات فأصابتنا العين».

وفي القرآن «إن بعض الظن إثم»، لكنني أظن أن العين التي أصابتنا هي واحدة من عينين، إما عين الزميل، والصديق المشترك، حسن العيسى، الذي يكتب في الجهة الغربية من هذه الصفحة، أو هي عين صاحب الإبل مبارك الديحاني. وإذا كانت إبل النعمان بن المنذر تسمى «النوق العصافير»، فقد أطلقت على إبل مبارك اسم «النوق الحمير»، لأنها تنهق ولا حمير البصرة بعد أن زهقت من كونها إبلاً في بلد يضطهد الإبل لمصلحة الحمير. ولا تكاد تمر ليلة إلا ويتصل بي مبارك يدعوني لشرب حليب نياقه: «تعال للغبوق»، فأتحجج بمليون حجة كي لا أشرب حليب هذه الإبل الذي ينزل من أثدائها مغشوشاً منتهي الصلاحية. تشربه فتبكي فتنام.

والله يذكره بالخير الصديق اللبناني الذي هاتفني: «أولادي بيعشقوا المغامرات، وبدّهون يركبوا بعران»، فاقترحت عليه: «ما رأيك أن يشربوا حليب البعران أولاً ثم يحلها حلال»، فوافق منتشياً، فأخذته وأسرته إلى حيث النوق الحمير، فتقافزوا فرحاً لرؤيتها، وتبادلوا التصوير إلى جانبها وهم يرددون «يا ما شالله، اشي بياخد العقل»، فهمست لنفسي: «الوعد قدام»، وأجلستهم في الخيمة، وأعطيتهم حليب النوق الحمير، وهم لا يعلمون أن من يشرب حليب الإبل للمرة الأولى يصاب بإسهال شديد، فما بالك بحليب النوق الحمير… ووقعت الواقعة، وما هي إلا ساعة، وإذا بطونهم تتحول إلى ممرات مائية. تخسي قناة السويس. وإذا زوجته «ايريت» تضع يداً على بطنها وتجري في اتجاه الجنوب تبحث عن بيت الراحة، وإذا ابنه «كارل» يتجه شمالاً، وإذا هو يضع يداً على بطنه والأخرى على جبهته ويتأوه: «يفضح عرض الشغلة، هيدا وقود نووي منّو حليب يا خيي». فغمغمت: «الساعة المباركة. أجل تقول عيالك يعشقون المغامرات؟».

***

نسيت أن أوضح أن قضية علي البغلي ضدي «جنح صحافة»، لكن يبدو أن الموظف المسؤول عن تصنيف القضايا صنفها بالخطأ قضية نفقة.

وأمام كل هذه القضايا، سأفكر جدياً في دراسة القانون، فأتخرج محامياً، وأتشارك مع أحد النواب. أنا أتعاقد مع المتهمين وهو يساوم الوزراء، ومن عارض من النواب واحتج فهو مؤزم.

سامي النصف

ديموقراطيتنا لعبة اقتصادية لا سياسية

لم تعد الديموقراطية الكويتية لعبة سياسية بل اقتصادية بحتة يقوم معطاها على الرصيد الشخصي للنائب قبل دخول المجلس ورصيده بعد انتهاء اعماله، ولا خجل على الاطلاق من ذلك الامر، فالاموال المحصلة لا تخفى سرا في البنوك السويسرية بل تنفق علانية على القصور والدواوين واماكن الترفيه في الكويت والدول الاخرى التي يرتادها الكويتيون و… على عينك يا تاجر..!

واذا كانت لعبة المال قد بدأت بالدينار المحلي فلم يعد خافيا ان عملات اخرى اصبحت تملأ الجيوب وتفرض المواقف السياسية كذلك، ولكل رفع يد او انزالها ثمن ولتذهب الكويت ومصالحها العليا الى الجحيم، فالمقياس هو التكسب الشخصي ولا شيء غيره، وقد امتدت الصفقات الى وسائط الاعلام والذي لا يغتني هذه الايام من لعبتنا الديموقراطية، كما يقال، لن يغتني ابدا.

وقد يكون الامر مقبولا لو كانت الاجندات كويتية بحتة الا ان الخوف كل الخوف من تحول الاجندات الى «منفستات» خارجية تهدف الى نقل كرة النار المنتظرة عند الابواب الى ملعبنا فنصبح ساحة توتر للنزاعات الدولية والاقليمية، ولسنا أكثر وعيا وثقافة من شعوب عربية اخرى طويلة الباع في الحضارة واللعب السياسي الا انها دمرت بلدانها في النهاية لمصلحة اجندات الآخرين.

وقد زاد الطين بلة ان العامة اصبحوا مشاركين ومنغمسين في لعبة الخراب «السياسي» حالهم حال تورط الشعب بأكمله اعوام 80 ـ 82 في لعبة الخراب «الاقتصادي» آنذاك المسماة سوق المناخ، وقد انتهت تلك الملهاة بانهيار اقتصادي جاوز 100 مليار دينار يعتبر الاكبر في التاريخ، فما الثمن الذي سندفعه هذه المرة للخراب الذي اصاب اللعبة السياسية اذا لم نبادر بايقافه قبل ان يخرج عن نطاق السيطرة؟! هذا اذا لم يكن قد خرج فعلا!

وقد بات واضحا وضوح الشمس ان معارضة انشاء لجنة قيم لمحاسبة النواب كما هو قائم في «جميع» الديموقراطيات الاخرى، لم تكن خوفا من اساءة استغلالها كما ادعى البعض، بل هي لمعرفتهم الاكيدة أنهم سيكونون اول ضحاياها والمساءلين امامها بسبب الثراء الفاحش غير المشروع الذي بات يطل من جيوبهم التي تحولت الى مكاتب صرافة من وفرة العملات الاجنبية فيها، وويل للعبة سياسية تغيب بها الضمائر والعقول وتفتح بها واسعا.. الجيوب!

ان على الناخبين الواعين رفض الاثراء غير المشروع للنواب ورفض من يوافق او يعارض لاجل المصالح الشخصية، فالمشاريع الحكومية ما وضعت الا لخدمة المواطن ولا يجوز عرقلتها طمعا في المكاسب الذاتية، كما يجب رفض التسخين السياسي دون داع حيث لم تعد عمليات التسخين تلك وسيلة لمحاربة الفساد بل اصبحت هي الفساد بعينه والمحرك الاكبر لعمليات التكسب غير المشروع المتعدية على المال العام.

آخر محطة:  1 – العزاء الحار لـ «آل الحميضي» الكرام بفقيدهم العم خالد احمد الحميضي، للفقيد الرحمة والمغفرة ولأهله وذويه الصبر والسلوان. 2 – العزاء الحار للزميلة عزيزة المفرج ولـ «آل المفرج» الكرام بفقيدهم المرحوم خالد ابراهيم المفرج، للفقيد الرحمة والمغفرة ولاهله وذويه الصبر والسلوان. 3 – العزاء الحار لـ «آل سلطان السالم» الكرام بفقيدهم المرحوم مشعل سعد السلطان السالم، للفقيد الرحمة والمغفرة ولاهله وذويه الصبر والسلوان. 4 – العزاء الحار لعائلات شقير، دشتي، عرب، الحلاق والقطان بوفاة جدتهم الغالية، للفقيدة الرحمة والمغفرة ولاهلها الصبر والسلوان.

احمد الصراف

مبالغات الزميل الغصب

عندما يتعرض طريق رئيسي للتخريب ولا يتم إصلاحه بالسرعة المطلوبة فمن السهل تحميل وزير الأشغال المسؤولية. ولكن عندما تتعرض المناهج الدراسية للتخريب المتعمد على مدى سنوات فليس من العدل تحميل المسؤولية واللوم لوزير!
طرح «الزميل الغصب» في عموده قبل ايام السؤال التالي: من الذي اختطف التربية؟ وقال ان مشكلة الليبراليين هي الكذب والادعاء بأن التربية (والتعليم) مختطفة من التيار الديني في الكويت، وأنهم كانوا ولا يزالون مسيطرين عليها منذ الخمسينات حتى اليوم (ولا أدري لماذا ذكّرتني هذه الادعاءات بأقوال أخيه)! وقدم الزميل دليلا على هذه السيطرة بالقول: الجميع، من الشيخ عبدالله الجابر، مرورا بصالح عبدالملك وأحمد الربعي وعبدالعزيز الغانم وغيرهم وانتهاء بموضي الحمود كانوا ليبراليين! وحتى الوكلاء لم يكونوا من المتدينين.
ولا نود هنا الدخول في جدال في مدى ليبرالية الوزراء الذين ذكرهم في مقاله، فأكثرهم ليبرالية (!) وافق على قانون «منع الاختلاط بالجامعة» من دون كلمة. وكان من السهل دحض حجج الزميل لولا أنه رد على نفسه بالقول ان المحرك الرئيسي لوزير أو وزارة التربية هو مستشار، رفض ذكر اسمه، يعمل في الديوان الأميري! وهنا نعيد ونكرر ما سبق أن ذكرناه مرات عدة، وما تطرقت اليه الزميلة لمى العثمان في مقال أخير لها، وما ورد على لسان خبير التربية والتعليم السيد حمود الحطاب، الموجه العام السابق للتربية الدينية، والذي بدأ منذ عقود بانتقاد مناهج وزارة التربية والشكوى، كتابة ومقالا وحديثا، عن تسييس التعليم وتولي التيارات الدينية السياسية، كالإخوان المسلمين، للقيادة التربوية، بعد سيطرتهم على الوزارة، الأمر الذي أدى إلى غرس «المفاهيم السلبية الخطيرة في ذهنية الطالب، وسيادة التوجه الواحد، خلافا لقيم المجتمع الديموقراطية، وان محنة التعليم تكمن في غياب الرؤية، والاستمرار في أسلوب التلقين والحفظ والتسميع القديم الذي للمعلم الدور الأهم فيه، بخلاف النظريات الحديثة التي يكون الطالب فيها هو المحور ويتعلم عن طريق التجربة والحوار! وهنا تكمن خطورة المعلم في نظامنا الحالي، والذي يسيطر على جمعيتهم منذ 30 عاما حزب زميلنا، أو الإخوان المسلمين، فرع التنظيم العالمي! وهذه السيطرة الإخوانية على التعليم بدأت مع تسليم السلطة قيادة العملية التربوية للإخوان على طبق من ذهب، مقابل وقوف هؤلاء معهم في البرلمان!!
لا نحتاج لكثير ذكاء ودقة ملاحظة لنعرف الجهة التي تهيمن على الأوضاع. فبالرغم من الدور الحيوي لبعض الوزراء، فإن السلطة هي الوحيدة القادرة على تغيير الخرب منها، إن اشتهت ذلك!! وخير دليل ما حدث في البرلمان قبل ايام من إلغاء للجنة الرياضة والشباب.. ربما إلى الأبد!!
وبالتالي نتمنى على الزميل أن يحترم عقول قرائه، وأن يخفف من مبالغاته!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

برافو حكومة.. ولكن

قولاً: سمو الأمير يدعو الى تعاون السلطتين ونبذ الطائفية والتعصب القبلي والطبقي، ويطالب بالمحافظة على الوحدة الوطنية.
عملاً: سمو رئيس مجلس الوزراء وحكومته يثبتون ان لهم اليد الطولى في مجلس الأمة وأن ما تريده الحكومة «سيكون» وما لا تريده «لن يكون» بإذن الله. وهذا ما ثبت فعلا في جلسة الافتتاح وانتخابات اللجان ومكتب المجلس. وهذا كله لا يهمني، لأن الحكومة لاعب أساسي في ملعب الديموقراطية ولها الحق في اتخاذ المنهج والطريق اللذين تعتقد أنهما الأسلمان والأنسبان لتحقيق برنامجها.
ما يهمني فعلا هو أن الحكومة الآن ورّطت نفسها وأصبحت اللاعب الوحيد في الملعب ولا عذر لهذا اللاعب في عدم التسديد وتسجيل الأهداف. فالخصم أصبح يلعب معها ولها، ومن شذ منهم شذ في عالم الفشل والتحلطم وندب الحظ.
اذاً مطلوب من الحكومة الآن، وبأسرع ما يمكن، اصدار التشريعات التي تحافظ على الوحدة الوطنية التي دعا اليها سمو الأمير. ومطلوب من الحكومة اليوم ان تطبق القوانين التي أصدرها مجلس الأمة (عفوا أقصد التي أصدرتها الحكومة عن طريق المحلل التشريعي مجلس الأمة). وأوّلا هذه القوانين قانون الرياضة وقانون المرئي والمسموع، وليس لها عذر بعد اليوم بأنها قوانين يصعب تطبيقها، فان كان الأمر كذلك فلتغيرها، فخيوط اللعبة أصبحت بيدها ويمكنها اجراء التعديلات التي تراها مناسبة لمصلحة البلاد والعباد.
ومطلوب من الحكومة حل مشكلة توفير المبالغ المطلوبة لتنفيذ مشاريع خطة التنمية، سواء من خلال المصارف المحلية أو من خلال ما تراه مناسبا من مصادر أخرى، فلا رادّ لأمرها بعد اليوم الا الله.
ومطلوب من الحكومة رسم سياستها الخارجية مع دول الجوار وفقا لهواها، حيث ان تصريحات النواب الاستفزازية واللامسؤولة في هذا المجال لم تعد تعني لدول الجوار شيئا بعد أن أدركت هذه الدول ان الحل والربط عند حكومتنا الرشيدة. ومطلوب من الحكومة حل الملفات العالقة كالبدون وحقوق المرأة الاجتماعية والمدنية والتضخم ومشاكل العمالة الى آخره من ملفات أصبح تأجيلها غير مقبول بعد أن آلت الأمور الى السلطة التنفيذية للتشريع والتنفيذ سواء بسواء.
لم يعد مقبولا بعد اليوم الادعاء بعدم تعاون النواب مع الحكومة، فالنواب أصبح معظمهم تبعاً، لذلك الناس ينتظرون اليوم من الحكومة، التي أصبحت تمسك ـــ بحق ـــ العصا السحرية بيدها، ان تنقل البلد من حال الفوضى الى حال الاستقرار النفسي عند المواطن الذي يكاد يكفر بكل شيء نتيجة تردي الأوضاع.
• • •
لفتة كريمة
يقول المثل: تفاءلوا بالخير تجدوه..
بصراحة ودّي بس مو قادر!

مبارك فهد الدويلة

سامي النصف

أخطاء وتدمير الإسلام باسم الإسلام!

قلنا إن الاخوة اللبنانيين هم الافضل عندما يمارسون الاقتصاد، والأسوأ عندما يلعبون سياسة، بدلالة أوضاع لبنان المتأزمة دائما، هذا الأمر ينطبق كذلك على «بعض» رجال الأعمال الكويتيين، الذين رغم حذاقتهم المالية، إلا أن مواقفهم السياسية لا تدل على حنكة شديدة، بل تسببت مرارا وتكرارا في الإضرار بهم قبل غيرهم.

فلا يفهم المراقب مواقف البعض التاريخية المطالبة بالديموقراطية، ووقوفهم في الوقت ذاته مع أنظمة عسكرية عربية شديدة القمعية كنظامي ناصر وصدام، مع حقيقة أنهم كاقتصاديين أقلية عددية في الداخل، والديموقراطية هي في النهاية حكم اغلبية، كما لا يفهم المراقب وقوفهم ـ وهم من يمثل توجها «رأسماليا» ـ مع أنظمة عربية وأجنبية اشتراكية أممت الممتلكات والشركات وضربت ضرب غرائب الابل، رجال الاقتصاد الحر في بلدانها، وكان واقعهم الاقتصادي وموقفهم السياسي يفرض الوقوف مع النظام السياسي لبلدهم وليبراليته الاقتصادية لا الاصطفاف مع القوى اليسارية والثورية في الداخل والخارج.

وقد أثبتت الايام الخطأ التاريخي لتلك المواقف، خاصة مع غزو صدام أو وحدته مع الكويت والتي لم تكن ستختلف على الاطلاق عن وحدة ناصر أو حتى حكام العراق الاخوين عارف والتي كانت ستنقل أدواتهم القمعية وعمليات التأميم لبلدنا، كما حدث لسورية ابان الوحدة مع مصر، فلا يمكن أن يحكم بلد واحد بنظامين سياسيين واقتصاديين مختلفين.

ومن مواقف البعض الخاطئة، تبني موقف التغيير للدوائر الخمس في وقت أغلق نظام الـ 25 دائرة كثيرا من الدوائر حصريا عليهم، وكان الموقف السياسي السليم يفرض ان يكونوا أول المدافعين عنه حالهم حال زملائهم في مصر والاردن ولبنان.. إلخ، ان فخر البعض بإسقاط نظام الـ 25 دائرة هو شبيه بفخر آخر امراء الاندلس عبدالله بن الاحمر بانتصاره على عمه أمير ملقا ليكتشف لاحقا انه أول المتضررين من ذلك الانتصار الوهم.

والغريب ان البعض لم يتعلم الدرس ومازال يطالب بالتغيير لنظام الدائرة الواحدة، تابعين في ذلك أحد الساسة الذي ينوي قيادتهم لحتفهم وخراب عشهم، والأغرب أننا لم نسمع قط من يعتذر عن تلك المواقف الخاطئة وتبنيهم المتكرر لعداء من يفترض ان يكونوا أول حلفائهم، او حتى الإقرار بصحة منطق من نصحهم بمنعرج اللوى فلم يستبينوا نصحه الا ضحى الغد.. ويا له من غد!

آخر محطة:

(1) من أعطى الارهابي اسامة بن لادن حق الكلام باسم الاسلام وتهديد الشعب الفرنسي بالذبح والقتل ومن ثم تعريض ملايين المسلمين العاملين في الغرب للاضطهاد والبطالة؟!

(2) أسوأ ما يفعله تنظيم القاعدة الاجرامي هو استهداف الاماكن العامة في الغرب كمحطات القطار التي يستخدمها كل يوم مئات الملايين، مما يثير الحنق الشديد علينا، فهل قام تنظيم القاعدة لنصرة الاسلام أم لتدمير الاسلام باسم الاسلام؟!

احمد الصراف

عندما أبكاني شموئيل!

.. وضاق المقام بنا يا ولدي، فما لنا وللصبر الجميل، فهيا بنا للرحيل، وعندما بلغنا الوصيدا، قالت لي: «يا ولدي لا تحزن، إللي ما يريدك لا تريده»، همستْ: يا حافر البير، بربك قل لي لهذا سبب؟ ورحلنا.. وقبل رحيلها الأخير، قالت لي أمي، والقلب كسير: «أحن إلى العراق يا ولدي، أحن إلى نسيم دجلة، إلى طينها المعطار إلى ذياك الخميل، بالله يا ولدي، إذا ما زرت العراق، بعد طول الفراق، قبل الأعتاب، وسلم على الأحباب، وحي الديار، وانس ما كان منهم ومنا». هذه الليلة، زارتني أمي، وعلى شفتيها عتاب: أما زرت العراق بعد؟ أما قبلت الأعتاب؟ قلت: والله يا أمي لي إليها شوق ووجد، ولكن الدار قفر، والمزار بعيد، بعد أن قتلوا مجد هارون الرشيد، ففي كل شبر من العراق لحد، ومياه دجلة والفرات، كأيام التتار، تجري فيها دماء ودموع، تحطمت الصواري وهوت القلوع، فكيف الرجوع؟ أماه، ليس في العراق اليوم عز ومجد، لم يبق فيه سوى الضياع والدموع! أماه، كيف أزور العراق؟ أما ترين كيف يُنحر عراقنا الحبيب، من الوريد إلى الوريد؟ ويقتل المسلم أخاه، فكيف بنا ونحن يهود! خبريني بالله يا أمي كيف أعود، ولمن أعود، ونحن يهود؟!
هذه قصيدة كتبها شموئيل موريه في أكتوبر 2006، ولكن من منا سمع به؟ ربما لا أحد أو قلة، ولم أكن منها حتى الأمس القريب، وسبق أن كتب عنه سمير الحاج في «إيلاف» قبل سنوات، وقال عنه بأنه بروفيسور إسرائيلي – عراقي، ولد في بغداد عام 1933، ويعمل محاضرا في الجامعة العبرية في القدس وباحثا عريقا في موضوع الأدب العربي، وتشكل دراساته وأبحاثه مصادر أساسية في جامعات العالم، واشتهر بشكل خاص بأبحاثه في تطور أشكال الشعر العربي الحديث وموضوعاته وموسيقاه بتأثير الأدب الغربي، وبالذات تأثر الشعراء المهجريين، فيما استحدثوا من أشكال شعرية، بالتراتيل المسيحية البروتستانتية المترجمة الى العربية. كما يعتبر كتابه «المسرح الحي والأدب الدرامي في القرون الوسطى في البلاد العربية» سابقة أدبية ورائدة في الاستنتاج بأن العرب عرفوا المسرح، حيث فند فيه رأي المستشرقين والباحثين القائل بعكس ذلك. وقد اهتم بروفيسور موريه بإصدار وبحث الإنتاج الأدبي ليهود العراق بالعربية، ورأى فيه غصنا من شجرة الأدب العربي الحديث. وقد حصل في عام 1999 على جائزة إسرائيل، التي تعتبر الأعلى لباحث أو أديب أو كاتب في المجال الاجتماعي والعلمي. وفي مقابلة مع قناة الحرة ذكر أنه غادر العراق في الخمسينات، تاركا وراءه حزنا، بعد تعرضه للضرب في الشارع ومطالبته بالهجرة، لأنه يهودي. ووجد نفسه، وهو ابن خير، وليس معه غير 5 دنانير وحقيبة صفيح!
وردا على سؤال عن أعماله الغزيرة في الأدب والشعر والمسرح العربي، قال انها تجد صدى بين المستشرقين في إسرائيل، أما لدينا فقد منعت أعماله، خوفا من كلمة «تطبيع»! وقال إنه يفضل الكتابة بالعربية، لأنها كالأم، أما العبرية فهي كالصديقة. وقال إنه لا يزال، وبعد 60 عاما يشعر بالألم لما تعرض له من اضطهاد في وطنه الذي لا يزال يحن اليه، وقال: «نقّل فؤادك ما شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول»! وهنا خنقته العبرة ولم يكمل، وشاركته فيها، ليس حزنا فقط على ما تعرض له مثقف من اضطهاد من دون مبرر، بل أيضا لما ستتعرض له الأجيال القادمة من ابناء الكويت، ومن خيرة متعلميها ومثقفيها، من اضطهاد وتشريد في البلاد سيهاجرون اليها، إن استمرت موجة الحقد الطبقي والطائفي والسياسي والديني التي بدأت في الاستشراء بمعونة قوى الظلام النيابية، وتلك المتمثلة في بعض كتّاب الصحف، ومنها القبس، والذين لن يهدأ لهم بال، إلا بعد سيطرة قواهم الظلامية على مقاليد الأمور!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الأسطول الحربي الكويتي

تتميز الكويت عالميا بمخرجات صناديقها الانتخابية، والتي أهدت الأمة الكويتية طوال نصف قرن، كوكبة من المميزين في العمل البرلماني التشريعي والرقابي.
***
انتخبت الأمة السيد ناصر الدويلة، مواليد 1956، نائبا في البرلمان. وسبق أن التحق السيد الدويلة بالحرس الوطني ليصيح ضابطا في 1980، وعاد بعدها للجامعة ليتخرّج في 1982 مجازا في الحقوق، ثم لينتقل للعمل في الجيش، لينتدب بعدها للقضاء العسكري، ثم مستشارا لوزير الدفاع آنذاك الشيخ سالم الصباح، وليتقاعد سنة 2001 ويتفرغ للسياسة.
بسبب تعدد خبراته ومواهبه وقدراته، ولكونه خبيرا استراتيجيا ورئيس المركز الاستراتيجي للدراسات والتخطيط(!) قام تلفزيون «الوطن» بإجراء مقابلة معه مساء 21 أكتوبر قال فيها: «احنا علاقتنا مع إيران على مر التاريخ ليست هادئة. ففي 1782 دمر الأسطول الكويتي(!) الأسطول الإيراني(!) في معركة الزبارة في قطر، وأسرنا قائدهم. وبعدها نزل الأسطول الكويتي في البحرين عندما كانت عبارة عن مستعمرة إيرانية(!) واحتلت القوات الكويتية البحرين بقيادة «جابر العيش»، وتم تسليم البحرين بعدها لآل الخليفة الذين كانوا وقتها يسكنون في قطر. والكويتيون نزلوا في بندر خميني، الآن اسمها بندر خميني(!)، وتوغلوا في الأراضي الإيرانية إلى أن وصلوا لجبال «جزات وراس» (أو شيء من هذا القبيل) وانسحبوا بعدها. والكويتيون احتلوا المحمرة، التي تسمى خرمشهر، سنة 1782! وهنا تدخل المضيف، خالد عبدالجليل ليتساءل: واحتلوها؟ فأكد السيد الدويلة ذلك بهز رأسه. واستطرد بأن الكويتيين احتلوا الفاو ثلاث مرات وأعادوا السيطرة على البصرة (وهذا يعني أنهم سبق أن سيطروا عليها) بعد أن دخلها الجيش الكويتي(!) واخلينا ككويتيين جزيرة أم الرصاص والبصرة والمحمرة وأم الخصاصيب وبندر خميني! وعاد السيد الدويلة، وبناء على طلب من المقدم، وأكد وقوع عمليات القتال والاحتلال المرة تلو الأخرى، وقال إن الجيش الكويتي طرد الجيش الإيراني من البحرين وحررها وانتصر عليهم 3 مرات ولم يترك فيها إيرانيا واحدا بعد طردهم وأسرهم منها. وأن الكويتيين رفعوا علم الكويت على كل تلك الأماكن التي قاموا باحتلالها، وقال إن ذلك حدث في عام 1782 أو 1783 عندما كان عدد سكان الكويت وقتها لا يتجاوز 30 ألف نسمة!
وعندما حاول مضيفه ثنيه عما قال والسماح له بالانسحاب، أصرّ السيد الدويلة، الذي كان مقدما ركنا في الجيش الكويتي، ونائبا وخبيرا استراتيجيا، على القول إن الكويت كانت موجودة قبل أميركا، ومنذ عام 1570! (وهذا لاشك خبر مفرح للشيخة ميمونة الصباح، الباحثة في تاريخ الكويت القديم)، خاصة أن السيد المقدم أكد في نهاية المقابلة أن الكويت، كدولة، سبقت الولايات المتحدة الأميركية.
نكتفي بهذا القدر من المقابلة، ونستغفره لنا ولكم. ولمن يريد المزيد من المتعة والغوص في التاريخ الاطلاع على الرابط التالي:
http://www.youtube.com/watch?v=TD-vhHeNo3A&feature=player_embedded!#

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

يوميات مواطن مرهق: وفاقي!

 

أصر المواطن المرهق أمام حشد من الناس على موقفه المبدئي في أنه مؤيد للمشاركة في الحياة السياسية، وأنه لا يعادي الدولة ولا يعادي المعارضة ولا يعادي الموالاة ولا يعادي العوائل أو الأفراد… وأنه يرى أن المشروع الإصلاحي لجلالة العاهل هو المنطلق نحو أفق أوسع مستقبلاً بمشاركة صادقة في دفعه من قبل الدولة والموالاة والمعارضة ومن قبل الجميع.

لكنه… أصر أيضاً على أن هناك قائمة من المشاكل والملفات التي تؤرق المجتمع توجب وضع الحلول لها على طاولة التحاور، وفي الوقت الذي أصر فيه على رفض العنف والتخريب والتحريض، أصر أيضاً على أن للناس حقوقاً ومطالب مشروعة، ومن حقهم أن يوصلوا صوتهم بها إلى حكومتهم وعدم الاكتراث لاتهامات العمالة للخارج، وافتراءات المفترين الذين استساغوا نغمة التشكيك في الولاء، ومد مظلة الحملات الصحافية والإلكترونية والخطابية كل يوم… كل يوم… كل يوم على المنوال ذاته، المشكك في انتماء الناس ومواقفهم.

كان المواطن المرهق يشدد على أنه (بحريني) يحب وطنه وقيادته، ويعرف جيداً أن هناك قائمة من المشكلات الاجتماعية والسياسية والأمنية لن تجد لها طريق الحل الناجع إلا من خلال الحوار الهادئ واحترام دور كل الأطراف، بدءاً بالمسئولين في الدولة والعلماء، انتهاءً عند دور كل منظمات المجتمع المدني والناشطين والمهتمين، ويأمل في أن يكون للمجلس النيابي والمجالس البلدية في دورتها الجديدة المقبلة دوراً يتجاوز أي إخفاق أو أداء سلبي، وأن يكون التعاون بين السلطة التشريعية والتنفيذية قائماً على تقديم المصلحة العليا للوطن والمواطنين وليس على أي شيء آخر، مما خف وزنه وثقل ثمنه من مصالح فئوية وخاصة أرهقت الناس وجعلتهم يشعرون بخيبة أمل كبيرة جراء استمرار ملفات المعاناة.

باغته أحدهم ليقول له: «تقول ذلك لأنك وفاقي… مشارك… أما المقاطعون فلهم رأي آخر!» فرد عليه القول: «نعم أنا وفاقي وأقولها علناً… احترم المشاركين الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات… سواء قيل عنهم إنهم شاركوا بقرارهم الذاتي أو بالدفع الترهيبي أو بالتحشيد القسري أو ما شاكلها من أوصاف أصبحت تطلق بشكل يومي في قراطيس مختلفة… وكذلك أحترم رأي المقاطعين الذين لهم موقفهم ورأيهم ونظرتهم، ذلك أن المجتمع المتعدد يجب أن يستوعب كل الآراء».

وكان سعيداً جداً بقوله إن كونه وفاقياً أو مؤيداً للوفاق فإن ذلك (لا يعتبر تهمة تجلب العار كما يظن البعض ويعتقد)، بل ويشعر بالفخر لأن «الوفاق» أثبتت وطنيتها وحرصها على مصلحة الوطن وقيادته وشعبه بهذه المشاركة التي تقدم تأكيداً على أسلوب (المعارضة العاملة داخل النظام) بكل قوة وجدارة… واستطاعت أن تسقط آثار كل الحملات التي استهدفتها طيلة سنوات مضت للنيل من شعبيتها وللتشكيك في انتمائها ودورها الوطني الكبير، ولا تزال تستهدفها بعد فوزها ولكن بكلام جديد هذه المرة يناسب مرحلة ما بعد الفوز… ولم يغفل المواطن المرهق أن يوجه التهنئة للوفاقيين والمستقلين وللمنبريين وللأصالة ولمن فاز ولمن لم يفز… ولكل من شارك وقاطع الانتخابات، لأن الجميع أعطوا صورة حقيقية لحالة التعدد في مجتمع صغير ينتظر الكثير من العمل لرسم مستقبل البلد.

سامي النصف

نطق واجب التنفيذ والتطبيق

من قوانين الطبيعة المعروفة ان من يقف على رأس قمة جبل يرى أكثر مما يراه من هو جالس على سفحه، ولا شك أن القيادة السياسية ممثلة في صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد ترى ضمن موقعها بالمسؤولية ما قد لا يراه الآخرون، لذا يجب اعتبار ما أتى في النطق السامي لسموه وخطابي سعادة رئيس مجلس الأمة وسمو رئيس مجلس الوزراء على أنها خطابات واجبة التنفيذ لا كلمات بروتوكولية ينتهي أثرها بانتهاء افتتاح دور انعقاد مجلس الأمة.

فما أتى في النطق السامي «ان مصلحة الكويت هي ملتقى أهدافنا وحمايتها منتهى غايتنا وآية حبها ان نصون وحدتها ونحافظ على مكتسباتها» و«تظل مصلحة الوطن دائما في المقام الأول وقدرنا ان نحرص على نظامنا الديموقراطي حتى لا يتحول إلى أداة هدر لمقومات هذا البلد ومقدراته وقد جاء الدستور حاضنا لهذه الديموقراطية مبينا بأحكامه اختصاص كل سلطة وحدودها، وكل تجاوز على هذه الأحكام هو تجاوز على الدستور نفسه وتعد لا يخدم المصلحة العامة»، نعم ان الحفاظ على الوطن من الفتن هو الأصل في كل تحرك كما ان الحفاظ على الديموقراطية يعني التمسك بمبدأ فصل السلطات وعدم تعدي إحداها على الأخرى.

وسلط النطق السامي الضوء على «ان ما يحوط المشهد السياسي العام من تجاوزات هو موضع استنكار ورفض الجميع ولا يمكن لأي عاقل استبعادها أو تحييدها عن مخططات خبيثة تستهدف الأسس الراسخة لأمننا واستقرارنا»، واضح أننا ضمن منطقة تفتقر للاستقرار الأمني والسياسي وهناك جهات عدة تود ان نتحول إلى ساحات حروب وكالة كما يحدث في العديد من دول المنطقة، والتحصن من ذلك المصير لا يمر بالنوايا الحسنة بل بالاستماع لكلمات الحكمة التي أتت في النطق السامي والالتفاف حولها.

وتوجه الخطاب السامي لمستقبل البلاد عبر الخطط التنموية التي اقرها مجلس الأمة وضرورة التعاون والرقابة «الايجابية» نحوها، كما بين ان الهدف من التنمية يتمثل في إعداد الشباب الكويتي القادر على تحمل المسؤوليات، فهم الثروة الحقيقية، كما حذر الخطاب من خطورة الإعلام غير المسؤول وقضية اللجوء إلى الشارع الذي يعتبر خروجا عن أصول اللعبة الديموقراطية التي يجب ان تمارس تحت قبة البرلمان لا خارجه فمن يحرك الشارع لن يستطيع التحكم في مساره بعد ذلك لينتهي الأمر في العادة بالفوضى والانقسام والدمار الذي يسمح للآخرين بالتدخل في شؤوننا.

وقد أتى خطاب سعادة رئيس مجلس الأمة والخطاب الأميري لحكومة سمو رئيس مجلس الوزراء متناغمين مع النطق السامي، محذرين مما يجري في البلد من ضرب للوحدة الوطنية وداعيين لتعزيزها كي تسير قاطرة الكويت سريعا إلى الأمام.

آخر محطة:

الشكر للدكتور الخلوق يعقوب الرفاعي على ما قدمه من جهد في إدارة المعهد التطبيقي والتهنئة للدكتور الكفء عبدالرزاق النفيسي على تحمله المسؤولية في الفترة القادمة حيث انه خير خلف لخير سلف.

 

احمد الصراف

الصبي المالاوي وغوانتانامو

ضرب الجفاف ملاوي قبل سنوات وتسبب في موت الآلاف، وعاش «كامكوامبا» وعائلته لسنوات على وجبة واحدة، بعد أن فقد والده عمله الزراعي، لكن وسط كل هذا القحط والجفاف كان هناك أمل، فبعد أن طرد الفقر «كامكوامبا»، من مدرسته، لعجزه عن دفع الرسوم السنوية التي لم تتجاوز 80 دولاراً فكر في عمل شيء يغير به وضعه، وطالما أن هناك من أنتج الكهرباء بقوة الرياح، فسوف يحاول القيام بالشيء نفسه، فليس هناك أكثر من الرياح في منطقته! ولعدم وجود شيء آخر يقوم به فقد أصبح يقضي وقتاً أطول في مكتبة القرية، حيث جذبت صور الطواحين التي تنتج الكهرباء انتباهه، فقام، متسلحاً بالصور وبما يعرفه صبي في الرابعة عشرة من العمر، بالبحث في مزابل القرية وساحات قطع الغيار المستعملة عما يمكن أن يفيد في صنع طاحونة تشبه ما شاهده في الكتب من صور، وهناك عثر على قطع دراجة هوائية وخراطيم بلاستيك ومروحة تراكتور وبطارية سيارة وبعض الأسلاك الكهربائية. ومن خشب شجرة صمغ صنع برجاً عالياً لحمل أول طاحونة هواء، مستعيناً بآلات ومعدات بدائية في تركيب الشفرات والتوصيلات الكهربائية. ويقول إنه تعرض لسخرية شديدة من الجميع تقريباً، وظن البعض أنه مجنون أو أن الجن قد تلبسه، ولم تتوقف الانتقادات حتى أخبرهم أنه يجمع القطع للتسلية وليس لتوليد الكهرباء!
كان ذلك في عام 2002 والآن يمتلك «كامكوامبا» خمس طواحين هواء، يزيد ارتفاع إحداها على 12 متراً، ويقوم بتوليد الطاقة الكهربائية لبيته ومدرسته القديمة وجهات أخرى، كما أصبح في إمكانه ضخ المياه لمدينته، وأصبح البعض يزور بيته لشحن بطاريات هواتفهم النقالة لعدم وجود مصدر طاقة آخر، ويتوقف آخرون للاستماع إلى موسيقى الريكي الصادرة عن سماعات مذياعه الذي يعمل بالكهرباء.
يبلغ «كامكوامبا» الآن الثانية والعشرين من العمر، ويتلقى التعليم المجاني في جنوب أفريقيا في «الأكاديمية الأفريقية للقيادة»، التي تشتهر بتميزها. كما أصبح شخصية دولية في مجال البيئة، وقام نائب الرئيس الأميركي السابق، (آل غور)، المعني بصورة كبيرة بقضايا البيئة، بتوجيه الشكر العميق له، كما دعي «كامكوامبا» إلى العديد من المؤتمرات لشرح تجربته لرجال الأعمال. وفي زيارة له لمدينة «بالمزسبرنج» بكاليفورنيا، شاهد للمرة الأولى طاحونة هواء حقيقية، بكل ضخامتها وعلوها، والتي جعلت من الطاحونة الموجودة في فناء منزله الخلفي بهيكلها الخشبي الفقير واهتزازها الدائم كاللعبة المشوهة!
كما قام «بالي ميللر» أحد مراسلي «الأسوشيتد برس» بوضع كتاب عن «كامكوامبا»، بعنوان «الصبي الذي سخر الرياح»، بعد سماع قصته. وقال إنه عاش في قرية الصبي لأشهر عدة، وان الموضوع كان تغيراً منعشاً، مقارنة بأخبار الحرب في أفريقيا التي دأب على تغطيتها. وقال إن هذا الصبي هو جزء من جيل أفريقي لا يود الركون والانتظار لما ستقوم به حكوماتهم، أو ما ستقدمه لهم منظمات الإغاثة والعون، حيث أصبحوا ينتهزون الفرص ويستغلون التكنولوجيا لحل المشكلات التي تواجههم، وأن أكاليل الغار التي حصل عليها لم تثنه عن الاستمرار في البحث.
ولو قارنا قصة هذا الصبي المعدم، الذي لم يمتلك قط مالاً ولا علماً، وسلاحه الوحيد بعض الصور من مكتبة القرية، واستطاع بالرغم من ذلك أن يكون شخصية عالمية من خلال معجزة توفير كهرباء وماء مجاني لأهالي منطقته من لا شيء، بما قام به شبابنا المتخم بـ «العلم» والثروات من تخريب وتدمير للعقول والممتلكات والأرواح، وليتحول بعضهم لشخصيات عالمية من خلال معتقل غوانتانامو!

أحمد الصراف