احمد الصراف

أيها الغافلون فوق التراب (1/2)

تعتبر فارس أول امبراطورية في الشرق، وربما في التاريخ، ولكنها لم تعرف الاستقرار السياسي إلا على يد قورش الكبير عام 500 ق.م. وكانت لأكثر من الف عام تدين بالزرادشتية قبل ان يطيح المسلمون العرب بنظام حكمها ودينهم في الفترة من 656/633 م ليخضعوا للأمويين، ثم العباسيين، قبل ان يعود الحكم لهم لتصل الى الصفويين في 1501، والذين قلبوا مذهب الدولة السني الى الشيعي، لينتهي حكمهم عام 1722، ويأتي بعدهم الافشار، والزنديون، ثم القاجار الذي حكموا حتى 1925 عندما استولى الضابط رضا خان على الحكم، واطلق على نفسه لقب «بهلوي»، وهو اسم اسرة حاكمة قديمة، وليغير اسم فارس الى ايران، انسجاما مع شوفينيته، لان الاسم مشتق من «آريون» وتعني «الجنس الأكثر نقاء»، والذي اطلقه هتلر بعدها على عرق شعبه وصنف العالم من تحته.
وقد عزل الحلفاء رضا شاه بعد الحرب العالمية الثانية، ونصبوا ابنه محمد رضا على عرش الطاووس، ليطرده الخميني عام 1979، ويؤسس جمهورية اسلامية، ويطبق نظام ولاية الفقيه.
خلال هذه الفترة، وحتى مجيء الخميني، طرأت تغييرات عدة على طريقة عيش الايراني، من لباس وتصرف وطعام، وطال التغيير التقويم الفارسي وطريقة كتابة الارقام، كما استبدلت الأحرف الفارسية القديمة، «بهلوي»، بالأحرف العربية، ولكن كل تلك التغيرات حدثت بلمسة فارسية واضحة، فبالرغم من ان اللغة الفارسية دخلتها كلمات عربية عدة، فانها حافظت على تميزها بالابقاء على حروفها الاربعة الاضافية التي لا تعرفها العربية، كما استمر الشعب الايراني في الاحتفال بأعياده الوثنية والزرادشتية القديمة، والتي اوقف النظام الحالي الاحتفال بها، ولو بصورة مؤقتة، اما التقويم فقد اختاروا ان يكون هجريا وشمسيا في الوقت نفسه، فالأشهر شمسية وفق تقويم وضعه عمر الخيام، اما السنة فهجرية وتعادل 1431 لدينا.
وخلال فترة حكم المغول، كانت اللغة الفارسية لغة القارة الهندية الرسمية، وبقيت متداولة في كشمير حتى عام 1900، كما كانت لغة رسمية في تركيا لبعض الوقت، واليوم يتكلم بها 130 مليون نسمة في افغانستان وطاجيكستان اضافة لإيران، وبسبب كبر مساحة ايران (1648000 كم 2) فهي تجاور باكستان وافغانستان وتركمانستان وارمينيا واذربيجان وتركيا والعراق والخليج العربي (الفارسي) وخليج عمان، وقد تأثرت ايران بها جميعا، ولكن تأثيرها عليها لغة وعادات وتقاليد ودينا ومذهبا وفنا كان اكبر بكثير. ويبلغ عدد سكانها ثمانين مليونا وجميعهم مسلمون، عدا 2 – 3 في المائة مسيحيين ويهود وبهائيين وزرادشتيين.
ويعتقد غالبية مؤرخي الاسلام ان المجتمع الايراني في بداية القرن السابع كان آيلا للسقوط بسبب انتشار الفوضى والفساد فيه قبيل الغزو العربي، وان الفرس رحبوا بالجيوش الاسلامية، ولكن آخرين يعتقدون العكس، ان الايرانيين حاربوا العرب بشراسة، وعندما انهزموا وجهوا جهودهم نحو احتواء الاسلام بطريقتهم الخاصة ومعارضة النفوذ العربي الثقافي، ونجحوا الى حد كبير في فرض اساليبهم وطرق معيشتهم المرفهة على الغزاة، بالرغم من تضارب مشاعر الكثيرين، فقد وجد فيه البعض الرحمة والخلاص من الضياع الديني، والاستدلال على الايمان الصحيح، فيما رآه آخرون امرا مهينا واستسلاما لقوى غازية، وكلتا وجهتي النظر، وفق قول المؤرخ والفيلسوف برنار لويس، صحيحة. ويقول كذلك ان ايران بالرغم من تقبلها الاسلمة، فانها رفضت «التعريب»، فبعد فترة صمت او خمود، خرجت بنسخة مختلفة من الاسلام، ولكن من دون الخروج عن مبادئه، بحيث اضافت كثيرا له ثقافيا وسياسيا وحتى دينيا، وهذا النوع المعدل من الاسلام، الاكثر تسامحا من العادات والتقاليد المحلية، هو الذي انتشر بعدها في تركيا ودول آسيا الوسطى والهند وافغانستان، كما لا يمكن تجاهل دور ايران الحيوي في الثقافة والعلوم الاسلامية وتأثيرها البالغ في كل حقل، بما في ذلك الشعر العربي، والذي نحل فيه الشعراء الايرانيون باللغة العربية الشيء الكثير، وأصبح تأثيرهم كبيرا الى درجة اطلق عليه برنار لويس وصف «الاسلام الاعجمي»، وهو الذي تقبله غير العرب بترحاب اكبر، عوضا عن الاسلام العربي الاكثر تشدداً، والاعجمي هنا تعني غير العربي، وليس الفارسي فقط، كما يشاع خطأ.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

ياسر.. والخيانة العظمى

عندما طعن «ياسر» في شرف الرسول، صلى الله عليه وسلم، وشكك في عصمته ثارت ثائرة المسلمين من سنة وشيعة انتصاراً لدينهم ولعرض نبيهم عليه الصلاة والسلام، كما فعلوا في ردة فعلهم على تصرفات المعتوه قس فلوريدا الذي اعلن عن نيته حرق نسخ من المصحف الشريف!! ومع هذا قلنا ان امره الى الله ينتقم منه يوم القيامة وذلك لعدم وجود حكم شرعي مطبق في البلاد بشكل سليم، الا ان «ياسر» هذا قام بفعل شنيع آخر عندما طالب بانشاء دولة شيعية في منطقة الخليج العربي تقتطع اجزاء من شرق الشقيقة المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وجنوب العراق!! فهو بهذا الاقتراح احرج الكويت- وهو احد ابنائها- مع جيرانها، مما حدا بالسعودية والبحرين لتقديم اعتراضهما على ما قال، بل ان باقتراحه هذا مسح بلده الكويت الذي ينتمي اليه من الخريطة واعلن في تصريح خطر انه سيدخلها فاتحا!! لهذه التصريحات طالب البعض من الغيورين على دينهم ونبيهم وبلدهم بمعاقبته بسحب جنسيته باعتبار ان ما قام به يعد من الخيانة العظمى للبلاد، وايضا عمل عملا يهدد الأمن القومي بتعكير صفو علاقة الكويت مع جيرانها، واتمنى ان اسمع رأيا قانونيا مختصا في هذه الجزئية، خصوصا ان سابقة سليمان غيث ما زالت في اذهاننا!! وبهذه المناسبة اشكر الاخوة الشيعة العقلاء – وما اكثرهم- الذين تبرأوا من فعل هذا الزنديق وبرأوا أم المؤمنين من اتهاماته الشنيعة، علما بان براءتها نزلت من سابع سماء قبل 14 قرنا من الزمان «والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات اولئك مبرأون مما يقولون» صدق الله العظيم.
>>>>
تعليقا على ما كتبه البعض بشأن سماحة الاميركان والغرب مع الدين الاسلامي في قضية معتوه فلوريدا ومطالبتهم بمراعاة مشاعر المسيحيين مثل ما نطالبهم نحن بمراعاة مشاعرنا!!
أقول، نحن كمسلمين نحترم الأديان السماوية، ولم يحدث ان طالب مسلم عاقل بحرق الانجيل مع ادراكنا ان انجيل اليوم محرف عن الانجيل الذي انزله الله على عيسى عليه السلام.
نحن كمسلمين نؤمن بان عيسى نبي الله ورسوله ونؤمن بان الله انزل عليه كتابا مقدسا ونعتبر الايمان بعيسى والانجيل من مستلزمات الايمان بالله تعالى «آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله» صدق الله العظيم.
البعض الآخر استكثر على المسلمين ردة الفعل القوية لقضية يعتبرها «تافهة»، ونقول ان ردة الفعل هذه مطلوبة لردع من قد تسول له نفسه بالتعدي على دين الله، فان سكتنا اليوم عن هذا الامر فسنجد غدا من عظائم الأمور ما لم نتمكن من صده ورده.

(لفتة كريمة)
قال تعالى: «ان تنصروا الله ينصركم»
فما احوجنا الى نصر الله في هذه الزحمة من الهزائم المتتالية!!

مبارك فهد الدويلة

محمد الوشيحي

زعماؤنا الأتقياء… بركة

الأوروبيون واليابانيون والأميركان بطبيعتهم لا يعتمدون على الخدم، وليس لعماراتهم التي يقطنونها حراس. قد تجد رجل أمن، أو رجال أمن على مدخل البناية، لكنك لن تجد "عم زينهم" بجلابيته وعمامته يمسح الدرج ويسكن في بئر السلم، وروح يا عم زينهم للسوبر ماركت، وتعال يا عم زينهم شيل وحط.

وقبل نحو أسبوع، اصطحب الرئيس الألماني كريستيان فولف زوجته وراحا يبحثان عن حضانة يضعان طفلهما فيها، ليقضي هناك الفترة الصباحية، أثناء انشغالهما في وظيفتيهما، كحال غالبية الألمان، لكنهما لم يجدا مقعداً للطفل، فسجّلا اسمه في قائمة الانتظار، فراحت الصحف تسخر منه: "كاك كاك كاك تستاهل أنت وحكومتك التي لم توفر حضانات بعدد كاف"… ورغم "بروتوكولية" منصبه فإنّ الصحف سنّت رماحها "وزعْفَرَت" خيلها وشنّت عليه غاراتها الساخرة إلى هذه اللحظة.

وقبل نحو سنة، فقدت المحللة الاقتصادية "سوزان شميت" ابنة مستشار ألمانيا الأسبق (أي رئيس الوزراء) هيلموت شميت وظيفتها الصحافية بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، فبحثت عن وظيفة أخرى، وبحثت، وبحثت، فأعياها البحث، فألّفت كتاباً أسمته "سوق بلا أخلاق"، فرزقها الله من حيث لم تحتسب.

وفي أميركا، عجز صاحب المنصب الأكبر في العالم، الرئيس الأميركي باراك أوباما، عن الحصول على فيزا لعمّته كي يدخلها أميركا ويتولى رعايتها وعلاجها.

ولو لعب أحد الرئيسين، الألماني أو الأميركي، بذيله واستخدم نفوذه بصورة غير قانونية لأخذ على قفاه الكريم، ولعلّقته الصحف من كراعينه، ولضحك عليه المارة وعابرو السبيل إلى أن يتساقطوا على ظهورهم وجباههم وجنوبهم… معلش، أنت تتحدث عن شعوب لها كبرياؤها وأنفتها وشموخها المرعب، وتتحدث عن قانون له أشناب وهيبة مخيفة. وإن كنت "ناسي" أفكرك بما فعله الفرنسيون في رئيسهم ساركوزي، الذي تهوّر ومنح ابنه جان، رغم أحقيته وأهليّته، منصب محافظ مدينة "لاديفانس"، وقد كتبتُ عن هذا سابقاً في هذه الجريدة، وكتبتُ عن مانشيتات الصحف الفرنسية وكاريكاتيراتها الساخرة في مقالة بعنوان "البطيخ أحلى من التفاح". ابحث عن المقالة إذا كان الأمر يهمك، وستجدها في أكثر من مئة موقع عربي، لتكتشف شدة عطش العرب.

وفي بلداننا العربية، حيث يتشدق الزعماء بالدين وتعاليم الدين والحلال والحرام، وتلتقط الكاميرات صورهم في صلاة العيد (أخذتُ جولة على الصحافة العربية ثاني أيام العيد فهالني منظر صور الزعماء العرب الأتقياء وهم يتصدرون الصفوف الأمامية في المساجد، فضحكت وضحكت وضحكت حتى جفت دموعي)، أقول، في بلداننا المتديّنة يفعل سكرتير الوزير (لم أقل الوزير ولا الرئيس) ما لا يفعله باراك أوباما وساركوزي وميركل مجتمعين، فتطأطئ الصحف ويركع الصحافيون، فيعارض صحافي "مقرود" فتتهمه "صحافة هياتم" بالخيانة وقلة الأدب والتطاول على سكرتير وزير ولاة الأمر… هاهاها.

وفي اليابان، اخترع العلماء أثاث بيت تكنولوجياً متعدد الاستخدامات، فاخترع زعماؤنا المسلمون ديناً متعدد الاستخدامات، فهو مرّة قناع، ومرة "بشت"، ومرة عصا، ومرة إبرة مخدر، ومرة حبل مشنقة، ومرة مفتاح خزينة… أعز الله دينه عنّا، نحن المسلمين، وعن صحافتنا الراقصة.

حسن العيسى

لستم وحدكم الكويت

لا جديد غير شريط أولياء الدين والعادات والتقاليد، يعيدون ترديده مرة ثانية وثالثة… وألف مرة، من دون ملل ولا تعب، ولا يتركون للبشر حتى فسحة صغيرة يتنفّسون منها، يستلذّون تماماً في جَلْدِنا بالملل وتفاهة قضاياهم الكبرى حين يتدخلون في أدقِّ خصوصيات الناس، يحشرون أنوفهم في أبسط حقوق خلق الله، ويصدرون أحكام الإدانة الاجتماعية من غير سماع أقوال المتهمين المبتلين بهم. صاروا قضاةً من دون قانون ولا عدالة، فهم ليسوا مشرّعين فقط، بل قضاة وفقهاء وعلماء دين وأساتذة في علوم الاجتماع، وهم الآباء الأوصياء علينا نحن القُصَّر المشمولين برعايتهم وعصيّهم حين ترتفع إلى الأعلى وتهوي على ظهورنا من دون رحمة، فهم وسطاء الرحمة وهم من لديهم مفاتيح أبواب الحلال والحرام، الجائز وغير الجائز، هم "لويس الرابع عشر" بعباءة التقوى الدينية والتزمّت الاجتماعي، فهم الدولة والدولة هي هم.
خبر بسيط فتح شهية الأولياء من بعض نواب الأمة ليلتهموا منه قضيتهم "وحقوق" الولاية التعيسة المفروضة علينا…!
تم "ضبط" عسكري وعسكرية في وضع "مثير" بسيارة مظلّلة النوافذ بأكثر من ظلال هذه الثقافة التي ننهل منها، وركض النائب محمد هايف معايراً وزارة  الداخلية وشامِتاً بها ومذكِّراً إياها بنصائحه وتحذيراته السابقة بعدم التزام الشرطة النسائية "أصول اللباس الشرعي"! والود وده وود غيره من جماعته أن يقول لهذه الوزارة وبقية مؤسسات الدولة: لماذا تعمل النساء أساساً؟ ولِمَ لا "يقرن في بيوتهم" يجتررن عطالة الفكر وبطالة الفراغ وينتظرن الرجال القوامين عليهن للقيام بالواجب المفروض؟ هل اللباس العسكري "للمتهمَين"، وهما متهمان قبل حكم القانون، يعد سبباً قاطعاً لتحصينهما من الخطأ أو "الخطيئة" كما يريد حضرة النائب؟ فهل سمعتَ دفاعهما؟ وهل عرفتَ ظروفهما، وهل قطعتَ بحكم الإدانة وفضح خلق الله من غير داعٍ…؟
ماذا تركتَ لهما يا حضرة النائب من دفاع وبيان حقيقة ما حدث، وهل ستستقيم أخلاق المجتمع من جريرة "العصاة" حين مسكت أبواق الفضائح تنفخ بها لهيباً حارقاً على الأفراد بعدما حدث…؟ وهل سيصير مجتمعنا هو الكامل وجمهورية أفلاطون الفاضلة حين تقلبه إلى قندهار ثانية…؟
الأبطال الأولياء هنا في "جريمة الفعل الفاضح المخل بالحياء العام"، هم ذواتهم الأبطال في رغاء ياسر حبيب ونبشه تاريخ الفتن! نسي أبطالنا أن الدولة الكويتية لم تعد هي الدولة سابقاً قبل "تحرير" العراق وقبل قيام الثورة الإيرانية، كانت الكويت تعيش "قليلاً" من التسامح الاجتماعي، وقليلاً من التسامح الديني، لكنها لم تعرف في تاريخها -على عكس ما يتصور الحالمون بالماضي "الليبرالي"- متسامحةً في أساسها… لكن اليوم وببركات الأولياء ومفسّري الأحلام ومروّجي حبة البركة ونجوم حلقات الوعظ الديني في تلفزيونات الإعلانات الفجة وأسواق الاستهلاك، أضحت على شفا الهاوية الطائفية، وقرب بداية الحروب الدينية، بعد أن كُرِّست ثقافة عنوانها الكبير "نحن وحدنا أصحاب الحقيقة المطلقة، ونحن وحدنا الناجون من النار والبقية في جهنم وبئس المصير…".
ليتكم قرأتم تاريخ "الحروب الدينية" أو حرب المئة عام في أوروبا العصور الوسطى، وهي حرب القوميات المتشظّية والعصبيات الدينية بعد ظهور مارتن لوثر ونشر البروتستانتية في أوروبا.
ليتكم تتابعون ما جرى ويجري في العراق وقبله في لبنان واليمن وباكستان والصومال… هل سنتحول إلى صومال جديد أم يمن تعيس…؟ ارحمونا يا ناس وارحموا هذا الوطن… وكلمة شكر أقولها لرئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الأمة، فقد كانا أكثر وعياً وأكثر حصافةً وإدراكاً لحكم القانون من نواب الأمة في تصريحاتهم بدعوات سحب الجنسية عن ياسر حبيب… ركدوا أنفسكم وركدوا ناخبيكم، فلستم وحدكم الدولة ولستم وحدكم الكويت.

احمد الصراف

الشكر للقس الأخرق

عندما التقيت المرحوم أحمد البغدادي لأول مرة، كان ذلك بعد التحرير بسنتين، سألته عما يدفعه إلى الكتابة، فقال باختصار شديد: لإبراء الذمة! ومنه تعلمت ذلك، وهنا أكتب اليوم لأبرئ ذمتي، فنحن أحوج ما نكون، كأفراد ومجتمعات، إلى أن نقوم بذلك، ونصرح بما نعتقده أنه الصواب، حتى ولو لم يعجب ذلك البعض منا، فالشرور في العالم لم تحدث فقط لوجود أشرار، بل وأيضا لأن غيرهم اختار الصمت، وفي هذا السياق تعتبر قصة القس الألماني مارتن نيموللر، الذي توفي قبل ربع قرن عن 92 عاما، الأشهر في هذا المجال. كان نيموللر ناشطا اجتماعيا ألمانياً يميل للمحافظة، وبالرغم من أنه أيّد النازية في بداية حياته، إلا أنه اختلف معها تاليا، وأسس كنيسة «الاعتراف» التي عارضت تحويل ألمانيا للإيمان بالفكر النازي، خاصة ما تعلق بسمو الجنس الآري، وقال انه ادعاء لا يتفق والقيم المسيحية، وقد عانى كثيرا نتيجة مواقفه، ونجا من الموت بأعجوبة، ولكن قضى 8 سنوات صعبة في معسكرات الاعتقال النازية حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث أبدى بعدها أسفه الشديد لعدم قيامه بفعل ما يكفي لمساعدة ضحايا النازية، وقد غير فكره الوطني، وأصبح أمميا أكثر ومناوئا للحروب، وداعيا إلى نزع أسلحة الدمار الشامل. وعلى الرغم من مواقفه من النازية، فإن البعض رأى فيها انتهازية واضحة، فهو لم يتحرك إلا بعد أن هاجم هتلر الكنائس! ما يهمنا من سيرة الرجل ما قاله بعدها، والذي اعتبر ابلغ ما قيل في موضوع إبراء الذمة، وعدم السكوت عن الخطأ: «… لم اشعر بارتياح كبير عندما تعرض الشيوعيون في ألمانيا للهجوم والتصفية من قبل النازيين، ولكني لم أحرك ساكنا، فلم أكن على أي حال شيوعيا. وعندما داروا على الاشتراكيين لم أفعل شيئا أيضا، ثم اتجهوا بهجومهم وتخريبهم وسيطرتهم على المدارس والصحافة واليهود وهكذا، وكنت خلالها أشعر بالضيق، ولكني لم افعل شيئا، ثم بدأوا بمهاجمة الكنائس، وكنت قسا لاحداها، وهنا قررت التحرك والاعتراض، ولكن هنا لم يتبق أحد ليقف معي في محنتي، فقد تحركت متأخرا جدا». اليوم، لو نظرنا لكل ردود الفعل الغاضبة التي صدرت عن العالم الإسلامي والمظاهرات وحرق الأعلام الأميركية والتهديدات بقتل المسيحيين وتخريب مصالحهم، بسبب ما أبداه قس أميركي أخرق من نية في حرق نسخ من القرآن، لتبين لنا كم الحساسية المفرطة التي أبديناها تجاه ذلك الحدث، وكيف أن القرآن عزيز على النفوس وجدير بالتقدير، ولكننا وطوال عقود وقرون لم نكتشف، أو ننتبه، أو حتى نشك بأن للآخرين أيضا كتبهم ومقدساتهم وآلهم وأصحابهم، ولو بمفهومهم الخاص. وإن كانت مبادئ حرية القول والنشر في البلاد الغربية تسمح لوسائل إعلامهم والغير بانتقاد رموزهم الدينية، أو التعامل باستخفاف مع كتبهم المقدسة، فهذا لا يعني أن مشاعرهم جميعا متساوية، فالغالبية ترى عكس ذلك وتؤمن بقداسة شخصياتهم الدينية، ولا يزال الإنجيل هو الذي يؤدى القسم عليه في المحاكم الغربية من دون استثناء، وفي مراسم تنصيب الرؤساء وكبار مسؤولي الدولة. كما نجد نسخاً منه في كل غرفة من فنادق أوروبا وأميركا، وبالتالي إذا أراد المسلمون، والجهلة المتعصبون منهم بالذات، وما أكثرهم، من الآخرين احترام مقدساتهم، فعليهم احترام مقدسات هؤلاء وشجب وإدانة كل تعد عليها، فكم من هؤلاء دان تفجير تمثالي بوذا في أفغانستان، واعترض على حرق كتب المسيحيين واليهود في شوارع باكستان وشجب، فقط شجب، قتل المدنيين الأبرياء في عديد من الدول الإسلامية لمجرد أنهم غير مسلمين، وماذا عن الشتائم المقذعة التي تصدر عن كثير من أئمة المساجد والقنوات التلفزيونية بحق كل من ليس على مذهبهم. فإذا كانت مشاعرنا رقيقة كالزجاج، فيجب ألا نرمي مشاعر الآخرين بالحجر، وهنا ربما علينا شكر القس الأخرق على فعلته التي لم تتم، لأنها بينت كم تطرفنا ومدى حاجتنا لاحترام الغير ومقدساته!

أحمد الصراف

سامي النصف

بن لادن وصدام ليسا آخر الفرسان

بعد كارثة 11 سبتمبر 2001 التي تمر علينا هذه الأيام ذكراها التاسعة والتي يسميها البعض بأحداث سبتمبر تزييفا للواقع وتخفيفا مما حدث، كحال تسمية هزيمة 67 بالنكسة وغزو الكويت المدمر بالدخول وكأنه باب قد طرق وفتح، التقتنا قناة الجزيرة ومما قلناه آنذاك ان ما حدث زلزال فتح صندوق باندورا للشرور على عالمنا الاسلامي سيطول الزمن حتى يتم غلقه هذا إذا اغلق اصلا ولم يبق جرحا نازفا يكبر مع مرور الزمن.

لقد مرت تسع سنوات عجاف على عالمنا الاسلامي لم نر خلالها من التنظيم الإرهابي الذي قام بذلك العمل الجبان الذي قتل آلاف الابرياء والآمنين وجعل دول الارض تتكالب على أمتنا، الا كل «شر وقر» فمذابح هنا وتفجيرات هناك و99% من الضحايا مسلمون يقتلون من قبل التنظيم بحجة.. الدفاع عن الاسلام والمسلمين!

ومازلت أذكر ردود الفعل الخاطئة والمتعاطفة آنذاك مع فارس الأمة الجديد أسامة بن لادن بعد أن قارب نجم فارسها الآخر صدام حسين على الأفول، وكيف نرتجي الخير من جموع تمجد الطغاة وتعز وتود الارهابيين، وتسير خلفهم بغفلة شديدة ليقودوها من كارثة إلى كارثة ومن فاجعة إلى فاجعة ومن هزيمة إلى هزيمة تصدق ما تسمع وتكذب ما ترى؟!

إن الفكر القاعدي ليس ملاذ الأمة وحصنها الحصين ورجاله ليسوا آخر فرسانها بل هم أشر أعدائها حيث يعملون لتشطير دولنا لا دول الآخرين وخلق الحروب الأهلية فيها، فتفجيراتهم تفجر أوطاننا وتستبيح مواردنا وتخلق لنا أمة من الأرامل والايتام والثكالى، سنوات مرت ومازالت الجراح نازفة ومازال البعض يتردد في إدانة ما يجب إدانته.

إننا بحاجة لوقفة قاسية مع النفس لمحاسبة مضللي ومغرري وخادعي الامة ممن يوردونها المهالك تحت رايات حق يراد بها باطل، محولين احلامها إلى كوابيس وضعفها الى موت عبر نهج خلط الاوراق الذي يجب ان نرفضه جميعا فجريمة قتل الابرياء في نيويورك، وقبلها غزو الكويت، لا تبررها ولا تبرئها أحداث فلسطين فلا يمكن ان يقبل العالم أو أي نظام عربي بمبدأ عدم محاسبة مجرم لوجود مجرم آخر طليق.

آخر محطة:

أخشى أننا بتنا أشبه بأمة تجلس في قطار يقوده جهالها ومضللوها ومتطرفوها الى الهاوية وسط ضجيج اعلامي شديد يزدري العقل ويكره الحكمة، وكل يوم يمر علينا دون تغيير ذلك المسار يقترب بنا من النهاية المحتومة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

سامي النصف

ياسر.. أتاك الرد فهل تتوقف؟!

ظهر الزميل في الإعلام والسياسة، وليس في قضايا الفقه والدين، ياسر الحبيب ضمن لقاء على اليوتيوب استغرق ساعة طالب فيه بالرد بالأدلة والعقل والمنطق على ما قاله بحق أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، ومما ذكره ان الطعن بها ليس طعنا بعرض الرسول صلى الله عليه وسلم، مستشهدا بزوجتي النبيين نوح ولوط عليهما السلام، وان مسمى «حميراء» شتم لها من زوجها كونها سمراء كحال قبيلتها بني تيم ولو كانت بيضاء ـ حسب قوله ـ لوجب تسميتها بالزهراء كحال السيدة فاطمة رضي الله عنها كون العرب يسمون الأبيض: أزهر.

وإليك الرد كما طلبت من إعلامي إلى إعلامي، وأوله الآية الكريمة (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم)، ولا اجتهاد في وجود النص، فلو كان رسول الأمة رأى على السيدة عائشة ما تدعيه لطلقها، وقد سبق له أن طلق إحدى زوجاته طلقة رجعية بسبب إفشائها السر، والطلاق ليس ممنوعا على الرسل (يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) الآية الكريمة، وواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي في بيت السيدة عائشة وفي يومها وبين سَحْرِها ونَحْرها.

وقد أكرمها الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه بعد موقعة «الجمل»، ولو كانت قاتلة الرسول (!) كما يدعي ياسر لوجب على الإمام تطبيق الحد عليها، وقد أتى في الأثر انه أرسل القعقاع بن عمرو ليضرب عنق اثنين من أهل العراق تعرضا للسيدة عائشة وقدحا بها كما يفعل ياسر، فهل نصدق الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم والإمام عليا أم نصدق خريج العلوم السياسية القابع في لندن؟!

أما مقولة ان قذف السيدة عائشة ليس قدحا بعرض النبي صلى الله عليه وسلم أو عرض أشقائها وكانوا من أنصار وشيعة الإمام علي، فواضح في كل الأزمان والعصور ان الطعن بالزوجة هو طعن بالزوج والأشقاء، وهي القاعدة المطبقة بالأمس واليوم والغد على مليارات البشر ومئات الأنبياء والرسل، أما زوجتا النبيين نوح ولوط عليهما السلام فهما ـ إن سلّمنا جدلا بما قاله ـ «الاستثناء» الذي لا تبنى عليه قاعدة، فالقرآن الكريم الذي أدان الزوجتين هو ذاته الذي برأ السيدة عائشة من أكاذيب المنافق عبدالله بن أبي في الآية (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم..) فهل نصدق القرآن أم القول المرسل لياسر؟!

إن المحذور الأكبر من القبول باستشهاد ياسر بالآيات القرآنية المختصة بزوجتي نوح ولوط عليهما السلام للطعن بالسيدة عائشة رضي الله عنها، هو ان يستخدم أي زنديق وكافر الآيات القرآنية التي نزلت في عم الرسول أبي لهب للطعن في الأطهار الأبرار الأنقياء الأتقياء من أهل بيته الكرام.

على أن المفسرين فسروا الخيانة الواردة في زوجتي نوح ولوط عليهما السلام بأنها خيانة العقيدة أي انهما كانتا كافرتين، وليست كما ادعى ياسر!

واللون الأسمر السائد على قبيلة بني تيم ـ إن صدق ياسر ـ ليس حجة ضد بياض وحمرة السيدة عائشة ومن ثم تسميتها بـ «الحميراء» مدحا لا قدحا، فجميع القبائل قديما وحديثا تتعدد ألوان بشرة أفرادها ولا يتم إخراج أحد من نسبها بسبب ذلك التعدد اللوني، كما ان تسمية السيدة فاطمة بالزهراء قد تمت لأسباب عديدة كما ورد في أحاديث الشيعة والسنة وليس بالضرورة بسبب بشرتها البيضاء المعروفة، فقد روي عن الإمام جعفر الصادق انها سميت بالزهراء كونها إذا قامت من محرابها يزهو نورها لأهل السماء والأرض، كما قيل انها سميت بذلك كونها لا تحيض وإذا ولدت طهرت للصلاة وتلك أمور اختصت بها السيدة فاطمة ولم تنسب للسيدة عائشة حتى تسمى بالزهراء، إضافة الى انه ليس من المنطق ان يسمي رسول الأمة صلى الله عليه وسلم زوجته بكنية ابنته.

آخر محطة:

(1) يدعي ياسر الحبيب انه لا يكفّر أهل السنة ومنهم حكام بلده وجيرانه وزملاء دراسته، إلا ان فتاواه وردود أسئلته على موقعه تثبت انه وسّع من تعريف «الناصبي» الكافر حتى شمل جميع أهل السنة فكفّرهم جميعاً.

(2) هل من الوطنية في شيء ما قاله ياسر من دعوة لإنشاء دولة في البحرين تضم لها الكويت؟! وما الفرق بين هذه الدعوة ودعوة احد الدكاترة قبل اسابيع قليلة التي تتنبأ باختفاء الكويت؟!

(3) يدعي ياسر ان السيدة عائشة رضي الله عنها معلقة يحرق جلدها بالنار هذه الأيام، فهل وصلت إليه تلك المعلومة عن طريق ملاك مرسل من الآخرة أم عبر شيطان من شياطين الأرض مليئة يداه بالذهب والفضة لخلق فتنة لن تتوقف حتى تسيل الدماء أنهارا بين المسلمين؟!

(4) لا أكتب عادة في الأمور الدينية لحساسيتها الشديدة، إلا انني رددت ذات مرة على من قدح بالسيد السيستاني، وأرى ان الرد واجب كذلك على من يطعن بعرض النبي صلى الله عليه وسلم وبأمهات المؤمنين.

(5) لقد توقف القس الأميركي عن دعوته لحرق القرآن التي وحّدت المسلمين خوفا على دماء المسيحيين، فهل توقف يا ياسر دعاواك التي تفرق المسلمين وتستبيح دماءهم؟! نرجو ذلك.

سعيد محمد سعيد

وفيات ليلة العيد… نعوذ بالله!

 

حالات الوفاة التي تابعها الآلاف من المواطنين البحرينيين والمقيمين ولربما ملايين الناس من الخليجيين والعرب ليلة العيد، جعلتني شخصياً أربط بين ما حدث من قصص موت مؤلمة في تلك الليلة، وبين ما نعيشه في بلادنا في هذه المرحلة الحساسة، لكن على أي حال، ترسخت القناعات لدي كما هي لدى الكثيرين، بأن الخاتمة لأي أزمة أو معاناة أو ظرف صعب لا يمكن أن تكون (الموت والقضاء المبرم) فقط! عدا ذلك، لا نهاية أخرى (مفرحة) مهما كانت أفق الحل.

أعتقد أن الكثيرين منكم استغربوا الإشارة الى وفيات ليلة العيد، جعله الله عيداً سعيداً على الجميع في هذا الوطن قيادةً وحكومةً وشعباً، من نتفق معهم ومن نختلف… من يحبوننا ومن يكرهوننا، لكن الوفيات – حفظكم الله وأطال أعماركم – هي تلك التي اختتمت بها معظم المسلسلات الدرامية الخليجية الرمضانية… معظم الأبطال ماتوا! وعلى الرغم من أن كتاب القصص والسيناريوهات لتلك المسلسلات من ألمع الكتاب الخليجيين، وأبدعوا أيما إبداع هذا العام وفي الأعوام السابقة، لكن لا أدري كيف تواردت الأفكار لأن تنتهي مسلسلات زوارة خميس وشر النفوس في جزئه الثالث وليلة عيد وكريموه وخيوط ملونة كلها بموت الأبطال… اللهم يا كافي الشر يا دافع البلاء! نعم، عالجت تلك المسلسلات قضايا اجتماعية مهمة، بكل تفاصيل المعاناة والمأساة، لكن حرام عليكم يا جماعة تحزنون الناس في ليلة العيد.

على أية حال، وليسمح لي القارئ الكريم أن أنتقل من تلك الصورة إلى إسقاط على وضعنا في بلادنا اليوم، فعلى الرغم من أن الوضع في غاية الحساسية ويتطلب ما يتطلب من حكمة وضبط للنفس وتعقل في الطرح والمعالجة وتقارب لصياغة الحلول بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات ومختلف الفئات الفاعلة من مسئولين وعلماء دين ومثقفين وصحافة وإعلام، لكن من غير المعقول أن تظهر إلى السطح دعوات مبطنة حيناً وظاهرة حيناً آخر لاقتلاع ما حققته البلاد على مدى السنوات العشر الماضية من تحول ملحوظ – وإن بنسب متفاوتة يراها الناس كل حسب وجهة نظره – في الحراك السياسي والاجتماعي وتدرج في الممارسة الديموقراطية، حتى وكأن البعض يتمنى أن تزداد الأوضاع سوءاً ويتوقف مسار التحول الديموقراطي ودولة القانون والمؤسسات، و(قتل) كل مبادرة أو توجه لإصلاح الأوضاع والحفاظ على اللحمة الوطنية والتواصل بين السلطة والناس.

وسواء اختلفنا أو اتفقنا في التفاصيل، فإن من حق الدولة أن تحافظ على الأمن والاستقرار وصيانة السلم الاجتماعي فللدولة هيبة يجب أن تصان، ومن حق كل من تورط في أي ممارسة مخالفة للنظم والقوانين أن يدافع عن نفسه أمام القضاء، نعم، ونقول أيضاً إن من حق كل مواطن يشعر بأن حقوقه انتهكت وتعرض للقمع والتعذيب والتجاوزات أياً كان شكلها أن يطالب بحقه بالأسلوب القانوني السلمي، ومن حق مؤسسات المجتمع المدني أن تنتقد أي إجراءات غير قانونية ومن حق الناشطين الحقوقيين أن يقوموا بعملهم على أكمل وجه مهما كانت المصاعب، لكن ليس من حق أحد أن يحرق ويدمر ويخرب ويشتم ويلعن ويفرض على الكل منهجه العنيف من جهة، وليس من حق أي أحد أن يضع طائفة أو شريحة أو مؤسسات في قفص الاتهام المطلق من جهة أخرى، ولا يحق لأي طرف أن يشكك في مبادرات علماء أو إعلاميين أو شخصيات لحلحلة الوضع، أو يسخر من مواطنين رفعوا شعار: «نحن أهل سلم»، أو يتمنى أن تزال شريحة بكاملها من المجتمع…

صوت الحكمة يجب أن يكون مسموعاً ومحترماً من جانب الدولة ومن جانب منظمات المجتمع المدني التي تمثل حلقة الوصل مع الدولة، ولا يجب أن ننسى بأننا نعيش في مجتمع متعدد، فإذا كان هناك فئة تؤمن بالعنف وبالتخريب وبالإضرار بالدولة والوطن تحت شعار «الحق»، فهناك فئة أو ربما فئات لا تقبل بهذا المنهج وترفض أن يفرض عليها الآخرون ما يجب عليها أن تعمله وترى في ذلك الأسلوب خراباً للبلاد والعباد.

هذه الأوضاع ستزول بعون الله، لكن حري بالجميع أن يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وأن يكون خطابه وفعاله وصوته نابعاً من مسئولية وطنية، وكلنا ثقة في أن قيادة البلاد الرشيدة، هي أول من يضع مصلحة الوطن على رأس الأولويات

سامي النصف

مشروع ياسر سياسي لا ديني

نكرر ان الدول كالبحيرات، فهناك من هي اشبه ببحيرة ماء بارد لا يهم كم عود ثقاب يلقى فيها حيث انها مجتمعات ترسخ بها السلم والأمن الاجتماعي فهي غير قابلة للاشتعال والانفجار مهما حدث، وهناك بالمقابل مجتمعات ناشئة في طور التكوين اشبه بالبحيرات النفطية التي يكفي عود ثقاب يتمثل بحادثة شتم او تكفير او حتى حادث سير بين اثنين مختلفي الانتماءات لتفجير الوضع فيها.

واضح ان الدعاوى التي قال بها ياسر حبيب ومثلها دعاوى التكفير التي لا تصيب الشيعة وحدهم بل ترسل على اطلاقها من قبل المتطرفين تجاه شركاء الاوطان من ليبراليين ومستقلين وقوميين ويساريين وتنويريين وعلمانيين وصوفيين الممتد تواجدهم من المغرب حتى اندونيسيا، يمكن لها ان تحيل مجتمعاتنا الاسلامية الآمنة الى مجتمعات ملتهبة يضرب بها المسلمون اعناق بعضهم البعض ولسنا في الكويت اكثر ذكاء وحنكة من مجتمعات اخرى تفشى فيها قتال الاخوة وابناء الوطن الواحد، كما حدث في لبنان وفلسطين والعراق ..الخ.

ان مشروع خريج العلوم السياسية لا الحوزة الدينية ياسر حبيب كما اوضح ذلك زميل دراسته وعمله داهم القحطاني هو مشروع سياسي لا ديني يهدف ويسعى من خلاله لهدم اركان الدين الاسلامي عبر الطعن في ثوابته المتفق عليها بين سنته وشيعته وتحريض بعضهم على بعضهم الآخر تحت رايات باطل يراد بها باطل او كلمات حق يراد بها باطل كما حذر من ذلك سيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه.

ان التطرف بالرد والتعميم والحدة هو تماما ما يخدم مشروع «الفتنة الكبرى» الجديد، وبالمقابل فان ما اتى من قبل العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله، رحمه الله، واتباعه ومقلديه وائمة المذهب الشيعي في الكويت ونوابه وكتابه ومفكريه هو الماء البارد الذي سيطفئ تلك الفتنة التي يسعد بها المتطرفون من كل الاتجاهات ممن لن يرضوا ولن يرضى من يقف خلفهم حتى يتحول امننا الى خوف وودنا الى كراهية وعمارنا الى رماد تذروه الرياح.

آخر محطة:

1 – لا علم لدي بما سينتهي اليه مقترح اسقاط جنسية ياسر حبيب وان كانت لدي قناعة بانه لن يرتدع، فما خلق مشروعه ليتوقف عند تلك الجزئية الصغيرة وسنسمع كل عام تكرارا لمثل تلك الشتائم والاقاويل التي تقصد خلق الفتنة بين المسلمين وسنراها قريبا على فضائية تابعة له لا يمكن حجبها فالمال يجري بين يديه لخدمة مشروعه كالانهار والشلالات.

2 – يروى عن الامام جعفر الصادق قوله «معاشر الشيعة كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا، قولوا للناس حسنا واحفظوا ألسنتكم وكفوا عن الفضول وقبح القول»، ونقول بمثل هذا القول لاهل السنة: كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا، وارفضوا وأبطلوا قول من كل يقدح ويشتم في عقائد الآخرين.

3 – نحمد الله على وقف فتنة كبرى اخرى هي حرق المصاحف، تهدف الى اشعال النار بين المسلمين كافة والمسيحيين كافة وعلينا ان نتذكر في هذا السياق ان ذلك القس قام بمشروعه ردا على تشدد البعض منا ورغبتهم في اقامة مركز اسلامي يطل على مبنى التجارة العالمي رغم عدم وجود مسلمين في تلك المنطقة وارض الله واسعة.

 

محمد الوشيحي

سحقاً لأم بندر

عيدكم مبارك…

أحياناً أحسد «العجايز» (أقصد النساء الطاعنات في السن)، فالواحدة منهن اشترت دماغها وحفرت لها بئراً أسمتها «عين الحسود»، وألقت فيها كل ما يسوؤها… ليش الكويت تتراجع وتتقهقر يا جدة؟ عين يا ولدي… خلاص، العين هي السبب، لا علاقة للفساد بالموضوع ولا للمسؤولين غير الأكفاء الذين عُيِّنوا بالترضية والمحاصصة، ولا حاجة إلى تقارير ديوان محاسبة ولا لجان تحقيق ولا ولا ولا، عين وخلاص، وكل واحد يروح بيتهم.

وفشل الدول مثل تساقط شعر منيرة… سببه العين. طيب لماذا لا تراجع منيرة طبيباً متخصصاً، فقد يكون الخلل في بصيلات شعرها؟ لا، هي ستراجع «المطوّع» ليقرأ عليها ويزوّدها بـ»ماء مقري عليه، وزيت مقري عليه»، ويجب ألا تخرج منيرة أمام النساء ذوات الأعين الحارة.

وقبل سنوات، كانت الطائرة في الجو، تحلق بنا إلى أوروبا، عندما لفت نظري، أو لفت سمعي، صوت شخير لم تسمع أذني مثله من قبل، شخير يجمع بين حرفي «الغين والباء»، غبغبغبغب، مصدره امرأة كبيرة في السن تجلس إلى جوار شاب يفصلني عنهما الممر، واضح أنها والدته، فالتفتَ إليّ وتبسّم بخجل: «آسف، شخير الوالدة أزعجك؟»، فتبسّمت له: «عادي، لكن كان الله في عون ركّاب الطائرة اللي تطير جنبنا»، وعلت ضحكاتنا، وعلا شخيرها، فالتفتّ إليه مداعباً: «يبدو أن الوالدة تستعيد أيام الحرب العالمية الثانية، وتشارك في دك معاقل الحلفاء بالقنابل اليدوية»، وواصلنا الضحك، وبدأنا مسرحيتنا، لكن هجومها بالقنابل كان أعلى من صوت ضحكاتنا، وما هي إلا دقيقة، وإذا صوت شخيرها يتضاعف بطريقة مرعبة، لكن هذه المرة مع فواصل «غب غب غب غب»، فشرحت له الأمر: «والدتك حفظها الله، بعد أن أنهت الهجوم التمهيدي بالقنابل اليدوية، دخلت الآن مرحلة الهجوم بالدفعات الذي تعقبه مرحلة الحسم والهجوم البري الشامل»، ورحت أشرح له تطورات المعركة بحسب معلوماتي العسكرية الضئيلة، وطمأنته بأن العدو سيستسلم قريباً…

وشرح لي ابنها القصة: «والدتي لم تنم إلا ساعات معدودة طوال الأيام التي سبقت السفر، لشدة هلعها ورعبها من الطيران، وهذا هو سبب إرهاقها وشخيرها المرعب، وهي مصابة بأمراض عدة، وترفض العلاج في المستشفيات، وتصر على العلاج عند مطوع، وبسببها تركتُ كل شيء وتفرغت للتنقل بها من مطوّع في الكويت، إلى آخر في «الخفجي» إلى ثالث في الأردن، إلى رابع في عُمان، وكل رحلاتنا بالسيارة، إذ ترفض السفر بالطائرة رفضاً قاطعاً…».

ويكمل: «المشكلة هي أنني بعد سنين من اللأي والتعب استطعت إقناعها بالسفر للعلاج في المستشفيات المتطورة، لكنها اشترطت أن تحمل معها أكياس البلاستيك التي تحوي (الماي والزيت المقري عليهم)، فرفض موظفو حماية الطيران ذلك، وصادروا الأكياس لخطورة السوائل على الطيران كما تعرف، فغضبت الوالدة وكادت تتراجع عن فكرة السفر، فطمأنتها بأنها ستتسلم أكياسها بعد الوصول… الله يستر».

أعطيته اسمي واسم الفندق وتوادعنا، وبعد أيام تلقيت اتصالاً منه والتقينا في مقهى، فسألته: «بشرني عن أخبار قائدة الفيلق»، فقال وهو ينتزع كلماته انتزاعاً من بين ضحكاته: «تخيّل، سألتها: يمّه ما رأيك بهذا البلد المنظم وحكومته التي وفرت للشعب هذه الحدائق والمتنزهات وأفضل المستشفيات ووو؟ فأجابتني: ما مرّت عليهم أم بندر»! ويضيف: قالت ذلك ثم توجهت بالدعاء إلى الله أن يحميهم من عينها.

سحقاً لأم بندر ولعينها التي لعبت في حسبة الكويت…