سامي النصف

النار التي تحت الرماد

الفائز الاول في احداث الفتنة الاخيرة هو الحكومة والقرارات السريعة والحازمة التي اتخذتها في منع اقامة تجمعات وحشود طائفية تزيد النيران اشتعالا، وكانت ستؤدي الى مزيد من الفرقة والتشرذم وبدء متوالية اقوال مؤججة ومدغدغة هنا تقابلها اقوال مؤججة ومدغدغة هناك حتى تنقسم الكويت سريعا الى معسكرين او خندقين متضادين تحكمهما العواطف لا العقول ويختطف القرار فيهما المتشددون لا الحكماء، وينتهي الامر بنا كما انتهى في دول كثيرة بالمنطقة الى تفجير وقتل وخطف على الهوية، فلسنا اكثر ذكاء وحكمة وفطنة من اخوتنا في العراق ولبنان والجزائر وغيرها.

ومثير الفتنة هذه المرة مثله مثل من ذهب من متطرفينا ومتشددينا الى تورابورا والشيشان وكوسوفو وجزيرة فيلكا ومكة فهم جميعا ابناء المدارس والمعاهد والمناهج وتربية المجتمع الكويتي وثقافته العامة التي يفترض ان يكون المسار الديموقراطي القائم بها منذ نصف قرن حتى الآن قد شذب وهذب تصرفات من يعيش فيه وعلّمه أن حل المشكلات لا يتم بالتشدد والتطرف والفزعة الجاهلية والتفجير وحمل السلاح بل بالحوار الهادئ والعقلاني الذي هو اهم سمات المجتمعات الديموقراطية، ومن دونه لا ديموقراطية في مجتمع مهما ادعى حواريوه ومفكروه.

أليس مستغربا اننا لم نسمع بمقاتلين او متطرفين اندونيسيين وماليزيين في تورابورا والشيشان وكوسوفو وغيرها، بينما نسمع في الوقت ذاته بمتشددين ومتطرفين كويتيين من سنة وشيعة في كل إشكال يحدث في العالم رغم ان اعدادنا لا تزيد عن مليون نسمة اي اننا لا نقدم ولا نؤخر في حل الاشكالات السياسية العالمية القائمة، وما يفترض من تشربنا لمفاهيم التسامح والتعقل؟!

في الخلاصة ان ما حدث سيتكرر فأعواد الثقاب كثيرة وستبقى النار تحت الرماد ما لم نبدأ بتحويل الديموقراطية من لباس خارجي لامع لا علاقة له بالجسد الى مفاهيم تستقر في العقول والافئدة وتقبل بها النفوس فتحيلنا من مفهوم دولة البحيرة النفطية القابلة للاشتعال في اي لحظة الى مفهوم بحيرة المياه العذبة التي لا تؤثر فيها اعواد الثقاب المشتعلة مهما كثرت.

آخر محطة:

ان كان لإسقاط الجنسية عمن يثير الفتنة فائدة فهي ردعه لمن ينوي مستقبلا السير في طريق اثارة روح البغض والكراهية وتدمير المجتمع، فليس كل من ينوي القيام بذلك يحمل جنسية اخرى حتى يقيد الاسقاط بذلك الامر، والأحكام في كل مكان وزمان يقصد منها الردع ومنع الضرر قبل اي شيء آخر.

 

احمد الصراف

عندما سقطت الخيمة (4/4)

11ــــ محاولة إشراك جميع المواطنين في أسهم الشركات المساهمة الجديدة بهدف توزيع الثروة لن ينتج عنها غير ما نتج عن مساهمات مماثلة، حيث سيقوم الغالبية بالتخلص من أسهمهم عند أول فرصة وصرف الناتج على التافه من الأمور، وبالتالي خلق تضخم غير محمود والتسبب في خلخلة أسرية. ويحتاج الأمر بالتالي إلى تشريعات تمنع بيع الأسهم قبل 5 سنوات، علما بأن البيع المبكر يخلع «الشعبية» عن الخطة.
12ــــ عدم وضوح ما تتطلبه الخطة من أموال، فجهات تقول إن المبلغ يقارب الــ 37 مليار دينار، بينما تقرير غرفة التجارة الذي صدر في 9/5 يقول غير ذلك، وإن حجم الاستثمارات المستهدفة يصل إلى 30 ملياراً، وجزء كبير منه ضمانات وكفالات مصرفية وأموال يضخها الموردون والمقاولون، ولن يكون على دفعة واحدة بل موزعا على سنوات طويلة حسب حجم كل مشروع، وهذا الغموض في مبلغ الخطة يدعو إلى الشك.
13ــــ الشك في الجدوى الاقتصادية لبعض مشاريع التنمية، وهذا سيجعل منها عبئا على الاقتصاد الوطني، ونزفا دائما للمال العام.
14ــــ محاولة مؤيدي التمويل الحكومي أو الموازي للمشاريع، التركيز على نقطة سلبية واحدة تتعلق بارتفاع الكلفة التمويلية من دون النظر إلى معايير الجدوى والملاءمة، وعناصر تحسين ربحية الشركات.
15ــــ شروط الإذعان التي تفرضها عقود الكثير من المناقصات، والتي قد لا تشجع الكثيرين على المشاركة في مشاريع الخطة، مثل رفض البنك المركزي اعتبار حوالات الحق ضمن الضمانات المصرفية، وانخفاض سقف القروض للمدين الواحد، إضافة إلى حاجة المصارف لرفع رؤوس أموالها، أو إصدار سندات ذات آجال طويلة لرفع قدرات المصارف، وتسهيل خلق كيانات مصرفية أكبر، وكل هذا يتطلب الكثير من الوقت.
16ــــ إعادة النظر بصورة شاملة في قانون البناء والتشغيل والتحويل B.O.T ليكون أكثر واقعية وتجاوبا مع الاحتياجات الفعلية، وبالتالي تسهيل إقراض هذه المشاريع، وهذا ما ينطبق أيضا على قانون الخصخصة لمعالجة ما اعتراه من شروط مرهقة نتيجة الضغوط السياسية وتسويات اللحظة الأخيرة.
17ــــ طول الدورة المستندية في ترسية المشاريع، وتأخير صرف دفعات المقاولين.
18ــــ غياب أي معايير واضحة تسمح بتعويض المقاولين عن ارتفاع أسعار المواد الإنشائية بأكثر من نسبة محددة، وخاصة عندما تمتد الفترة الفاصلة بين طرح المناقصة وإرسائها.
19ــــ غموض ضمانات حقوق المصارف المقرضة، إذا ما سحبت الجهات الرسمية المعنية المشروع من المقاول. مع حق هذه الجهات في العودة على المقاول في ذلك، إذا كان سحب المشروع منسجما مع نصوص عقد المقاولة.
20ــــ تنص خطة التنمية على أن نسبة الحكومة في شركات المساهمة لن تزيد على %24 وحصة الشريك الاستراتيجي لن تزيد على %26، ويطرح الباقي للاكتتاب العام، ولكن ما العمل إن لم تتقدم أي شركة، أو إن طالبت بحصة أكبر؟
21ــــ لا تملك هذه الشركات المزمع إنشاؤها احتياطيات من سنوات سابقة، ولن يكون لديها تدفقات نقدية لسنوات عديدة قادمة، وليس لديها خبرات في تنفيذ المشاريع وإدارتها يُحكم على كفاءتها من خلالها، مما يجعل حصولها على تسهيلات ائتمانية وقروض نقدية كافية أمراً صعباً ما لم تحظ بضمانة المال العام. كما أن حصولها على المشاريع لن يخضع لاعتبارات المنافسة العادلة والفرص المتكافئة.
22ــــ وهنا لا نحاول وضع العصي في عجلة الخطة التي لم تتحرك حتى الآن، ولكن دورنا هنا هو التوعية لما يحيط بها من مخاطر، لكي لا تتحول الأخطاء إلى انحرافات خطرة.
23ــــ وأخيرا، يجب أن نتذكر دائما أن الحكومة، وليس المجلس، ولا اي جهة أخرى، هي التي أوصلت البلاد إلى هذا الوضع الاقتصادي والإنمائي المتردي، وهي التي تحاول الآن إخراجنا منه، وبالتالي نعتقد مخلصين أن تدخلها في تنفيذ الخطة يجب أن يكون، في جميع الظروف والمراحل، في حده الأدنى. وليس غريبا أن نقرأ أن %90 من العمارات و%65 من بيوت السكن مخالفة لشروط البناء، بسبب الإهمال الحكومي والفساد الإداري الذي سيمتد حتما الى مشاريع الخطة.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

حدث في 42 ساعة

في 27 رمضان اصدرت الحركة الدستورية الإسلامية بيانا نددت فيه بتصريحات زنديق لندن، ويوم 4 شوال لم يتمكن نائب الحركة وممثلها في البرلمان د. جمعان الحربش من المشاركة في ندوة الفردوس لوجوده خارج البلاد. ويوم 8 شوال أرسلت الحركة معاذ الدويلة عضو المكتب السياسي ليلقي كلمة الحركة في الجهراء عند ديوان الشليمي، الا ان الحكومة ألغت الندوة مما حدا بالحركة الى الدعوة لعقد الاجتماع في ديوان الدويلة يوم 10 شوال، وذلك بعد ان ساءها ما تعذرت به الحكومة من تطبيق قانون التجمعات وأعلنت انها لن تستأذن أحدا!! وفي مساء السبت – اي قبل موعد الندوة بيوم واحد اتصل بي رئيس الحكومة بالنيابة وطلب مني تأجيل اللقاء لمدة 24 ساعة فقط متعهدا بتنفيذ ما يطالب به الناس من عقاب زنديق لندن، فأخبرته اننا إن أجلنا الندوة ولم تصدر قرارات تردع المجرم وتنتصر لأم المؤمنين رضي الله عنها فسنضطر لعقد الندوة في اليوم التالي وفي الزمان والمكان أنفسهما. وفعلاً اجتمعت الأمانة العامة للحركة صباح الاحد وقررت اعطاء الحكومة فرصة لمدة 24 ساعة لعلاج الموضوع، حيث اننا نريد العنب ولا نريد قتل الناطور كما يقولون!! وفعلا التزمت الحكومة بتعهدها للحركة واصدرت قراراً بسحب جنسية الزنديق وفقا للمادة 13 من قانون الجنسية وملاحقته قانونيا. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وتأتي اهمية سحب الجنسية من كونها رادعاً لكل من تسوّل له نفسه الطعن في ثوابت العقيدة الإسلامية في المستقبل، مثل احد الزملاء الخصوم الذي قال عن السيدة عائشة رضي الله عنها في القبس عدد الاثنين الماضي: «فالقضية ليست عرضنا وليست أمنا»!! ولو لم يتم ردع هذا الزنديق لخرج علينا كل يوم زنديق جديد يكره الدين وثوابته كما يكره المسلم اليهودي!!
وقد يقول قائل ان سحب الجنسية ليس له علاقة بحرية التعبير، ونقول ان سحب جنسية هذا الزنديق تمت وفقا للمادة 13 من قانون الجنسية وليس لها علاقة بالفكر المنحرف الذي تبناه، لكن هذا الانحراف نبّه الناس الى بقية أفعاله النكراء مثل مطالبته بمسح الكويت من الخارطة في دولة طائفية!!
ولعل من ايجابيات هذه الحملة ان وحدت مواقف اهل الكويت سنة وشيعة في وجه الزندقة واثبتت ان اهل الكويت غيّورون على دينهم وثوابتهم كما اثبتت ان الشيعة يحترمون الآل والأصحاب وان لأمهات المؤمنين عندهم حظوة وتقديرا وليس كما يشاع عنهم، لذلك اعتقد انه قد آن الاوان لطي هذه الصفحة والتفكير في البناء والتنمية، ونتمنى من الاخوة العلمانيين والمتطرفين من كل الاطراف عدم اشغالنا في قضايا ليست من ثوابتنا ودخيلة على تراثنا، فقد اثبتت الأيام الماضية ان اهل الكويت لن يسكتوا عن الذبّ عن دينهم ورسولهم، صلى الله عليه وسلم.

لفتة كريمة
ما قامت به الحكومة هو انتصار لدين الله واحترام وتعاطف مع مشاعر اهل الكويت سنة وشيعة، ونقول لمن انزعج من هذه الخطوة الحكومية المباركة ان الهجرة الى بلاد الحريات اريح لكم من البقاء في بلد السلف والتلف والتخلف والرجعية كما تسمونها!! ويا حلوها عندنا هي ورجعيتها!!

مبارك فهد الدويلة

محمد الوشيحي

زعماء تحرير الصحف

الكويتيون شعب مبالغ فيه. يحتاج من يتعامل معنا إلى كاتالوج. ولا يضحكني شيء كما تضحكني اجتماعات "رؤساء التحرير"، مع التقدير، التي هي الابنة الكبرى لاجتماعات "القمة العربية"، والتي هي مثل ذاكرتي، لا يعوّل عليها. على أن صورة رؤساء التحرير مجتمعين كانت مفيدة، فقد عرفت أن رئيس تحرير جريدتنا، الزميل خالد الهلال، دقّ الشنب، أو هو خففه بعد أن كان كثّاً غليظاً، ويبدو أنه قرّر التوغل أكثر في الليبرالية والعياذ بالله (تعريف الليبرالية في الكويت هو "دق الشنب")، أقول ذلك وأنا لم ألتقِه منذ أكثر من شهرين. وعرفت أيضاً أن رئيس تحرير جريدة "الراي" الشقيقة، الزميل يوسف الجلاهمة، هو الأطول بين الرؤساء وزعماء الصحافة. وعرفت أن رئيس تحرير "القبس"، الزميل وليد النصف، مستعجل وعلى وجه سفر، كعادته، ولا وقت لديه لترتيب غترته ووضع نظارته في جيبه. وعرفت من خلال نظرة نائب رئيس تحرير جريدة "الوطن"، الزميل وليد الجاسم (رئيس التحرير الزميل خليفة العلي لا يحضر إلا اجتماعات صاحب السمو أمير البلاد فقط، كما أظن)، أقول وليد الجاسم، من خلال نظراته الواضحة في الصورة، يفكر كيف يوفّر كميات هائلة من البنزين، لزوم المرحلة المقبلة، فهذا هو ملعب "الوطن". وعاش "بو خالد" وعاش من قال.

أما رئيس تحرير "عالم اليوم"، الزميل عبد الحميد الدعاس، ذو الابتسامة الشاسعة، فيبدو أنه كان أسعد الحضور في هذا الاجتماع (حديثي كله عن اجتماع رئيس مجلس الوزراء بالنيابة معالي الشيخ جابر المبارك مع رؤساء التحرير)، ولا أدري ما سبب كل هذه الابتسامة المترامية الأطراف على وجه "أبي يوسف" في حين أن الأخ الواقف على الطرف، الذي هو أقصر الموجودين، والذي لا أعرف من هو، كان في حالة تكشيرة مرعبة، "دير بالك عليه بو يوسف".

أما الأخ قبل الأخير، الواقف بجانب الأخ المكشر، فيبدو أنه الزميل بركات الهديبان، رئيس تحرير جريدة "الصباح"، أو الجريدة التي تخصصت في أمرين لا ثالث لهما، مدح سمو رئيس الحكومة الشيخ ناصر، والهجوم على النائب الدكتور فيصل المسلم، وقد قرأتها مرة وتبت توبة نصوحاً.أما رئيس تحرير جريدة "النهار" الزميل عماد بوخمسين، فكان كجريدته تماماً، مبتسماً مسالماً محترماً، في حين أثبت الزميل عدنان الراشد، نائب رئيس تحرير جريدة "الأنباء" أنه "قريب من السلطة"، حتى في الصورة… ويذكرني بالرواية الروسية "الحياة أجمل في الدفء".

ولا أدري أيّ الحضور هو رئيس تحرير جريدة "الدار"، كي أستفسر منه عن سعر البنزين بعد أن استحوذ عليه كله، وترك نائب رئيس تحرير "الوطن" وليد الجاسم في العراء. يالله معلش يا بو خالد… "قزّرها بالقاز"، ومن لم يجد الماء فليتيمّم.

حسن العيسى

حتى يمشون تحت الساس

الحكومة في ورطة، فهي تريد منع التجمّعات "التحريضية" ضد الشيعة والتي تقودها التيارات الدينية السنّية، والقانون لا يسعفها، مع ملاحظة أن تلك التجمّعات الأصولية السنّية تلفق مزاعمَ بأن ما يحدث هو دفاع عن أمِّ المؤمنين من افتراءات الأصولي الجعفري ياسر حبيب، لكن الحقيقة هي أن تلك الجماعات الأصولية وجدتها مناسبة لقمع الجماعات الجعفرية حتى "تمشي تحت الساس"، وكانت ملاحظة الزميل عبداللطيف الدعيج في مكانها عن تصريح الشيخ ناظم المسباح، بأن أمام المرجعيات الشيعية الآن فرصة تاريخية للتبرؤ من كل الكتب والمصادر التي يستقي منها ياسر حبيب…"! وهذه العبارة لا تعبّر عن رأي الشيخ ناظم المسباح فقط، بل هي من أصول فكر مشايخ "قادة الرأي" المتحجّر في الدولة الآن، ولم يكُن ياسر حبيب ولا من هُمْ على شاكلته غير فرصة لدولة الأصوليات السنّية المستترة لترفع أعلامها وتفرض "مذهبها" ونظامها، ليس على الحياة الاجتماعية فقط، كما هو حاصل الآن بالتواطؤ مع نظام الحكم، بل على شيعة الكويت، وإذا لم تكُن عبارة الشيخ ناظم المسباح بدعوته إلى قبر التراث الشيعي سوى محكمة تفتيش حديثة في الدولة، مع ما تحمله من مضامين امتداد "حرب الثلاثين عاماً" الدينية من لبنان والعراق وبقية دول الطوائف والقبائل العربية حتى الكويت.

الحكومة في ورطة كبيرة، ولم تكُن تصريحات وزارة الداخلية عن إعمال قانون التجمّعات موفقة، فلا فرق في المعنى بين "الاجتماعات العامة" كما وردت في المرسوم بقانون رقم 65 والتجمّعات، وحكم المحكمة الدستورية عام 2006 بعدم دستورية المواد 1 و2 و3 و4 من هذا المرسوم، هدَمَ الأساس الذي قام عليه، ولا يصح أن يصدر من وزارة الداخلية ولا من الحكومة تصريحات مثل "بأن هناك ثغرات في القانون مازالت قائمة ويحق للأجهزة الأمنية تفعيلها… فالسلطة مهمّتها إعمال القانون واحترام حكم المحكمة الدستورية، لا البحث عن ثغرات فيه.

الحكومة في مأزق لا تُحسَد عليه، والدولة بكاملها على حافة هاوية، بعد أن غاب العقل وساد التعصب المذهبي. هذا المأزق هو نتاج السلطة التي رعت تلك التيارات الأصولية وتركتها تصول وتجول في الساحة وتحالفت معها قبل عقود طويلة، وهي الآن أمام مواجهة محتملة معها لا تعرف كيف تخرج منها، وخشْيتنا كبيرة أن يُطاح القليل المتبقي من هامش الحريات بسبب "عوير وزوير" السلف.

احمد الصراف

عندما سقطت الخيمة (3/4)

هنا نجد أننا نواجه الملاحظات التالية، وهي غيض من فيض، والتي لا يمكن تجاهلها بسهولة، إن أردنا تجنيب الخطة أكبر قدر من المشاكل والمعوقات:
1 – لا توجد فلسفة واضحة وراء الخطة: هل هي الصرف من أجل التنمية لكي تسير عجلة الاقتصاد، أم تعديل التركيبة السكانية، أم توفير المساكن لعشرات آلاف الطلبات، أم إعطاء التعليم ما يستحقه من اهتمام أم تكليف القطاع الخاص بدور أكبر في إدارة الدولة وتقليص دور الحكومة، أم تنفيع الجميع من خلال خطة توزيع أموال، ومن ثم نترك كل شيء لقانون البقاء للأصلح؟
2 – معروف أن القدرة التنفيذية والاستيعابية لكل أجهزة الدولة والقطاع الخاص لا تزيد في أحسن الأحوال على 550 مليون دينار. وصرف مليارات الدولارات في السنة الواحدة ستنتج عنه اختلالات وتبعات خطيرة على الجميع، وسنأتي لشرح ذلك لاحقا.
3 – يشكو قطاع البناء والتشييد من محدودية عدد شركات المقاولات المؤهلة. كما أن نسبة منها مؤهلة ورقيا فقط، فلا طواقم فنية ولا رؤوس أموال ولا قدرة على إصدار الكفالات لديها، كما يعاني بعضها من ديون مصرفية كبيرة.
4 – ندرة الأيدي العاملة والفنية والإدارية في السوق المحلي، وجلب مزيد من هؤلاء ستنتج عنه إصابة التركيبة السكانية بخلل أخطر مما هي عليه الآن.
5 – ندرة مواد البناء في السوق المحلي ومحدودية القدرة التخزينية في الظروف الحالية، وسينتج عن استيراد ما تتطلبه الخطة من مواد ضغط أشد على طلب المخازن، وارتفاع أسعار المعروض منها.
6 – ضعف قدرة الموانئ على التخليص والتخزين وضعف بقية أجهزة الدولة من جمارك ومراقبة الأغذية وإدارات العمل والهجرة والكهرباء والماء والطرقات على مواجهة تدفق مئات آلاف الأيدي العاملة لتنفيذ مشاريع بأكثر من خمسين مليار دولار في سوق محدود وصغير كالسوق الكويتي. وسينتج عن كل ذلك تضخم خطير قد لا يستطيع صاحب الدخل المتوسط التعامل معه، فكيف بصاحب الدخل الأقل؟!
7 – حاجة الجهة المناط بها حاليا تطبيق الخطة لمصداقية أكبر، فقد صرح الوزير الشيخ أحمد الفهد أن %25 من خطة التنمية قد تم انجازها وتبعه بعد أيام وزير الأشغال والبلدية بالقول إن ما أنجز من الخطة وصل إلى %27 ليصرح بعدهما النائب أحمد السعدون بأيام، ويقول إن ما أنجز لا يتعدى الصفر! والحقيقة أن المشاريع التي تكلم عنها الوزيران سبق وان تم إقرارها ورصد ميزانياتها قبل سنوات، وتم الانتهاء من تنفيذها أخيرا فقط ولا علاقة لخطة التنمية بها أصلا!
8 – من الواضح أن الحكومة، أو من يمثلها هنا، لا يمانع من قيام القطاع المصرفي بعملية تمويل احتياجات الشركات المساهمة الجديدة، مع قيامها بدعم جزء من الفوائد، شريطة عدم التزام المصارف حرفيا بأساسيات العمل المصرفي من تحليل ائتماني ودراسة الجدوى والرهونات والتدفقات النقدية، لأن هذه الأمور بنظرها، ستأخذ كثيرا من الوقت وتؤخر التنفيذ، ورفض البنوك ذلك سيدفع الحكومة إلى أن «تعتقد» بأن فوائد البنوك عالية ومن غير المجدي الاقتراض منها! علما بأن جهات قوية في مجلس الأمة تعارض استخدام المال العام في تغطية الفرق بين ما تطلبه البنوك، وما تقبله الشركات من أسعار فائدة.
9 – خلاف ذلك يعني تدخل الدولة مباشرة في عملية التمويل الضخمة بنسب فائدة متدنية، وتكمن في ذلك خطورة خلق كيانات مالية كبيرة تخضع للتدخلات والتأثيرات السياسية المباشرة في توزيع التمويل والتدخل في تحديد كلفته وشروطه. كما أن إخراج البنوك من عملية التمويل يعني غياب معايير التمويل الجيدة ودراسات الجدوى والضمانات، وهذا سيخلق أيضا كيانات بيروقراطية ضخمة لا تمتلك الكفاءة، ولا مقومات الاستمرار. كما ستعطي المشرف على تنفيذ الخطة دورا مهماً في عملية التعيينات الإدارية العليا، وكيفية عمل الشركات الجديدة.
10 – خلق مدن جديدة قد ينتج عنه توجيه فئات معينة للسكن فيها، وبالتالي زيادة فرقة المجتمع وفصله عرقيا ومذهبيا وقبليا لتسهل السيطرة عليه انتخابيا، ولكن فقط على المدى القصير.
نكمل غدا.

أحمد الصراف

سامي النصف

كلكم منتصرون والخاسر الوطن!

ما يحدث في الكويت هذه الايام كردّ فعل على ما قاله عود الثقاب القابع في لندن، يصب تماما في مصلحة المخططين لانزلاق البلد الى فوضى عارمة لا تبقى ولا تذر ومن ثم تحويلنا الى ساحة صراع دموية اخرى للقوى الدولية والاقليمية كما حدث سابقا في لبنان والعراق وفلسطين واليمن والصومال وغيرها.

وقد وجد المغرضون ممن تعرت مواقفهم السياسية وباتوا على شفا السقوط في الانتخابات النيابية القادمة، الفرصة سانحة ليزايدوا على بعضهم البعض ويستقطبوا السذج والخدج كي يعود لهم صولجانهم المفقود وباتوا يتسابقون على رفع رايات الانتصار فوق خنادق المغرر بهم من اتباعهم في خنادقهم المتضادة على حساب هزيمة راية الكويت الواحدة ونحر الوحدة الوطنية فيها.

ان نصرة ام المؤمنين رضي الله عنها، تتأتى بمقارعة الحجة بالحجة والكلام بالكلام والفطنة والحذر من السير في خدمة المخططات الشريرة التي تحيط بالوطن، ولا شك ان السيدة عائشة رضي الله عنها يغضبها التناحر القائم بين المسلمين بدعوى نصرتها ويسعدها في المقابل ايقاف العند والجنون القائم الذي لا يستفيد منه الا اعداء الامة الاسلامية، ولن نقبل بمن يرفع راية الدفاع عن السيدة عائشة – رضي الله عنها – في الفتنة الحاضرة، كما رُفع قميص عثمان – رضي الله عنه – في الفتنة الكبرى الماضية.

ان من يريد ان يحولنا بجهل فاضح الى بلد فوضى ومركز للحريات غير المسؤولة، نذكره بأنه حتى اكثر الدول ديموقراطية وحرية في العالم لا تسمح بمظاهرة او تجمع خطابي الا بترخيص مسبق من السلطات، وما ان تسوء الامور حتى تعلن على الفور حالة الطوارئ ويفرض منع التجول دون ان يتبجح احد بأن في ذلك خرقا للدستور الذي كم من جرائم ترتكب باسمه في بلدنا!

في الخلاصة، ان ما يحدث هو احدى النتائج المباشرة لغياب المشروع الوطني الذي يلتف حوله الجميع، واستبداله بمشروع تعظيم وتبجيل الماديات والتكسب المالي الذاتي الذي لم يعد يخجل منه احد، لقد اعلنت السلطة الشرعية القائمة منع التجمعات والتجمعات المضادة، والواجب ان يلتزم الجميع بتلك الاوامر التي تخدم الصالح العام والتي يعني التهاون في تطبيقها، الفوضى وسفك الدماء.

آخر محطة:

 1 – هناك من يريد تفتيت البلد عبر تقييد يد الدولة في استخدام القوى الامنية المختلفة ممثلة بالجيش والشرطة والحرس الوطني لتوطيد الأمن تكرارا لما حدث في لبنان عام 75 عندما ضغط على رئيس الحكومة آنذاك رشيد الصلح لعدم استخدام الجيش والقوى الامنية لمنع الفتنة فاشتعلت النيران وبقيت الفوضى العارمة لمدة 17 عاما اكلت الاخضر واليابس، فالحكمة الحكمة والهيبة الهيبة.

2 – ضمن التشريع البريطاني يوجد قانون اسمه Racial and Religious Hatred Act 2006 يحرم ويجرم دعاوى الكراهية الدينية والعرقية، ويمكن للجماعات الاسلامية او سفارتنا في بريطانيا ـ كما ذكرنا في مقال الامس ـ استخدامه في المحاكم لمنع ياسر الحبيب من تكرار دعاواه حتى لا تتكرر معها قضية الفتنة الخطرة التي ينوي اشعالها في بلدنا بين حين وآخر.

 

احمد الصراف

عندما سقطت الخيمة (2/4)

فشلت كل محاولات الوحدة العربية، وكل المباحثات بين إسرائيل والفلسطينيين، وإلى حد كبير بينها وبين بقية الدول العربية المجاورة لها، لأننا لا نريد الاهتمام، أو لا نستطيع التركيز على التفاصيل الصغيرة، فنحن في عجلة لتحقيق الوحدة والسلام، وما أن يتم التوقيع حتى نكتشف أن أمورا كثيرة لم يتم بحثها والاتفاق عليها أو مناقشتها، وتنقلب «الاتفاقية» إلى «خلافية»! وهنا نجد أن «خطة التنمية الموعودة» لا تختلف عن سابقاتها في هذا المجال، فما ان أقرتها الحكومة والمجلس وانتهى الحفل حتى تبينت مواضع الضعف والخلل.

***
تعتبر خطة التنمية، التي أقرت قبل سبعة أشهر، على الرغم من بساطة فكرتها وقابليتها للتطبيق، مثالا لما للتفاصيل الصغيرة من أهمية، والتي لم تعرها الحكومة أو المجلس التفاتا، وبالتالي تركت للزمن أو للمسؤول الأول، ليقرر ما يشاء فيها!
تنقسم الخطة، ببساطة شديدة، إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: تقليدي، ولا يزيد على إعطاء دفعة مالية أكبر، تبلغ عشرة مليارات دينار تقريبا، للإسراع في تنفيذ المشاريع الإنشائية، كالمدن الطبية، ومدينة الخيران، وبيوت قليلة التكلفة، والطرق الجديدة، والمستودعات الطبية، والحدودية وغيرها. القسم الثاني: لا يختلف عن الأول غير أنه مخصص للقطاع النفطي، ولمبلغ مقارب للقسم الأول. أما القسم الثالث، والأكثر إثارة، فيتعلق ببيع بعض المرافق العامة للقطاع الخاص، أو تكليفه القيام بها عن طريق تأسيس شركات مساهمة تشارك فيها ثلاث جهات: الحكومة والمستثمر الاستراتيجي والمواطنون. ومن مشاريع هذه الشركات توليد الكهرباء والماء والمترو وسكك الحديد وتطوير جزيرة فيلكا وغيرها. المشكلة هنا أن هذه الشركات الجديدة لن يزيد رأسمالها عن 300 مليون دينار، وحجم المشاريع المطلوب تخصيصها أو تأسيسها يزيد على ذلك بكثير، وبالتالي ليس أمام هذه الكيانات الجديدة غير اللجوء الى الاقتراض، حتى لو منحتها الحكومة قروضا ميسرة، فحاجتها ستبقى ماسة لمئات ملايين الدنانير، فإلى أين تتجه لسد حاجاتها؟
يعتقد رجال الأعمال والمصارف أنهم الأقدر من غيرهم على ذلك، ولديهم السيولة والمعرفة والأجهزة والآلية، ولا يحتاجون لغير دعم بسيط من الحكومة فيما يتعلق بأسعار الفائدة. أما الجهات المخالفة، ومنهم متنفذون في مجلس الأمة، فإنهم يرون أن المصارف يجب ألا تقوم بعملية التمويل لعدم توافر السيولة لديها، إضافة لارتفاع نسبة فوائدها.
وهنا بدأت المعركة بين مختلف الأطراف في تحديد الآلية، أو الجهة التي يجب عليها القيام بتمويل هذه الشركات «الدسمة»، فجانب يرى تأسيس مصرف جابو خاص لتمويل هذه الشركات بشروط ميسرة ولآجال طويلة. وجانب آخر يرى أنه من الأفضل تكليف «صندوق التنمية الكويتي» بعملية التمويل بعد زيادة رأسماله من 2 مليار إلى 10مليارات، فهو الأقدر والأكثر خبرة من غيره، وآخرون يرون أنه من الأفضل إصدار سندات تستخدم أرصدتها لتمويل قروض الشركات الجديدة، وطالبت جهة رابعة بإنشاء هيئة أو كيان دائم يختص بمشاريع «الإنماء والإعمار» وتكون له ميزانية ومجلس إدارة محايد ومستقل، يكون بعيدا عن التجاذبات السياسية، ونفوذ البعض! ولكن كل هذه المقترحات تحتاج الى قوانين تنظمها، وهذه تتطلب وقتا طويلا، خاصة أن سنة الخطة الأولى ستشرف على الانتهاء ونحن لا نزال نراوح في مكاننا. وإلى مقال الغد.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

ولج الجمل 
في سَمِّ الخياط

هل أنا في حلم أم في علم؟ هل توقفت الأرض عن دورانها فجأة أثناء مرور الكويت بجانب فرنسا فأصابتنا عدوى الديمقراطية وقبول الرأي الآخر؟

كنت قد اعتدت، بعد كل مقالة أكتبها أنتقد فيها شخصية ما، على عدة ردود أفعال (وأظن أن الزملاء يتعرضون مثلي للحالات التي سأسوقها)… إما أن تبعث هذه الشخصية رداً مكتوباً تبين فيه موقفها فأنشره في عمودي الصحافي، وهذه حالة نادرة، لا أظنها تكررت أكثر من خمس مرات أو ست… أو تهاتف هذه الشخصية ناشر الجريدة أو رئيس تحريرها متذمرة شاكية باكية، دموعها كالساقية، وهذه الحالة تتكرر باستمرار… والحالة الثالثة هي أن تهاتف الشخصية التي انتقدتها أحد معارفي أو زملائي لتصبّ عليه «التشرّه» والعتب: «قل للوشيحي أنني منه وفيه، وصحيح أنني حضري لكن شقيقي مناسب العجمان، فهل يفعل العجمان بأنسبائهم ما فعله الوشيحي بي؟»، على اعتبار أن «مَن ناسبَ العجمان فهو آمن»… أو يهاتفني المسؤول الذي انتقدته مباشرة معاتباً ولائماً ومكذّباً ما جاء في المقالة… أو يأخذها المسؤول من قصيرها ويرفع عليّ دعوى قضائية… أو يتجاهل المسؤول مضمون المقالة ويطنش، وهذه حالة نادرة… أو ينتقم المسؤول فيهاجمني في كل مناسبة (النائب حسين القلاف مثالاً)… بالإضافة إلى تعليقات المعلقين وتدوينات المدونين الذين ينتفضون دفاعاً عن هذا المسؤول أو ذاك…

لكنّ أمراً ما حدث صباح الخميس الماضي كان أقرب إلى المعجزة. أمر جعلني أقف حائراً مشدوهاً، فاغراً فمي «كأنّ على عقلي الطير» كما يقول الأديب العميق يوسف إدريس رحمه الله. إذ بعد أن نشرت «الجريدة» مقالتي الماضية «شوية نفاق بالفستق واللوز» في موقعها الإلكتروني منتصف ليل الأربعاء – الخميس جاءني اتصال من هاتف لا أعرفه، فأهملته، فجاءني اتصال صباح الخميس من المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية العميد محمد هاشم الصبر… «أهلاً أبا هاشم»، قلت ذلك وأنا أتحسس مسدسي وأتفقد طلقاته، فإذا هو يضحك ضحكته العملاقة التي تتناسب وحجمه الماردي العملاق «هاهاها الله يغربل ابليسك يا بو سلمان على مقالة اليوم»، فتذكرت عمنا «نيوتن»، فرددت بضحكة عملاقة مساوية لها بالمقدار مخالفة لها في الاتجاه، والجروح قصاص… فصعقني: «معك حق، أنا أخطأت، ما كان يجب أن يكون تصريحي بهذا الشكل»! فاستفسرت بصوت مذهول مهزول: «عفواً أبا هاشم، كرر ما قلت، لم أسمعك»، فكرر وأعاد، وقبل أن يسترسل قاطعته: «يا حبيبنا العميد، نحن في الكويت فكيف تعتذر وتقرّ بالخطأ؟ ألا تعلم أن مسؤولينا لا يخطئون ولا يفسدون، الكويت هي التي فسدت من تلقاء نفسها، ومن دون فعل فاعل»، فواصلَ حديثه، وهو ما لا يهمني (مع التقدير)، بقدر ما أذهلني قبوله الانتقاد بروح رياضية، واعترافه بالخطأ، وثقته بنفسه…

والحمد لله الذي أحياني إلى هذا اليوم، وأنا الذي كنت أقول «لن يعترف مسؤول كويتي بخطئه إلا إذا ولجَ الجمل في سَمِّ الخياط»، وها هو الجمل يلج.

***

ما فعله الخاسر الخسيس يهزّ الأبدان والأوطان، لا شك، لكن رئيس الوزراء بالنيابة معالي الشيخ جابر المبارك ليس من المسؤولين الذين يتربحون من التفرقة والفتن، وقد أعلن أنه سيتخذ الخطوات اللازمة، فلنثق به ولنعطه الفرصة ولنهدأ قليلاً فنلتفت إلى مصالح الناس. أرجوكم ضعوا نقطة في آخر السطر.

سامي النصف

ياسر.. هل أنت ضد النواصب أم منهم؟!

إبان الفتنة الكبرى التي يريد البعض تجديدها هذه الأيام واقتتال المسلمين، قامت مجاميع خارجة بشتم وحتى تكفير الإمام علي، كرّم الله وجهه، كحال الخوارج رغم أن الإمام لم يكفّرهم بالمقابل، كما قام آخرون بشتمه من على المنابر، وقد توقفت واندثرت، ولله الحمد، تلك الجماعة منذ ما يقارب 1300 عام، فلا يحظى الإمام علي عليه السلام وأهل بيته الكرام إلا بالتوقير والاحترام حتى ان أسماء أهل السنة يغلب عليها مسميات «علي وحسن وحسين وخديجة وفاطمة» وفي ذلك يقول الشيخ ابن عثيمين: «النواصب هم الذين يناصبون العداء لآل البيت ويقدحون فيهم فهم على النقيض من أهل السنة».

بعلم أو بجهل يدعو ياسر الحبيب في أقواله وأفعاله لإحياء تراث النواصب المشتهر بالشتم فهو تارة يوسع من تعريف الناصبي حتى يشمل أهل السنة وأهل الزيدية بعكس ما أفتى به السيد السيستاني وغيره من كبار المراجع، وتارة يشتم الصحابة وأمهات المؤمنين مما قد يخلق نواصب جددا يبادلون الشتم بالشتم في وقت نهت الآيات البيّنات حتى عن شتم الأوثان والأصنام والأنصاب حتى لا يرد المشركون بشتم رب العباد (ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدوا بغير علم) الآية الكريمة، وقد أتى في الحديث الشريف نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن أن يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه.

وقد أتى في رد ياسر على استشهادي بالآيات التي برأت السيدة عائشة رضي الله عنها من حديث الإفك، إنكاره ذلك المعلوم بالضرورة وقوله إن الآية لم تذكر اسم السيدة عائشة، وهذا تماما منطق النواصب مع الإمام علي والعترة الشريفة من أهل بيته حتى استباحوا دماءهم حيث كانوا يقدحون بهم وينكرون فضلهم «عليهم السلام» عبر طرح نفس السؤال الخبيث أي: من قال ان تلك الآيات نزلت بهم؟ وأين أسماؤهم فيها؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومما أتى في ردّه، قدحه وشتمه أمهات المؤمنين، محتجا بما أتى في القرآن من آيات حول زوجتي النبيين نوح ولوط، ولا شك أن النواصب الجدد سيسعدون بتلك الحجة حيث ستسمح لهم باستخدام السور والآيات التي طعنت واستهزأت بعم الرسول أبي لهب وزوجته للطعن في الأتقياء الأنقياء من أئمة أهل البيت وزوجاتهم، علما بأنه ذكر نصا أن هناك زانيات من أزواج الأنبياء والأئمة «عليهم السلام»، فهل هذا قول مقبول؟!

كما تضمن ردّه على قولنا بعصمة زوجات الرسول ما يضع حجة كبرى بيد النواصب الذين يعمل جاهدا لإحياء تراثهم وثقافتهم عندما ذكر ان تلك «العصمة» ستقيم الحجة على رب العباد في الآخرة حيث ستقول النساء ومنهن الزانيات: كيف تحاسبنا على أعمالنا وقد عصمت نساء مثلنا كونهن فقط تزوجن الرسول؟ وفي هذا حجة على الله وانه لم يعامل النساء بعدالة، وفي معتقدنا – حسب قوله – ان الله عدل مُطلق لا يجوز إقامة الحجة عليه، حجة كهذه سيستخدمها النواصب للطعن كذلك في عصمة أهل البيت، عليهم السلام، أي سيحتج الكفار بأنه من الظلم القاؤهم في النار كون رب العالمين قد حصّن الأئمة المعصومين بسبب قرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحصّنهم بجعلهم من نسبه وضمن عصمته، وما أسعد، وبحق، النواصب بتلك الأقوال يا ياسر..!

ثم ماذا أبقيت بعد ذلك للطاعنين في دين الحق وفي الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تدعي دفاعك عنه بعد أن طعنت بعرضه وعرض أزواجه ثم قدحت وكفّرت وطعنت حتى بأنساب أصحابه وخلفائه وتركت الباب مفتوحا للنواصب لاستخدام أدلتك وبراهينك للطعن في أئمة بيته الأبرار أي سيقول الطاعنون: كيف يكون الرسول صلى الله عليه وسلم على حق وهؤلاء هم أزواجه وأصحابه وخلفاؤه وحواريوه وأهل بيته؟!

آخر محطة:

(1) يصعب على أحد فهم ما تقوله يا ياسر ومقصده، فواضح أن شتم أمهات المؤمنين الذي لم يكسبك تعاطف الشيعة، لن يتسبب في تحول أهل السنة لما تدعيه، فالشتم لا يكسب أحدا قضية قط والآية التي لا يختلف اثنان على تفسيرها تنص على (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).

(2) جنسية ياسر الحبيب يجب أن ينطبق عليها ما ينطبق على غيرها كوننا نعيش ضمن دولة مدنية تحترم القانون، فإذا ما صدر في الغد تشريع يسقط الجنسية عنه، كما ذكر في الصحف، عندها تصبح أقواله مسؤولية 1.3 مليار مسلم لا قضية مختصة بنا، وأول هؤلاء مسلمو بريطانيا الذين يمكنهم رفع الدعاوى القضائية عليه بتهمة القدح في مقدساتهم والتظاهر ضده ويقفل ملف قضيته في الكويت.

(3) لا أود شخصيا لياسر العقوبة ولا السمعة السيئة التي حصدها خاصة انه من أسرة كويتية كريمة أعرف الكثير من أفرادها الأفاضل، بل أود أن يعود عن مثل تلك الأقوال التي لا علاقة لها بالبحث العلمي أو الشرعي وأن يتفرغ لاستخدام ما يقرأ لا للطعن بالإسلام والمسلمين وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المنتجبين، بل للدفاع عن دين الحق في وقت تكالبت أمم الأرض عليه.