يذكر الزميل العزيز فؤاد الهاشم في أحد مقالاته أنه زار ذات مرة اليمن الجنوبي بعد استقلاله، فسأل مستقبليه عمن بنى مطارهم فأجابوه «الإنجليز»، وسألهم ثانية عمن بنى الطريق الذي يربط المطار بالمدينة فأجابوه «الإنجليز»، وسألهم ثالثة عمن بنى الفندق فأجابوه «الإنجليز»، فسألهم رابعة: وأنتم ماذا فعلتم؟ فأجابوه بزهو وفخر شديد: «نحن من أخرج الإنجليز».. كفو!
والتقيت ذات مرة بصحبة راحلنا الكبير د.أحمد الربعي بمسؤول عماني كبير كان مناضلا معه في حرب ظفار، وكان مما قاله الربعي ووافقه عليه ذلك المسؤول العماني، فرحه وسروره لفشل ثورتهم في ظفار مما جعل سلطنة عمان تضحى بصورتها الزاهية الحالية في وقت دمرت فيه الثورية والماركسية اليمن الجنوبي، ومما قاله الربعي انه اختلف ذات مرة مع بائع سمك في سوق عدن على السعر، وذكر له أن الأسعار كانت أرخص أيام الإنجليز، فأجابه البائع «أرجع لنا عهد الإنجليز وخد ما تريد من السمك.. ببلاش».
مع انتهاء الحرب الكونية الثانية ورعب الولايات المتحدة من امتداد الخطر الشيوعي، عرضت أميركا على دول غرب أوروبا الجائعة والمدمرة مشروع حلف عسكري (الأطلسي) وتنمية اقتصادية (مارشال)، وتقدمت بمثل ذلك لدول شرق آسيا فقبلت تلك الدول بذلك المشروع الأميركي الذي حفظ مواردها بمنع الحروب فيما بينها، إضافة إلى تسريب التقنية الأميركية المتقدمة لها في الصناعة والزراعة وفتح الأسواق الأميركية لمنتجاتها مما أدى الى تطورها الزراعي والصناعي والتقني والثراء الشديد الذي أصاب بلدانها.
عرضت الولايات المتحدة آنذاك مشروعا مماثلا هو حلف بغداد العسكري الذي يضم دول المنطقة العربية وتركيا وباكستان وإيران، إضافة إلى مشروع أيزنهاور الاقتصادي الذي يتضمن حلا دائما للمشكلة الفلسطينية عبر عودة البعض وتعويض البعض الآخر، وقد قبل بحلف بغداد محترفو ودهاة الساسة العرب أمثال نوري السعيد وكميل شمعون، ورفضه ضباط مجلس قيادة الثورة في مصر ممن لا يفقهون في أمور السياسة شيئا، مما نتج عنه حرب السويس وعشرات الحروب التي تلتها وحرمان المنطقة من التقنية الغربية وفتح أسواق أميركا لمنتجاتنا.. وعفية ثنائي هيكل وأحمد سعيد.
هذه الأيام تتكرر الغلطة الكارثية برفض حلف بغداد، ويفخر بعض الغوغاء العرب بخروج القوات الاميركية من العراق، ولم يقل لنا أحد من سيعوض الدور الأميركي في العراق وهل سترسل بعض الدول قوات للاحلال محل ما سمي بقوات الاحتلال لمنع الاقتتال الأهلي على أرض السواد؟ أم ستقوم تلك الدول بإرسال الذخائر والمتفجرات والمحرضين للعراق لتفجيره ثم إلقاء اللائمة كالعادة على الآخرين.
آخر محطة:
استضافتنا قبل مدة الإعلامية البارزة منتهى الرمحي ضمن برنامجها الشائق «بانوراما» على فضائية «العربية» للحديث حول إمكانية تحالف عربي مع بعض القوى الدولية أو المحيطة ردا على تحالفات الأعداء، وكان مما قلته أن أحدا لم يعد راغبا في التحالف معنا خاصة ونحن نحج والناس عائدة، فالدول الغربية لم تعد بحاجة لنا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانحسار المد الشيوعي، أما الدول الإقليمية فبعضها طامع فينا وهو الخطر علينا فلماذا يقبلون بخلق أحلاف معنا؟