أفضل تصوير للفزعة القبلية ما قاله معاوية بن ابي سفيان لأخته عندما استغربت من تهديد الاحنف بن قيس له وسكوته عنه: هذا الذي ان غضب غضب لغضبه مائة ألف سيف لا يدرون فيما غضب! وهي نفسها التي جعلت عمرو بن كلثوم يفزع لأمه عندما صرخت «يالذل تغلب» فيقتل ملك العراق عمرو بن هند ويصدح بـ «ألا لايجهلن احد علينا.. فنجهل فوق جهل الجاهلينا».
فالفزعة القبلية حالها حال اي ممارسة اخرى لها جوانب موجبه وجوانب سالبة خاصة مع تفعيل مفهوم الدولة الحديثة التي تفرض تساوي الناس في الحقوق والواجبات دون النظر إلى روابط القرابة والدم وترفض مقولة «انصر اخاك ظالما او مظلوما» بمفهومها العامي ومن ذلك الاحراجات التي يتعرض لها المسؤول القبلي عندما يتم احراجه بطلبات تقفز فوق القوانين ومعها تهديد مبطن «اذا لم تقم بها فسنطعن بفزعتك لقبيلتك مما سيضر بسمعتك وعلاقاتك الاجتماعية».
النخوة الحضرية ـ او تحديدا عدمها ـ تحتاج كذلك الى وقفة معها، فقد تمادى بعض الحضر في تلبّس فهم خاطئ لدور الدولة الحديثة الراعية فأصبح يفتقر للنخوة الواجبة تجاه اهله واقاربه وجيرانه ومواطنيه، فليس من المرجلة بشيء رد الملهوف او عدم نصرة المظلوم او رفض مساعدة قريب او صديق بسبب الانانية او الخوف على الذات او البخل بالمال.
ان الدولة الحديثة قد لا تتقبل كامل الفزعة القبلية بمفهومها الماضوي وجعلها وسيلة للتجاوز على التشريعات وظلم الناس لارضاء عصبية الدم، الا ان الدولة نفسها ترفض كذلك تحجّر المشاعر وتخلي القريب عن القريب، والصديق عن الصديق، والجار عن الجار، وتجاهل حاجيات الناس ومظالمهم، لذا فقليل من الفزعة القبلية وقليل من النخوة الحضرية امران مطلوبان حتى يسعد الناس ويشعروا بان الدنيا مازالت بخير!
آخر محطة:
كم يزعجنا ويؤلمنا ما نقرأه في المنتديات والمدونات من كلمات جارحة غير مسؤولة تستهدف تقسيمنا وضرب وحدتنا الوطنية من مسميات مستعارة لا يعلم احد حقيقة من يقف خلفها.