محمد الوشيحي

فراشة تحترق


هي المرة الأولى التي تسمع فيها كلمة غزل عابرة من عابر، قالها بلهجة جائعة: "يسلم لي الخصر وتوابعه". كانت في السادسة عشرة، وفي طريقها إلى مدرستها. أربكها الغزل، ولعثم تفكيرها، فسرقت نظرة سريعة إلى صدرها المتفرعن رغم صغره، وإلى خصرها وما حمل، كأنما لتتأكد من أن أغصانها تمايلت فعلاً، ثم رفعت عينيها بسرعة وأظهرت، كاذبةً، عدمَ مبالاتها.


في غرفتها، رمت حقيبتها على سريرها، ووقفت أمام مرآتها، تفقدت أنوثتها، بتركيز، قبل أن تتنهد رضىً وزهواً، ثم ألقت بنفسها على السرير وأغمضت عينيها، لكنها نسيت أن تغمض أحلامها وسعادتها بنضج تفاحها.


طال الليل هذه المرة، متى يأتي الصباح فتذهب إلى مدرستها؟ أو الأصدق: متى يأتي الصباح فتستمع إلى كلمة غزل جديدة ترضي أنوثتها المتأهبة… والغواني يغرهن الثناء…


هذا الصباح، لم يكن العابر وحيداً، كان برفقته ثلاثة، كلهم تباروا في إلقاء كلمات الغزل أمامها. العابر يتغزل وهو يضع يده على قلبه مدعياً أنه شهيدها، ورفيقه يضع أصبعه على خده ويبتسم بنعومة، كما يفعل بعض المطربين الجدد عند تصوير ألبوماتهم، والثالث مبتسماً يستند إلى سيارة فارهة، كأنما ليخبرها أنه مالكها، أو كأنما يفاخر بجودة الصناعة الألمانية وبثراء والديه… وعادت فألقت بحقيبتها وهي تلهث، ووقفت أمام صديقتها المرآة، لتؤكد لها صدق انتهاء مرحلة الطفولة، وأن ما تساقط عليها من غزل لم يكن مبالغة.


واستنسخت الأيام نفسها، واستنسخ الغزل كلماته الباهتة التي تشبه كلمات أغاني تامر حسني، لا ملامح لها ولا ملح… وتكاثر الشبان العابرون في طريقها إلى المدرسة ومنها، وتكدست أمام أقدامها كلمات الغزل المكرورة المتطابقة كوجوه الصينيين: "يا عمري"، "يا روحي"، "يا حياتي"…


لم يعد هناك من جديد، أصبح الغزل جزءاً من روتينها اليومي: الاستيقاظ، الإفطار، الذهاب إلى المدرسة، كلمات الغزل التي يطلقها شبّان أعدادهم تتزايد يوماً عن آخر، الجلوس أمام المعلمة، العودة إلى البيت، الغزل مرة أخرى، استذكار الدروس، فالنوم… لا جديد.


قلبها لم يخفق لهؤلاء، وإن أفرحها غزلهم فترة، وعقلها الطري لم يفسر لها بعد أن الحب لا تصفه كلمات باهتة مكرورة، ولا ينتظر بين مجموعة من الناس. الحب متفرد، متمرد، في كلماته، في شرارته الأولى، في توقيته، في طريقته، في قسوته، في لذته… متفرد.


وصدفة، ذات مساء في منتصف مايو، التقته…


لم يغازلها بـ"يا عمري ويا حياتي"، ولم يستند إلى سيارة فارهة، ولم يضع أصبعه على خده مستعرضاً ابتسامة ناعمة، أبداً، فقط أحسّ بارتباك عينيها وهي تنظر إليه فابتسم لها، ومضى… فارتجّت الأرض من تحتها، وتسارعت نبضات قلبها، لكأنها ركضت أميالاً وأميالاً، وتسمّرت مكانها، تسمّر كل ما فيها إلا قلبها متسارع النبضات، وعينيها اللتين راحتا تتابعانه حتى اختفى.


عادت إلى صديقتها، مرآتها، وراحت تبحث عندها عن أجوبة لأسئلتها المتناثرة: "هل كان يبتسم لي شفقة أم إعجاباً أم هي ابتسامة عابرة لتلاقي أعيننا؟"، وأكملت لاهثة: "تُرى، هل يبتسم لكل فتاة تلتقيها عيناه، أم أنه خصني وحدي بهذه الابتسامة؟"، وتلهث: "لمَ خانتني ثقتي بنفسي أمامه؟ وما المختلف فيه عن الآخرين؟"…


وباتت هي التي تنتظر هذه المرة، تنتظره مرتبكة، كل مساء، ولا يأتي… فتنتظره، فلا يأتي.


أعياها البحث عنه، ولم تيأس، إلى أن توصلت إلى خيط يقودها إليه، بريده الإلكتروني، فكتبت لاهثة: "الآخرون يعرفون عنك كل شيء، وحدي أنا لم أكن أعرفك"، وفي سطر آخر بثّت: "هل تتذكرني، أنا التي التقيتك صدفة في المكان الفلاني فتبسّمت لي؟ هل تذكرتني؟"، كانت لفرط ارتباكها تكتب وتتحدث بصوت عالٍ: "لماذا لم تكن مثل الآخرين، فتبتسم لي ابتسامة ناعمة وأنت تضع أصبعك على خدك؟ لمَ لم تستند إلى سيارة فارهة تتباهى بها أمامي؟ لمَ لم تدّعي أنك شهيدي وتنتظرني كل صباح؟"، وتشكو إليه: "حدة عينيك أربكتني، شموخك غير المتكلف هزّني…"، وشرحت له كل تفاصيل أيامها السابقة، ثم ختمت رسالتها الطويلة: "أتعبتني".


وجاءها الرد هادئاً، قصيراً، حزيناً، مجزأً: "أتذكرك جيداً. مثلك لا يُنسى… شعرت بكِ لحظتذاك… فراشة تقترب من النار… أخشى عليكِ".


فكتبت وهي تضغط على الحروف بأصابعها، هذه المرة باختصار وإصرار: "لن أبتعد".


فكتب: "فراشة".


وخصصت مساءاتها في انتظار رسائله… وخصص هو مساءاته في البحث عن طريقة تبعدها عن ناره ولا تجرح أنوثتها الغضة…


 


***


الحرية للزميل محمد عبد القادر الجاسم.


حسن العيسى

طويت صفحة من الذكريات


عتبات الدرج كانت مرتفعةً على طفل في السادسة أو الخامسة من عمره، فأنا لا أتذكّر عمري يقيناً في تلك الأيام، لكن كان عليَّ الصعود إلى السطح في المساء بعد صلاة العشاء، ففوق السطح كنت أتدثَّر ببهجة جميلة قبل النوم… أذكر أن سطح المنزل كان مُقسَّماً إلى قسمين، مكان للنوم، وآخر لقضاء الحاجة… ولم تكُن الحاجة سوى ممارسة عملية الإخراج تحت شمس الظهيرة أو تحت النجوم في المساء… كان من حظي السعيد أنه كانت لي أولوية قضاء حاجتي فوق القسم الآخر من السطح (أقصد قسم الإخراج)، فدورة المياه العربية كانت مُرعبة، أذكرها اليوم مثلما أذكر وصف الكاتب المغربي الطاهر بن جلون للسجن في رواية "تلك العتمة الباهرة"، كانت دار الخلاء مظلمة مخيفة تنبعث منها الروائح الكريهة الخانقة من كل صوب, "سراي زهيوي" صغير يضيء بوهن فيها، وكان عليَّ أن أجلس القُرفصاء مع الضوء الخافت، ضوء "الزهيوي" كان باهتاً، وزهيوي آخر حقيقي يتأمّلني بهدوء، ثم يحرك "شنبيه" إلى الأعلى والأسفل، كان "مايسترو" في حركة الشاربين، "مايسترو" فرقة كاملة مرعبة تشاهدك بهدوء وأنت تقضي حاجتك البشرية… نسيت أن أقول لكم إن "الزهيوي" بالكويتي يعني "الصرصار"، إذ كان الصرصار الحشرة يرعبنا كأطفال ويضيء لنا النور الجميل حين أسمينا الفانوس الذي يضيء على الغاز باسمه… واسمٌ على مُسمَّى…


لم يكُن المساء في تلك الأيام ملتهباً مثلما هي الحال اليوم، ولا يهمني ولا أكترث بأهل الأرصاد الجوية، عن صيف مضى كانت الحرارة فيه أعلى من المعدل أو أقل منه… أعلم يقيناً أنها كانت أهون وصيفنا كان أجمل وأحلى…


ففي عصرية كل خميس "الذي ذبحنا فيه إبليس"، كنا نخرج إلى الدمنة (السالمية) و"الدجة" أو "الحالة"، وهو مربع من التراب يحيط به أسمنت بنيّ مُشقّق من حوافّه الأربع،كنا نقضي الأمسيات هناك، نتسامر وننام على نغم هدير الموج… لا جبال الألب في سويسرا ولا "روكي ماونتز" في كولورادو أميركا… كانت "الحالة" هي حالنا… بساطة وسماحة… لا سياسة ولا قلق ولا صداع رأس… كانت الأمور بخير… لم أكُن أعرف من السياسة غير صورة الرئيس محمد نجيب ببذلته العسكرية ونياشينه، صورة علّقها شقيقي المرحوم حمد العيسى في دار "الباغدير" (غرفة المنام وربما كان أصل كلمة "باغدير" فارسياً)، ثم غيّرها فيما بعد بصورة جمال عبدالناصر… وأيضا بوجهه المهيب وهندامه العسكري الأنيق… كان حمد يقول لنا إنه بطل العروبة… ثم رحلت الصورة… أو ربما بقيت في ذاكرتنا كصورة "دوريان غري" لأوسكار وايلد… ففيها يكبر البطل النرجسي دوريان ويشيخ وتدوم الصورة كما كانت في الماضي… كما هي الحال في العقل العربي الأسطوري… لا يحفل بحركة الزمن… إنما يقدّس ذكرى الماضي الغابر… ويجترّ الأمس… ويحلم بعودته كما هو الأمر في حكايات ألف ليلة وليلة، وكان ويا ما كان…


ما شأني اليوم، وماذا يهم قارئ هذه الجريدة أن أسرد عليه ومضة سريعة من الذكرى، وأقرأ عليه صفحة مطوية من الماضي الجميل… هي ذكريات لم "تعبر أفق خيالي"، فقلبي مازال على "حقيقته" لا على غفوته… يحاول أن يفهم معنى الزمن… ويجاهد كي يدرك معنى الحياة ومغزى الفناء…


أيام مضت… وانتهت… لكنها تظل باقية في تجاويف الذكريات… تظل دائمة في عمر الزمن، ويظل وجودنا معها أزلياً… فالوجود دائم لا ينتهي.. والزمان مُطلَق… ولسنا سوى صور لصقت عشوائياً على شاشة التاريخ…


لم تنتهِ حكايتي في بيت شرق… فهي صورة محفورة على جدار الزمن… فلماذا نتكدّر حين يغيب أديسون وكاريير عندما تنقطع الكهرباء بضع ساعات في جهنم الطقس ونصرخ: واهي… جهنم… حر… الله يسامح حكومتنا الدائمة بعون الله تصرف وتصرف الملايين على الفارغ والمليان… وهي ثابتة كأبي الهول… الطقس في الدنيا يتبدل ويتغير وهي لا تتغير ثابتة مُطلَقة كقدر مُطلَق وأسطورة من خيالات هوميروس… احملوا الأسرّة إلى الأعلى… فوق سطوح منازلكم… تأمّلوا النجوم كما تأمّلتها في الأمس البعيد… وإذا لم تروها بسبب الغبار وعيونكم المترفة… فما عليكم سوى اللجوء إلى الخيال والوهم… فلسنا في النهاية غير وهم قصير من الملل والسأم في كون بني نفط الصغير.


احمد الصراف

سلام عليك يا وطني

مقدمة: طالما لقيت مقالاتي التي هاجمت فيها التسيب في عالم قسائم الزرائب والمتاجرة بالأغذية والأعلاف المدعومة، وغيرها من صور «نهب» الأموال والأملاك العامة ومعارضة قضايا إسقاط القروض، طالما لقيت، على موقع القبس الإلكتروني، الكثير من التعليقات السلبية والشتم أحيانا، وكانت في غالبيتها تغمز وتلمز من الأصول الفارسية لعائلتي ومذهبها الديني! وبالرغم من خلو غالبية تلك التعليقات الفجة من كل ذوق وأدب، فإنها لم تسترع انتباهي بقدر ما استرعى انتباهي خلوها من اللغة العربية الصحيحة، أو حتى ما يشبهها! ولو افترضنا أن البعض من هؤلاء، ومن نوعية المفردات المستخدمة في تعليقاتهم، هم من البادية، وليسوا بالضرورة مواطنين كويتيين، فكيف تكون لغتهم بمثل هذه الركاكة، ولغة من يتهمونه بالفارسية أفضل من لغتهم بكثير؟ هذا بخلاف صور البذاءة المتعددة في تلك الردود، والتي لا شك تعود لأمور أخرى لا نود التطرق اليها هنا؟ ما نود معرفته هنا هو سبب هذه الركاكة في المخاطبة على ضوء ما سبق ان تعلمناه في المدارس وما قرأناه في كتب التراث من أن بعض الأسر الحضرية، والميسورة بالذات، كانت ترسل أبناءها الى البادية لتعلم العربية الصحيحة من أهلها؟ فأين ذهبت تلك اللغة الصحيحة؟ وما الذي طرأ لكي تصبح على لسان هؤلاء بمثل هذا الضعف؟
وفي جانب آخر، نجد من واقع الكثير من الوثائق التاريخية والمراسلات الرسمية والتجارية القديمة في الكويت، والتي يعود عمر البعض منها الى مائة عام وأكثر، نجد ما يماثل تلك الركاكة اللغوية تقريبا، إن في القواعد أو في الأخطاء الإملائية! فأين الحلقة المفقودة؟ بعد هذه المقدمة الطويلة نوعا ما نعود الى موضوع مقالنا.
مع نهاية شهر أكتوبر 1990، وبعد أن تحول ضيق وملل عائلتي الصغيرة في الرياض إلى حزن وبداية كآبة، قررت ترك عملي التطوعي في لجنة الإعاشة هناك، والسفر الى الإمارات للعمل والاستقرار المؤقت فيها، إلى أن تتطهر بلادي من نجاسات صدام. كان ذلك في الأشهر الأولى من الغزو الكريه. وفي يوم عملي الأخير في السفارة بالرياض ذهبت الى السيد عبدالرحمن البكر، سفيرنا في المملكة وقتها، وسلمته مجموعة كشوف تتضمن أسماء 36 ألف كويتي «مسلم عربي قح» سرقوا وطنهم المحتل وشاركوا صدام في جريمته! وبينت له أن الأسماء فيها مرتبة حسب الاسم الأخير، للعائلة أو القبيلة. وان نظام المحاسبة في الكمبيوتر المستخدم من قبل اللجنة مصمم لكشف الازدواجية! وأن البعض من هؤلاء حصلوا على مبالغ الإعاشة من اللجنة للأسرة نفسها أكثر من مرة، وآخرين لأكثر من ذلك، وحصل أحدهم، ولا أزال أذكر اسمه كاملا، بواسطة الكذب والتلاعب بالبيانات وشهادات الزور، على الإعاشة 11 مرة في شهر واحد(!!).
فغر السفير البكر فاه تعجبا، وسألني: يا أخ أحمد أنت متأكد من محتويات الكشف؟ وعندما أكدت له الأمر فتح درج مكتبه وأخرج نسخة من القرآن، وسألني عما إذا كان لدي صور أخرى من الكشوف، وعندما أجبته بالنفي تنفس الصعداء، ولكني أردفت قائلا ان بالإمكان الحصول على أي عدد من النسخ بلمسة زر. فطلب مني أن «أستر» على العوائل والقبائل، وأن أقسم على القرآن بأنني لن أنسخ أي صور من هذه الكشوف! فقلت له لا تقلق ولا حاجة للقسم، وأعدك بألا أعمل أي نسخ منها، وهكذا كان، فقد وثق بكلمتي ووفيت بوعدي!
والآن، وبعد 20 عاما تقريبا، عندما أقرأ بعض الردود على مقالاتي على موقع القبس، وخاصة تلك المقالات التي تتضمن دعوة للإصلاح، أشتم من طبيعة الردود أنها ربما تكون للأشخاص أنفسهم، أو لأبنائهم، الذين لم يترددوا في سرقة وطنهم، وهو محتل مفلس، ولن يترددوا في سرقته الآن وهو حي وغني، فهذا ديدنهم أبد الدهر، والذنب ليس ذنبهم أو ذنب من رباهم فقط، بل وذنب الدولة التي فشلت مناهج مدارسها في أن تخلق فيهم روح المواطنة وحب الانتماء! ولا نقول إلا سلام عليك يا وطني.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

راح نعطيك بيت…في ديسمبر!

 

لم أتمكن حقيقة من اللحاق على النكات أو الطرائف أو التعليقات التي أرسلها أو قالها شفهياً عدد من القراء الكرام تعقيباً على مقال يوم الأحد الماضي :«والله.. نحب هذا الوطن»، والذي تطرقت فيه إلى ما دار في برنامج «حلول» بتلفزيون البحرين الذي ناقش أزمة السكن، والقصة المؤثرة التي طرحتها إحدى المواطنات وهي تبكي في البرنامج وتناقلها آلاف المواطنين.

ولأن اليوم (خميس) والطقس الحار والرطب الذي نعيشه هذه الأيام يتطلب منا أن نكون أوسع صدراً وأطول بالاً وأكبر مقدرة على كتم الغيظ والاستعاذة من الشيطان الرجيم، فلا بأس أن نأنس ببعض (القفشات) الحلوة التي أشار إليها بعض القراء الكرام في اتصالاتهم، لكن أفضلها ذلك المواطن الذي قال مباشرة: «شوف أخ سعيد… تحجيت تحجيت ما في فايدة… كتبت ما كتبت ما في فايدة… صارخ من الحين إلى قبل يوم القيامة بيومين إذا كنت تقدر (…) البيوت كلها بتروح للمجنسين وبتشوف… ورحم الله والديك، إذا بتكتب كلامي اكتب (مجنس) ولا تكتب (مواطن)»، ولا أدري، هل يعتقد هذا الأخ الكريم أن كتابة الموضوع بتوقيع (مجنس)، سيخفف من وطأة المشكل، أم هل سيجعل المجنس متعدياً أم معتدى عليه، لكنها على أي حال، مشاعر مواطن، والناس تختلف في أساليب التعبير، إلا أن ما نتمناه بصراحة، هو أن تقدم الدولة المواطن على المجنس، سواء رضي المجنسون أم لم يرضوا، وفي الوقت ذاته، احترام حقوق (المجنسين) الذين حصلوا على الجنسية وفق قانون الجنسية البحرينية، وليس وفق العشوائية والفوضى التي بدأت آثارها السلبية تظهر بصورة واضحة.

أما الأخت (أم نواف)، فهي تدرك جيداً أن المطالبة بالحقوق والتعبير عن الرأي لا يمكن أن تتم بطريقة إلحاق الضرر بالبلد وبالمواطنين وبالحرق والتخريب، وعلى رغم أنها لا تعيش في قرية، إلا أنها من شدة معاناتها وزوجها وأطفالها من انعدام السكن المناسب وطول الانتظار، فإنها تقول: «ما ادري اطلع مسيرة واحرق تايرات علشان ينتبه المسئولون حق معاناتي!»، ويختلف معها القارئ إبراهيم الذي قال: «صدقني يا خوي المسئولون في وزارة الإسكان ما يقصرون، يقومون بواجبهم صدقني يشتغلون شغل عدل، لكن بعد، في ناس تخرب على ناس، واحنه المواطنين في النهاية خسرانين… وعندي طلب بس اذا تنشرونه، ما يصير يعطوني بيت في جزر…»، وأنا أقول: «لو يصير، جان أنا قبلك».

ولا يجب أن ننسى علاقتنا بالمسئولين طبعاً في وزارة الإسكان، فكما يقول أحدهم: «نحن الآن في طور تعديل الأوضاع والآليات، ونسعى بقدر الإمكان لضمان سير المشروعات القائمة والمنتظرة على أكمل وجه… بس لو تستمرون في الكتابة في هذا الاتجاه أفضل بكثير من تلك الكتابات التي تحرض المواطنين على المسئولين بالوزارة… شوي وراح نشوف الناس تحمل مطارق وعلى راس نا».

أما أنا فواحد من الناس الذين اعجبوا بهذه الطرفة: «بحريني ينتظر بيت إسكان، قالوا له راح نعطيك في ديسمبر، قال لا ابغي مع ربعي في مدينة حمد».

والله المستعان يا جماعة الخير.

سامي النصف

الكهرباء.. «كلاكيت للمرة المية»!

ضمن درجات حرارة خمسينية لا مثيل لها في مكان آخر على سطح الأرض، انقطعت الكهرباء عن منطقتنا الساعة 9 مساء يوم الاثنين، ويفترض في حالات كهذه ان تفتح الوزارة المعنية عشرات الخطوط الهاتفية لطمأنة الناس وابلاغهم ما اذا كان العطل مؤقتا أم دائما حتى يرتبوا أمورهم وخاصة للأطفال وكبار السن.

ما حصل هو العكس تماما لذلك المتطلب الانساني، فقد رفعت طوارئ المنطقة سماعة الهاتف منذ اللحظة الأولى للانقطاع وبقي الخط مشغولا إلى ما بعد الساعة الثانية عشرة عندما وصلت اول سيارة طوارئ لتعمل في محول المنطقة وتعيد الكهرباء للبيوت التي تحولت الى أفران قريبة من أفران النازية إبان الحرب العالمية.

وتتجاوب الدول المتقدمة مع ما يقال ويكتب في وسائل الإعلام لذا تقل مشاكلها مع كل صباح تصدر فيه صحفها التي تقترح الحلول لما تواجهه الشعوب من مشاكل وتأخذ الجهات المعنية ما يصلح من تلك الحلول، ويتميز بلدنا عن الآخرين بتبني سياسات «عمك أصمخ» و«الحقران يقطع المصران» ويتغنى مع الراحل عرفات باهزوجة «يا جبل ما يهزك ريح».

حل مشاكل انقطاع الكهرباء والماء، والاثنان للعلم هما أغلى وأندر ما تملكه الشعوب من ثروات، لا يتم بإنشاء المزيد من المحطات التي ستلوث البيئة وتضيع علينا مداخيل مئات آلاف براميل النفط يوميا والتي ستستخدم لتوليد الكهرباء بدلا من بيعها وتحصيل أموالها، كما ان الحل لا يتأتى من عمليات الترشيد الاعلانية اذا لم يصاحبها نظام متطور يجعل المواطن والمقيم يدفع كل منهما ثمن ما يستهلكه من كهرباء وماء حتى لو رُفع راتبه مقابل رفع أسعار تلك السلع الحيوية.

ان المطلوب هو التحديث «الفوري» لعدادات الكهرباء والماء التي يمكن ان تعمل عن بعد، وتسليم توصيل تلك الخدمات وتحصيل أموالها لأيدي شركات مساهمة تطرح للاكتتاب العام مع فرض وجود عدادات على كل وحدة سكنية حتى لو كانت ضمن البيت الواحد، فليس هناك ما هو أدعى للاسراف من الا يدفع المستهلك ثمن استهلاكه، ان أمورا كهذه لو طبقت ستوفر 50% من الاستهلاك الحالي.

وستتحول البيوت الجديدة بالتبعية من نظام التكييف المركزي الذي يكيف منازل وقلاعا بأكملها لأجل اراحة شخص او شخصين يسكنان المنزل الى نظام تكييف الوحدات المنفصلة التي تبرد فقط المكان الذي يسكنه الانسان، كما ستتوقف على الفور آلاف انهار المياه العذبة التي تخرج من البيوت كل صباح على أيدي الخدم لتصب كالشلالات الهادرة في المجاري ..و«الحديث ذو شجون».

آخر محطة: العزاء الحار لآل القصار الكرام في وفاة الزميل عادل القصار غفر الله له، والعزاء الحار للزميل احمد الديين في وفاة المرحومة والدته، للفقيدين الرحمة والمغفرة ولأهلهما وذويهما الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

احمد الصراف

شكرا لعايض والمذكر

تزايدت قبل سنوات عدة حالات سقوط الطائرات وغرق السفن واختفائها من دون أثر في «مثلث برمودا» الواقع في وسط المحيط الأطلسي! وقد حيرت الظاهرة قبل عقود العلماء والمراقبين، ووجد لها تفسير عقلاني وتوقف الحديث عنها تماما، ولكن رجل الدين السعودي الدكتور عايض القرني أبى إلا أن يكون له تفسيره الخاص للظاهرة حيث كتب في موقعه الحكاية التالية: «… خلق الله أبا الجن «سوميا» قبل خلق آدم بألف عام. وكانت أمنية سوميا أن يرى الغير ولا يروه، وكان أول من عبد الله على الأرض، ولكن أتت بعد ذلك أمة من الجن كفرت وفسدت في الأرض فأرسل الله ملائكته لغزوهم وهكذا قتلوا منهم الكثير إلا نفرا فر للجزر واختبأ في أعالي الجبال، وتم أسر «إبليس» وهو صغير ونقل للسماء حيث كبر بين الملائكة واقتدى بهم في طاعة الله، إلى أن جاء اليوم الذي عصى فيه ربه فطرد من الجنة. وعندما شاهد ما أصابه طلب من ربه أن يمد له بالحياة فاستجيب لطلبه، ولكن النار بقيت في داخل ابليس يبغي الانتقام من آدم الذي تسبب في طرده من الجنة، التي حاول كثيرا العودة اليها، ولكن الملائكة منعته إلى أن اهتدى لحيلة عندما شاهد الحية تدخل الجنة بسهولة فدخل في جوفها ومرت على الحراس، وهناك نجح في إغواء آدم بينما تولت الحية إغواء حواء فطردا من الجنة لمعصيتهما، وكان هبوطهما في الهند، أما إبليس الذي طرد معهما فقد هبط في «دستميسان» بقرب البصرة. ولكن حرب ابليس ضد آدم استمرت إلى أن تمكن من بسط نفوذه على الأرض بعد موت آدم وحواء، ولكن الله نصر بني الإنس على الجيش الإبليسي المكون من المردة والجن والغيلان ففر إبليس يبحث عن مأوى بعيدا عن موطن الإنس ليبني مملكته، وبعد الطواف على الأرض وقع اختياره على منطقتي مثلث برمودا ومثلث التنين لوقوعهما بعيدا عن مناطق البشر. وهناك بنى عرشه على الماء وأسس جيشه الذي ينفذ أوامره، وظلت مملكته آمنة حتى عرف الإنس ركوب البحر والسفر جوا ومرورهم بكلتا المنطقتين فشعر إبليس بالخطر وبأن أمرهم سيفتضح فاختطفوا أعدادا من السفن والطائرات وحققوا النصر عندما صدر قرار دولي يمنع الملاحة في منطقتي مثلث برمودا ومثلث التنين (!!).
وفي السياق نفسه، ذكر أحد كتاب القبس قبل سنوات أن عاصمة الجن تقع فوق جزيرة فيلكا في الكويت. وفي يوم 6/7 وزع أحد المتخلفين مطوية إعلانية دينية ملونة ضمن إحدى الصحف «ذكر» فيها أن للسماء أبواباً لا يمكن النفاذ للفضاء إلا من خلالها، وعدد تلك الأبواب وحدد أماكن بعضها!
أمنيتي قبل أن أموت هي أن أعرف المصدر الذي يستقي منه هؤلاء كل هذا العلم العظيم، والذي لو أحسنا استغلاله لوفرنا على علماء البشرية، والغرب بالذات، الكثير من الجهد في البحث المضني والتفكير الطويل والمغامرة المتعبة وصرف المليارات لمعرفة، لمجرد معرفة أسرار الكون.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

كي لا ترتبك الامعاء

عذراً، غابت مقالة الأحد الماضي والسبب ضيق الوقت. وليس أسوأ من الكتابة بعين والعين الأخرى على الساعة. والناس لا تعذر، ولن تقبل منك إلا وجبة شهية مشبعة. وقبل فترة، أثناء لعب ابني سعود – الذي لم يكمل عامه الثالث، لكنه يحاول، وقد ينجح، وقد لا ينجح – سقط من أعلى الدرج على الأرض مباشرة، يبدو أنه كان مستعجلاً فاختصر المسافة، وصدم الأرض بجبهته الشاسعة المترامية الأطراف، فأحدث دوياً، وتورّمت الأجزاء الشمالية الغربية من جبهته، وازداد طول رأسه، وزيادة الخير خيرين، ويبدو أنها «حوبة» أطفال الجيران الذين كان يتعامل معهم بنظام «الخصخصة»، فكلما راق له شيء في يد أحدهم خصخصهُ لنفسه… وكنا في ساعة العصرونية، كما يقول المغاربة، وهو وقت الكتابة، عندما تعالت الصرخات، فجريت وجاريت، وفتحت ساقيّ الطويلتين على مصراعيهما، وقطعت مسافة الدرج هبوطاً في أجزاء من اللمحة، وإذا به فاغراً فاه، يبحث عن نَفَسٍ مفقود، فحملته على كتفي، واتجهت به في «زفة» ونواح إلى المستشفى، وبعد أشعة رأس وعلاج لثة وإعادة إعمار الحنك، ووو، ناظرت ساعتي فإذا نحن ما بين المغرب والعشاء، فتركت سعود مع والدته وعدت وكتبت المقالة. فالكاتب مثل مضيفة الطائرة، عليه أن يخرج إلى القراء بكامل زينته، فجبهة ابنه تعنيه هو وحده، لا علاقة للمسافرين بها.

ويوم الأحد، أقصد يوم السبت، وقت كتابة المقالة، وصلت متأخراً ألهث، وجلست لأكتب وعيني على الساعة، فخشيت أن أقدم وجبة لم تأخذ النار حقها منها، فيقرأها الناس «نيّة» غير ناضجة، رائحتها زكية، وطعمها مميت، فتتلبّك أمعاؤهم وترتبك، ويتزاحمون على عيادة الطوارئ، فهاتفت الجريدة واعتذرت.

وحكاية الطبخ ذكرتني بما حدث في مخيّمنا، وكنا مجموعة من عباد الله الصالحين، وبعد أن نصبنا خيامنا، وزعنا أوراق الكوتشينة، على أن يتولى الخاسر مسؤولية الطبخ، إذ تمنع القوانين اصطحاب الخدم، وكالعادة كنت أنا الخاسر، فتعالت ضحكاتهم فرحين، فحذرتهم من عاقبة الأمر، استناداً إلى تجاربهم معي، لكنهم لم يأبهوا، فطلبت أن «يوقّع» كلّ منهم على ورقة تخلي مسؤوليتي فلا تطالبني أمهاتهم بالدية، فكركروا شماتة، فتوكلت على الله وطبخت. وكان من بين المجموعة صديق تسلل خلسة من فصيلة الغوريلا إلى فصيلة الإنسان، في غفلة من العم داروين، وأشهد أنه لم يترعرع على يد فليبينية، وأشهد أن أصابع يديه لو كمش بها رقبة حاخام يهودي لنطق الحاخام بالشهادتين فوراً بأعلى صوته، ولصلّى التراويح الساعة أربع العصر. وكان صاحبنا ضحوكاً كركاراً، وإذا ضحك ضرب الجالس إلى جواره على فخذه، فتتهشم وتنخلع صابونة ركبته.

وبين كل لحظة وضحاها يدخل الغوريلا خيمة الطبخ ليتفقد الأحوال، ولشدة جوعه راح يتغزل برائحة الطعام تارة، ويتهكم عليّ تارة: «ودلوقتي نحط معلقة من جوز الهند، وطماطمايتين، ونصف كوب من النشادر، وخمطة طحين مغشوش، وحيبلع جوزك بالهناء والشفاء، هاهاها»، وأنا أتمتم: «الوعد قدام يا بو طماطمايتين». وحانت ساعة الجد، وانتهت الطبخة، فقدمتها إليهم، وكان لونها أخضر، وكان لون ليلتنا أسود، وتوقفت الضحكات، وخيّم الصمت وساد الحزن، وعبس أبو طماطمايتين واكفهرّ، ثم تحامل على نفسه وراح يحجل كما تحجل الغوريلا إلى الخلاء، يده على بطنه، وظهره محنيّ كما كف طبّال اعتاد ضرب حافة الطار.

وهذا ما خشيت تكراره في مقالة الأحد.

***

تعازينا للأستاذ الكبير أحمد الديين لوفاة والدته، أسكنها الله فسيح جناته، وألهم ذويها الصبر والسلوان.

***

الحرية لسجين الرأي محمد عبد القادر الجاسم. 

حسن العيسى

أين أنتم؟


أكاد أردد مقولة الدكتور عبدالله النفيسي أثناء احتجازه أيام دواوين الاثنين حين نسيت قضيته ولم يزره أحد في معتقله، وقال: "أنا غسلت إيدي من الشعب"، فهل أقول مثله اليوم ولست معتقلاً مثلما كان النفيسي، لكنني مرهون بالقلق على حرية الضمير وحق الكلمة وأنا أشاهد وألمس باليد العارية اللامبالاة عند معظم ما يسمى "مؤسسات المجتمع المدني" في مأساة اعتقال الزميل محمد الجاسم…! بيان واحد يتيم موقع من عشر جمعيات فقط، أما جمعيتا الصحافيين والمحامين، ومحمد الجاسم عضو في الاثنتين، فما أذكره أنهما لو صمتتا لكان أفضل من صيغة بيانيهما المهلهلين اللذين يبدو أن أربابهما جاهدوا لإمساك العصا من منتصفها.


لنترك جمعياتنا المتعايشة على صدقات وهبات السلطة، وهي تكيل بيانات الشكر والعرفان لأريحيتها وكرمها، ونهمس في آذانهم: إن من يقبض يخسر حريته، ويصبح صوته صدى يردد كلمات الواهب. لنبحث عن نواب الأمة من الذين توسمت فيهم خيراً… أين هم؟ ذكروني بغير النائب مسلم البراك، وهو كوكب في سماء الناشطين من أجل حرية الضمير، ومعه قلة من التكتل الشعبي مثل خالد الطاحوس، وبضعة نواب آخرين، من غير هذا الكوكب ورفاقه من النجوم المتلألئة في ليلنا، ومعهم الزميل أحمد الديين وقلة من كتاب الضمير، يرافقهم نواب سابقون مثل مشاري العصيمي والدكتور فهد الخنة والكبيران الخطيب والنيباري، من غير هؤلاء انتفضوا ورفضوا ما يحدث لحرية الضمير وسجين الرأي؟ من غير مسلم البراك وأحمد الديين وغانم النجار، ومعهم شباب واعون قد دعوا إلى التجمعات الشعبية، وأصدروا بيانات الرفض… وقالوا كلمة "لا" كبيرة لما حدث لتكبيل صاحب الرأي بالقيود، وزجه في سجون أمن الدولة من أجل كلمات نقد ونصح لمسؤولين ولا أكثر…؟


كم مضى على حبس الجاسم…؟ لا نعد بالأيام ولا بالأسابيع… وخشيتي أن نبدأ الحساب بالشهور وغداً بالسنين لا قدر الله… فأين أنتم يا نواب الشعب؟ وأين أنتم يا وكلاء الحق بعد أن خيط فم من فوضكم وصوت لكم بكلبشات الحديد…؟ أين دفاعكم عن الحريات…؟ أين اقتراحاتكم لتعديل قوانين الجور ونسف الكلمات المطاطة في قوانين أمن الدولة والجزاء والمطبوعات والنشر…؟ ليست هي قضية محمد الجاسم الآن… هي قضية حرياتنا وحرياتكم… ليست هي قضية محمد أو زيد أو فلان من الناس الذين اختلفنا معهم في السابق، وتحفظنا على مواقفهم وإنما هي قضية موضوع… عنوانها حرية الضمير.


لا أحد يريد أن يتدخل في القضاء ولا في سلطانه، فلا تتذرعوا بتلك الذريعة، ولا بتلك الحجج الواهية… لأن من حقنا أن نتدخل ونستنكر على من أوصل الأمور إلى هذا الحد، وطرق باب القضاء من دون مبرر معقول… من حقنا أن نفرق كبشر أحرار بين حكم القانون والتعسف في حكمه… لا تقولوا لنا إنه ليس من مصلحة الدولة أن تصل مسألة الجاسم إلى المنتديات الدولية… فهذا مصلحة لحرية البشر… وما هو صالح لهم يكون بالضرورة صالحاً للدولة… لتصل حكايتنا إلى أسماع منظمة العفو الدولية وبقية منظمات حقوق الإنسان والدول المهتمة بالشأن الإنساني… لأننا بصراحة نكاد نفقد الأمل بكم، ومللنا ثرثرتكم… فإذا كنتم لا تسمعون… فهم حتماً بالخارج سينصتون… فسيادة الدولة ليست مطلقة في عالم اليوم… فحرية الضمير تضع حدوداً واضحة لهذه السيادة في الدول التي تتبجح بديمقراطيتها المزعومة وبحرية إعلامها المقهورة… تذكروا يا سادة أننا مواطنون ولسنا رعية في فيافي الجدب.


احمد الصراف

لا إنسانية النقاب

إثر صدور قانون يمنع ارتداء البرقع في بلجيكا، ومصادقة البرلمان الفرنسي على منعه في الأماكن العامّة.
انقسم الناس في البلدين المعنيين وخارجهما بين مؤيدين ومعارضين، واحتدمت مناقشات حامية حول «شرعية» النقاب، أو البرقع، ليس فقط بين رجال الدين، بل شمل النقاش المفكرين والعامة. وحجة المؤيدين هي «الحرية» وأن من حقّ المرأة ارتداء ما تشاء، لأنه جزء من الحرية الشخصية، التي تؤمن بها أوروبا والغرب عموما! ولو نظرنا بعمق أكثر لوجدنا أن المسألة ليست بمثل هذه البساطة. فالوجه، في كل الثقافات والمجتمعات، وعلى مدى التاريخ كله، مع استثناء مجموعات غير ذات أهمية كالطوارق مثلا، لم يوجد لكي يغطى، ولم يصمم له الانسان أي رداء أو غطاء كبقية أجزاء الجسم الأخرى. وبسبب تركز أربع من حواسنا الخمس فيه، فان المنطق يتطلب أن يبقى مكشوفا ليتعرف بعضنا على بعض، ونشعر بالتواصل الانساني والأمان، أو عكسه عند «المواجهة»، فحتى أجهزة الروبوت، التي تحاكي البشر في حركاتها وهيئاتها، لها رأس يشبه رأس الانسان، وعند التواصل معها ننظر إلى وجه الآلة، ونتحدث اليه «مواجهة» على الرغم من عدم ضرورة ذلك، لأننا نتحدث مع آلة، ومن هنا نجد أن موضوع البرقع أو النقاب أخلاقي واجتماعي، ولا علاقة له بالحرية أو الاختيار الشخصي.
وفي هذا الصدد يقول كاتب مغربي، لا يحضرني اسمه، نقلا عن الفيلسوف الفرنسي ايمانويل ليفيانس: «إن الانسان بوجهه، فلا انسان الا بوجه. فالوجه، اضافة الى اللغة، هو عنوان الانسانية فينا. فأنا لا ألتقي بالآخرين الا بالوجه، والوجه هو الجزء الذي يستمر في الانفعال و «التعبير»، وتوقّف تعبيراته هو رديف للموت…»!
وعندما يعتبر هؤلاء المتشددون المتخلفون، واللاانسانيون، أن وجه المرأة عورة وصوتها عورة، فهم بجرة قلم يلغون انسانيتها ووجودها بالتبعية، وتصبح مجرد وعاء ولادة وقضاء حاجة جنسية وخدمة منزلية. فتغطية الوجه دلالة على رفض كلّ علاقة أخلاقية أو انسانية مع الآخر، أو الانتماء للمجتمع. وهنا نرى في كثير من المجتمعات التي ينتشر فيها ارتداء البرقع، كالمجتمعات الخليجية والأفغانية، أنها المجتمعات نفسها التي ليس للمرأة فيها أيّ وجود اجتماعي أو سياسي، فكيف يمكن بالتالي التعلل بأن اختيار البرقع هو نوع من الحرية الشخصية لمن لا وجود لها، اجتماعيا وأخلاقيا وانسانيا؟ ومن شبه الاستحالة فوق ذلك التعلل بأن النقاب خيار شخصي يعود للمرأة نفسها حق اختياره أو رفضه. فلو نظرنا للخلفيات الاجتماعية والعائلية لغالبية المنقبات لوجدنا أن بيئتهن يتحكم الذكور فيها بشكل كامل، سواء كأزواج أو اخوة أو آباء. وهؤلاء لا يؤمنون غالبا بحق المرأة في الاختيار، أو بالحرية بشكل عام، خاصة اذا تعلق الأمر بأصل من أصول الدين. وبالتالي يصبح كل حديث عن حرية ارتداء النقاب هراء ما بعده هراء!

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

ترى ما يهمنا مرزوق 


لو أغلقتم وكالة علي الغانم، وأضرمتم النار في كل سيارات مجموعة الملا، وفعلتم ما هو أسوأ من ذلك، فإن هذا لن يوقفنا ولن يغير قناعاتنا ومطالبنا، فالغانم والملا والصرعاوي ماهم إلا وسيلتنا اليوم في إحقاق الحق. ألتفت إلى اليمين أرى نائباً كنت أعتقد حتى وقت قريب أنه ذو مبدأ وخط، حتى إن لم يعجبني خطّه وخطاه، فأكتشف أن تهديده في كل مرة ترد فيها كلمة رياضة بورقة غرفة التجارة لا هدف منها سوى أن يتمتع بالحظوة والرضا من أحد محركات الحكومة ذات الدفع العالي، وبداية هذا الرضا تعيين صديقه الصدوق وعقله المدبر كوكيل في وزارة محرّك الحكومة ذي الدفع العالي. أولّي وجهي شطر اليسار فأرى نائباً لم ينطق طوال مدة هذا المجلس، ليتحوّل بقدرة قادر إلى قيصر الكرة الألماني فرانز بيكنباور، ويهنئ مجموعة ولد العم على خرقهم للقانون، ويهدد من يعاقبهم بالويل والثبور وعظائم الأمور. أشاهد من بعيد لأجد نائباً طائفياً لا تضيء «لمبته» إلا بمواضيع الفتنة والتقسيم الطائفي، ليأتي اليوم ويتحدث ويفتي ويتفرعن ويهدد بزوال غرفة التجارة على يديه، وأنا جازم بأنه حتى لا يفقه ما الأمر؟ كل هذا لإرضاء مجموعة ولد العم وعرّابهم. هذا الثلاثي إضافة إلى صحف صفراء وخضراء وإلكترونية وكتّاب مضحكين كالكاتب الذي يكتب بلقب دون اسم (ماندري منو إهوا كلّش) يهددون ويعيدون ويزيدون بأن غرفة التجارة ستسقط وتزول ما إن تكلمنا عن الرياضة وسعينا لسيادة الدولة. هؤلاء المساكين يعتقدون أننا لا نتحدث لأجل سيادة الدولة، بل كل همنا النائب مرزوق الغانم وأخواله، فإن تحدثوا عن مؤسسات مالية وتجارية فإن ألستنا ستكف وأقلامنا ستجف خوفا من الإضرار «ببوعلي» وأهله… هذا إن كان النائب مرزوق الغانم فعلا ينسحب أو حتى يتردد إذا ما تم تهديد رياضتنا بتجارتهم، وهو ما لم أشهده من «بوعلي» بعد. ولنختصرها لكم من الآن لو أغلقتم وكالة علي الغانم، وأضرمتم النار في كل سيارات مجموعة الملا، وفعلتم ما هو أسوأ من ذلك، فإن هذا لن يوقفنا ولن يغير قناعاتنا ومطالبنا، فالغانم والملا والصرعاوي ماهم إلا وسيلتنا اليوم في إحقاق الحق، فإن غابوا لن تطفأ كلمة الحق بغيابهم أو تراجعهم، بل سنجد ألوفا مؤلفة غيرهم لن ترضى بأن «تلسّب» كما يريد ولد العم، أو أن يمشوا خانعين خاضعين كما تمشون أنتم. ضمن نطاق التغطية: «أرض عالبحر بمساحة 18 ألف متر مملوكة للدولة قيمة إيجارها الشهري 18 ديناراً فقط، هذه الأرض شيد عليها مجمع أولمبيا، دام هذي سواياكم، يحق لكم تطالبون بإبعاد السياسيين عن الرياضة». خارج نطاق التغطية: د. رنا العبدرزاق أيقونة مميزة ومضيئة في العمل الإنساني الكويتي، شاركوا معها في السابعة من مساء اليوم في إحياء اليوم العالمي للمتبرعين بالدم في بنك الدم بالجابرية.