سامي النصف

تفنى أمة ليسعد فرد

يمثل العراق أقصى الشمال العربي بينما يمثل السودان أقصى جنوبه، والاثنان مبتليان بمن رفع شعار «تموت أمة ليهنأ فرد» بدلا من الشعار المعروف الذي يطالب الأفراد بالفناء لتهنأ الأمم بالعيش الكريم، الجار العراق والشقيق السودان مقبلان على أخطار ماحقة ستبقي منطقتنا جالسة على صفيح سياسي وأمني ساخن الى ما شاء الله.

في العراق يعرقل الرئيس المالكي تشكيل الوزارة رغم خسارته الانتخابات ورغم ان حلفاءه المؤثرين كحال المجلس الأعلى وحزب الدعوة يرفضون إعادة ترشيحه لرئاسة الحكومة، تعنت المالكي يهدد بعودة عمليات القتل والقتل المضاد الى العراق الجريح، كما يجعله مهددا بالتفكك على معطى الأزمة الحالية خاصة مع تقلص عدد القوات الأميركية الداعمة للأمن والسلام في بلاد الرافدين.

مع بداية السبعينيات، وبعد انقلابه العسكري المشؤوم قرر الرئيس جعفر النميري تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في السودان (طبقت بالفعل عام 1983)، والذي يغلب على جنوبه الطابع المسيحي والوثني، ولم يكن النميري في حقيقة الحال متدينا أو ملتزما بأصول الشريعة وانما أراد عبر رفع ذلك الشعار المدغدغ استغلال الموجة السائدة آنذاك لدعم نظامه المستبد، الا انه في الوقت ذاته أشعل عبر ذلك الشعار بدايات الحرب الأهلية السودانية بين الشمال والجنوب.

في عام 1989 خطط د.حسن الترابي لانقلاب عسكري أطاح بالحكومة الديموقراطية المنتخبة بقيادة الصادق المهدي، وأعلن قيام الجبهة الإسلامية القومية (العربية) الحاكمة، ثم أسس عام 1991 المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي مما رفع درجة التناقض مع الجنوب السوداني، حيث انه لا عربي ولا مسلم، وتجددت الحرب الأهلية التي جند لها حتى طلبة المدارس والجامعات دون فائدة ولم ير الجنوب خلال تلك العقود الا جيوش الحكومة ومتطوعيها تقوم بغزوه وتدمير قراه ومدنه حتى توقفت الحرب عبر اتفاقية نيفاشا في 9 يناير 2005.

لقد طالبت بعض الصحف السودانية وبحق بأن يرشح حزب المؤتمر جنوبيا لانتخابات الرئاسة السودانية التي جرت قبل أشهر قليلة كنوع من الطمأنة للجنوبيين قبل استفتائهم على الوحدة او الانفصال بداية العام المقبل، وللحزب بعد أربع سنوات ان يقوم بترشيح شمالي آخر، الا ان الحرص على اسعاد وتحقيق رغبات الفرد حتى لو كانت على حساب تفكك الأمة جعل الحزب الحاكم يخالف ذلك الطرح المنطقي ويرشح شماليا مما يمهد لخلق حالة يوغوسلافيا جديدة سنشهد بزوغها العام المقبل.

آخر محطة:

حتى منتصف الخمسينيات كان السودان (2.5 مليون كم2) جزءا من مصر وكان مقبلا على استفتاء به خياران الأول البقاء ضمن دولة الوحدة والثاني الانفصال، وقد قام الرئيس عبد الناصر بسلسلة أخطاء فادحة قطع عبرها الصلات العديدة التي تربط شعبي وادي النيل حيث ضرب الشيوعيين (أغسطس 1952) وأحزاب العهد الملكي (نوفمبر 1953) والاخوان المسلمين (نوفمبر 1954) ولم يبق ضمانا لبقاء الوحدة الا بقاء الرئيس محمد نجيب (نصف السوداني) والمحبوب هناك الا ان سيطرة شعار مصلحة الفرد فوق مصلحة الأمة ووحدتها جعل عبد الناصر يعزله بطريقة مهينة ويسجنه مما حسم الأمر ومهد لانفصال الجنوب (السودان) عن الشمال (مصر) والتاريخ يعيد نفسه هذه الأيام.

احمد الصراف

خمس الأئمة والتربية والتعليم

انتشرت على الإنترنت، إضافة لما كتبته صحيفة الأيام البحرينية(6/24)، وقبلها صحف كويتية، وتصريحات لرجال دين شيعة في الكويت، انتشرت مقاطع من فيلم مصور بالهاتف النقال لوكيل احد المراجع في منطقة العمارة العراقية «م. ن.» والذي يظهره وهو يمارس الجنس مع نساء عدة، الأمر الذي أثار موجة غضب عارمة في الشارع العراقي. وذكرت هذه المواقع أن الفيلم ضم مقاطع عدة، وأن المتهم استغل موقعه الديني وعوز الضحايا وفقرهن وجهلهن للإيقاع بهن، وانه كان يمارس الجنس مع نساء متزوجات وبعضهن معروفات. ويقال إن العشائر اشتبكت في ما بينها ووقع بعض الضحايا ومنهن متهمات. وقالت المصادر إن بعض مقلدي المرجع تجمعوا أمام بيت المتهم لمطالبته وعائلته بإرجاع الخمس والزكاة التي كانوا يدفعونها له وإلا فإنهم سيقدمون دعوة قضائية بحقه وبحق مكتب السيستاني! وذكرت أن وفدا من أجهزة المحافظة قام بزيارة للمكتب مطالبين بضرورة تسليم الجاني للقضاء وإلا فإنهم سيتخذون الإجراءات اللازمة. وقالت الصحيفة ان الشيخ احمد الانصاري، وكيل المرجع الذي يتمتع بعلاقات حميمة مع اغلب رموز عشائر محافظة ميسان، قام بدور مصلح وساتر للفضيحة التي خلفها زميله ونظيره في وكالة المرجع. وأكدت المصادر أن الأنصاري، نقلا عن «الأيام» البحرينية، نقل عنه مطالبة عشائر العمارة حفظ المذهب وأئمته الأطهار والمبادرة بالصلح وغض النظر عن كل ما حصل ووقع، لكي لا يشمت التكفيريون ويطبلون ويشنعون على قادة المذهب وعلى المرجعية الدينية في النجف الأشرف، كون المتهم من رموز المرجعية وابنا للمذهب، ولكنه غير معصوم وممكن صدور الخطأ منه ومن غيره! ويشاع أن المرجع أصدر فتوى بملاحقة المتهم لما تفرضه الشريعة الإسلامية على كل من زنى بعد إحصان.
شخصيا، أعتقد أن في الأمر مبالغة كبيرة في ما يتعلق بالإجراءات التي قام مكتب المرجع باتخاذها، فالرجل لم يعرف عنه التسرع في شيء، وبالتالي أتمنى أن يأخذ الحق مجراه وان تجرى للمتهم، الذي لا يزال حسب العرف الإنساني، بريئا حتى يدان، محاكمة عادلة ينال بعدها ما يستحق من قصاص، ولكن هذا ليس ما يهمني الكتابة عنه، فما كشفته هذه القصة، وربما غيرها العشرات، هو مسألة إصرار البعض، والفقراء والجهال منهم بالذات، على دفع مبالغ مالية نقدية لممثلي المراجع من دون سؤال أين تذهب هذه الأموال؟ وكيف تصرف؟ ومن يراقبها؟ وفي أي المجالات تستثمر؟ وماذا يحدث للأرصدة الكبيرة بعد وفاة المرجع الذي أعطيت له في المقام الأول؟ وما هي النسبة التي يحق لممثلي المراجع استقطاعها قبل توريد المبلغ، أو المبالغ المتجمعة في حساب المرجع؟ وغيرها عشرات الأسئلة التي لم تتبرع يوما أي جهة ومنذ مئات السنين بالإجابة عليها. وكما ذكرنا في مقال سابق فإن باب الخمس المفتوح لم ينتج عنه، في الخمسمائة سنة الماضية على الأقل، أي مشروع عظيم يمكن أن يشار إليه بالبنان بأنه من منتجات الخمس وبركاته، وخاصة في ميادين التربية والتعليم.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

ستفترق امتي

«ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة» حديث متفق عليه، ويؤمن به الشيعة والسنّة والسنّة والشيعة كي لا نغضب أحدا. اثنتان وسبعون فرقة مسلمة ستدخل النار إلا واحدة ستدخل الجنة، ولم يعلن الحديث النبوي من هي الفرقة الناجية، وحتى إن سلمنا بتخريجة بعض المذاهب بنقلها غير المؤكد عن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام بأن الفرقة الناجية هي الفرقة السائرة على ما الرسول عليه وأصحابه، فإن الأصحاب اختلفوا وانقسموا بعد الرسول، وهو ما يعني أن ما كان يقصده الرسول بالأصحاب ليس المعنى المتعارف عليه اليوم، وهذا ما يعني أننا اليوم كسنّة وشيعة وشيعة وسنّة فرقتان فحسب من 73 فرصة للفرق المسلمة بأن يكونوا الفرقة الناجية. بلغة الأرقام فإن أي فرقة مسلمة لها احتمال مقداره 1.4% فقط لأن يكونوا الفرقة الناجية، وبالتأكيد فإن كل فرقة لها أدلتها وبراهينها على أنها الفرقة المصيبة الناجية من النار، ولا أعلم إن كان المسلمون وصلوا إلى هذا العدد من الفرق أم بعد، ولكن في النهاية أكرر بأن احتمال كل فرقة لا يتجاوز الـ1.5% فحسب. على الرغم من هذه الاحتمالات الضعيفة التي أكاد أجزم أن هذه الاحتمالات لو عرضت على أي شخصية طائفية في الكويت لقرار تجاري أو سياسي أو حتى اجتماعي فلن يضحي ويجازف بنفسه لاحتمال طفيف جدا كهذا، ومع ذلك فشخصيات كهايف وعاشور والمطوع والصوّاغ يتناحرون لإثبات عقيدة أفضل من الأخرى وما أكثر جمهورهم في بلادي! بكل تأكيد فإن من وضع الأسئلة المقسمة للتلاميذ في اختبارات التربية الإسلامية يستحق العقاب ليس لمجرد أنه أيد عقيدة دون الأخرى، بل ما الفائدة المرجوة من ترسيخ الطعن بعقيدة مذهب وتأكيد آخر والاحتمالات لكل عقيدة لا تتعدى الـ2%؟! لنفرض أن الشيعة هم الخطأ والسنّة هم الفرقة الناجية فهل ستحل مشكلة المرور؟ وهل ستتوقف أزمة الكهرباء؟ وهل سيزول الفساد؟ لا أرى دنيويا لمسلمي اليوم أي فضل علي، فلا السيارة ولا التلفون ولا الكهرباء ولا تقطير الماء ولا التكييف ولا الكمبيوتر ولا الطائرة ولا شيء يخدم البشرية من صنع إسلامي، وذلك باختصار لأن كمية من الرجعيين قررت أن تكتشف طوال أربعة عشر قرنا من الزمان من هي الفرقة الناجية، وانصرفوا عما يخدم البشر والبشرية. سؤال قبل الختام: «شتسوى عليكم يا أهل الفتنة ألا يكون لا الشيعة ولا السنة هم الفرقة الناجية؟» خارج نطاق التغطية: اقتراح لوزارة الكهرباء مقدم من شخص أمّي قد لا يفقه شيئا وقد يكون حله مفيدا في أزمتنا، الاقتراح أن يتم تقليص إضاءة أعمدة الكهرباء في الطرق خلال فترة الصيف إلى 4 «لمبات» بدلا من 6 في كل عمود. 

حسن العيسى

طويت صفحة أخرى من الزمن (2)

"كنت أنام حالماً بنادية لطفي في "النظارة السوداء" وميرفت أمين في "أبي فوق الشجرة"، وأصحو مرتعباً على حقيقة يومي مع نجمة إبراهيم في "ريا وسكينة" وزينات صدقي في "إسماعيل يس طرزان".
الشاطئ الطويل الخالي من مطاعم الفاست فود وسيارات الاستعراض الشبابية تتسابق مسرعة ثم تستلقي بجثث أصحابها في حوادث السير لم تكن به في تلك الأيام الضائعة غير بضعة "حظور" (مفردها حظرة) لصيد الأسماك يملكها جيراننا من عائلات عوازم السالمية، ومرات كثيرة كنت أشاهد أحد أولاد المانع أو صديقنا عطية سفر- وكان طويلاً عملاقاً- وهم على ظهر "جالبوت" مركب صغير مصنع يدوياً من التنك والأسفلت الطري لمنع دخول الماء (نطلق عليه اسم طاري)، كان يلقبون "تيتانك" الدمنة "بالتناكه"، كان الطويل الصديق عطية مع شقيقي شملان يحملان فوق "التناكه" قفصاً من أسلاك دقيقة يسمونه "قرقور" توضع فيه بعض الأسماك الصغيرة الميتة وبعض القباقب (سرطان البحر) والشرايب السوداء (قنافذ البحر) تشابه إلى حد كبير "افروديتات" اليوم  للبعض من رائدات "مولات" بني نفط.
ويرمى القرقور بالبحر وقت المد… وتربط فوقه بحبل قطعة خشب أو فلينة- لا أذكر تماماً- وتترك كوسيلة استدلال على مكان القرقور… ثم يعودون إليه بعد مدة لإفراغه من صيد اليوم… لا أذكر عدد المرات التي غزوت فيها تلك  "القراقير" غائصاً هارباً من الملل، لا لأفرغها من جوفها من الصيد فهي ملك لأصدقاء وأقرباء… ولكنها كانت وسيلتي للتسلية بالعبث بها… ثم أصعد بعدها إلى سطح البحر… أبحث عن سمك حي له جسد كامل الدسم الإنساني يشبع نهمي المجنون… لكن لم يكن هناك شيء غير أمواج الخليج الواهنة يتلألأ فوقها ضوء شمس يخفت وهج حرارتها وقت ساعات العصر وقبيل الغروب، تظهر كأنها أهلة من الفضة اللامعة طفت بهدوء فوق سطح الركود… بأي قدر وبأي حق كتب علينا في أيام الحرمان تجرع كؤوس المرارة في ذلك الزمن الماضي… التي عادت إلينا اليوم أكثر ضجراً وسأماً… فأعود وأسرح بذكرياتي وأسأل عمن يفرض علينا حكم القهر… ومن يمارس اليوم حريته ويسلب حرياتنا في الوجود… في البهجة… في لمحة الشباب… وفي ضجر الكهولة.  
مضت الأيام مسرعة تقضم بنهم من سنين العمر.
وحدث في أول سنة بكلية الحقوق بالجامعة أن تحدث الكثيرون عن "ثورة الشباب" عام 68 في فرنسا… وفي الولايات المتحدة… كان فكر المؤسسات الحاكمة وقيمها محل رفض عند شباب تنبض عروقهم بالعشق وقلب الدنيا على عوالم مؤسسات النظم، وما يفرض من السلطات الحاكمة، ووقف فلاسفة مثل ميشيل فوكو وسارتر سنداً لها، وغنى معها مطرب البيتلز جون لينون الذي قتل في بداية الثمانينيات… في تلك الأيام أحرقت السيارات والمحلات في باريس وانقلبت الأحوال، وأسقط الجنرال ديغول في استفتاء لاحق… لم يرحم شعب فرنسا محرره الإنسان الكبير… فتلك شعوب لم تكن تدين بغير دين الحرية، وولاؤها للجمال ولآمال الشباب العريضة لا للعطايا وشراء الولاءات، وفي الولايات المتحدة كان هناك نوع آخر من العنف ضد العنصرية… كان العالم يغلي ويموج بينما كنا نتجرع ذيول هزيمة حزيران المنكرة… ورحيل الحلم القومي العربي إلى غير رجعة… لينهض بعدها شعار "الإسلام هو الحل"… فبعد عبدالناصر يأتي الظواهري… وبعد بن بللا قدم بن لادن.
أطلقوا على ثورة الشباب "ثورة الجنس" في فرنسا… أما في الكويت… فتحركنا بعدها بسنة للمطالبة بالاختلاط في الجامعة… ولم نعرف من إرهاصاتها غير مسيرات بسيطة لمجلس الأمة ومحاضرة تشرح حركة ثورة الشباب في العالم من الدكتور اللبناني الراحل حسن صعب ألقاها في مدرج بكلية التجارة والاقتصاد… قدم المحاضر حسن مدير الجامعة المرحوم د. عبدالفتاح إسماعيل… أطال مدير الجامعة الحديث لتعريفنا بالمحاضر الكبير… مللنا… كنا ننظر إلى مدير الجامعة على أنه المتحدث باسم المؤسسة المحافظة التي تفرض العزل بين الجنسين وتجتر الخطاب الرسمي الممل والمكرر للدولة بمجلسيها النواب والوزراء… فقاطعه الطالب عدنان حسين بعبارة: يا دكتور لم نأت هنا لنسمعك… جئنا لنسمع الدكتور حسن صعب…
خجلت قليلاً من "دفاشة" (غياب الحلم) عدنان وهمست عندها ابنة العم نسيبة عبدالعزيز المطوع لعدنان… اص… عدنان… اصبر… عيب…! لكن كان عدنان ونحن وأوهامنا كما حاضر عنها حسن صعب في واد، وكان الواقع الحاكم  في وادٍ آخر… مضت تلك الأيام… ولم نعد نملك منها غير فقاعات صغيرة في بحر الذكريات… ويظل الزمن يمضي والمكان يذوي ويزول ونزول معه، فلسنا في النهاية غير ذرة مكان في كون بلا نهاية ولا بداية.

احمد الصراف

مجوس إيران وملالي طهران

في كل عيد ميلاد تُحكى قصة ولادة المسيح بتفاصيلها، ومنها حادثة زيارة ملوك المجوس الثلاثة، الذين أتوا من الشرق، ليشهدوا ميلاد السيد. وطالما ألهبت هذه الزيارة بتفاصيلها مخيلة الكثيرين، ونالت عظيم اهتمام الباحثين، وكانت مدخل المجوس لقلب المسيحية من أوسع الأبواب.
والمجوسية، أو الزرادوشتية، هي من أقدم ديانات العالم، ويعتبرهم جل رجال الدين المسلمين من أهل الكتاب الذين أشار اليهم القرآن (اضافة للمسيحيين واليهود وربما الصابئة)، وكانت ايران تدين بالزرادوشتية قبل اتخاذ غالبيتها الاسلام دينا. وللمجوس آلهة خير وعددهم 12(!!) وكذلك عدة آلهة شر. ولا يزال يعيش المجوس في ايران على الرغم من محاربة كل الأنظمة لهم. وسبق أن هاجر جزء منهم الى الهند قبل 1000عام ويعرفون هناك بــ«بارسي» Parsi، نسبة لفارس، ومنهم الملياردير تاتا. ويحترم المجوس النار والشمس لرمزيتهما، والنار لا تنطفئ في معابدهم، ولكنهم لا يعبدونها، كما يشاع عنهم، بل يعبدون الاله «أهورامزدا». وتقول بعض المصادر عنهم (كتاب هالة الناشف 1972) ان سلمان الفارسي كان مجوسيا، قبل تحوله للمسيحية ثم الاسلام. وأن المجوس كانوا يتواجدون في البحرين، كما تواجدوا في العراق ومناطق كثيرة أخرى.
ويقف رجال الدين المسلمون من المجوسية موقفا شديد السلبية يفوق موقفهم من البوذية أو الهندوسية، ولغير سبب مفهوم. وعلىالرغم من كل هذا العداء فان المجوس اليوم قوم شديدو الاحترام لغيرهم وهم مسالمون لا يؤذون أحدا، رغم قوتهم المعنوية والمادية، كما أنهم محل ثقة واحترام لكل من تعامل معهم.
نقول ذلك بمناسبة رسالة الكترونية وردتني من صديق بعنوان: «الجهل والتخلف المجوسي»، وعند فتح الرابط وجدت خطبة لرجل دين شيعي ايراني يتحدث فيها عن معجزة حدثت في طائرة تعرضت لخلل كبير ولكن تم انقاذها، أو اصلاح الخلل فيها، بالدعاء(!)، وبحثت عن الصلة بين عنوان الرسالة ومضمونها فلم أجد، وهنا انتبهت الى أن الكثيرين يميلون لربط النظام الديني في ايران بالمجوس وديانتهم رغم أن هؤلاء، كغيرهم من الأقليات، هم الآن من ضحايا نظام الملالي في طهران، كما أن الصفة لا علاقة لها بالموضوع. ووصف النظام الايراني بأنه مجوسي أمر مضحك وبعيد عن الحقيقة، على الأقل من الناحية الدينية البحتة وطريقة المعيشة والعادات والتقاليد، وبالتالي لا يتضمن اهانة محددة، هذا على افتراض أن من قام بوصفهم بالمجوس يقصد الاساءة لهم، علما بأن للمجوس دورا كبيرا في بناء حضارة فارس القديمة والعريقة، ووصف الشعوب الايرانية اليوم بالمجوس يشبه وصف المصريين بالفراعنة. فهل النظر لما قدمه الفراعنة للحضارة المصرية ما يسيء لمصريي اليوم؟ قد يكون الجواب بــ«نعم» عند المنتمين الى حضارة الرمال!!

أحمد الصراف

سامي النصف

الهواية المشكلة.. الاحتراف الحل

أحد أهم أسباب مشاكل البلد حقيقة أن لدينا الكثير من أصحاب الشهادات والقليل من أصحاب الكفاءات ممن يطورون أداءهم ليصبحوا مراجع في مجال اختصاصاتهم «كحال د.إبراهيم الرشدان» وبسبب وفرة الهواة كثر الخطأ وقل الصواب.

ذهبت قبل أيام لمجمع الوزارات للمراجعة حول معاملة بسيطة جدا وقد صادفني أحد مسؤولي الوزارة المعنية عارضا علي المساعدة فرفضت كون القضية كما اعتقدت «لا تسوى» وكلها دقائق وينتهي الموضوع، وما حدث بعد ذلك أغرب من الخيال في كم الخطأ والغفلة والإهمال الشديد حتى احتاجت تلك الدقائق إلى مراجعة مستمرة لأيام عدة ولم أشعر خلالها بأن أحد الموظفين المعنيين يشعر بالمسؤولية أو الذنب عن أخطائه الشنيعة و.. ما فيها شيء.. أخطاءنا خير يا طير!

إن التحول من نهج «الهواية» الذي يثير تذمر الناس إلى نهج «الاحتراف» الذي يرضيهم يمر بسلسلة من الأعمال المهمة والرئيسية أولها تغيير مناهج التعليم التي تخرج لنا حاليا الهواة من الموظفين إلى مناهج متطورة (عبر نظام المدارس المستقلة) كي تخرج لنا المحترفين من المهنيين، ثم فرض بعد ذلك عمليات تدريب أولي للموظفين حول كيفية ممارستهم أعمالهم واستقبال المراجعين ثم تلحقها دورات تنشيطية للسنوات اللاحقة.

وجزء أساسي للتحول من نظام الهواية القائم إلى نظام الاحتراف ضرورة تعديل الوضع المعوج القائم في القطاعين العام والخاص الذي تستخدم به العصا بشكل مؤلم ضد المبدعين والجزرة الشهية كمكافأة للمهملين ضمن الفهم الخاطئ للعقلية الإدارية الكويتية التي تعتقد أن الهدف من عملها التضييق على الموظفين وقتل روح الإبداع فيهم.

لقد انتهى الوضع بنا إلى ضرورة أن يصبح كل مراجع أكثر فهما ودراية من الموظف المختص الذي أمامه حتى لا يقع في الأخطاء الجسيمة، ويمتد هذا الأمر للأسف الشديد إلى أعمال فنية شديدة الاختصاص ولا يحاسب عادة من يقعوا بتلك الأخطاء بل يتم في كثير من الأحوال الترقي السريع لهم مع كل خطأ يرتكبونه وهو أمر فريد بين الأمم.

آخر محطة:

1 ـ احدى الدلالات الهامة في انعدام الاحتراف المهني المحلي ندرة من يستضاف من المهنيين الكويتيين من قبل القنوات الفضائية العربية والعالمية.

2 ـ نصاب في بعض الأحيان بموجة تعرق شديدة عند سماع ما يقوله بعض «المختصين» المحليين لوفرة الزلل وكثرة الخطأ فيما يقولونه والذي لا يقع بمثله مبتدئ صغير في مجال تخصصهم.

3 ـ بالمثل لا نشاهد لاعبين كويتيين محترفين لدى أندية الدول الأخرى فظاهرة الهواية وعدم الاحتراف طاغية على كل المجالات.

محمد الوشيحي

إلى لقاء…


شهر يوليو وأنا كهاتين، السبابة والوسطى. والشهور تتشابه شكلاً وتختلف مضموناً، تماماً كما يتشابه الذئب والكلب في الشكل، فقط في الشكل، ويختلفان في كل أو جل ما عدا ذلك. فالكلب يبحث عن كفيل يرمي له العظم، ويوجهه ويأمره ويوقّع معاملاته، فهو لا يجرؤ على الكسب بمفرده، وإذا لم يجد كفيلاً سرح في الشوارع مع آخرين من فصيلته، سمّاهم الناس «الكلاب الضالة». وهو يخشى صعود القمم، وتجده دائماً بين الرمم، وقد يتربى في حضن أرملة عجوز، وقد يتربى في حضن ولد مترف، أو تحتضنه وتداعبه راقصة ثرية، أما الذئب فلا كفيل له إلا نابه ومخلابه، وهو يسرح وحيداً، عادة، في البراري لا في الشوارع، وإذا تاه وسرح في الشارع اختبأ الجبان خلف حليلته، وولولت الحليلة واحتضنت أطفالها وأغلقت الأبواب وتأكدت من قفلها، وتدخلت الشرطة والمطافئ وسيارات الإسعاف والكاتب أحمد محمد الفهد (هو كاتب يتمتع بسخافة مرعبة، أساساته مائية، لكنه أشرف مليون مرة من بعض الكتّاب الذين يتطاولون على أهل خصومهم، ويفجرون في الخصومة. وهو كاتب ما أحلى مداعبته، وما أظرف مناغشته، فبين حين وآخر أرميه بكلمة أو جملة فتصيبه في جبهته، وأتعمد أن أبعدها عن ترقوته، ثم أتركه يئن في مقالة كاملة، فأضحك حتى أتألم، وأتساءل وأنا أضع يدي على بطني: من أين له كل هذه السخافة؟).

ويا سلام على شهر يوليو في السنين الخوالي، عندما كنت أتسلّم «ميزانية السفر» من الأصدقاء، مئتي دينار من كل واحد بخلاف التذاكر، فنرمح ونتصرمح ونسهر سهرات لا يسهرها «أغا خان» بجلالة بذخه، فتجف الميزانية خلال خمسة أيام، فيلعنون الساعة ويلعنون أنفسهم التي سوّلت لهم الاعتماد على مجنون يحترم التبذير ويحتقر التدبير، وأشاركهم اللعن، ونعيش في ضنك، إلى أن نعود إلى الصباحية سقتها «المزون» السود.

واليوم، أسمع دويّ أقدام شهر يوليو مقبلاً، مرحبا الساع، على رأي أهل الإمارات. ولك عليّ يا يوليو العزيز ألا أشغلك بالسياسة عن السياحة، ولي عليك، قبل أن تصحبني إلى قمم الجبال، أن تستأذن لي القراء وإدارة التحرير بالغياب شهراً أو يزيد، على أن أكتب كل يوم خميس طوال المدة هذه إما استراحة أو مقالة، بدءاً من الخميس المقبل.

في أمان الله… 

سامي النصف

الكهرباء والبيوت الخضراء ومصباح القصيبي

يذكر الدكتور المبدع غازي القصيبي، شفاه الله، في كتابه «علوم الإدارة» انه وضع مصباحا زهيويا (كاز) في مكتبه في أول يوم تسلم فيه كرسي وزارة الكهرباء وتعهد ألا يطفئه حتى يوصل الكهرباء لأصغر بيت في أكثر المناطق بعدا ونأيا عن العاصمة وهو ما تم، نرجو من وزير الكهرباء الشاب ان يقوم بالمثل ولا يطفئ ذلك المصباح إلا بعد القضاء التام على ازمات الكهرباء المتتالية التي تستغل لغير مقاصدها.

تعمد بعض الدول الخليجية الشقيقة للأخذ بمنهاجية إنشاء البيوت الخضراء منخفضة الكلفة التي توفر الكهرباء بنسبة 60% عن البيوت العادية، كما توفر ما نسبته 80% من استخدام المياه عبر إعادة تدويرها (المياه الرمادية) واستخدامها للزرع والحمامات وغسل السيارات وغيرها من استخدامات ثانوية في بلدان لا امطار ولا انهار فيها.

ولا يكتفى ضمن تجربة البيوت الخضراء برخص الثمن وتوفير الطاقة والمياه بنسب ضخمة، بل يتم في الوقت ذاته توفير ملايين الاطنان من انبعاثات ثاني اكسيد الكربون المصاحبة للاستهلاك غير الرشيد للطاقة، وتمتاز البيوت الخضراء بدخول الشمس لها، مما يقلل الأمراض الجسدية، ووجود اسقف شفافة لها لرؤية السماء والنجوم مما يحسن النفسيات بشكل عام ويخفف من نسبة التلوث الضوئي داخل المنزل.

وقد استخدمت تلك التقنيات في إنشاء برج خليفة الأعلى في العالم بدبي حيث توجد 387 خلية شمسية على سطحه تستخدم لتبريد وتسخين 140 ألف ليتر من المياه يوميا، كما تستخدم المياه الناتجة عن مكيفات البرج في عمليات سقي الزرع وتنظيف المرافق العامة.. إلخ.

وفي دراسة بحثية لذلك النوع من المباني الخضراء الذكية ثبت انها سريعة الإنشاء بشكل مذهل ورخيصة التكاليف بشكل لا يصدق، كما ان اسقفها وجدرانها اقوى من البيوت العادية بعشرات المرات حيث اثبتت تلك المنازل، حسب ما جاء في الدراسة، جدارتها ابان اعصار كاترينا وعواصف ألمانيا، حيث بقيت صامدة عندما تهدمت البيوت الاخرى امام رياح بلغت سرعتها 300 كم/ ساعة، وقد ثبت انها تحتاج الى رياح واعاصير سرعتها 650 كم/ ساعة لزحزحتها.

آخر محطة:

(1) لماذا، وبحق، لا نتفق جميعا على غسل السيارات مرة في الأسبوع او على الأقل مرة كل ثلاثة ايام واعتبار السيارة المغبرة افضل «وطنيا» من السيارة التي يتم غسلها وتلميعها كل يوم؟!

(2) سافر الأبناء قبل شهر ومنعت غسل سياراتهم في غيابهم ومازلت استعمل تلك السيارات دون ان يلحظ احد عدم غسلها (احداها سوداء واخرى رمادي غامق)، فأغلب الغبار المتراكم يتطاير مع اول تحرك للسيارة.

(3) التنبؤ الرياضي ببلاش لذا ارجح فوز البرازيل والارجنتين وألمانيا وهولندا في مباريات اليوم والغد كما ارى ان المراكز الثلاثة الأولى في المونديال لن تخرج عنهم… والله أعلم!

حسن العيسى

طويت صفحة أخرى من الزمن (1)

كانت الرمال في وقت المد ترتخي بكسل على امتداد شاطئ الدمنة، في أوقات الجزر كانت تظهر صخور الكلس (جير) الجارحة تغطيها أعشاب خضراء كالغائط المائع، تتخللها مساحات من الطين الداكن، في الجزر لم يكن يسمح لنا بالعوم، فكان الكبار يقولون لنا إن "الفراييل" ترقد في الطين وبين الصخور، و"الفراييل" جمع فريالة، وهي نوع من الأسماك الصغيرة تحمل شوكة سامة على ظهرها، وإذا لامسها السباح تغرز به وتصيبه أوجاع شديدة في باطن قدمه، ولا أعرف الاسم العلمي للفريالة، لكن في أوقات الجزر، كان جزر آخر يتمدد في صدري اسمه الفراغ والملل, فالبحر حين تكون "الماية طفوح" (المد) كانت فرحتنا به كبيرة فنبتهج بالسباحة، وحدث مرة أن تضاعفت بهجتي حين تمددت أمامي على الرمال الساخنة مجموعة من النساء الأجانب لا يغطي أجسادهن البيضاء غير قطعتين من الملابس، أما بقية الأجساد الطويلة النحيلة المستلقية على الرمال الساخنة من أجل "صن تان" فكانت عرايا، كن مرمراً من النور سقط سهواً في خليج "اوه  يا مال"، كانت تلك المجموعة من السيدات اللواتي جئن في ذلك الصيف أداة معرفتي كيف يكون جمال الجسد الأنثوي، كنت أراقبهن بعين الصقر، وهو يدرك سلفاً غياب أمله في الغنيمة وخيبة أحلام المراهقة… لكن إن كان واقعي محروماً من متع إشباع الرغبة لمراهق صغير  فلم يكن خيالي يعاني الحرمان… فكان هناك العوض الوقتي يتم تخديره مؤقتاً بحكم عادات الحرمان وسواطير العيب والممنوع بوسائل أخرى حين أنفرد بذاتي، أحاور فيها خيالات حوريات الإفرنج، وأحياناً ترافقني صور فوتوغرافية من مجلة الموعد أو الشبكة لنجمات السينما المصرية كسعاد حسني أو نوال أبوالفتوح وهما بالمايوه المحتشم ذي القطعة الواحدة، ويستر قليلاً من الفخذين، وتمضي معها لحظات… وينتهي كل شيء… يخمد بركان الحرمان قليلاً ليعود مرة ثانية بعد وقت قليل… وهكذا كانت تسحقنا سنوات المراهقة في "بئر الحرمان".

احمد الصراف

دهن العود والغترة واللحية

قال غوبلز، وزير دعاية النازي: عندما اسمع بمثقف أضع يدي على مسدسي، تحسبا! وقال صديقي يعقوب: عندما يزورني من تفوح منه رائحة «دهن العود» ويرتدي غترة حمراء على دشداشة صفراء، ويربي لحية الإخوان، ويمثل بنكا أو شركة إسلامية استثمارية أضع يدي على محفظتي، خوفا من ضياع مالي!
***
سمعت تلك الطرفة، أو النصيحة، من صديقي منذ أكثر من 5 سنوات تقريبا، ولم أعرها كثير اهتمام في حينه، فقد كنت وقتها في أوج تحقيق أرباح كبيرة من استثماراتي في شركات يديرها من هم على شاكلة من تنطبق عليهم تلك الأوصاف، وكنت سعيدا لأنني خالفت رأيه، فقد كان يتندر بالقول أمام الآخرين بأن مخالفتي له حققت لي الكثير من الربح، وأن واحدا ممن تنطبق عليهم أوصاف «دهن العود والغترة واللحية» قام بزيارته في مكتبه وعرض عليه شراء عشرة ملايين سهم في شركة «إسلامية» تحت التأسيس، وأنه انسجاما مع معتقداته الاستثمارية رفض العرض وتبين بعدها أنه خسر فرصة تحقيق أكثر من عشرة ملايين دينار من صفقة واحدة عندما ارتفعت أسهم تلك الشركة وغيرها لمستويات عالية. ولكن الأيام مرت والشهور تتالت والسنوات ركضت وتبين أن «يعقوب الكبير» كان على صواب وكنا، نحن الجشعين، على خطأ تام! فعند أول هزة مالية تهاوت الشركات الاستثمارية، الإسلامية منها بالذات، كأحجار ثقيلة معلقة بخيوط واهية من شجرة كبيرة، وتبين أن الموضوع كله «فالصو» (وهذه ربما تكون مشتقة من كلمة Faults الإنكليزية، والتي تعني خدعا أو عيوبا أو جنحا) وقد خسرت الكثير الكثير من الاستثمار في أسهم تلك الشركات، وبالرغم من كل تلك الخسائر فلا تزال رائحة دهن العود تفوح والغترة الحمراء في مكانها واللحية على طولها!
نعود لنقول ونحذر (وهنا نتحدث مع أنفسنا أيضا) بأن من الخطأ الكبير إقحام المعتقدات الدينية في الأمور المالية البالغة التعقيد، فسقوط هذه، شئنا أم أبينا، يؤثر سلبيا في الأخرى. وقضايا الاقتصاد في عالم اليوم بالغة التعقيد وتحتاج لنفسيات أبعد ما تكون عن الأمور العقائدية، فهذه لا يرجى من إقحامها، كما تبين لاحقا، غير تحقيق أقصى الأرباح من استغلال سذاجة الآخر، وكل ما كتبه «فطاحلة» المفسرين والمنظرين، من شيعة وسنة، في قضايا الاقتصاد والتمويل والتسليف والرهن لا يكاد يساوي قيمة الورق الذي كتب عليه!

أحمد الصراف