د. شفيق ناظم الغبرا

السياسة الأميركية والمسألة الفلسطينية

إن الاعتقاد بإمكان تهميش القضية الفلسطينية لن يكون ممكناً على المدى البعيد أو المتوسط مهما بلغت الخسائر الواضحة في الطرف العربي والفلسطيني، فهذا ما حصل مع الرئيس بوش الذي اعتقد بإمكان إنجاح السياسة الأميركية في المنطقة بلا حل عادل للقضية الفلسطينية، وربما يمكن القول ان الرئيس بوش مع نهاية ولايته لم يهتم بالأساس لمسألة السلام في الشرق الأوسط، بل غرق حتى العظم، طوال عهده، بقضية واحدة: الحرب في العراق. لهذا فإن تميز عهد بوش بشيء فهو الحرب في العراق والحرب على الإرهاب. ومع الحرب على الإرهاب أصبحت القضية الفلسطينية، كما أصبح «حزب الله» اللبناني و«حماس» مشمولين في التعريف، إضافة إلى الكثير من التيارات الإسلامية التي لا تمارس العنف المسلح. هكذا أصبحت المساحة من المحيط إلى الخليج مساحة قتالية من نمط غريب.
وتتمتع القضية الفلسطينية بغرابة وفرادة خاصة. فهي إن بدت في تراجع، تعود وتتفاعل بسبب عوامل إسلامية، وأخرى قومية، وثالثة وطنية، ورابعة اقتصادية، وخامسة نفسية، وإنسانية، لتخلق وضعاً يعيد إليها الوهج. فقضية فلسطين لا تخص غزة أو الضفة أو القدس أو الفلسطينيين، بل تخص العالمين العربي والإسلامي بدرجة مساوية، نظراً إلى ما تتمتع به من رمزية سياسية في العلاقات بين الشرق والغرب، وبين العالم الإسلامي والعالم الغربي. لهذا ستبقى السياسة الأميركية تدفع أثماناً مضاعفة وسلبية، طالما أن سياستها تجاه هذه القضية الحساسة بقيت لصالح إسرائيل ولصالح مصالحها.
الحالة العربية التي أنتجت «القاعدة»، وأنتجت هذا الغليان في العراق، وأنتجت البيئة التي يتحرك فيها الغضب تجاه السياسة الأميركية لم تكن معزولة عن القضية الفلسطينية. فأي مراجعة لهذا الغليان، ولتصريحات بن لادن والظواهري وغيرهما من ممارسي العنف، سيجد مكاناً دائماً للقضية الفلسطينية. وقد يكون هذا كله بدافع الاستخدام وحشد المؤيدين، ولكن هذا يعكس في الوقت نفسه المنزلة الخاصة التي تتمتع بها القضية الفلسطينية في العالمين العربي والاسلامي. إن سلوكيات «حزب الله» هي الأخرى لم تكن بعيدة عن القضية الفلسطينية بصورتها القومية، ففي عملية تبادل الأسرى ورفات الشهداء منذ أسابيع كان حضور القضية الفلسطينية كبيراً. فرغم تجاوزات «حزب الله»، و «حماس» في الساحات الداخلية لكل من لبنان وفلسطين إلا أن السياسة الأميركية ركزت على ما تقوم به هذه التيارات تجاه إسرائيل بأكثر مما تقوم به في بلدانها وعلى أراضيها. إن العالم العربي لن يتعامل بنجاح مع الديموقراطية وحقوق الإنسان، ولن يتعامل مع السياسة الأميركية بشكل مريح وبناء إذا لم تنجح الولايات المتحدة في إقناع العرب بأنها قادرة على أن تتحول إلى طرف محايد.
على سبيل المثال، قد يقتنع الكثيرون من العرب بأن الولايات المتحدة كانت لديها أسبابها في تغيير النظام في العراق، ولكن من الصعب إقناع أحد في العالم العربي بأن قرار حل الجيش العراقي لم يكن قراراً متأثراً بالمصالح الإسرائيلية. وقد يكون الكثير من العرب قد رأى خطورة «القاعدة» في أفغانستان، ولكن يصعب أن يفهم الكثيرون من العرب سبب إلغاء الطالبان كلية من المعادلة السياسية، رغم أنهم (الطالبان) يمثلون كتلة مهمة من قبائل أفغانستان، ويتمتعون بالكثير من الشعبية المحلية. كما يصعب فهم أسباب عدم نجاح الولايات المتحدة في إشراك الباكستان والهند وايران في إيجاد طريق لبناء الدولة في أفغانستان. ويصعب في الوقت نفسه اقناع العرب بأن الموقف الأميركي في الحرب على الإرهاب بصورته العامة ليس أيضاً جزءاً من الحرب على القضية الفلسطينية، خصوصاً أن «حزب الله»، و «حماس»، وأطرافاً أخرى لا يمكن إدراجها في خانة الإرهاب قد أُدرجت. ويصعب إقناع العرب بأن حصار «حماس»، بعد الانتخابات وتشكيل حكومة وحدة وطنية مع «حركة فتح» منذ أكثر من عامين، كان تعبيراً عن إرادة أميركية مستقلة، وقد أدى هذا إلى ضرب مصداقية الدعوة الأميركية للديموقراطية في العالم الإسلامي. كما يصعب إقناع العرب بأن ايران النووية كانت ستعامل بهذه الطريقة لو كانت في إقليم آخر من أقاليم العالم، فالعلاقة الأميركية مع إسرائيل تبقى أساسية للقرار الأميركي، وهذا يساهم في إضعاف الدور الأميركي في الشرق الأوسط.
إن نقد السياسة الأميركية في الأعوام الثماني الماضية، في ظل نتائجها، سوف يكون أساسياً للمرحلة المقبلة. من جهة أخرى، إن استمرار السياسات الأميركية السابقة سوف يساهم في زيادة حجم الإرهاب وصور التوتر بين الشرق والغرب. إن تغيير السياسة الأميركية سوف يتطلب أولاً المقدرة على مناقشة القضايا بجدية والمقدرة على اشراك الأطراف كلها في الحلول.

 

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *